

مذبحة الخنازير و منطق تصفية الحسابات
و انا جالس في امان الله في مكتبي بزغرب يدخل عليّ صديق بوسنيّ يعمل معي و يبادرني بسؤال: لماذا تقتلون الخنازير؟؟ماذنبها؟... وبالامس وضع التلفزيون الكرواتي مذبحة الخنازير في مصر ضمن اطرف ردود الافعال العالمية على انتشارالوباء....
اصبح رد فعل الحكومة المصريةعلى موضوع انفلونزا الخنازير( او الانفلونزا المكسيكية كما يسميها البعض منعا لاتهام مخلوقات لا حول لها ولا قوة) مثار تندر و سخرية العالم ( وهذا ليس بالجديد طبعا). والسؤال الذي اعتقد انه بديهي هو لماذا؟؟؟
البداية:
بدء الامر بصرخات من المعارضة في البرلمان شاركتها فيها كتلة كبيرة من الموافقة تحمل الخنازير مسؤولية الوباء وتدعو الى القضاء عليها مع التأكيد على ان مصر بلد اسلامي و الاشارة الى تحريم الخنازير و تحول الامر الى مزايدة وصلت الى ذروتها مع اتخاذ قرار ذبح الحيوانات و تعويض اصحابها ...
الواقع ان هذا التعويض لا يوازي قيمة الحيوانات الحقيقية و ايضا القرار لا يأخذ في اعتباره ان تربية الخنازير مهنة متكاملة يمارسها قطاع محدد من المصريين و لها هرميتها الخاصةالمرتبطة بعملية جمع القمامة و تدويرها وبالتالي فهناك الكثير من الناس التي سيصيبها ضرربالغ من هذا القرار وهو الامر الذي تجلى في عملية مقاومة السلطات عندما بدءت اجراءات تنفيذ القرار.
واتصور انه من الضروري مناقشة هذا القرار من جانبينجانب شرعي يتعلق بتحريم الخنازير و جانب علمي يتعلق بدور الخنازير في نقل العدوى وبفيروس انفلونزا الخنازير او الانفلونزا المكسيكية كما تسميها منظمة الصحة العالمية تحسبا لاي اجراءات انتقامية ضد الحيوانات .
علة التحريم:
بداية نص الشريعة في التحريم مطلق وغير معلل قال الله تعالى: "قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)"(الأنعام:145). فالأصل هو أن علة تحريم الشيء هي كون ذلك حكم الله تعالى أو حكم رسوله صلى الله عليه وسلم، لأن الواجب التسليم لله تعالى والتسليم لرسوله صلى الله عليه وسلم في الأحكام الشرعية، تسليماً يقتضي القبول والانقياد كما قال الله تعالى: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً" ( الأحزاب الآية36)
بمعنى ان الامر لا يتعلق بعلة ضرر في الخنزير ذاته ولاتوجد مشكلة تجعل من لحم الخنزير مضرا في ذاتهويؤدي للمرض (وهي حجة عجيبة بالنظر لأن الدول التي تأكل الخنزير لا تعاني من مشاكل صحية مثلما تعانيها دول كثيرة لا يوجد بها خنازير اساسا ) و الاجتهادات التي يطلع بها علينا اصحابها في مجال جعل تحريم الخنزير مفيد و ان الخنزير مضر اساسا هي من قبيل التهويم و قياس المطلق على النسبي .و اشكالية مثل هذه التعليلات اساسا انه لو غابت العلة المقترحة او انمحت لسبب ما هل يعني هذا اباحة لحم الخنزير؟؟؟؟مثلا يقال ان الخنزير يصاب بديدان معينة وينقل عدواها للانسان لكن اليست معالجة اللحم و التربية الصحية تمنع مثل هذه الاصابات وهل لو لم توجد مثل هذه الاصابة صار الخنزير حلالا؟؟؟
للمزيد من التوضيح اود ان اقول ان المحاولات المتعددة التي يحاول اصحابها ان يقدموا ما يسمى بالتبريرات العلميةالمفيدة للتحريم او للفرض انما تظهر في الاساس ان ثمة مشكلة في النص و مطلوب دائما دعمه بدليل علمي. وكأن العلم هو المطلق و النص هو النسبي!!!
الغرض ببساطة مما سبق توضيح نقطة تغيب عن اذهان الكثيرين ممن يلصقون الشر بالخنزير في ذاته و يبحثون عن مشاكل في كينونته وهي ان الخنزير مثله مثل اي كائن آخر في الكون هو من مخلوقات الله المأمورة غير المخيّرة.
بما يعني ان الغيرة الدينية التي تمثل دافعأ اساسيأ عند كل من نادى بالقضاء على الخنازير قد اتخذت هدفأ مغلوطأ و اسقطت على مخلوقات بريئة مشاكلها المتعددة!!!
