

الجزء الثالث
اوباما والازمة الرأسمالية
مدخل
يعتبر برنارد مادوفرمزا حقيقيالجو الاقتصاد العالمي في فترة الانتعاش السالفة او الفقاعة المالية. وهو يذكرني كثيرا بفيلم اشاعة حب لفطين عبد الوهاب (1)وخاصة بالمشهدين التاليين
حيث النصب على عينك يا تاجر و المنصوب عليهم يتوسلون للنصاب كي ينصب عليهم و كما قال لي يوما احد النصابين فافضل من تنصب عليهم هم افراد اسرتك لانهم لن يقدمون شكوى ضدك الى الشرطة و ايضا لانهم مستعدون للنصب بمعنى انهم يثقون فيك و هكذا كان حال برني مادوف الذي نصب اساسا على اليهود واسرائيل و كل من هم من اقاربه ثم اعتذر لهم قائلا
"آسف يا جماعة اصل النصب في دمي" مش بالذمة شيك!!!و على بياض كمان
في هذا الجزء يقدم بتراس ادلة رقمية واحصائية على رؤيته للازمة وايضا يطرح رؤية يشاركه فيها الكثيرين من المحللين والاقتصاديين من مختلف المدارس(2) حول دور اوباما و حكومته...اتصور ان اوباما سيكون جورباتشوف الولايات المتحدة الامريكية وهو ما ساحاول ان اناقشه في تعليقي على الجزء الثالث....قد يرى البعض ان كلامي هذا سابق لاوانه وان الاقتصاد الامريكي يتعافى الخ و قد سمعت وقرأت مؤخرا كلاما كثيرا عن انتعاش الاقتصاد الامريكي و ما شابه.. او ما يسميه برنانكي و اتباعه النبتات الخضراء...يكفي للمرء قراءة مقالات بول كريج روبرتسو مايك ويتني و مايكل هدسون و غيرهم (3)ليدرك مدى انهيار الاقتصاد الامريكي وبشكل في تقديري لا رجعة فيه. البنوك ماتزال تحت الخط الاحمر و كل الانتعاش المالي المزعوم يحدث في البورصة بشكل صوري وماتزال موجودة على حالها تلك الاصول المسمومة او المشمومة بتعبير السائقين و ميكانيكية السيارات و ايضا ثقة المستهلك تتناقص باستمرار ناهيك عن وصول عدد المتعطلين و اشباه المتعطلين الى ما يقارب 30مليون عامل(4)بما يعادل حوالي خمس قوة العمل وهو شيء رهيب و لا علاج له
يمكن ايضا رؤية ما يحدث في هندوراسو تخبط الادارة الامريكية وعدم قدرتها لا على معاقبة الانقلاب ولا على تأييده(5)كدليل على مدى انهيار الادارة الامريكية و عدم قدرتها على الفعل ناهيك عن افغانستان و هجمات طالبان و العراق الخ(6) وكل هذه دلائل واضحة لمن يريد ان يرى و يعرف ان اوباما بمحاولاته الفاشلة لتجميل الصورة و تعديل المسار مصيره الفشل الذريع(7) وهو ما اكده العديد من الباحثين.
المشكلة في تقديري هي سيطرة الخبراء المزعومين و خطابهم الانتحاري(8) المليء بالكليشيهات و المكرر و هو طبعا دفاعا عن مصالحهم وهيمنتهم الفكرية و الثقافية
هل يتغير الحال مع ما يحدث؟؟؟ علم ذلك عند الله ولكن قديما قالوا دوام الحال من المحال
الجزء الثالث
اوباما و الازمة الرأسمالية محاولة لتحليل طبقي
في عام 2009يمكننا ان نرى مؤشرات الكساد المتزايد العميق في كل مكان
زادت نسبة الافلاس بمقدار 14%في عام 2008 و يعتقد المحللون الماليون انها سترتفع الى 20% في 2009(جريدة الفاينانشيال تايمز عدد 25 فبراير 2009 ص 27)
و قد وصل رقم مديونية البنوك الغربية الى مايزيد على ترليون دولار و هو في تزايد مستمر (معهد التمويل الدولي ، المجموعات البنكية و جماعات الضغط التابعة لها في واشنطن(فاينانشيال تايمز 10 مارس 2009 ص 9))
