Quantcast
Channel: ossama-elkaffash-articles
Viewing all articles
Browse latest Browse all 80

Article 17

$
0
0
الكساد العالمي الجديد
مقال لجيمس بتراس
مدخل :
كتب العالم الامريكي الكبير جيمس بتراس هذه المقالة في مارس هذا العام .و اتصور انها ذات اهمية قصوى لذلك اقوم بترجمتها. وباختصار شديد :
المقال دعوة الى ان نتخلص من كل الافكار المسبقة القديمة وايضا من الكليشيهات البالية .العالم اليوم في ازمة عميقة و انهيار الاقتصاد المالي او بعبارة اخرى الاقتصاد القائم على السرقة و النهب و غسيل الاموال يدعونا اساسا الى التفكر في كل هذه البلاهة التي تحيط بنا....كيف يمكن ان ينفق العالم بلايين البلايين على بلاهة اسمها الفورميولا وان على انها رياضة...؟؟؟وكيف تتحول الدعارة غير المقنعة الى مهنة محترمة و مطلوبة تحت مسمى الموديلينج ؟؟؟المقال هذا دعوة واضحة لاعادة النظر في الكثير من المسلمات والبديهياتو قد يرى البعض اني اصبت بداء الثوروية -وهو داء لعمري عضال- لكن الواقع ان ما اقوله واكتبه كان دائما وابدا يسير في هذا الطريق...و اتمنى ان يجد المقال اهتماما يستحقه.
اسامةيونيو 2009
مقدمة:
تحطمت كل اصنام الرأسمالية التي نصبت طوال العقود الثلاثة الماضية وهوت بلا اسف عليها.لقد اختبرت فرضيات ونماذج و مقولات التقدم اللانهائي في ظل السوق الحر والرأسمالية الليبرالية(1) و ثبت بلا جدال فشلها الذريع.و نحن اليوم نعيش نهاية حقبة كاملة:حيث يشهد الخبراء في كل مكان على نهاية النظام المالي العالمي و الامريكي,و غياب الاقراض من اجل الاتجار و نقص تمويل الاستثمارات. ويلوح جليا في الافق كساد عالمي ستفقد فيه ما يقارب ربع قوة العمل العالمية وظائفها.و مايحدد معالم المستقبل القريب هو اكبر انخفاض في التجارة العالمية في التاريخ و بنسبة تجاوزت 40%من حجم التجارة السنوي.و يقض مضاجع قادة العالم الغربي شبح الافلاس المرتقب لكبريات الشركات الصناعية في العالم.و لقد انتهى مفهوم السوق كضابط في ذاته لتوزيع الموارد و انتهى معه الدور القيادي المزعوم للولايات المتحدة بوصفها قاطرة الاقتصاد العالمي و هذا الكلام ليس من عندياتي و لكنه ما تقوله الفاينانشيال تايمز و لقد ثبت بوضوح ان كل فرضيات السوق التي تصحح احوالها بنفسها ان هي الا فرضيات زائفة بلا معنى. و انهارت كل نظريات رفض التدخل الحكومي في السوق حتى عند عتاة من كانوا يتبنونها ويبشرون بها. وحتى الدوائر الرسمية تعترف الآن بان سبب من اهم اسباب بداية الازمة و الانهيار الاقتصادي هو عدم المساواة الفظيع في الدخول وان هذا الامر يجب تصحيحه.و صار التخطيط و الملكية العامة و التأميم من المفاهيم المطروحة بشدة على الاجندة الاقتصادية العالمية بل استعادت البدائل الاشتراكية احترامها لدى الكثير من الخبراءومع بداية الكساد تهاوت كل آلهة اوليمب العقد الماضي فقد فشل الاقتصاد الموجه نحو التصدير فشلا ذريعاو عادت سياسات بدائل الاستيراد الى الظهور بقوة. ومع تفكك عولمة الاقتصاد العالمي و مع عودة الرأسمال الى الرؤى القومية من اجل انقاذ الادارات العليا التي توشك على الافلاس استعادت فكرة التأميم والملكية العامة بعضا من بريقها المفقود. ومع تآكل قيمة الاصول المالية و فقدان تريليونات (2) من الدولارات و اليوروهات والينات تزداد عملية الاستغناء عن العمالة بالجملة في كل مكان في العالم(3)ويملأ الخوف و الهلع و الحصر صدور ومكاتب المديرين في المصانع و الادارات المالية والشركات و الادارات السياسية في كل مكان في العالمنحن ندخل بكل وضوح في زمن الاضطرابات الذي يهز ويزلزل اساسات العالم الاقتصادية و السياسية و يشرخها بعمق ولدرجة انه لم يعد بوسع اي انسان ان يتخيل اي امكانية للاصلاح او الترميم في ما يتعلق بالنسق السياسي الاقتصادي السالف.