Quantcast
Channel: ossama-elkaffash-articles
Viewing all 80 articles
Browse latest View live

Article 24

$
0
0













الصور باديلا يحمل الدب الذهبي ،من فيلم الكتيبة المميزة ،افيش الطبل

2

الافلام وما ادراك ما الافلام ؟؟؟

اتصور ان ما يدعو محبي السنيما الى الذهاب الى المهرجانات وانتظارها ليس مشاهدة النجوم او التصوير معهم و ليس الرغبة المحمومة في تنشيط السياحة الداخلية و ليس ايضا الاهتمام بشراء افلام او الدخول في سوق وبزنس صناعة الفرجة بمختلف اوساطها العديدة من فيديو و سنيما و ديجيتال و غيرها

اعتقدت دائما ان الافلام هي السبب الذي يدعو عشاق الفن السابع الى الذهاب الى المهرجاناتالدولية حيث تتاح لهم فرصة رؤية احدث افلام الفن والتجريب و تلك الافلام غير المتاحة في السوق التجاري او عبر شاشات الفضائيات

ربما هناك فضول للحديث مع نجوم معينة وهنا اتكلم عن مخرجين او نقاد و لا اتكلم عن النجوم بمقياس الجمهور المعتاد من ممثليناو ممثلات او مطربيناو مطربات الخ لكن يظل الشغف الاساس هو الفرجة في القاعة المظلمة او هذا ما كنت ومازلت اعتقده و ربما كنت على خطأ.

و حيث ان ما فاته اللحم فعليه بمرقه سأحاول هنا ان انقل للقاريء العربي نبذة مختصرة عن اهم الافلام التي عرضت في مهرجان زغرب. و هي في تقديري 3

فيلم الافتتاح والحائز على جائزة المهرجان و هو بلجيكي ناطق بالفرنسية من اخراج وتأليف و تمثيل دومينيك آبل و فيونا جوردون و برنار رومي والفيلم اسمه رومبا على اسم الرقصة اللاتينية الشهيرة

وفيلم الختام الكتيبة المتميزة و الحائز على جائزة الدب الذهبي الكبرى في مهرجان برلين هذا العام و هو برازيلي ارجنتيني من اخراج المخرج البرازيلي جوزيه باديلا

وفيلم الطبل الحائز على جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان عام1979 و من اخراج الالماني فولكر شلوندورف و هو عن رواية الاديب الالماني الكبير الحائز على جائزة نوبل للادب جونتر جراس

3 افلام و 3 جوائز فماذا نقول عنها؟؟؟؟

1- رومبا:

دومينيك و فيونا مدرسان في مدرسة ابتدائية حياتهما عادية و عشقهما الاساس هو رقصة الرومبا و دخول مسابقات هذه الرقصة و الفوز بجوائزها. عند عودتهما من مسابقة محلية بعد الفوز بجائزتها تنقلب سيارتهما في حادثة عبثية حيث كانا يريدان تفادي الاصطدام بشخص يريد الانتحار. يؤدي هذا الحادث المأساوي الى ان تفقد فيونا ساقها و يفقد دومينيك ذاكرته

و تزداد عبثية الاحداث و المصائب تتوالى بشكل يذكرنا بالميلودراما الفجة وكأن صناع الفيلم يهدفون الى استخدام الميلودراما في شكل نقيض اي لخلق كوميديا و توليد الضحكات.

حاول صناع الفيلم استخدام كل حيل السلابستيك القديمة من خلال مشاهد اقل ما يقال عنها انها مفتعلة بلا ادنى انفعال حقيقي

وايضا حاولوا استخدام تقنيات متعددة مثل تقنية المايم او التمثيل الصامت و المهرج و الاستعراض و المسرح الاسود التشيكي و في تقديري بلا فائدة لان الفشل يكمن اساسا في بنية الفيلم و طريقة السرد التي تتوه بين محاولة عقلنة الاحداث و محاولة مسخرتها.

كل شي ء في الفيلم متوقع و لا توجد الدهشة التي تجعل المشاهد يترقب مكاذا سيحدث

تعالت بعض الضحكات المفتعلة من بعض اركان القاعة اثناء العرض وهي دليل آخر على ان الادعاء و الافتعال له جمهوره و محبيه و طبعا فوز هذا الفيلم باي جائزة بل عرضه كفيلم الافتتاح هو الدليل الاكبر.

2- الكتيبة المتميزة

على النقيض من رومباالذي يحاول التأنق و يستجدي الضحكات يقدم خوسيه باديلا البرازيلي

فيلما خشنا عنيفا يستخدم تقنية اقرب ما تكون الى الفيلم التسجيلي الوثائقي الذي يقدم واقعا معينا بكل ما فيه من خشونة و عنف ودم و عفن وفساد و دون محاولة اتخاذ مواقف .

