الولايات المتحدة و الصين
طرف يخسر والآخر يربح
طرف يخسر والآخر يربح
بقلم جيمس بتراس
ترجمة وتقديم وتعليق د.اسامة القفاش
مدخل:
يقول ابو الفتح البستيحكيم زمانه الشاعر الكاتب الاديب
زيادة المرء في دنياه نقصان وربحه غير محض الخير خسران
ويقولابو البقاء الرنديحكيم الاندلس
لكل شيء إذا ماتم نقصان فلا يغر بطيب العيش انسان
هي الامور كما شاهدتها دولا من سره زمن ساءته ازمان
وكما قال المثل الشعبي المصري لو دامت لغيرك ماكانتش وصلت لك
وهي الحكمة التي وضعهاجيبونالمؤرخ الكبير في كتابهسقوط وانهيار الامبراطورية الرومانيةوصاغها الفيلسوف اوزوالد شبنجلر في كتاباته. ودي حال الدنيا...... والله اعلم
في هذا المقال المهم في تقديري يحاول بتراس استخدام المنهج الانثروبولوجي للتحليل المتعمق للحالة وهي هنا عدد واحد من جريدة الفاينانشيال تايمز الشهيرة . بالاضافة لمنهج تحليل النص او استنطاقه حيث يقوم بوضع المعلومة المستقاة من المقال / النص المراد تحليله في اطار سياقي لتقديم صورة نماذجية قادرة على تفسير العالم بشكل افضل. هذه الصورة النماذجية تلتزم بتحيزات بتراس الاساسية او نموذجه المعرفي الاصلي هنا نجده يستخدم نموذج كيفية بناء الامبراطوريات الذي طرحه من قبل مرارا و تكرارا لتوضيح المكاسب والخسائر الناجمة عن كل من السياستين و عندما يتحدث عن الحل فهو يطرح الحل الاشتراكي كبديل لعمليات الترقيع و كعلامة على نموذج افلاس الرأسمالية الذي يتبناه
و لتوضيح نموذجه و اعطائه قدرة اكبر على التفسير نجده يلجأ لاتخاذ مصدرية محددة هي معلومات مستقاة من اكبر جرائد عالم المال والاعمال الذي يقف بتراس على النقيض منه تماما لكن المصدرية الحقيقية لابد ان تعتمد على معلومات و ووقائع موثقة ويعتد بها وهو درس في تقديري شديد الاهمية
اعتقد ان اهمية المقال القيم لا تكمن فقط في محتواه المهم والعميق و المفيد و الذي يوضح الصورة العالمية بمنظور محدد وجديد ولكن ايضا في بنيته الصارمة و منهجيته المحددة في التعامل مع الوقائع
والله اعلم.
مقدمة
تتنافس الرأسمالية الاسيوية وبالتحديد الصين وكوريا الجنوبية مع الولايات العالم من اجل السيطرة على الاسواق العالمية. و تلتزم القوى الاسيوية العالمية بسياسة النمو الاقتصادي الدينامي بينما تنهج الولايات المتحدة ستراتيجية بناء الامبراطورية بالقوة العسكرية
قراءة في عدد وحيد من الفاينانشيال تايمز
يتضح لنا من مجرد القراءة السر يعة لعدد وحيد (28ديسمبر 2009)من الفاينانشيال تايمز ان ثمة استراتيجيات متعارضة لبناء الامبراطوريات. فعلى الصفحة الاولى نجد المقال الرئيس عن الولايات المتحدة وسياسة توسيع رقعة النزاعات العسكرية التي تنخرط فيها تحت مسمى الحرب على الارهاب والمقال بعنوان"اوباما يطلب مراجعة قوائم الارهاب" وبالمقابل سنجد مقالين عن الصين في الصفحة الاولى. و يتكلم الاول عن اطلاق الصين لخدمة قطار الركاب الاسرع في العالم و يتحدث الثاني عن قرار الصين استمرار ربط عملتها(1)بالدولار لان هذا الربط من آليات تنشيط قطاع التصدير المنتعش في الصين. وبينما يركز انتباه الولايات المتحدة على فتح جبهة جديدة في اليمن في حربه ضد الارهاب (بعد العراق و افغانستان و باكستان) تخبرنا الفاينانشيال تايمز على نفس الصفحة ان كونسورسيوم من كوريا الجنوبية قد فاز بعقد قيمته 20.4 بليون دولار لتطوير وبناء محطات طاقة نووية لاغراض مدنية في الامارات العربية المتحدة و تفوقت في هذا الصدد على منافسة قوية من اوروبا و الولايات المتحدة.وعلى الصفحة الثانية سنجدمقالة مطولة عن انظمة السكك الحديدية في الصين وتفوقها على خدمة السكك الحديدية في الولايات المتحدة: يقطع قطار الركاب السريع المتطور مسافة 1100كم بين مدينيتن كبيرتين في اقل من 3 ساعات بينما يستغرق قطار الامتراك الامريكي السريع 3ساعات ونصف ليقطع مسافة 300كم بين بوسطن ونيويورك.وبينما تتفاقم متاعب نظام السكك الحديدية في الولايات المتحدة ويتدهور حال السكك الحديدية بسبب نقص الاستثمارات و انعدام الصيانة. نجد الصين تنفق 17بليون دولار لبناء خطها السريع. وتخطط الصين لبناء 18000كم من الخطوط الجديدة لخدمة قطارها الاسرع بحلول عام 2012 في المقابل نجد الولايات المتحدة تنفق مقدار مماثل لتميل التصعيد العسكري في افغانستان و باكستان وكذلك لفتح جبهة جديدة في اليمن.تبني الصين نسق نقل يربط بين المنتجين و سوق العمل في المقاطعات الداخلية و بين المراكز التصنيعية الكبرى على الساحل بينما نجد على الصفحة الرابعة مقالا يصف التزام الولايات المتحدة بسياسة مواجهة الاسلاميين و التهديد الاسلامي في اطار استراتيجية الحرب على الارهاب التي لا تنتهي. تحولت بلايين الدولارات من اموال دافعي الضرائب الى السياسة العسكرية التي استهدفت شن الحروب على الدول المسلمة و احتلالها وبدون ادنى فائدة للولايات المتحدة(2) بينما تسعى الصين حثيثا لتطوير اقتصادها المدني(3). وبينما يدعم البيت الابيض والكونجرس سياسات دولة اسرائيل الاستعمارية العسكرية(4)التي لاتمثل شيئا يذكر سواء كسوق او كمصدر للمواد الخام مما يؤدي الى تغريب 1.5بليون مسلم وجرح مشاعرهم(الفاينانشيال تايمز ص7) ينمو الناتج القومي الاحجمالي الصيني 10اضعاف على مدى 26سنة(الفاينانشيال تايمز ص26) وبينما تخصص الولايات المتحدة 1.4تريليون دولار لوولستريت والمؤسسة العسكرية،مما يفاقم من العجز في الموازنة و يضاعف البطالة و يستحضر الكساد والركود(الفاينانشيال تايمز ص12) تطلق الحكومة الصينية حملة تحفيز اقتصادية(5)تستهدف التصنيع المحلي و قطاعات التشييد والتعمير مما يؤدي الى نمو ايجابي مقداره 8% في الناتج القومي الاجمالي و انخفاض واضح في البطالة و يؤدي بالتبعية الى حفز الاقتصاديات المرتبطة بالصين في امريكا اللاتينية وآسيا و افريقيا (نفس الصفحة).و بينما تنفق الولايات المتحدة الاموال والموارد الافراد من اجل الانتخابات الصورية في الدول العميلة في العراق وافغانستان و تشارك في مفاوضات لا طائل من ورائها فيما بين شريكتها العدوانية المتصلبة المدللة اسرائي وعميلها الفلسطيني العقيم نجد ان الحكومة الكورية تدعم كونسورسيوم برئاسة مؤسسة الطاقة الكهربية الكورية لينجح في الفوز بصفقة بقيمة 20.4مليون دولار لبناء محطة نووية في الامارات مما يفتح الطريق لعقود اكبر في المنطقة. (الفاينانشيال تايمزص13).