يعدنا المستقبل بكوارث اقتصادية وفوضى عارمة و اضطرابات سياسية وفتن في كل مكان و افقار متزايد للبشر في شتى ارجاء المعمورة. ومرة اخرى يحوم طيف الاشتراكية المقلق فوق اطلال البنايات المالية العملاقة المنهارة. ومع انهيار راسمال السوق الحرة فأن كل الدعاة الايديولوجيين يقفزون من السفينة الغارقة و يتخلون عن خطابهم المشروخ حول فضائل السوق و ينخرطون جميعا في كورس يردد:الدولة هي المنقذ و هذا لعمري اقتراح مخيف و نتيجته الوحيدة ستكون اطالة سكرات الموت في الخزانة العامة و تأخير الموت المحتوم للراسمالية التي عرفناها و جعله اكثر ايلاما(4)و أكثر عنفا .
نظرية الازمة الرأسمالية:ونهاية الخبراء
تكمن جذور فشل السياسات التي ينتهجها القادة السياسيون و الاقتصاديون في مختلف ارجاء المعمورة في جوهر عملية السوق الرأسمالية. و ليتجنبوا النقد الجذري للنظام الرأسمالي يعمد الكتاب و الخبراء الى لوم القادة و الخبراء الماليين بسبب عدم الكفاءة او الخيبة او الجشع او لاسباب شخصية كامنة في نفوسهم . و هكذا حل التحليل النفسي السطحي محل التحليل المنطقي الصارم لبنية الواقع و القوى المادية والموضوعية الفاعلة فيه والذي يبحث في الدوافع و الحوافز التي تدفع المستثمرين و القيادات السياسية و رجال البنوك الى اتخاذ قرارتهم. فعندما تنهار الاقتصاديات الر أسمالية يجن جنون السياسيين و رؤساء التحرير وكتاب الاعمدة في الجرائد و المجلات الكبرى و لا يتمكنون من رؤية العمليات الموضوعية و يهرعون الى غابة التخمينات والتهويمات الذاتوية المتوحشة ليجدوا فيها ملاذا، فيكونوا كمن يستجير من الرمضاء بالناروبدلا من فحص الابنية الواقعية و الفرص الحقيقية الناجمة عن تراكم فائض القيمة و المنفعة الحدية الواقعية الموجودة بالفعل والتي هي الدافع الرئيسي لاتجاه رأس المال نجدهم يهومون عن فشل القيادة و تخاذل الادارة.و بدلا من فحص سلطة وتأثير الطبقة الرأسمالية على الدولة و خاصة فيما يتعلق باختيار صناع القرار الاقتصادي و كل من يناط بهم الاشراف على الاقتصاد ومراقبة العمليات المالية بحيث يتم تعظيم ارباحهم بشكل خرافي غير مقبول(5)، فهم يقولون لنا الآن انه حدث سوء تفاهم او جهل بسيط بمتطلبات السوق.و بدلا من النظر المدقق في واقع الطبقات الاجتماعية و علاقاتها البينيةو بالتحديد التدقيق في الطبقة الرأسمالية المتواجدة في الواقع التاريخي و تمحيص الاسواق الواقعية الحقيقية، يقوم محللو النفسية الاقتصادية النصابون بافتراض سوقأ مجردا يعمل فيه رأسماليون متخيلون (يحكمهم المنطق الرشيد "الوهمي")(6)و بدلا من فحص كيف تتخلق ثقة المستثمرين عبر الجو العام المكون من الارباح المتصاعدة و الاسواق الآخذة في الاتساع و القروض الرخيصة المتوافرة و العمالة المدجنة الخاضعة و السيطرة على سياسات الدولة و في غياب كل هذه العوامل او بعضها تنهار الثقة و تغيب...يدعي النصابون النفسيون ان انهيار الثقة هو نتيجة للتخبط الاقتصادي(7)و من ثم تصير المشاكل والاسباب الموضوعية وهي غياب ظروف مادية محددة تؤدي الى تراكم الارباح و ايضا تؤدي الى الازمة نقول تصير مجرد ادراك لهذا الفقدان و معرفة بهذا الغياب.