الفيلم الذي هو الجزء الثاني كما قال مخرجه من ثلاثية تتعرض للعنف المرعب في البرازيل واسبابه و كان الفيلم الاول من الثلاثية هو الفيلم التسجيلي الحافلة رقم 174 عام 2002 و بسببه حظي مخرجه بشهرة عالمية واسعة مكنته من تحقيق الفيلم الثاني و الذي اراده تسجيليا ايضا و لكن رفضت الشرطة في البرازيل السماح بعمل الفيلم كما يريد فلجأ الى الروائية و الخيال الذي هو اقل من الواقع!!!

الفيلم يحكي قصة شابين يريدان الالتحاق بالشرطة و يصطدمان بالكثير من المشاكل بسبب الفساد المتفشي فيها و ينتهي بهما المطاف الى الانضمام الى فصيل خاص من نخبة الشرطة لمكافحة تجارة المخدرات

العنف هو الطابع الاساسي المسيطر على الفيلم والدم حدث ولا حرج و القتل اسهل من تدخين السجائر بل ربما كان عقاب تدخين سيجارة هو الاعدام فورا.. الفيلم مهم و مؤلم بكل المقاييس و لكن يظل التساؤل الاساسي بالنسبة لي هو مع من نقف؟؟ وهل من الممكن ان يظل المرء محايدا بلا موقف او موضوعيا تماما في عالم مثل الذي يكشف عنه الفيلم؟؟؟؟

اسئلة راودتني بعد انتهاء العرض و لم اجد اجابات عليها و اعتقد اني لن اجد لها اجابات.

الطبل و استعادة الذكريات :

كلما شاهدت الطبل اجدني مستغرقا تماما في هذا الفيلم المذهل الاخاذ في بساطته و انسيابيته الرائعة .و كأني اشاهده لاول مرة وتأخذني مشاهد الجدة و هي تستر الهارب تحت ردائها و تشوي البطاطس و تأكلها وتتأوه و لا نعرف من ماذا..؟؟؟ و الام وهي تنتقل بين ذراعي الزوج الالماني و العشيق /الحبيب الاول البولندي في المدينة التي لا تعرف الى اي بلد تنتمي جدانسك / دانزج و اوسكار يصرخ من برج كاتدرائية فيدمر زجاج النوافذ مذكرا المتفرج بليلة الزجاج المنكسر في ميونيخ وصعود النازية و خيانة امة باكملها مرتين في اقل من ربع قرن من الزمان!!!

يحكي الفيلم لمن لا يعرفه قصة اوسكار الطفل /الرجل الذي قرر منذ عيد ميلاده الثالث ان يظل صغيرا لكي لا يواجه عالم خيانات البالغين و بفضل حادثة سقوطه يستمر اوسكار طفلا يلعب بطبله و يكتسب قدرة خارقة على تحطيم الزجاج بصوته

يصير اوسكار شاهدا و نذيرا في عالم الكبار و يرصد الصعود المؤلم للنازية و صعود المانيا بعد الحربالعالمية الاولى ثم احتراقهاوحرق العالم معها في نيران الحرب الثانية

شلوندورف لجأ الى عالم السيرك الاسطوري كعالم مواز عاشه اوسكار و عاش معه فيه مجموعة الاقزام الذين استغلهم جوبلز للدعاية للنازيةو الترفيه عن قواته

هل كان جراس و من ثم شلوندورف يشير من طرف خفي الى الدور الذي لعبه فنانون ومثقفون في خدمة النازية؟؟؟

كان عرض الفيلم الذي صور عام 1979 في كرواتيا التي كانت آنذاك جزءا من يوغوسلافيا السابقة في برنامج صور في كرواتيا بمثابة استعادة ذكريات جميلة و تنشيط ذاكرة تعبت من كثرة العنف و سئمت من استشراء الادعاء باسم الفن.

Article 23

$
0
0










بياع الفول السوداني
عن الوعي الطبقي والوعي الوطني

الفن بعد ثورة 1919
الى الصديق العزيز الدكتور حمدي عبد الرحمن استاذ العلوم السياسية الكبيرواخصائي الشؤون الافريقية
و الى الصديق العزيز الدكتور عبد الله رمضان الشاعر و الناقد
و الى الصديق الدكتور جورج بهيج