و بينما تنفق الولايات المتحدة 60بليون دولار على الشرطة الداخلية و مراقبة المواطنين و تضاعف عدد مؤسسات الامن الداخلي العاملة في الولايات المتحدة بحثا عن ارهابيين مزعومين ، نجد ان الصين تستثمر 25 بليون دولار لدعم علاقتها في مجال الطاقة مع روسيا(فاينانشيال تايمز ص3).
و تعكس القصة التي تحكيها لنا القراءة السريعة لعدد وحيد من الفاينانشيال تايمز واقعا اعمق وتوضح الانقسام العميق الحادث في العالم اليوم. ستصل الدول الاسيوية بزعامة الصين الى مرتبة القوى الاقتصادية العظمى في العالم على اساس من استثماراتها الهائلة داخليا وخارجيا في مجالات التصنيع و النقل و التقنية و التعدين و معالجة المواد الخام . في المقابل نجد ان الولايات المتحدة هي قوة عالمية متراجعة وفي انهيار مجتمعي مستمر نجم عن سياستها الخرقاء التي تستهدف بناء الامبراطورية عبر القوة العسكرية و اقتصادها المتمحور حول القطاع المالي و المضاربة بشكل اساسي:
أ- تبحث واشنطن عن عملاء محليين صغار في آسيا بينما تعمل بكين على توسيع نطاق اتفاقيتها الكبرى مع القوى الاقتصادية العظمى مثل روسيا و اليابان و كوريا الجنوبية و غيرها
ب- تستنزف واشنطن مواردها المحلية و تخرب اقتصادها لاجل تمويل حروب عبر البحار . بينما تقوم بكين بتمويل عمليات تعدين وتصنيع موارد معدنية و بحث عن الطاقة لتوسيع نطاق سوق العمل المحلي و زيادة قدراتها التصنيعية
ج- تستثمر الولايات المتحدة في التقنية العسكرية التي تستهدف الثوار المحليين الذين يقاومون الانظمة العميلة للولايات المتحدة و تستثمر الصين يف التقنية المدنية لزيادة قدرة صادراتها التنافسية
د- بدأت الصين في اعادة هيكلة اقتصادها من اجل تنمية الجزء الداخلي من البلاد و هي تخصص الكثير من الموارد والانفاق الاجتماعي لمواجهة مشاكلها الكبيرة فيما يخص الفوارق الهائلة في الدخول و تفشي عدم المساواة بينما تقوم الولايات المتحدة بالاستثمار المهول في القطاع المالي الطفيلي من اجل انقاذه بالرغم من انه قد خرب الصناعات الامريكية (عبر تخريب الاصول عن طريق الدمج و الاستحواذ(و لاهم له الا المضاربة على المبتكرات المالية بدون تأثير حقيقي على العمالة و الانتاجية و التنافسية.
ه-
تتزايد حروب الولايات المتحدة وقواتها العسكرية في الشرق الاوسط(6) و جنوب آسيا(7) و القرن الافريقي (8)والكاريبي (9)في الوقت الذي تقدم فيه الصين استثمارات وقروض ميسرة تربو على 25 بليون دولار لاجل بناء البنية التحتية و استخلاص المعادن و انتاج الطاقة و بناء مصانع تجميع في افريقيا و شتى بقاع الارض.
و- توقع الصين اتفاقات تجارية مع ايران و فنزويلا و البرازيل و الارجنتين و شيلي والبيرو و بوليفيا لتضمن الحصول على الطاقة و المعادن والمواد الخام الزراعية الستراتيجية بينما تقدم امريكا 6بليون دولار الى كولومبيا (10)كمعونة عسكرية و تحصل على 7 قواعد عسكرية هناك من الرئيس اوريبا لاجل تهديد فنزويلا و تدعم انقلابا عسكريا في دولة هندوراس الصغيرة و تدين البرازيل و بوليفيا لانهما تعملان على تنويع علاقاتهما الاقتصادية و زيادة الروابط مع ايران.
ز- تزيد الصين من علاقاتها الاقتصادية مع اقتصاديات دول امريكا اللاتينية الدينامية و التي تضم اكثر من 80%من سكان المنطقة بينما تشارك الصين نظام الحكم الفاشل في المكسيك (11)الذي يحمل بجدارة لقب اسوء اداء اقتصادي في العالم الغربي و الذي تربطه علاقات قوية مع عصابات تجارة المخدرات المتغلغلة في جهاز الدولة.