تنبثق الثقة والامل و الوثوق بالاقتصاد الرأسمالي من العلاقات الاقتصادية و الابنية الاقتصادية التي تنتج الارباح. هذه الحالات النفسية ماهي الانتائج لنجاحات متحققة:تبادلات اقتصادية و استثمارات و نسب في الاسواق تؤدي الى رفع القيمة و مضاعفة الارباح الحالية و المستقبلية.
و عندما يخيب الاستثمار تخسر الشركات الاموال و تفلس المؤسسات و يخيب امل المشاركين و تنهار ثقتهم في اصحاب الشركة و السماسرة وعندما يصير الفشل واقعا واضحا لقطاع اقتصادي برمته فان هذا يؤدي الى فقدان عام للثقة بين المستثمرين و اصحاب رؤوس الاموال و المقترضين
هذا التهويم النفساني هو آخر ملاذ لمنظري الرأسمالية و اكادمييها وخبراءهاو كل محرري الصفحات المالية.في محاولتهم لكي لا يواجهو واقع الحال في الاسواق الرأسمالية الموجودة حاليا نجدهم يكتبون عن طوباويات مثالية و مفاهيم خرافية مثل السوق الرشيد الصحيح الذي يتشوه نتيجة حالات ذهنية معينة. بمعبارة اخرى في محاولتهم اليائسة لانقاذ ما يمكن انقاذه من ايديولوجيتهم البائسة التي ثبت فشلها يخترعون مثالا اخلاقويا يطلقون عليه
الذهنية الرأسمالية الحقيقية و السوق الرشيد الحقيقي و يفصلونه عن السلوكيات الواقعية و الشروط الاقتصادية و التناقضات الكامنة بعمق في الصراع الطبقي في اي مجتمع طبقي.
و تتوازى تلك التهويمات و التخريفات التي يطلقها منظرو الرأسمالية مع افلاس النسق الاجتماعي الذي يتعيشون من ورائه
ان فشل وانهيار الطبقة الراسمالية و اتباعها من الساسة لا يعود الى اخطاء شخصية
إن هو الا انعكاس للفشل الاقتصادي للسوق الرأسمالية
ان انهيار النظام المالي في الولايات المتحدة هو عرض لانهيار اعمق واخطر للنظام الرأسمالي برمته وترجع جذور الانهيارالاخير الى ديناميات تطور الرأسمالية في العقود الثلاثة الاخيرة.و بشكل عام جدا فأن الركود العالمي الحالي يمكن رؤيته في ضوء الصياغة الكلاسيكية التي طرحها ماركس منذ ما ينوف على قرن ونصف القرن خلون اي التناقض المستمر بين تطور قوى الانتاج و تطور علاقات الانتاج
و على العكس من مقولة الكثير من الاقتصاديين الكلاسيكيين(7)الذين يزعمون ان الرأسمالية المالية و الرأسمالية بعد الصناعية قد دمرتا او انهتا الاقتصاد الصناعي و خربتا الاقتصاد العالمي ووضعتا كبديل له نوعا من ملهى القمار او الكازينو العالمي او الراسمال المضارب
لقد شهدنا اكبر نمو مستمر على المدى الطويل للرأسمال الصناعي الذي يستعمل عملا مأجورا في قطاع الصناعة اكثر من اي وقت مضى في التاريخ. ونتيجة معدلات الربح المتزايدة فأن الاستثمارات الضخمة وطويلة الاجل صارت القوة المحركة لكي يتمكن الرأسمال الصناعي و من يتبعه من اختراق اقصى بقاع العالم واكثرها تخلفا. وبنت الاقطار الرأسمالية الجديدة والقديمة
(8)امبراطوريات اقتصادية ضخمة ذات توجه عالمي و حطمت في طريقها كل الحواجز الثقافية و السياسية التي كانت تقف في وجهها و اخذت بلا رحمة في استغلال البلايين من العمال المأجورين الجدد والقدامى على حد سواء. ومع تعاظم المنافسة بين الدول الصناعية المستقرة والدول الحديثة التصنيع ومع تزايد كم الربح بحيث انه فاق القدرة على الاستثمار و اعادة التدوير بشكل مربح في المراكز الرأسمالية القديمة هاجر الرأسمال الى آسيا و امريكا اللاتينية و اوروبا الشرقية و بدرجة اقل الى الشرق الاوسط و جنوب افريقيا