و وفقا للفاينانشيال تايمز في المصدر السابق تصل الخسائر الناجمة عن اعادة تقدير الاستثمارات البنكية و تخفيض قيمتها(9)إلى القيمة السوقية الفعلية الى 3 ترليون دولار وهو ما يعادل الانتاج البريطاني بالكامل لمدة عام!!!! و في نفس التقرير يقتطف الكاتب من بنك التنمية الاسيوي قوله ان الاصول المالية في جميع انحاء العالم قد انخفطت بما يزيد على 50 تريليون دولار وهو ما يعادل الانتاج العالمي بالكامل لمدة عام. و ستصيصل عجز الموازنة الامريكية عام 2009 الى ما يعادل 12.3% من حجم الناتج القومي الاجمالي وهو عجز مالي عملاق بكل المقاييس وسيؤدي لامحالة الى تدمير الاستثمارات العامة
و قد شهد السوق المالي العالمي انهيارا رهيبا وكأنه يسقط بشكل عمودي في هوة سحيقة وهاكم بعض المؤشرات
تراجع مؤشر(10)توبيكس
(TOPIX)
من 1800 في منتصف عام 2007 الى 700 في بداية عام2009
تراجع ستاندر وبور(11) من 1380 في بداية 2008 الى اقل من 700 في 2009
(S&P)
تراجع فتسي100 (12)من 6600 الى 3600 في بداية 2009
(FTSE100)
تراجع هانج سنج (13)من 32000 في بداية 2008 الى 13000 في بداية 2009
(فاينانشيال تايمز 25 فبراير 2009 ص27)
و في الربع الرابع من عام 2008 انخفض الناتج المحلي الاجمالي في كوريا الجنوبية بنسبة 20.8% و في اليابان بنسبة 12.7% و في المانيا بنسبة 8.2% و في المملكة المتحدة بنسبة2.9% وفي الولايات المتحدة بنسبة 3.8% (الفاينانشيال تايمز 25 فبراير 2009 ص9)
و انخفض متوسط داو جونز من 14164 (14)في اكتوبر 2007 الى 6500 في مارس 2009
و يقدر الانخفاض السنوي في الناتج الصناعي في اليابان بنسبة 21 % و في كوريا الجنوبية بنسبة 19% و في المانيا بنسبة 12% و في الولايات المتحدة بنسبة 10% و في المملكة المتحدة بنسبة 9%(الفاينانشيال تايمز 25 فبراير 2009 ص 9)
و يعتقد ان التدفق الاستثماري لرأس المال من الدول الامبريالية الى الدول النامية سينخفض بنسبة قد تصل الى 82% و ان تدفق القروض و الاعتمادات سينخفض بما يقدر بحوالي 30 بليون دولار(المرجع السابق )
وقد تقلص الاقتصاد الامريكي في الشهور الثلاثة الاخيرة من عام 2008 بمقدار 6.2% و انخفض ايضا في الربع الاول من عام 2009 نتيجة للانخفاض الحاد في الصادرات(23.6%) و تقلص انفاق المستهلكين بنسبة 4.3% في الربع الاخير من عام 2008(هيئة الاذاعة البريطانية 27 فبراير 2009)
و مع تزايد معدلات البطالة و فقدان 600الف عامل لوظائفهم شهريا في الشهور الثلاثة الاولى من عام 2009 (15) و تزايد عدد الذين يعملون لبعض الوقت و غير المسجلين فقد تصل البطالة الحقيقية والمقنعة الى نسبة 25% بنهاية العام
و تشير كل العلامات الى ركود وكساد متزايد عميق طويل المدى
انخفضت مبيعات السيارات من جنرال موتورز و كرايزلر و فورد بنسبة تقارب 50% بين عامي 2007 و 2008 و شهد الربع الاول من 2009 انخفاضا جديدا بنسبة 50% ايضا(16)
و تكاد الاسواق العالمية تموت مع انتشار الكساد والركود الاقتصاديين بمعدلات متزايدة ومتسارعة(17)
و قد انخفضت مبيعات السلك المعمرة في الولايات المتحدة بنسبة 22% (هيئة الاذاعة البريطانية 27 فبراير 2009)
وقد انخفض معدل الاستثمار العقاري بنسبة 23.6% و معدل الاستثمار الصناعي و في مجالات الخدمات بنسبة 19.1% و يقود الانخفاض انخفاضا قياسيا في مجال الآلات و السوفتوير وصل الى 27.8% .