استنتاج بديهي:
ليست الصين دولة رأسمالية استثنائية. فالعمال مستغلون في ظل رأسمالية الدولة الصينية ، و الفروق في الثروة و مستويات المعيشة رهيبة، ويتم طرد الفلاحين من اراضيهم لافساح المجال لمشروعات السدود العملاقة و الشركات الصينية تستخلص المواد المعدنية و غيرها من الموارد الطبيعية في العالم الثالث(12). بيد ان الصين خلقت ملايين الوظائف و قللت من الفقرعندها بمعدلات متسارعة لم تحدث من قبل في تاريخ العالم. وتقوم البنوك والمصارف الصينية اساسا بتمويل الانتاجو الاستثمارات الانتاجية. و لا تغزو الصين وتقصف وتدمر البلاد الاخرى. في المقابل ارتبطت الرأسمالية الامريكية ارتباطا وثيقا بآلة عسكرية جهنمية تمتص رحيق الحياة من الاقتصاد المحلي و تخفض من مستويات المعيشة لاجل تمويل حروبها الخارجية التي لاتنتهي. وقد خرب قطاع النار (13)الاقتصاد الانتاجي طالبا الربح من خلال المضاربة و الواردات الرخيصة. تستثمر الصين في البلاد البترولية الغنية و الولايات المتحدة تهاجم هذه البلاد. و تبيع الصين اطباقا و اواع ليحتفل الافغان باعراسهم بينما تقصف الطائرات الامريكية بدون طيار هذه الاحتفالات. تستثمر الصين في الصناعات الاستخراجية(14)لكن على العكس من المستعمرين الاوروبيين السابقين فهي تبني السكك الحديدية و تشق الطرق و تعمر الموانيء و المطارات و توفر قروضا ميسرة للدول التي تتعامل معها.ولا تمول الصين صراعات عرقية مسلحة ولا تمردات ملونة مثلما تفعل المخابرات المركزية. وتمول الصين نموها الاقتصادي تمويلا ذاتيا و ايضا تفعل نفس الشيء لتمويل وتطوير تجارتها الخارجية و نظام النقل والمواصلات عندها وفي نفس الوقت تغرق الولايات المتحدة تحت وظأة دين خارجي وداخلي يتجاوز عدة تريليونات من الدولارات وذلك لاجل تمويل حروبها التي لا تنتهي و انقاذ مصارف وبنوك وولستريت المفلسة التي انهكت وخربت الاقتصاد وتفعل هذا بينما تزداد نسبة البطالة و يفقد الملايين من العمال وظائفهم.
ستنمو الصين وتمارس قوتها عبر السوق و ستنخرط الولايات المتحدة في مزيد من الحروب في طريقها للخراب و التعفن الداخلي. و يرتبط نمو الصين المتنوع بالعديد من الشركاء الاقتصاديين الديناميين بينما ترتبط العسكرية الامريكية بدول المخدرات و امراء الحرب و مقاولي الانفار في جمهوريات الموز(15) و الاسوء من بين هؤلاء الشركاء هو النظام العنصري في اسرائيل.
تداعب الصين احلام المستهلكين في كل العالم بينكما تخلق الولايات المتحدة الارهابيين يف كل انحاء العالم ايضا
قد تحدث ازمات اقتصادية في الصين ولا نستبعد حدوث اضطرابات وتمردات عمالية لكنها تمتلك الموارد الاقتصادية القادرة على معالجة واحتواء هذه المشاكل. بينما الولايات المتحدة تعاني اليوم من ازمة و ربما يحدث بها تمردات داخلية ايضا لكنها انهكت امكانياتها على الاقتراض و نقلت كل مصانعها للخارج و كل قواعدها العسكرية في محختلف بقاع المعمورة هي اهداف و معرضة للخطر و لا تمثل موارد و اساس اقتصادي.لا توجد بالولايات المتحدة مصانع تكفي لاعادة تشغيل عمالها اليائسين وقد نرى في القريب العاجل العمال يحتلون المصانع الفارغة و يعلنون العصيان المدني(16).
لكي نعود دولة حقيقية عادية علينا ان نبدء من جديد فنغلق كل البنوك الاستثمارية و القواعد الاستعمارية و نعود الى امريكا. علينا ان نبدء المسيرة الطويلة نحو اعادة بناء صناعتنا لتلبية احتياجاتنا المحلية و العيش في اطار بيئتنا المحلية. و نتخلى عن بناء الامبراطورية في سبيل بناء جمهورية ديمقراطية اشتراكية.
متى يكون بوسعنا ان نفتح الفاينانشيال تايمز او غيرها من الصحف اليويمية لنقرء عن قطار سريع يربط الساحل الشرقي بالغربي ويقطع المسافة بين نيويورك و بوسطن في اقل من ساعة؟؟متى تمون مصانعنا محلات المنتجات طويلة العمر؟ متى سنبدء في بناء مولدات الطاقة الهوائية والشمسية و الطاقة الناتجة من المحيط؟ متى سنتخلى عن قواعدنا العسكرية الخارجية و نترك امراء الحرب ومهربي المخدراتوالارهابيين يواجهون عدالة شعوبهم؟؟؟
هل سنقرء هذا يوما ما في الفاينانشيال تايمز؟؟؟
لقد بدء الامر في الصين
بثورة
بتراس
يناير 2010
تعليق المترجم
هل يمكن الكلام هنا عن تغير جديد في مركز الثقل العالمي يشهده العالم بعد نقطة تمفصل اساسية هي انهيار الايديولوجية اللبرالية الجديدة؟؟؟وفشل سياسات اعادة الهيكلة و التركيز على الرأسمال المالي في اخراج الراسمالية من ازمتها المزمنة و حل مشكلتها الاساسية التي رآها كينز و شومبيتر و غيرهما من الاقتصاديين الكلاسيكيين ناهيك عن ماركس ومدرسته الا وهي مشكلة انخفاض الربحية و تراكم فائض القيمة و عدم القدرة على تدويره اي الركود؟؟؟؟
stagnation
إذا امكن القول وفقا لسمير امين في كتابه الهام المتوسط في النظام العالمي (1988)ان العالم قد شهد انتقالا لمكز الثقل الاستعماري من شرق الاطلسي الى غربه بعد الحربين العالميتين فهل يمكننا الآن ان نقول ان العالم يشهد انتقالا مماثلا من غرب الاطلسي الى شرق الهادي؟؟؟؟
السؤال في تقديري هو لماذا الصين؟؟؟
لمحاولة الاجابة على هذا السؤال اتصور انه يجب علينا الرجوع الى فترة الستينات و السبعينات
فمع تفاقم الازمة الامبريالية وتصاعد حرب فيتنام حدث خلل كبير في التوازن الرأسمالي العالمي ادى بشكل ما الى نمو قطاع الصادرات والتصنيع الياباني و الالماني بسبب اعتماد الامبريالية الامريكية على الدولتين كمورد لها لتقصير خطوط امداد حروبها الفاشلة في الهند الصينية
امتصت الولايات المتحدة الازمة عبر اجراءات مالية في عهد نيكسون و ايضا عبر الانسحاب من الهند الصينية بعد ان حولتها الى ارض محروقة.