وتدفقت فوائض القيمة المتزايدة والضخمة على قطاعات الخدمات و التي تشمل كذلك القطاعات المالية و العقارية و التأمين و المضاربة على الاراضي المدينية بشكل متسع النطاق
وجد النمو الديناميكي للراسمالية و ازدياد التقنيات والمخترعات الحديثة (9)تعبيرا عنه في شكل سلطة اجتماعية و سياسية اكثر للطبقات الرأسمالية مما مكنها من تقزيم الطبقة العاملة تماما وتحجيمها تحجيما كاملا عبر تقليل قدرتها التفاوضية بشدة(10)و ادى هذا لزيادة الارباح بشكل اكبر. ومع تزايد نمو السوق العالمي تعاظمت نظرة الرأسمال الى العمال ليس بوصفهم مستهلكين محتملين و لكن بوصفهم مجرد تكلفة من تكاليف الانتاج.(11) ومن ثم توقف نمو الاجور و تقلصت المكاسب الاجتماعية او حولت الى شركات استثمارية خاصة لمزيد من الربح للراسمال.و في ظروف النمو المتسارع للرأسمالية الشرسة صارت الدولة وجهازها البيروقراطي
اداة خاضعة وتلاشت استقلالية الدولة عن الطبقات المزعومة(12)و ظهر هذا في كل المجالات فالغيت القيود على تعاظم الارباح و قللت الضرائب و انتهت كل الضوابط و اضعفت كل المحاظير. و فتحت الايديولوجية التي اسميت اللبرالية الجديدة حقبة جديدة من الاستثمار الضخم و تراكم فائض القيمة بشكل غير مسبوق في التاريخ فخصخصت الاشغال العمومية و الاراضي و الموارد و البنوك في سابقة لم تحدث من قبل وخاصة على هذا النطاق
و مع تزايد المنافسة واحتدامها و ذلك نتيجة لظهور قوى صناعية جديدة في آسيا(13)،تعاظم اتجاه الرأسمال الامريكي الى النشاط المالي.و في اطار الحلقة التمويلية المالية اخترعت الولايات المتحدة الامريكية سلسلة من الادوات المالية الاستثمارية التي اجتذبت بدورها التراكم الرأسمالي الضخم و الثروات الهائلة المتزايدة النمو نتيجة الارباح الهائلة في القطاع الانتاجي
لم يتحول الرأسمال الامريكي عن التصنيع بل بالاحرى اعادالانتشار الى الصين وكوريا وغيرها من المراكز الصناعية النامية و ليس هذا بسبب انخفاض الارباح و لكن على العكس تماما بسبب زيادة فائض القيمة و تعاظم الارباح فيما وراء البحار
وفر التصنيع المتزايد في الصين نتيجة توافر الاستثمارات مئات الملايين من الوظائف لعمالة تستغل ابشع استغلال في ظروف اقل ما يقال عنها انها وحشية و اجور لا تتجاوز الكفاف و بدون فوائد اجتماعية و بدون اي تنظيم نقابي او في وجود تنظيمات نقابية صورية
و مما زاد من حجم الارباح الهائلة ظهور طبقة جديدة من الرأسماليين الاسويين المتعاونين الذين يعملون في حماية الدولة وتحت مظلة حالة رأسمالية الدولة الاسيوية ووصلت معدلات الاستثمار الى ارقام خيالية مذهلة وخصوصا مع عدم التناسب الرهيب بين دخول الطبقة الرأسمالية المالكة والحاكمة و دخول الطبقة العاملة. وبالتالي حدث تراكم رهيب في فائض القيمة لكن في نفس الوقت لم تحدث زيادة حقيقية في الطلب المحلي. و اصبح نمو الصادرات و التصدير الى الاجنبي الذي يعيش فيما وراء البحار هي القوى المحركة للاقتصاديات الاسيوية.