المحرك الاساسي لموجة الكساد الحالية هو عدم الاستثمار من قبل الرأسمال الخاص. وكل المؤشرات الاقتصادية الاخرى من قبيل ارتفاع معدلات الافلاس و انخفاصضالاستثمارات و ازدياد الجرد الرأسمالي و عدم القدرة على سداد الرهن العقاري و من ثم الطرد والاخلاء و انعدام السيولة البنكية و عدم تغطية الخسائر المتراكمة و ازدياد الاصول المسمومة و انخفاض الاقراض و الاعتماد و انخفاض قيمة الاصول و انخفاض قيمة البيوت بنسبة 20% بما يزيد على 3 تريليون دولار هي اسباب ونتائج الكساد. ونتيجة لانهيار القطاعات الصناعية و التعدينية و العقارية و التجارية على مستوى العالم فثمة مالا يقل عن 2.2 تريليون دولار امريكي من الاصول المسمومة اي غير القابلة للتسييل في كل بنوك العالم و هو ما يتجاوز بكثير القيمة المقدمة من البيت الابيض في اكتوبر 2008 للحل المالي والتي تكررت في فبراير ومارس 2009
يقلل الكساد العالمي من التواجد الاقتصادي الامبريالي و يدمر الاستراتيجيات الممولة من الخارج التي تستهدف التصدير و التي طبقت بناءا على اوامر البنك الدولي في امريكا اللاتينية و اوروبا الشرقية و آسيا و افريقيا(18)
ثمة ايمان راسخ لا يتزعزع عند الاقتصاديين التقليديين و الخبراء الماليين والمستشارين المتخصصين انه على المدى الطويل ستنتعش الاسواق المالية و سينتهي الركود و سترجع الحكومة عن التدخل في الاقتصاد. ولان هؤلاء المحللين مثبتون على مقولات اقتصادية صماء و يرون الامور من منظور الماضي نراهم قد فقدوا القدرة على رؤية الواقع الآني تحت ارجلهم والذي ليس له مثيل من قبل. الكساد الاقتصادي الحالي له طبيعة عالمية و الانهيار حدث بشكل سريع لم يثبق له مثيل والاهم هو مستوى التدخل الحكومي و كم الدين الذين ستتحمله الحكومات لمساعدة البنوك المفلسة والصناعات المتعثرة و الذي سيؤدي الى اعثار اجيال متلاحقة مقبلة(19)
و يختار انبياء الاكاديمية المبشرون بالتنمية طويلة الامد مؤشرات من الماضي بشكل عشوائي و كل تلك المؤشرات قد طورت في سياق اقتصادي سياسي يختلف اختلافا بينا عن الظروف التي نحياها اليوم(20). و كل اللغو الذي يتفوه به الاقتصاديين عن ما بعد الازمة وتجاوز الازمة يتغاضى تماما عن المؤشرات الواقعية المتغيرة ابدا و ايضا لا يرى او يتجاهل طبيعة الازمة المفتوحة التي لا تشبع و التي تميز هذا الكساد الحالي و من ثم يتغاضى عن المؤشرات الحقيقية للازمة. وكما لاحظ احد المحللين "اي بدايات نختارها لتقديم بيانات تاريخية لا يمكن على الاطلاق ان تماثل البدايات في اي نقطة اخرى لان الظروف السابقة على تلك البدايات فيمختلفة متماما في الحالتين"(الفاينانشيال تايمز 26 فبراير 2009 ص 24) يحدث الركود الاقتصادي الحالي في الولايات المتحدة في ظل اقتصاد غير تصنيعي و في ظل افلاس النسق المالي و انهياره و في ظل عجز مالي قياسي غير مسبوق و في ظل تجاوز الدين الخارجي لاكثر من عدة تريليونات من الدولارات و في ظل انفاق عسكري يتجاوز 800 بليون دولار مخصص لحروب مستمرة و احتلال عسكري لا ينتهي. وكل هذه المتغيرات تتجاوز تماما كل السياقات السابقة التي احاطات بازمات الكساد السابقة. و الواقع الحالي للبنية الاقتصادية للدول الرأسمالية هو ان الدولة قد نهبت نهبا غير مسبوق كل الممتلكات العامة و الخزانة الممولة من اموال دافعي الضرائب من اجل ان تنقذ بنوكا مفلسة و مصانع منهارة .و تضمن هذا النهب تحويلا لم يسبق له مثيل من اموال العمال و اصحاب الاجور الثابتة من دافعي الضرائب و المنتجين الى جيوب المبتزين آكلي السحت غير المنتجين و الى جيوب مجموعة من الرأسماليين الفاشلين. وقد ادى معدل ومستوى انخفاض المدخرات وتآكلها في مجالات المعاشات و الصحة و المدخرات الفردية الى انخفاض غير مسبوق ومتسارع في مستويات المعيشة و افقار جماعي لم يحدث من قبل في تاريخ الولايات المتحدة.