و عندما عادت الازمة للظهور مرة اخرى في الثمانينات جاءت حرب الخليج الثانية او حرب تحرير الكويت لتساعد امريكا على التخلص من منافسيها الرأسماليين اي اليابان و المانيا و تمتص الاحتياطي عندهما و معهما ايضا اموال الدول النفطية
اتى العقد الاخير من القرن العشرين ليشهداستمرار السياسات المالية التي مثلت حلا سحريا يؤجل الازمة و يجدد شباب الرأسمال المالي باستمرار عبر القروض والتمويل العقاري و المضاربات و استمرار سياسة نقل المصانع بحثا عن الايدي العاملة الرخيصة لتوفير نفقات الانتاج ومثلت الصين بديلا مقبولا فهي شبه متخلفة و يمكن الضغط عليها سياسيا و ايضا من الممكن الاستمرار في سياسة التهديد العسكري و بناء و توسيع الامبراطورية عبر القوة العسكرية بدون مزاحمة منها.
لكن الصين على ما يبدو تعلمت من دروس الماضي سواء من الاستعمار القديم الكولونيالي الاوروبي او من دروس منافسة القوة العظمى على المستوى الاقتصادي مثلما حدث مع اليابان والمانيا
لذا عندما عادت الازمة مرة اخرى مع انفجار الفقاعات العقارية و انهيار النظام المالي لم يتأثر الاقتصاد الصيني كثيرا وعاود الصعود مرة اخرى.
لذا اتصور ان السؤال الذي افتتحنا به هذه الخاتمة مازال قائما
هل نشهد انتقالا جديدا لمركز الثقل ؟؟؟
الله اعلم.
ملاحظات
1-عملة الصين اليوان وقد رفضت الحكومة الصينية مؤخرا رفع قيمتها و كان هذا اثناء زيارة اوباما للصين
2-بالطبع هناك مستفيد من هذه الحالة او كما قال تشومسكي في اكثر من عمل له ان سياسة كل الحكومات الامريكية هي زيادة افقار الفقراء و زيادة اثراء الاثرياء. والمستفيد هنا هو شركات السلاح والتقنيات الفائقة و البنوك اي الشريحة المتحكمة في الرأسمالية الامريكية و التي تساهم بالقدر الاكبر في تمويل الحملات الانتخابية على كل المستويات
المقصود هنا هو ان هذه السياسات لا تفيد الاقتصاد الامريكي ككل ولا المجتمع الامريكي ككل.
3-ممكن جدا ان نذكر هنا السودان كمثال حاضر في الاذهان وقريب من القلب . حيث قامت الصين باقراض السودان وانعاش الاقتصاد السوداني في مقابل استغلال الحقول النفطية وتطوير مشروعات الري والاستصلاح هناك
4-تقوم اسرائيل بدورها كدولة وظيفية لحماية المصالح الامريكية الاستراتيجية في المنطقة لكن هذا لا يمنع من وجود تناقضات ثانوية قد تزيد فيما بين الدولة الوظيفية وبين الدولة الراعية وهذايعود اساسا الى التناقض الكامن في مفهوم الدولة الوظيفية على المستوى البنيوي
بمعنى ان الدولة كمفهوم تعني وجود مجتمع و مصالح و طبقات اي تعني وجود تناقضات بينما الوظيفة تعني بشكل ما نوع من التجانس و الدور
5-انجزت الصين عملية الخروج من الازمة التي ضربت العالم بدءا من 2007 عبر الاستثمار في البنية التحتية وتوسيع نطاق استثماراتها في المواد الخام والصناعات التعدينية في مختلف انحاء العالم
6-الاشارة الى فلسطين والعراق وجنوب لبنان والحرب المزمعة ضد ايران
7-هنا الاشارة الى باكستان وافغانستان
8-الصومال و اثيوبيا واريتريا و كينيا
9-هندوراس و هاييتي وغيرهما
10- لدعم الحرب التي يشنها اوريبا ضد الفارك وايضا لتهديد فنزويلاوالاكوادورالتي اغلقت القاعدة الامريكية
11-تعتبر المكسيك افشل الدول على المستوى الاقتصادي في نصف الكرة الارضية الغربي
ممكن في هذا الصدد مراجعة مقالات جون روس في كاونتربانش
12-تعلم الصينيون الدرس من الاستعمار البريطاني والهولندي الذي كان استعمارا بغرض النهب ولم يكن الغرض الاساسي منه هو الاستيطان على عكس الاستعمار الفرنسي
جمعت الصين بين محاسن السياستين اي الارتباط بالدولة المستعمرة عبر القروض و المصالح و ايضا تعمير البنية التحتية و زيادتها من اجل تسهيل التصدير و ربط الدواخل بالموانيء
13-الاسم الذي يطلق على قطاع استثمارالمال و التأمين و العقارات وهو اختصار للاحرف الاولىبالانجليزية
F I R E
التي تعني نار كما نعرف و المعنى الكامن هنا هو ان هذا القطاع يحرق الاقتصاد الحقيقي
14- نظرية فائض القيمة العالمية كما طورها الان كريبو و سمير امين و العديد من منظري التبعية و التي تعني تصدير المواد الخام و استيراد المواد المصنعة
15-جمهوريات الموز هي جمهوريات امريكا الوسطى والكاريبي و ترجع التسمية لكونها كانت تعد مزرعة لشركة الفواكه المتحدة من اجل زراعة الموز من اشهر تلك الجمهوريات جواتيمالا وهندوراس و السلفادور
16- ربما يعتقد البعض ان هذا امر مستبعد لكن الدلائل الكثيرة سواء المستمدة من تاريخ الحركة العمالية الامريكية قبل تدجينها و الحالية تؤكد امكانية حدوث العصيان المدني وعلى مستوى واسع
و احداث الستينات ليست ببعيدة
ترجمة وتقديم وتعليق د.اسامة القفاش
مدخل:
يقول ابو الفتح البستيحكيم زمانه الشاعر الكاتب الاديب
زيادة المرء في دنياه نقصان وربحه غير محض الخير خسران
ويقولابو البقاء الرنديحكيم الاندلس
لكل شيء إذا ماتم نقصان فلا يغر بطيب العيش انسان
هي الامور كما شاهدتها دولا من سره زمن ساءته ازمان
وكما قال المثل الشعبي المصري لو دامت لغيرك ماكانتش وصلت لك
وهي الحكمة التي وضعهاجيبونالمؤرخ الكبير في كتابهسقوط وانهيار الامبراطورية الرومانيةوصاغها الفيلسوف اوزوالد شبنجلر في كتاباته. ودي حال الدنيا...... والله اعلم