و استثمر الصناع الاوروبيون والامريكيون في آسيا ليعيدوا تصدير المنتج مرة اخرى لاسواقهم الداخلية مما ادى الى تحول في بنية الرأسمال الداخلي في بلاد العالم المتقدم و اتجاه الاستثمار الى قطاع التجارة والتمويل المالي. وادى تقلص الاجور الفعلية الى ازدياد هائل في الاقتراض(14)و ازدادت الانشطة المالية زيادة مطردة مع دخول بورصات الدول الاسيوية ذات البنية الدينامية و المستحدثة و الداخلة من فترة قريبة في التصنيع المكثف ومن ثم بدلا من اعادة استثمار الارباح الصناعية الهائلة في الصناعة من جديد وجهت تلك الارباح الى القطاع المالي و تنامت الارباح والسيولة باطراد بالمقارنة مع التقلص النسبي في القيم الحقيقية الناتجة عن تحول الرأسمال من الجانب الصناعي الى قطاع التمويل /التجارة
و نتجت سيولة لا مثيل لها من قبل عبر الارباح الفائقة غير المسبوقة الناتجة من الانتاج العالمي المتزايد و التجارة و قطاع التمويل و اعادة تدوير الارباح القادمة من الدول الصناعية الحديثة والدول النفطية(15)الى الولايات المتحدة عبر الدوائر المالية الحكومية اي وزارة الخزانة ومشتقاتها(16) او الخاصة اي البنوك وشركات الاستثمار(17) وكانت هذه السيولة خارجة تماما وبكل المقاييس عن نطاق استيعاب الاقتصاد الامريكي و الاوروبي و خاصة في القطاعات الانتاجية(18)
وفاضت خزائن المؤسسات المالية الامريكية والاوروبية نتيجة الاستغلال البشع للعمالة الاسيوية في الصين و الهند و البلدان الاخرى و النهب المطلق وتحويل فائض القيمة المتراكم في شكل تريليونات من الدولارات من دول المنظومة الاشتراكية السابقة(19) و دول امريكا اللاتينية التي اعتنقت "اللبرالية الجديدة" ديانة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.(20)
و نتج عن هذا الاستغلال المرعب المفرط للعمالة الاسيوية و تراكم الفائض المالي الذي لم يسبق له مثيل تضخم رهيب في الاقتصاد الورقي و هو ما دعاه علماء الاقتصاد اللبراليين فيما بعد "عدم التوازن الكوكبي" فيما بين الدول الاسيوية التي توفر اموالها وتستثمر وتصدر و بين الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة التي تستهلك و تمول و تستورد. وتحول الاختلال في الميزان التجاري الفائض لمصلحة آسيا الى خزائن وزارة الخزانة الامريكية عن طريق شراء سنداتها و اذوناتها. و من ثم تضخ الاقتصاد المريكي الورقي ووصل الى درجة شديدة الخطورة
وحدث توسع رهيب في القطاع المالي نتيجة لارتفاع معدلات العوائد الناجمة عن استغلال اقتصادية الدول التي تحولت الي نظام السوق المفتوح المفروض عليها من قبل المؤسسات المالية الدولية في العقدين الاخيرين من القرن العشرين.و تجاوز تدويل رأس المال الذي حدث على نطاق كبير وبشكل ليس له مثيل و معه النمو الهائل في حجم التجارة العالمية االقدرة الشرائية للاجور الراكدة و انخفاض الخدمات الاجتماعية و نتج عن كل هذا فائض رهيب في قوة العمل. و حاول رأس المال ان يزيد من ارباحه عبر الاستثمار العقاري الامر الذي ادى الى تضخم كبير في اسعار العقارات على اساس اتساع الدين و زيادة الاقتراض و عدم وجود اصول ثابتة حقيقية لضمان الديون و زيادة الادوات المالية التي تلعب دورا تدميريا لانها اصول بدون قيمة حقيقية.