و لم يحدث من قبل فى تاريخ الرأسمالية ان ظهرت ازمة اقتصادية عميقة بدون وجود بديل اشتراكي حركي او حزبي او دولتي يمكنه ان يقدم نموذجا بديلا. ولم يحدث من قبل في التاريخ ان كانت الدول والانظمة خاضعة خضوعا تاما للطبقة الرأسمالية و خاصة في مجال توزيع الموارد العامة . ولم يحدث من قبل في تاريخ كساد اقتصادي ان انفقت الحكومات اموالا جمة بهذا القدر وتوجه فقط لتعويض طبقة رأسمالية فاشلة و ترمى الفتات للعمال واصحاب الاجور الثابتة.
و تعكس سياسات اوباما الاقتصادية و ايضا الاشخاص الذين عينهم لتسنم المراكز الحساسة في حكومته التحكم الكامل للطبقة الرأسمالية في الانفاق الحكومي و التخطيط الاقتصادي.
ان البرنامج الذي طرحته حكومة اوباما وغيرها من الدول الغربية والرأسمالية لا يرى حتى القواعد البنيوية لهذا الكساد.
اولا خصص اوباما تريليون دولار لشراء اصولا بنكية لا قيمة لها و قدم اكثر من 40% من خطته الحفزية المقدرة بمبلغ 787بليون دولار لبنوك مفلسة و تخفيضات ضرائبية بدلا من تقديمها للقطاع الانتاجي كل هذا من اجل انقاذ حملة الاسهم والسندات بينما يصل عدد العمال الذين يفقدون وظائفهم شهريا الى ما يقارب 600 الف عامل.
ثانيا حول نظام اوباما اكثر من 800 بليون دولار لتمويل حروب في العراق و افغانستان لاجل المحافظة على فكرة بناء الامبراطورية عسكريا.(21) و هذا يمثل تحويلا للاموال العامة من القطاع المدني الى القطاع العسكري مما يجبر عشرات الالوف من الشباب العاطل الباحث عن العمل على الانضمام للجيش(بوستون جلوب 1مارس 2009).
ثالثا قدمت اللجنة التي شكلها اوباما لطرح رؤية لاعادة هيكلة صناعة السيارات الامريكية و فحواها ما يلي:اغلاق العديد من المصانع و الغاء خطط التأمين الصحي للمتقاعدين و اجبار عشرات الالوف من العمال على قبول تخفيضات وحشية في معاشات الموظفين و تأميناتهم الصحية. يقع عبء اعادة صناعة السيات المملوكة بالكامل للقطاع الخاص على عاتق العمال المأجورين و المتقاعدين ودافع الضرائب الامريكي. تتلخص كل استراتيجية اوباما الاقتصادية في عبارة واحدة انقاذ حاملي الاسهم والسندات ومنع انهيار البورصة ويتأتى هذا عبر ضخ تريليونات الدولارات في المؤسسات المالية الفاشلة المفلسة و شراء ديونها الملتهبة و اصولها التي لاقيمة لها. و وفي نفس الوقت يتحاشى نظام اوباما اي استثمار حكومي مباشر في المشروعات الاستثمارية الانتاجية المملوكة للقطاع العام وهو ما كان يمكن ان يوفر عملا لعشرة ملايين عامل متعطل. وبينما تخصص ميزانية اوباما اكثر من 40% للانفاق العسكري و دفع الديون الخاصة بالمؤسسات المالية يفقد واحد من بين كل 10 امريكيين منزله او منزلها و يتزايد عدد المواطنين الامريكيين العاطلين ليصل الى نسبة مئوية غير مسبوقة من رقمين و يتزايد عدد المواطنين الامريكيين الذي يعيشون على طوابع الطعام(22) ليصل الى ملايين يعتمدون على هذه الطوابع لتوفير احتياجاتهم الغذائية الاساسية طوال 2009.