في هذا المقال المهم في تقديري يحاول بتراس استخدام المنهج الانثروبولوجي للتحليل المتعمق للحالة وهي هنا عدد واحد من جريدة الفاينانشيال تايمز الشهيرة . بالاضافة لمنهج تحليل النص او استنطاقه حيث يقوم بوضع المعلومة المستقاة من المقال / النص المراد تحليله في اطار سياقي لتقديم صورة نماذجية قادرة على تفسير العالم بشكل افضل. هذه الصورة النماذجية تلتزم بتحيزات بتراس الاساسية او نموذجه المعرفي الاصلي هنا نجده يستخدم نموذج كيفية بناء الامبراطوريات الذي طرحه من قبل مرارا و تكرارا لتوضيح المكاسب والخسائر الناجمة عن كل من السياستين و عندما يتحدث عن الحل فهو يطرح الحل الاشتراكي كبديل لعمليات الترقيع و كعلامة على نموذج افلاس الرأسمالية الذي يتبناه
و لتوضيح نموذجه و اعطائه قدرة اكبر على التفسير نجده يلجأ لاتخاذ مصدرية محددة هي معلومات مستقاة من اكبر جرائد عالم المال والاعمال الذي يقف بتراس على النقيض منه تماما لكن المصدرية الحقيقية لابد ان تعتمد على معلومات و ووقائع موثقة ويعتد بها وهو درس في تقديري شديد الاهمية
اعتقد ان اهمية المقال القيم لا تكمن فقط في محتواه المهم والعميق و المفيد و الذي يوضح الصورة العالمية بمنظور محدد وجديد ولكن ايضا في بنيته الصارمة و منهجيته المحددة في التعامل مع الوقائع
والله اعلم.
مقدمة
تتنافس الرأسمالية الاسيوية وبالتحديد الصين وكوريا الجنوبية مع الولايات العالم من اجل السيطرة على الاسواق العالمية. و تلتزم القوى الاسيوية العالمية بسياسة النمو الاقتصادي الدينامي بينما تنهج الولايات المتحدة ستراتيجية بناء الامبراطورية بالقوة العسكرية
قراءة في عدد وحيد من الفاينانشيال تايمز
يتضح لنا من مجرد القراءة السر يعة لعدد وحيد (28ديسمبر 2009)من الفاينانشيال تايمز ان ثمة استراتيجيات متعارضة لبناء الامبراطوريات. فعلى الصفحة الاولى نجد المقال الرئيس عن الولايات المتحدة وسياسة توسيع رقعة النزاعات العسكرية التي تنخرط فيها تحت مسمى الحرب على الارهاب والمقال بعنوان"اوباما يطلب مراجعة قوائم الارهاب" وبالمقابل سنجد مقالين عن الصين في الصفحة الاولى. و يتكلم الاول عن اطلاق الصين لخدمة قطار الركاب الاسرع في العالم و يتحدث الثاني عن قرار الصين استمرار ربط عملتها(1)بالدولار لان هذا الربط من آليات تنشيط قطاع التصدير المنتعش في الصين. وبينما يركز انتباه الولايات المتحدة على فتح جبهة جديدة في اليمن في حربه ضد الارهاب (بعد العراق و افغانستان و باكستان) تخبرنا الفاينانشيال تايمز على نفس الصفحة ان كونسورسيوم من كوريا الجنوبية قد فاز بعقد قيمته 20.4 بليون دولار لتطوير وبناء محطات طاقة نووية لاغراض مدنية في الامارات العربية المتحدة و تفوقت في هذا الصدد على منافسة قوية من اوروبا و الولايات المتحدة.وعلى الصفحة الثانية سنجدمقالة مطولة عن انظمة السكك الحديدية في الصين وتفوقها على خدمة السكك الحديدية في الولايات المتحدة: يقطع قطار الركاب السريع المتطور مسافة 1100كم بين مدينيتن كبيرتين في اقل من 3 ساعات بينما يستغرق قطار الامتراك الامريكي السريع 3ساعات ونصف ليقطع مسافة 300كم بين بوسطن ونيويورك.وبينما تتفاقم متاعب نظام السكك الحديدية في الولايات المتحدة ويتدهور حال السكك الحديدية بسبب نقص الاستثمارات و انعدام الصيانة. نجد الصين تنفق 17بليون دولار لبناء خطها السريع. وتخطط الصين لبناء 18000كم من الخطوط الجديدة لخدمة قطارها الاسرع بحلول عام 2012 في المقابل نجد الولايات المتحدة تنفق مقدار مماثل لتميل التصعيد العسكري في افغانستان و باكستان وكذلك لفتح جبهة جديدة في اليمن.تبني الصين نسق نقل يربط بين المنتجين و سوق العمل في المقاطعات الداخلية و بين المراكز التصنيعية الكبرى على الساحل بينما نجد على الصفحة الرابعة مقالا يصف التزام الولايات المتحدة بسياسة مواجهة الاسلاميين و التهديد الاسلامي في اطار استراتيجية الحرب على الارهاب التي لا تنتهي. تحولت بلايين الدولارات من اموال دافعي الضرائب الى السياسة العسكرية التي استهدفت شن الحروب على الدول المسلمة و احتلالها وبدون ادنى فائدة للولايات المتحدة(2) بينما تسعى الصين حثيثا لتطوير اقتصادها المدني(3). وبينما يدعم البيت الابيض والكونجرس سياسات دولة اسرائيل الاستعمارية العسكرية(4)التي لاتمثل شيئا يذكر سواء كسوق او كمصدر للمواد الخام مما يؤدي الى تغريب 1.5بليون مسلم وجرح مشاعرهم(الفاينانشيال تايمز ص7) ينمو الناتج القومي الاحجمالي الصيني 10اضعاف على مدى 26سنة(الفاينانشيال تايمز ص26) وبينما تخصص الولايات المتحدة 1.4تريليون دولار لوولستريت والمؤسسة العسكرية،مما يفاقم من العجز في الموازنة و يضاعف البطالة و يستحضر الكساد والركود(الفاينانشيال تايمز ص12) تطلق الحكومة الصينية حملة تحفيز اقتصادية(5)تستهدف التصنيع المحلي و قطاعات التشييد والتعمير مما يؤدي الى نمو ايجابي مقداره 8% في الناتج القومي الاجمالي و انخفاض واضح في البطالة و يؤدي بالتبعية الى حفز الاقتصاديات المرتبطة بالصين في امريكا اللاتينية وآسيا و افريقيا (نفس الصفحة).و بينما تنفق الولايات المتحدة الاموال والموارد الافراد من اجل الانتخابات الصورية في الدول العميلة في العراق وافغانستان و تشارك في مفاوضات لا طائل من ورائها فيما بين شريكتها العدوانية المتصلبة المدللة اسرائي وعميلها الفلسطيني العقيم نجد ان الحكومة الكورية تدعم كونسورسيوم برئاسة مؤسسة الطاقة الكهربية الكورية لينجح في الفوز بصفقة بقيمة 20.4مليون دولار لبناء محطة نووية في الامارات مما يفتح الطريق لعقود اكبر في المنطقة. (الفاينانشيال تايمزص13).