و نتيجة لانهيار الاقتصاد الورقي انكشف تضخم النظام المالي العالمي و نجم عن هذا انهيار الاخير انهيارا مدويا.و نتيجة لانهيار التمويل والاقراض و الاسواق تأثرت اقتصاديات الدول المتوجهة اساسا نحو التصدير . ومع انخفاض الاستهلاك المحلي(21)بسبب
تدني القدرات الشرائيةالداخلية نتيجة الاستغلال الفظيع للعمالةو الفوارق الرهيبة في الدخول لم تجد دول التصنيع (22) سوقا بديلا لفائض انتاجها من اجل تثبيت وضعها الاقتصادي و منع انحدارها السريع الى هاوية الركود والكساد. بعبارة اخرى ادى النمو الديناميكي السريع والضخم لقوى الانتاج على اساس فرط استغلال العمالة الى تطور مفرط في الدوائر المالية مما ادى الى دفع عملية استبعاد التصنيع و اخضاع عملية التراكم الرأسمالي الى المضاربة مما ادى في النهاية الى تدهورها ومن ثم انهيارها.

لم يعد بوسع العمل الرخيص الذي كان اساس الارباح الهائلة و الاستثمارات المتزايدة و نمو التجارة العالمية زوالتوجه المتزايد نحو التصدير على نطاق كوكبي نقول لم يعد بوسعه ان يتحمل كل من النهب المتزايد من قبل الرأسمال المالي المتجه نحو المضاربة (23) وايضا لم يعد يقدر على توفير السوق اللازم لنمو القطاع الصناعي الدينامي. ان ما سمي ّ خطا بالازمة المالية او حتى بازمة قطاع الاسكان والتمويل العقاري لم يكن الا القشة التي قصمت ظهر القطاع المالي المتضخم مفرط النمو.
لقد ارتد القطاع المالي الذي نمى من رحم التوسع الدينامي للرأسمالية "المنتجة" على صانعه . وقد ادت الروابط التاريخية و الوشائج العالمية بين الصناعة والتمويل الى ازمة رأسمالية نسقية هي في جوهرها موجودة في كنه العلاقة الجدلية التناقضية بين الافقار المتزايد للعمل و تعاظم تركز رأس المال.
و ما الكساد العالمي الحالي الا نتيجة حتمية للتراكم المفرط للرأسمال و هو آلية اساسية او لنقل ألالية الاساسية في النظام الرأسمالي وقد كان انهيار النظام المالي مجرد اداة التفجير ولكنه ليس بأي حال من الاحوال المحدد البنيوي للانهيار. وهذا واضح بجلاء من واقع ان اليابان و المانيا الصناعيتين قد عانتا معاناة اكبر من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة الماليتين و ذلك فيما يتعلق بانهيار الصادرات و الاستثمارات و النمو.
يقوم النظام الرأسمالي المأزوم بتدمير الرأسمال من اجل ان يطهر نفسه من القطاعات والمؤسسات الاقل كفاءة و الاقل قدرة على المنافسة و الاكثر استدانة وذلك من اجل اعادة تركيز رأس المال و اعادة بناء التراكم الرأسمالي إذا سمحت الظروف السياسية القائمة بذلك. و تنبثق عملية اعادة ترتيب البيت الرأسمالي من خلال النهب المنظم لموارد الدولة و الذي يسمى باستخدام اللغو الجديد المعونة المالية و غيرها من مسميات النصب التي تستهدف نقل موارد الخزانة العامة اي اموال دافعي الضرائب الى خزائن البنوك والقطاعات المالية المتهاوية و ما يستتبع هذا من تخفيض الانفاق الحكومي اي الانفاق الاجتماعي و الخدمات العامة لمصلحة الشعب و تقليل نفقات العمالة عبر الطرد و تصاعد البطالة و خفض الاجور و استنزاف المعاشات و التأمينات الصحية والا جتماعية و الخفض العام لمستويات المعيشة لاجل زيادة الارباح وتعظيم التراكم الرأسمالي.