فيروس انفلونزا الخنازير:
السؤال الذي اود ان اطرحه هو ماهي انفلونزا الخنازير؟؟؟
الاجابة ببساطة هي مرضفيروسي يصيب الجهاز التنفسي للانسان يسببه فيروس اسمه اتش 1 أن 1. ولم يتوصل العلماء بعد الى معرفة الطريقة التي ظهر بها فيروس «أتش1 أن1» ولا الكيفية التي جُمعت فيها مكوّناته المتعددة
ويتألف هذا الفيروس من مزيج لفيروسات الأنفلونزا عند الطيور والبشر والخنازير الأميركية والأوروبية والآسيوية.
و هكذا نرى بوضوح ان نسبة الفيروس الى الخنازير او المكسيك هو من قبيل التسمية فقط . وهذا يقودنا مرة اخرى الى رد الفعل الشديد في مصر و الذي امتدحه البعض .
هناك خبرفي الصفحة الاولىبجريدة الاهرام بتاريخ السادس من مايو يقول اكد الدكتور صالح الشيمي رئيس لجنة الصحة والسكان والبيئة بمجلس الشوري اليوم أن الوضع في مصر مطمئن جدا, ولايوجد أي حالات بمصر سواء بين البشر أو بين الخنازير, وأن فيروس إنفلونزا الخنازير ليس شديد الضراوة. وقال الشيمي إن وزارة الصحة تقوم بترصد الحالات عند المنافذ, كما تقوم وزارة الزراعة والطب البيطري بذبح الخنازير وحفظها في ثلاجات تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية, مضيفا أن نسبة الوفيات علي مستوي العالم ضعيفة للغاية إذا ماقورنت بنسبة الإصابة. و إذا كان الامر كذلك فلماذا الاجراءات العنيفة و لماذا هذا النوع من التعسف في المعالجة؟؟؟ ولماذا لم نشاهد مثيلا لهذا في موضوع انفونزا الطيور اي ببساطة اعدام كامل الثروة الداجنة ؟؟؟ وخاصة ان انتقال العدوى من الطيور امر ثابت ومؤكد علميا؟؟؟ بينما الحال مع انفلونزا الخنازير ليست كذلك بل ووفقا لخبر نشر في كل من الاهرامالقاهرية و الحياة البيروتية يوم الرابع من مايو فقد أعلنت وكالة مراقبة الأغذية الكندية يوم الثالث من مايو، أن مزارعاً عاد من المكسيك أخيراً، نقل عدوى أنفلونزا الخنازير الى 200 خنزير في مزرعة في ألبرتا، في اول حالة تنتقل فيها عدوى هذا المرض من البشر إلى الخنازير. وأشارت الوكالة الى أن المريض والخنازير يتماثلون للشفاء.
هل لان صناعة تربية الدواجن بل تربية الطيور عامة لها من يمثلها من المتنفذين و صناعةتدوير القمامة و تربية الخنازير ليس لمن يعمل بها من يدافع عن مصالحه ؟ وبالتالي يصبح كمن لا خال له يسهل ضربه و يسهل لمن يريد ان يثبت فعاليته ان يتخذه كبش فداء يذبحه و يذبح الحيوانات التي يربيها؟؟؟؟
النهاية
لا يقتصر الامر على تعريف الفيروس و شدة المرض و الخطر منه فهناك العديد من العلماء و الباحثين في دول عديدة يرون ان موضوع انفلونزا الخنازير مبالغ فيه و يراد منه تحويل الانتباه عن الازمة الاقتصادية و الكساد و الركود و شغل الجمهور في مختلف ارجاء العالم بصحته باعتبار ان تهديد الامن الشخصي يجب ما عداه من مشاكل. ومن ضمن هؤلاء مثلا جيمس بتراس عالم الاجتماع الامريكي و الذي قال هذا الرأي في حوار له مع مع اذاعة سي اكس 36 في 27ابريل الماضي.
http://www.lahaine.org/index.php?blog=3&p=37560
ببساطة يرى من يتبنى هذا الرأي ان هذه سياسة مستمرة للحكومة الامريكية و انها تكررت كثيرا لضرب خصوم سياسيين ( اسلحة الدمار الشامل في حالة العراق) او اقتصاديين ( فيروس السارس و الصاقه بالصين ) و ذلكلتخويف الجمهور الامريكي وضمان تأييد الرأي العام و صمته على اقل تقدير وهي الاستراتيجية التي اسماها نعوم تشومسكي عالم اللغة و المعارض الراديكالي الامريكي الشهير "ضمان الخضوع " في كتابه الاقتصاد السياسي لوسائل الاعلام" بالاشتراك مع ادوارد هرمان."
و يبدو ان هذه الاستراتيجية التي تشمل تصفية حسابات متعددة هي ما ادى الى هذا القرار فقد وجدها من طالب به فرصة للتشدد فيما يرى انه الحق و تصفية حساباته مع مخلوق يرى دائما انه الشر بعينه ووجدها من اصدره فرصة للظهور بمظهر المتشدد في الدفاع عن الدين و الوطن وصحة المواطنين وامنهم.
ولا حول ولا قوة الا بالله.