و بينما تنفق الولايات المتحدة 60بليون دولار على الشرطة الداخلية و مراقبة المواطنين و تضاعف عدد مؤسسات الامن الداخلي العاملة في الولايات المتحدة بحثا عن ارهابيين مزعومين ، نجد ان الصين تستثمر 25 بليون دولار لدعم علاقتها في مجال الطاقة مع روسيا(فاينانشيال تايمز ص3).
و تعكس القصة التي تحكيها لنا القراءة السريعة لعدد وحيد من الفاينانشيال تايمز واقعا اعمق وتوضح الانقسام العميق الحادث في العالم اليوم. ستصل الدول الاسيوية بزعامة الصين الى مرتبة القوى الاقتصادية العظمى في العالم على اساس من استثماراتها الهائلة داخليا وخارجيا في مجالات التصنيع و النقل و التقنية و التعدين و معالجة المواد الخام . في المقابل نجد ان الولايات المتحدة هي قوة عالمية متراجعة وفي انهيار مجتمعي مستمر نجم عن سياستها الخرقاء التي تستهدف بناء الامبراطورية عبر القوة العسكرية و اقتصادها المتمحور حول القطاع المالي و المضاربة بشكل اساسي:
أ- تبحث واشنطن عن عملاء محليين صغار في آسيا بينما تعمل بكين على توسيع نطاق اتفاقيتها الكبرى مع القوى الاقتصادية العظمى مثل روسيا و اليابان و كوريا الجنوبية و غيرها
ب- تستنزف واشنطن مواردها المحلية و تخرب اقتصادها لاجل تمويل حروب عبر البحار . بينما تقوم بكين بتمويل عمليات تعدين وتصنيع موارد معدنية و بحث عن الطاقة لتوسيع نطاق سوق العمل المحلي و زيادة قدراتها التصنيعية
ج- تستثمر الولايات المتحدة في التقنية العسكرية التي تستهدف الثوار المحليين الذين يقاومون الانظمة العميلة للولايات المتحدة و تستثمر الصين يف التقنية المدنية لزيادة قدرة صادراتها التنافسية
د- بدأت الصين في اعادة هيكلة اقتصادها من اجل تنمية الجزء الداخلي من البلاد و هي تخصص الكثير من الموارد والانفاق الاجتماعي لمواجهة مشاكلها الكبيرة فيما يخص الفوارق الهائلة في الدخول و تفشي عدم المساواة بينما تقوم الولايات المتحدة بالاستثمار المهول في القطاع المالي الطفيلي من اجل انقاذه بالرغم من انه قد خرب الصناعات الامريكية (عبر تخريب الاصول عن طريق الدمج و الاستحواذ(و لاهم له الا المضاربة على المبتكرات المالية بدون تأثير حقيقي على العمالة و الانتاجية و التنافسية.
ه-
تتزايد حروب الولايات المتحدة وقواتها العسكرية في الشرق الاوسط(6) و جنوب آسيا(7) و القرن الافريقي (8)والكاريبي (9)في الوقت الذي تقدم فيه الصين استثمارات وقروض ميسرة تربو على 25 بليون دولار لاجل بناء البنية التحتية و استخلاص المعادن و انتاج الطاقة و بناء مصانع تجميع في افريقيا و شتى بقاع الارض.
و- توقع الصين اتفاقات تجارية مع ايران و فنزويلا و البرازيل و الارجنتين و شيلي والبيرو و بوليفيا لتضمن الحصول على الطاقة و المعادن والمواد الخام الزراعية الستراتيجية بينما تقدم امريكا 6بليون دولار الى كولومبيا (10)كمعونة عسكرية و تحصل على 7 قواعد عسكرية هناك من الرئيس اوريبا لاجل تهديد فنزويلا و تدعم انقلابا عسكريا في دولة هندوراس الصغيرة و تدين البرازيل و بوليفيا لانهما تعملان على تنويع علاقاتهما الاقتصادية و زيادة الروابط مع ايران.
ز- تزيد الصين من علاقاتها الاقتصادية مع اقتصاديات دول امريكا اللاتينية الدينامية و التي تضم اكثر من 80%من سكان المنطقة بينما تشارك الصين نظام الحكم الفاشل في المكسيك (11)الذي يحمل بجدارة لقب اسوء اداء اقتصادي في العالم الغربي و الذي تربطه علاقات قوية مع عصابات تجارة المخدرات المتغلغلة في جهاز الدولة.