يخصص برنامج اوباما لخلق الوظائف بلايين الدولارات للمؤسسات الخاصة العاملة في البناء و الاتصالات و البيئة و الطاقة حيث يتدفق الجزء الاساس من هذا الدعم الى جيوب القيادات الادارية و يوفر ربحا لحاملي الاسهم بينما لا يصل الى العمال الا فتات الفتات. و الاهم ان الجزء الاساس من العمال العاطلين عن العمل في قطاعي التصنيع و الخدمات لا علاقة لهم البتة بالقطاعات التي تتلقى الدعم المخصص لخلق الوظائف ومكافحة البطالة. وايضا لن يخصص الا جزء ضئيل من حملة التحفيز المزمعة لعام 2009. وهدفه وتأثيره سيكون الحفاظ على مستوى معيشة ودخل الطبقة الحاكمة سواء من الرأسمالية المالية او الصناعية و تأجيل انهيارها الذي حان وقته منذ امد بعيد. و ستؤدي حملة التحفيز هذه الى زيادة الفوارق الاقتصادية الاجتماعية بين الطبقات الحاكمة و العمال المأجورين والموظفين. فبينما نجد ان الضرائب المفروضة على الاغنياء تدرجية نجد ان الديون الباهظة الناتجة عن عجز الموازنة مفروضة على دافعي الضرائب من العمال و الموظفين و لاجيال عدة قادمة.
وقد تبنى اوباما بكل سرور استراتيجية بناء الامبراطورية بالقوة العسكرية وحتى في اطار عجز الموازنة غير المسبوق و اثناء ركود وكساد اقتصادي متزايد ليصل الى حالة من العسكرة لا مثيل لها في التاريخ الحديث.و بالرغم من كل وعوده الجوفاء التي قالت بعكس هذا تماما فقد تجاوزت ميزانية العسكرة لعام 2009 /2010 ميزانية حكومة بوش بما لايقل عن 4% و سيزداد عدد القوات الامريكية بمقدار عدة مئات من الالوف. سيظل عدد القوات الامريكية تقريبا كما هو في العراق و ستزداد القوات الامريكية في افغانستان بضع عشرة الف مقاتل .وهذا على الاقل في عام 2009 بالرغم من الوعود السابقة على الانتخابات التي كانت تقول عكس هذا. وقد تضاعفت الهجمات الجوية والا رضية الامريكية في الباكستان بشكل متوالية هندسية. و لنلاحظ ان القيادات التي اختارها اوباما لقيادة سياسته الخارجية في وزارة الخارجية و وزارة الدفاع(البنتاجون) و وزارة الخزانة و مجلس الامن القومي و خاصة فيما يتعلق بمنطقة الشرق الاوسط كلهم من دعاة العسكرة صهيونيي الميول ذوي التاريخ الطويل في الترويج للحرب ضد ايران و لهم علاقات قوية مع القيادات العسكرية الاسرائيلية.
باختصار يمكننا التأكد من اولويات حكومة اوباما من خلال المخصصات المالية و الموارد البشرية والمادية التي يخصصها للحرب و من ثم يمكننا تقييم اتجاهات الحكومة عبر تقدير اي الطبقات ربحت وايها خسر؟؟؟
تؤكد سياسات حكومة اوباما انه ملتزم تماما بانقاذ الطبقة الرأسمالية والامبراطورية الامريكية. ولتحقيق هذا هو مستعد للتضحية بالاحتياجات الاساسية الضرورية العاجلة و المصالح المستقبلية للطبقات العاملة الامريكية و اصحاب المنازل الذين تأثروا تأثرا مباشرا بالكساد الاقتصادي المحلي . لقد زاد اوباما من انشطة بناء الامبراطورية عسكريا و قوى من مواقع دعاة الحرب من محبي اسرائيل في مختلف ادارات حكومته. و سياسة الانعاش الاقتصادي التي يدعيها اوباما لا تستقيم مع استراتيجيات التصعيد العسكري التي يتبعها فعليا فحتى لو كان للاولى اثر فان تكلفة الثانية تأكله بل و تخلف هوة واسعة في اي جهد مبذول لمحاولة مقاومة انهيار الخدمات الاجتماعية و ازدياد الطرد من المنازل نتيجة عدم القدرة على السداد و افلاس الاعمال و طرد العمال بالجملة.
لا يتحول النقل المستمر من الاموال العامة الى جيوب الطبقة الحاكمة عبر حكومة اوباما الى زظائف و قروض و خدمات اجتماعية. ومحاولة تحويل البنوك المفلسة الفاشلة الى مؤسسات اقراض ناجحة تحقق ارباحا هي بلاهة منقطعة النظير. والمعضلة الاساسية التي تواجه حكومة اوباما هي كيف يخلق ظروفا لاستعادة الربحية في قطاع المال المنهار في الاقتصاد الامريكي حاليا(26).