_______________________
هوامش
(1)الاشارة هنا الىتهويمات فوكوياما و غيره من بلهاء العلوم السياسية و كذلك الى العلوم الادارية و كل سلة النصب تحت هذا المسمى
(2)يشهد عصرنا الحالي نهاية عصر البليون او المليار او الاف مليون في اطار الارقام التي تسجل ميزانيات الدول الكلام الآن عن التريليون و هذا يشابه نهاية عصر المليون مع الازمة المالية الاقتصادية العالمية في السبعينات التي ادت لانتهاء المليون
بالرغم من انه لابد وان نعي تماما اختلاف الازمة الحالية اختلافا بينا وكليا عن تلك الازمات السابقة عليها بما في ذلك الكساد العظيم في الثلاثينيات
(3)من الامثلة الواضحة سنجد طرد العمالة الاجنبية من الامارات و افلاس ايسلندا و الدول التي على وشك الافلاس مثل المجر و بولندا وجمهوريات البلطيق
(4)يتوقع بتراس انهيار الامبراطورية الامريكية انهيارا مؤلما سواء في الخارج وهو الامر الذي نشهده مع تزايد التورط في افغانستان و ازدياد الخسائر و ايضا في الداخل وهو الامر الذي نرى مقدماته في ازدياد معدلات العنف و القتل العشوائي في الولايات المتحدة وخاصة من افراد شردتهم الازمة و قضت على احلامهم و ايضا في شكل تصاعد الاضاربات والاعتصامات العمالية بل واحتلال المصانع
(5) هنا يجدر بنا ان نذكر العديد من المقالات التي تحدثت تفصيلا عن انهيار الدور الرقابي للحكومة الامريكية و ارتباط هذا بصعود الآن جرين سبان ومن ثم تلميذه وربيبه بن برنانكي و كيف تعاونت الادارات الامريكية المتعاقبة -ابتداءا من ريجان وانتهاءا بكلينتون- على الغاء كل الدور الرقابي للدولة وهو الامر الذي كانت اقرته مجموعة القوانين والاجراءات التي اتخذت في عهد ف د روزفلت فيما عرف باسم التعاقد الجديد او النيو ديل. على الاخص يمكن الرجوع لمقالات كل من مايك ويتني و مايكل هدسون على موقع كاونتربانش
(6) الاشارة هنا الى الخرافات المنتشرة في اوساط "الخبراء"الاقتصاديين عن الرشادة و العقلانية التي تتميز بها الرأسمالية
(7)ممكن هنا الرجوع ايضا لمقالات بول كريج روبرتس مساعد وزير الخزانة الامريكي في عهد ريجان ايضا على كاونتربانش
وروبرتس يتبنى الرأي السائد بين الاقتصاديين الامريكيين من غير مدرسة شيكاغو والذي يرى ان ترحيل الصناعة الى الدول الافقر ادى الى الازمة الحالية وهؤلاء الاقتصاديون يرفضون فكرة خلق الثروات التي كرستها مدرسة شيكاغو و تبنتها الادارات الامريكية
(8)يرى بتراس في اكثر من مقال منشورعلى موقعه ان هناك طريقين لبناء الامبراطوريات الرأسمالية احدهما تنتهجه الولايات المتحدة وهو ما اسماه بناء الامبراطورية عسكريا و اعتمادا على التدخل المباشر و الآخر تعتمده الصين و الدول الحديثة و لو على نطاق اقليمي مثل البرازيل مثلا وهو البناء التجاري
(9) بالتعبير الماركسي الكلاسيكي ادوات الانتاج التي تشكل جزءا اساسيا من قوى الانتاج وتطورها
(10)نذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر الدور الذي لعبته ثاتشر في ضرب الطبقة العاملة البريطانية و خاصة مع اضراب عمال الفحم الشهير في الثمانينات
(11)هنا يجب ان نذكر ان مقولة الاقتصادي الماركسي الفرنسي كريبو بصدد الافقار النسبي و تصدير الازمة لدول العالم الثالث تتمتع بصحة نسبية و انه مع تصاعد موجات الهجرة الى الدول الثرية في اوروبا و امريكا يتم خلق سوق بديل للعمالة الرخيصة و التي تستخدم ايضا في السوق المحلي لضرب القدرة التفاوضية للعمل و بالتالي ينهار حلم العمال المتميزين ذوي الياقات البيضاء
(12)بالطبع هنا لابد وان نذكر المؤلف اللينيني الكلاسيكي الدولة و الثورة