استنتاج بديهي:
ليست الصين دولة رأسمالية استثنائية. فالعمال مستغلون في ظل رأسمالية الدولة الصينية ، و الفروق في الثروة و مستويات المعيشة رهيبة، ويتم طرد الفلاحين من اراضيهم لافساح المجال لمشروعات السدود العملاقة و الشركات الصينية تستخلص المواد المعدنية و غيرها من الموارد الطبيعية في العالم الثالث(12). بيد ان الصين خلقت ملايين الوظائف و قللت من الفقرعندها بمعدلات متسارعة لم تحدث من قبل في تاريخ العالم. وتقوم البنوك والمصارف الصينية اساسا بتمويل الانتاجو الاستثمارات الانتاجية. و لا تغزو الصين وتقصف وتدمر البلاد الاخرى. في المقابل ارتبطت الرأسمالية الامريكية ارتباطا وثيقا بآلة عسكرية جهنمية تمتص رحيق الحياة من الاقتصاد المحلي و تخفض من مستويات المعيشة لاجل تمويل حروبها الخارجية التي لاتنتهي. وقد خرب قطاع النار (13)الاقتصاد الانتاجي طالبا الربح من خلال المضاربة و الواردات الرخيصة. تستثمر الصين في البلاد البترولية الغنية و الولايات المتحدة تهاجم هذه البلاد. و تبيع الصين اطباقا و اواع ليحتفل الافغان باعراسهم بينما تقصف الطائرات الامريكية بدون طيار هذه الاحتفالات. تستثمر الصين في الصناعات الاستخراجية(14)لكن على العكس من المستعمرين الاوروبيين السابقين فهي تبني السكك الحديدية و تشق الطرق و تعمر الموانيء و المطارات و توفر قروضا ميسرة للدول التي تتعامل معها.ولا تمول الصين صراعات عرقية مسلحة ولا تمردات ملونة مثلما تفعل المخابرات المركزية. وتمول الصين نموها الاقتصادي تمويلا ذاتيا و ايضا تفعل نفس الشيء لتمويل وتطوير تجارتها الخارجية و نظام النقل والمواصلات عندها وفي نفس الوقت تغرق الولايات المتحدة تحت وظأة دين خارجي وداخلي يتجاوز عدة تريليونات من الدولارات وذلك لاجل تمويل حروبها التي لا تنتهي و انقاذ مصارف وبنوك وولستريت المفلسة التي انهكت وخربت الاقتصاد وتفعل هذا بينما تزداد نسبة البطالة و يفقد الملايين من العمال وظائفهم.
ستنمو الصين وتمارس قوتها عبر السوق و ستنخرط الولايات المتحدة في مزيد من الحروب في طريقها للخراب و التعفن الداخلي. و يرتبط نمو الصين المتنوع بالعديد من الشركاء الاقتصاديين الديناميين بينما ترتبط العسكرية الامريكية بدول المخدرات و امراء الحرب و مقاولي الانفار في جمهوريات الموز(15) و الاسوء من بين هؤلاء الشركاء هو النظام العنصري في اسرائيل.
تداعب الصين احلام المستهلكين في كل العالم بينكما تخلق الولايات المتحدة الارهابيين يف كل انحاء العالم ايضا
قد تحدث ازمات اقتصادية في الصين ولا نستبعد حدوث اضطرابات وتمردات عمالية لكنها تمتلك الموارد الاقتصادية القادرة على معالجة واحتواء هذه المشاكل. بينما الولايات المتحدة تعاني اليوم من ازمة و ربما يحدث بها تمردات داخلية ايضا لكنها انهكت امكانياتها على الاقتراض و نقلت كل مصانعها للخارج و كل قواعدها العسكرية في محختلف بقاع المعمورة هي اهداف و معرضة للخطر و لا تمثل موارد و اساس اقتصادي.لا توجد بالولايات المتحدة مصانع تكفي لاعادة تشغيل عمالها اليائسين وقد نرى في القريب العاجل العمال يحتلون المصانع الفارغة و يعلنون العصيان المدني(16).
لكي نعود دولة حقيقية عادية علينا ان نبدء من جديد فنغلق كل البنوك الاستثمارية و القواعد الاستعمارية و نعود الى امريكا. علينا ان نبدء المسيرة الطويلة نحو اعادة بناء صناعتنا لتلبية احتياجاتنا المحلية و العيش في اطار بيئتنا المحلية. و نتخلى عن بناء الامبراطورية في سبيل بناء جمهورية ديمقراطية اشتراكية.
متى يكون بوسعنا ان نفتح الفاينانشيال تايمز او غيرها من الصحف اليويمية لنقرء عن قطار سريع يربط الساحل الشرقي بالغربي ويقطع المسافة بين نيويورك و بوسطن في اقل من ساعة؟؟متى تمون مصانعنا محلات المنتجات طويلة العمر؟ متى سنبدء في بناء مولدات الطاقة الهوائية والشمسية و الطاقة الناتجة من المحيط؟ متى سنتخلى عن قواعدنا العسكرية الخارجية و نترك امراء الحرب ومهربي المخدراتوالارهابيين يواجهون عدالة شعوبهم؟؟؟
هل سنقرء هذا يوما ما في الفاينانشيال تايمز؟؟؟
لقد بدء الامر في الصين
بثورة
بتراس
يناير 2010
تعليق المترجم
هل يمكن الكلام هنا عن تغير جديد في مركز الثقل العالمي يشهده العالم بعد نقطة تمفصل اساسية هي انهيار الايديولوجية اللبرالية الجديدة؟؟؟وفشل سياسات اعادة الهيكلة و التركيز على الرأسمال المالي في اخراج الراسمالية من ازمتها المزمنة و حل مشكلتها الاساسية التي رآها كينز و شومبيتر و غيرهما من الاقتصاديين الكلاسيكيين ناهيك عن ماركس ومدرسته الا وهي مشكلة انخفاض الربحية و تراكم فائض القيمة و عدم القدرة على تدويره اي الركود؟؟؟؟
stagnation
إذا امكن القول وفقا لسمير امين في كتابه الهام المتوسط في النظام العالمي (1988)ان العالم قد شهد انتقالا لمكز الثقل الاستعماري من شرق الاطلسي الى غربه بعد الحربين العالميتين فهل يمكننا الآن ان نقول ان العالم يشهد انتقالا مماثلا من غرب الاطلسي الى شرق الهادي؟؟؟؟
السؤال في تقديري هو لماذا الصين؟؟؟
لمحاولة الاجابة على هذا السؤال اتصور انه يجب علينا الرجوع الى فترة الستينات و السبعينات
فمع تفاقم الازمة الامبريالية وتصاعد حرب فيتنام حدث خلل كبير في التوازن الرأسمالي العالمي ادى بشكل ما الى نمو قطاع الصادرات والتصنيع الياباني و الالماني بسبب اعتماد الامبريالية الامريكية على الدولتين كمورد لها لتقصير خطوط امداد حروبها الفاشلة في الهند الصينية
امتصت الولايات المتحدة الازمة عبر اجراءات مالية في عهد نيكسون و ايضا عبر الانسحاب من الهند الصينية بعد ان حولتها الى ارض محروقة.