و ثمة عدة من المشاكل الرئيسية تواجه هذه الاستراتيجية:
اولا انهارت البنية الاقتصادية التي كانت تنتج الارباح و تولد عمالة و تزيد النمو.لم تعد موجودة لقد تفككت اولا مع تحويل مسار رأس المال التصنيعي الى الخارج و من ثم تحويله الى رأسمال مالي و ادوات مالية و غيرها من القطاعات الاقتصادية غير المنتجة.
ثانيا تؤدي سياسات التحفيز التي ينتهجها اوباما و بدء في تنفيذها الى زيادة احكام قبضة القطاع المالي على الاقتصاد عبر تحويل موارد مالية ضخمة الى هذا القطاع بدلا من اعادة التوازن للاقتصاد عبر تمويل القطاع الانتاجي. و حتى في اطار القطاع الانتاجي
توجه موارد الدولة الى دعم النخبة الرأسمالية و التي اظهرت عدم قدرتها على خلق العمالة المستديمة ولا على المنافسة على مستوى العالم ولا على تقديم الابتكار الذي يشد المستهلك و يزيد من رغبته في الاستهلاك.
ثالثا تبعثر ستراتيجية اوباما التي تهدف الى انعاش الاقتصاد من اعلى الى اسفل الاموال على دعم الرأسماليين الفاشلين بدلا من رفع مستوى دخل الطبقة العاملة عبر مضاعفة الحد الادنى للاجور و زيادة تعويضات البطالة ، وتلك هي الطريقة الواقعية لزيادة الطلب و حث الاقتصاد والمساعدة على انتعاشه.و بالنظر الى انحدار مستوى المعيشة الناجم عن التحلل الحادث على المستوى المحلي و زيادة الانفاق العسكري لدفع ستراتيجية بناء الامبراطورية عسكريا وكل منهما من الاسس الرئيسة للدولة ففي اعتقادي لا توجد ادنى فرصة لاحداث التغيير البنيوي المطلوب الذي يمكنه عكس السياسات التي تنتهجها حكومة اوباما و المؤدية لمزيد من الانهيار.
لا يكمن الخروج من الركود الاقتصادي في طبع بلايين الدولارات فهذا سيوفر فقط ظروفا لحدوث تضخم مفرط و خفض قيمة الدولار. السبب الاساس هو فرط تراكم رأس المال الناتج عن الافراط في استغلال العمل. مما يؤدي الى ازدياد معدلات الربح و انهيار الطلب. و الهوة الضخمة التي حدثت بين فرط تمدد الرأسمال و انخفاض الاستهلاك من قبل العمال هي ما مهد الطريق الى انفجار الفقاعة المالية. و تعني اعادة التوازن للاقتصاد خلق الطلب (وليس من خلال قطاع خاص صناعي متهالك تماما او بنوك مفلسة ونسق مالي منهار) ولكن عبر تدخل مباشر للدولة وتأميم للمصانع المفلسة و استثمار طويل الامد وضخم في انتاج السلع والخدمات. لقد تضخمت البنية الفوقية عديمة الانتاجية القائمة على المضاربة ووصلت الى ان تكون هولة فظيعة عبد التغذي على القيمة المضافة الناتجة من العمل المأجور و طرحت الهولة نفسها في شكل ادوات ورقية لا علاقة لها البتة باي قيمة استعمالية حقيقية. لابد من القضاء تماما على هذا الاقتصاد الورقي غير الحقيقي لاجل تحرير القوى الانتاجية من الكوابح و المشاكل التي يسببها الرأسماليون الفاشلون و اتباعهم من المطبلين لهم. و لابد من ايجاد برنامج اعادة تأهيل ضخم لتدريب السماسرة و العاملين في البورصات واسواق الاوراق المالية على اعمال مفيدة منتجة. و من اجل اعادة بناء السوق المحلي وانعاشه و من اجل تعزيز القدرة على الابتاكار لدفع عجلة الاقتصاد لابد من انهاء الامبراطورية التوسعية تماما. لابد من اغلاق القواعد العسكرية الباهظة التكاليف وغير المنتجة و هي اساس بناء الامبراطورية عسكريا و لابد ان يحل محلها شبكة علاقات تجارية واسعة تعمل على فتح اسواق و خلق تعاملات اقتصادية مثمرة ترتبط بالانتاج و بالعاملين في مصانعهم المحلية. لعكس حالة التعفن الناشبة اظافرها في جسد الاقتصاد. لابد من انهاء الامبراطورية و بناء جمهورية ديمقراطية اشتراكية. و من اهم الاسس التي يجب ان بنبني عليها انهاء الامبراطورية الغاء كل التحالفات السياسية مع القوى العسكرية الخارجية و خاصة دولة اسرائيل والقضاء تماما على كل العاملين في خدمتها في الحكومة الامريكية و مؤسسات الدولة و الذين يعوقون كل الجهود التي يبذلها المواطنون الامريكيون لبناء مجتمع ديمقراطي يخدم مصالح الشعب الامريكي.