(13)الاشارة هنا الى النمور الاسيوية و كل له قصته الخاصة و طريقة نموه المغايرة للآخر و لكن كعادة الخبراء يتم تجميعها في سلة واحدة وتقديمها على انها قصة واحدة
(14)هنا لابد من الاشارة ايضا الى ازدياد بل و سيادة النزعة الاستهلاكية المحضة التي تتجلى في مزيد من الامتلاك ومزيد من غزو الاشياء لحياتنا اليومية و كأن القيمة الوحيدة للانسان باتت في ما يلبسه او ما يقتنيه او ما يركبه و نوعه و اصبحت الاشياء تقتنى لاسباب غير وظيفية ولا حتى جمالية اي انعدمت صفة الحياتية المهم ان هذه النزعة الاستهلاكية المتزايدة ادت الى مزيد من الانفاق بالاقتراض بالرغم من عدم قدرة الكثيرين حتى على الوفاء بهذه القروض.لكنه الحلم بالامتلاك والاقتناء كوسيلة للحراك الاجتماعي
(15)هنا اود ان اشير الى الكتاب المهم للكاتب الامريكي الذي يعيش حاليا في غابات الامازون محاولا التكفير عما اقترفه من ذنوب في حق البيئة وشعوب المناطق الفقيرة في العالم وهو كتاب
اعترافات قاتل محترف يغتال اقتصاديات الدول
ويمكن زيارة موقع الكتاب هنا
(16)تتم اعادة استثمار الاموال المتراكمة عبر التصدير في سندات الخزانة الامريكية و باقي الاوراق المالية التي تصدرها الحكومة الامريكية و هذه النقود المعاد استثمارها في الولايات المتحدة تستخدم مرة اخرى لتعزيز النفوذ الامريكي في الدول المستثمرة التي تتمتع بفائض في الميزان التجاري مع الولايات المتحدة اي بعبارة اخرى من دقنه وافتله كما يقال في المثل الشعبي
يمكن في هذا الصدد مراجعة كتاب بركنز المذكور و ايضا فيلم مايكل مورالفائز بجائزة مهرجان كان فهرنهيت 11/9
(17)من امثلة النصابين الدوليين الذين صاروا علامات على فساد النظام المالي برنارد مادوف ويمكن الرجوع الى عشرات المقالات عنه في كاونتربانشوايضا الى مقال جميلعنه لمايكل مور
(18)يمكننا ان نقول ببساطة ان الامر كان دعوة مفتوحة للنصب و ليس مادوف و امثاله الا مجرد قمة جبل الجليد من ضمن الامثلة طبعا الشركة الاسبانية التي كانت تتاجر في طوابع البريد!!و غيرهم كثير وفي كل انحاء العالم
(19)كمثال ما حدث في دول البلطيق استونيا و لاتفيا وليتوانيا التي افلست وتطالبها البنوك السويدية والبريطانية بسداد ماعليها وذلك بعد ان نهبتها تماماممكن مراجعة مقال مايكل هدسون في كاونتربانش عن آخر الاخبار في اقتصاديات الزبالة
ايضا ما كتب عن انتخابات ايسلندا الاخيرةوهي مثال آخر على نهب البنوك الغربية للدول الصغيرة و كيف تحولت ايسلندا في لمح البصر الى واحدة من افقر دول العالم
(20)الشعار الذي رفعته المظاهرات التي اطاحات برؤساء الارجنتين المتعاقبين في ازمة 2002 كان البنك الدولي قاتل ومجرم
(21)طريق الصين للخروج من الازمة الحالية هو تشجيع الاقتصاد الداخلي على الاستهلاك و خصوصا تنمية المناطق الريفية وماتزال الصين تتوقع نموا اقتصاديا ايجابيا على عكس دول العالم. يراجع في هذا الصدد و المحاذير المطروحة مقال والدن بيلو هل بوسع الصين انقاذ العالم من الكساد؟؟؟
(22)هذا المفهوم يتعلق بالدول التي يتم فيها التصنيع بغرض التصدير و هي الدول التي انتقل اليها معظم الاقتصاد الصناعي العالمي لرخص العمالة وتوافرها مثل الصين والهند اساسا و لكن ايضا يمكننا ان نذكر البرازيل و الباكستان و فيتنام و غيرها
(23)رؤية بتراس هي رؤية ماركسية تقليدية ترى ببساطة ان الهدف الرئيسي للاقتصاد الرأسمالي هو تعظيم الربح بكل الوسائل ومن ثم لا رشادة ولا عقلانية في هذا الاقتصاد

Viewing all articles
Browse latest Browse all 80