و عندما عادت الازمة للظهور مرة اخرى في الثمانينات جاءت حرب الخليج الثانية او حرب تحرير الكويت لتساعد امريكا على التخلص من منافسيها الرأسماليين اي اليابان و المانيا و تمتص الاحتياطي عندهما و معهما ايضا اموال الدول النفطية
اتى العقد الاخير من القرن العشرين ليشهداستمرار السياسات المالية التي مثلت حلا سحريا يؤجل الازمة و يجدد شباب الرأسمال المالي باستمرار عبر القروض والتمويل العقاري و المضاربات و استمرار سياسة نقل المصانع بحثا عن الايدي العاملة الرخيصة لتوفير نفقات الانتاج ومثلت الصين بديلا مقبولا فهي شبه متخلفة و يمكن الضغط عليها سياسيا و ايضا من الممكن الاستمرار في سياسة التهديد العسكري و بناء و توسيع الامبراطورية عبر القوة العسكرية بدون مزاحمة منها.
لكن الصين على ما يبدو تعلمت من دروس الماضي سواء من الاستعمار القديم الكولونيالي الاوروبي او من دروس منافسة القوة العظمى على المستوى الاقتصادي مثلما حدث مع اليابان والمانيا
لذا عندما عادت الازمة مرة اخرى مع انفجار الفقاعات العقارية و انهيار النظام المالي لم يتأثر الاقتصاد الصيني كثيرا وعاود الصعود مرة اخرى.
لذا اتصور ان السؤال الذي افتتحنا به هذه الخاتمة مازال قائما
هل نشهد انتقالا جديدا لمركز الثقل ؟؟؟
الله اعلم.
ملاحظات
1-عملة الصين اليوان وقد رفضت الحكومة الصينية مؤخرا رفع قيمتها و كان هذا اثناء زيارة اوباما للصين
2-بالطبع هناك مستفيد من هذه الحالة او كما قال تشومسكي في اكثر من عمل له ان سياسة كل الحكومات الامريكية هي زيادة افقار الفقراء و زيادة اثراء الاثرياء. والمستفيد هنا هو شركات السلاح والتقنيات الفائقة و البنوك اي الشريحة المتحكمة في الرأسمالية الامريكية و التي تساهم بالقدر الاكبر في تمويل الحملات الانتخابية على كل المستويات
المقصود هنا هو ان هذه السياسات لا تفيد الاقتصاد الامريكي ككل ولا المجتمع الامريكي ككل.
3-ممكن جدا ان نذكر هنا السودان كمثال حاضر في الاذهان وقريب من القلب . حيث قامت الصين باقراض السودان وانعاش الاقتصاد السوداني في مقابل استغلال الحقول النفطية وتطوير مشروعات الري والاستصلاح هناك
4-تقوم اسرائيل بدورها كدولة وظيفية لحماية المصالح الامريكية الاستراتيجية في المنطقة لكن هذا لا يمنع من وجود تناقضات ثانوية قد تزيد فيما بين الدولة الوظيفية وبين الدولة الراعية وهذايعود اساسا الى التناقض الكامن في مفهوم الدولة الوظيفية على المستوى البنيوي
بمعنى ان الدولة كمفهوم تعني وجود مجتمع و مصالح و طبقات اي تعني وجود تناقضات بينما الوظيفة تعني بشكل ما نوع من التجانس و الدور
5-انجزت الصين عملية الخروج من الازمة التي ضربت العالم بدءا من 2007 عبر الاستثمار في البنية التحتية وتوسيع نطاق استثماراتها في المواد الخام والصناعات التعدينية في مختلف انحاء العالم
6-الاشارة الى فلسطين والعراق وجنوب لبنان والحرب المزمعة ضد ايران
7-هنا الاشارة الى باكستان وافغانستان
8-الصومال و اثيوبيا واريتريا و كينيا
9-هندوراس و هاييتي وغيرهما
10- لدعم الحرب التي يشنها اوريبا ضد الفارك وايضا لتهديد فنزويلاوالاكوادورالتي اغلقت القاعدة الامريكية
11-تعتبر المكسيك افشل الدول على المستوى الاقتصادي في نصف الكرة الارضية الغربي
ممكن في هذا الصدد مراجعة مقالات جون روس في كاونتربانش
12-تعلم الصينيون الدرس من الاستعمار البريطاني والهولندي الذي كان استعمارا بغرض النهب ولم يكن الغرض الاساسي منه هو الاستيطان على عكس الاستعمار الفرنسي
جمعت الصين بين محاسن السياستين اي الارتباط بالدولة المستعمرة عبر القروض و المصالح و ايضا تعمير البنية التحتية و زيادتها من اجل تسهيل التصدير و ربط الدواخل بالموانيء
13-الاسم الذي يطلق على قطاع استثمارالمال و التأمين و العقارات وهو اختصار للاحرف الاولىبالانجليزية
F I R E
التي تعني نار كما نعرف و المعنى الكامن هنا هو ان هذا القطاع يحرق الاقتصاد الحقيقي
14- نظرية فائض القيمة العالمية كما طورها الان كريبو و سمير امين و العديد من منظري التبعية و التي تعني تصدير المواد الخام و استيراد المواد المصنعة
15-جمهوريات الموز هي جمهوريات امريكا الوسطى والكاريبي و ترجع التسمية لكونها كانت تعد مزرعة لشركة الفواكه المتحدة من اجل زراعة الموز من اشهر تلك الجمهوريات جواتيمالا وهندوراس و السلفادور
16- ربما يعتقد البعض ان هذا امر مستبعد لكن الدلائل الكثيرة سواء المستمدة من تاريخ الحركة العمالية الامريكية قبل تدجينها و الحالية تؤكد امكانية حدوث العصيان المدني وعلى مستوى واسع
و احداث الستينات ليست ببعيدة