خاتمة:
تحول المقال لكتاب صدر مؤخرا. و اتصور ان الاطروحة المقدمة هنا تستحق النظر و الاستفادة منها. سواء على مستوى اعتبار الاسباب او على مستوى الحل المطروح المبني منطقيا على الاسباب المقدمة للازمة. اتصور ايضا انه على الرغم من ان الدراسة تقدم رأيا مختلفا عما هو سائد حاليا الا انها مدعومة بادلة امبريقية و منطقية وتقدم تحليلا رصينا لما يحدث. كونها ضد التيار لا يعيبها ، و في اعتقادي ان الخطاب الانتحاري بكافة تفرعاته و اشكاله وصوره المعتمد اساسا على الكلام المكرر والكليشيهات والقوالب الجامدة و الشعارات المفرغة و الرافض للمنطق والتحليل هو الخطاب السائد في مختلف انحاء العالم اليوم وبالتأكيد مع زيادة مفرطة في وجوده في المنطقة العربية. رفض الكليشيهات و محاولة التحليل المبني على وقائع ومعطيات امبريقية محددة هو في تقديري اول خطوات تقديم الخطاب البنائي الجديد.
_____________________________________________
الهوامش
(1)خارج موضوع المقال ...انا اعتبر فطين عبد الوهاب من اهم مخرجي العالم و ليس السنيما المصرية فقط و بالنسبة لفيلم اشاعة حب فهو في تقديري الشخصي من اجمل الافلام الكوميديا في تاريخ السنيما قاطبة ..كل الممثلين كانوا فوق الامتياز!!!
يوسف وهبي حين يقلد نفسه في تراجيدياته الشهيرة على المسرح في المشهد الموجود هنا . مشهد عبقري حق. تأطير فكرة الكوميديا في اعلى درجاتها حين تتحول الذات الى نموذج للسخرية منه وهي نفس الفكرة التي لعب عليها الكوميديانات الامريكيون اليهود في الستينات وخاصة وودي آلان و مل بروكس و جين وايلدر. السخرية من الذات و من السينما وتراثها ايضا . يذكرني الفيلم بفيلمين بصرف النظر عن ان الفكرة مقتبسة. الفيلم الاول هو هلزابوبنمن اخراج هنري بوتر و الثاني هو باي باي بيرديو هو من اخراج جورج سيدني و تشبه مقدمته مقدمة فطين التليفونية الجميلة. اعتقد ان قيمة السنيما على السنيما اساسا هي انها تذكر كل محب للسنيما او سنيفيل بتراث متكامل و تستدعي له ذكريات ولحظات مرئية جميلة
(2) يمكننا ان نذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر البروفسورجون بيلامي فوستر
تحليلات بيلامي فوستر مهمة ومبنية على نظريات وافكار المفكرين الماركسيين الكبيرين بول باران وبول سويزي صاحبا الكتاب الهام جدا رأس المال الاحتكاري
(3) هنا يمكننا مراجعة مقالات كثيرة في كاونتربنشو منثلي ريفيووانترناشونال سوشياليست و ربليون وغيرها من المواقع ذات الطابع الماركسي . حيث نجد تحليلا مختلفا عن الافكار النفسمالية التي تعزو الازمة لطمع ذا او جشع ذاك او خراب ذمة ثالث. ولا تحاول البحث في الطابع البنيوي العميق للازمة و الكامن في بنية انظام الرأسمالي في ذاته
(4) يراجع هنا مقالة مايكل ويتني نبتات خضراء ام ارض محروقة؟؟؟
(5) يراجع في هذا الصدد المدونة الهامةالتي تكتبها مناضلة من هندوراس عن تطورات الاحداث هناك وتقدم تحليلا رائعا للاخبار بالانجليزية مع توثيق دقيق لكل معلومة. مثال رائع على الميديا الجديدة حين تستخدم بشكل جاد
(6) هنا يمكن الاشارة الى مقال هام جدالجيمس بتراس على موقعه الرسمي .ايضا مقال هام جدافي سوشياليست ووركر. كذلك هناك العديد من الاخبار عن قضية بلاك ووتر و تورط صاحبها اريك برينس في الاغتيالات والتعذيبعلى ياهوو غيره من المواقع الاخبارية
(7) يراجع هنا مقال رالف نادر عن فشل اوباما على جبهات عدة في كاونتربانش
(8) اتصور ان مجموعة مقالاتالخطاب الانتحاري قد تفد هنا في تذكيرنا بملامح هذا الخطاب ووسائل استخدامه و تأثيراته
(9) يراجع مقال مايك ويتني السابق لفهم فكرة التلاعب بالارقام و الاحصائيات لاعطاء فكرة عن كيفية عمل الخبراء المزعومين وهنا ايضا تجدر الاشارة الى دراسة سابقة قدمتها في موسوعة فقه التحيز عن فكرة خدعة الرقم و سحره الذي يتوسل به المدلسون لاعطاء ما يسمى بصورة واقعية عملا بمقولة ان الارقام لا تكذب وهي فعلا لا تكذب ولكن تتجمل!!! للاسف الكثير من المحللين لا يدركون هذا و قد قدم استاذي الفاضل المرحوم الاستاذ الدكتور عبد الوهاب المسيري تحليلا مستفيضا لهذا الموضوع في كتابه الهام هجرة اليهود السوفييتالصادر عن دار الهلال المصرية1990
(10) التوبيكس هو مؤشر البورصة اليابانية
(11) ستاندارد آند بور مؤشر مالي للبورصة الامريكية تابع لشركة ماكجرو هيل الامريكية ومقرها روكفلر سنتر بنيويورك
(12) الفتسي او الفوتسي كما يدعى تدليلا هو مؤشر مالي لقياس قوة الشركات البريطانية
(13) هانج سنج هو مؤشر هونج كونج المالي ويعطي مؤشرا ايضا على الاقتصاد الصيني
(14)حتى مع الارتفاع الاخير في اسعار الاسهم فلم تصل البورضات العالمية بعد الى مستويات مقبولة و ماتزال متراجعة بشكل ضخم. والاهم هو ان هذه الارتفاعات تمثل فقط عملية الاحياء الناجمة عن ضخ الاموال في القطاع المالي اي انها غير حقيقية كما اوضح الكثير من المحللين
(15) يراجع ايضا مقال مايكل ويتني السابق الذي يقدم تحليلا هاما للارقام المتعلقة بالبطالة و كذلك لفكرة انتعاش البورصة المتوهم
(16)هنا يمكن طبعا ان نذكر افلاس الشركات الديناصورية تلك وما ترتب عليه من فقدان الآف من العمال لوظائفهم
(17) هنا يجدر بنا ان نشير الى حالة كرواتيا . حيث ترتفع الاسعار بمعدلات متزايدة و قامت الحكومة بزيادة الضرائب على المبيعات الى 23% و ايضا فرضت ضريبة جديدة على المرتبات و المعاشات و مايزال الاقتصاد بالطبع في تدهور مستمر
(18) ادت سياسات اعادة الهيكلة او التحرر الاقتصادي لتي انتهجتها دول عديدة في افريقيا وآسيا و امريكا اللاتينية الى خراب رهيب و انهيار كارثي و كل هذا بفضل مشورة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وخبرائه المزعومين. نذكر هنا على سبيل المثال فقط الارجنتين وافلاسها وانهيارها الكامل عام 2002 و ايضا حاليا ايسلندا التي صارت دولة تحت مستوى الفقر
(19) تراجع في هذا الصدد مقالا بول كريج روبرتس حول عجز الموازنة الامريكية وسياسة طبع الدولارات التيتنتهجها الحكومة اعتمادا على فكرة البلطجة وفرض الدولار كعملة عالمية بالقوة
(20) هنا نجد مثالا هاما في اخبار الياهو المستمرة عن تجاوز الازمة وبرنانكي باعتباره الرجل الذي انقذ الاقتصاد و ايضا وهو الامر المضحك حقا الاخبار التي يذيعها التلفزيون الكرواتي عن تجاوز الازمة في الوقت الذي تتدهور فيه مستويات المعيشة بشكل غير مسبوق
السؤال حقا: هي الناس دي فاكرانا معيز ولا ايه؟؟؟
(21) ويراجع في هذا الصدد بتراسومقالاته عن طرق واستراتيجيات بناء الامبراطورية
(22) طوابع الطعام هي وسيلة لمساعدة المحتاجين في الولايات المتحدة الامريكية عن طريق تقديم كوبونات يحق لهم بموجبها الحصول على الطعام وهي من فئات دولار و خمسة وعشرة دولارات و تقدم عن طريق وزارة الزراعة الامريكية