مقدمة:
هذا النص كما اخبرنا الصديق دكتور جورج هو جزء من عمل مسرحي غنائي لانعرف عنه شيئا لانه مفقود من ضمن مفقودات التراث الغنائي و المسرحي و الاذاعي و السنيمائي اي باختصار السمعيبصري
هل يمكننا تحليل النص بصرف النظر عن سياقه الدرامي؟؟؟
اعتقد انه سؤال مشروع و الاجابة بنعم في تقديري لعدة اسباب اولها يتعلق بطبيعة النص المتاح لكونه حوار درامي غنائي او باستخدام التعبير الاذاعي صورة غنائية متكاملة اي يستحق التحليل في ذاته.
ثاني الاسباب يتعلق باسلوبية بديع خيري و التي تنتمي تاريخيا لمرحلة ثورة 1919 و ما تلاها حيث سنجد ان الكثير من النصوص والاغاني تتسم ببعد رمزي و اسقاطات ذات طابع اجتماعي و سياسي يدخل في اطار مرحلة التحرر الوطني و لا يجب هنا ان يغيب عن اذهاننا انتماء بديع السياسي الذي اشار اليه الكثير من المؤرخين والذي يتجلى في العديد من نصوصه الا وهو الانتماء للحزب الشيوعي المصري الاول . حزب حسني العرابي و مبارك عبده فضل و غيرهما ممن اسسوا الحركة الشيوعية المصرية واشار اليهم الدكتور رفعت السعيد في كتاباته . وكان بديع احيانا كثيرة يستخدم النص الغنائي داخل بنية نص درامي لتمرير افكار و طروحات ذات ابعاد سياسية و اثر هذا في سيد درويش كثيرا و ربما نجد ان نص يا بلح زغلول اقرب هذه النصوص الى الذهن.
و ثالث هذه الاسباب يتعلق باسلوبية العصر عامة فاسلوب الاشارة والاسقاط و الترميز كان اسلوبا سائدا في هذا العصر بشكل كبير و نجد امثلة كثيرة في اغنيات مثل يانوم و توتي و مصرنا وطنا و انتصارك يا منيرة الخ بل في نصوص درامية مثل اشمعنى ولو الخ... ومن ثم فان تحليل النص المنفرد امر في تقديري مشروع بل وضروري من حيث ان هذا هو المتاح حاليا و لا يمنع التحليل الخاص بهذا النص من تحليلات اخرى سواء له حاليا او له فيما بعد اكتشاف النص الدرامي كاملا ان حدث او له في اطار النص الدرامي ان حدث وتوافر كما اسلفنا.
النص:
البائع
يامقلي خالص على الصواني
يالوز بلدنا يافول ياسوداني
أفنديه
الحمد لله اللي أدينا
لقينا في سكتنا تسالي
قرب يامرقص وإنتي ياأمينه
آدي بتاع الفول أهو قبالي
بنات
خد ياجدع يابتاع الفول
بتبيع بكام تعا قرب قول
وريني فوله م اللي معاك
اخلص بس الناس شايفاك
البائع
اللي يعرف أبويا يقول له
تمللي المصري الناس باصين له
أنا مش باسرق راح أخاف ليه
معايا سوداني وخدنا عليه
أفنديه
داحنا كمان واخدين على فولك
بحق اسمه من غير قطع قولك
اشمعنى هي ترد عليها
علشان نتايه اسم النبي حولك
البائع
لا مؤاخذه حاكم العاده الجاريه
الست قبله نشوف طلباتها
سوى تكون بيضه أو جاريه
أهو الغرض نقضي واجبتها
بنات
برضه كلام بتقوله معقول
وأنت خساره في بيعك الفول
قول لي بكام بتبيع الكيله
والله باينك صاحب عيله
البائع
صاحب عيله وصاحب ذمه
معايا سوداني تحبه الأمه
مش بيقولوا احنا بلادي فول
وأنا أشرف لي أبيع الفول
أفنديه
كده الحداقه براوه على دينك
مادام بتشقى بعرق جبينك
خلص بقى للست البيعه
كده زي احنا ما شايفينك
البائع
أجيب بكام ولا إنتي نسيتي
قوام ياستي ألا ورايا بيتي
أنا خايف لتكوني نادهالي
ونسيتي يامصريه سوداني
الجميع
لا ارجع اوعى تقول كده تاني
بذمتي وديني وأيماني
مهما العوازل قالوا أو عادوا
عمر ابن مصر ماينســـاك
أبدا ياســـــــــــــــــوداني

التحليل:
يامقلي خالص على الصواني
يالوز بلدنا يافول ياسوداني
بداية معتادةنداء من نداءات الباعة الجائلين و التي راينا مثيلاتها في يا شوي العصاري و يا بلح زغلول و يا برتقان و فيها نفس وسيلة تحويل السلعة الى شخص اي تشخيص السلعة لتقريبها للنفس و لكن نتوقف هنا عند المقابلة الطبقية بين اللوز/ السوداني
وربط الفول السوداني بمصر و باعتباره لوز بلدنا!!! و هنا نجد اننا امام اسقاط سياسي تلعب فيه تقنية التشخيص دورا هاما حيث التشخيص ليس للسلعة فقط ! و لكن السلعة هي مجرد وسيلة للتعبير اي كناية عن البلد /الجزء المراد فصله عن الكل / القطر و اعتبار هذا السودان/ السوداني درة و جوهرة التاج المصري ولوز بلدنا
و اتصور ان دخول الافندية الفوري و عدم التكرار مرجعه محاولة توصيل الاسقاط الفوري وايضا محاولة المداراة و التحايل لابعاد الاسقاط ونفي التهمة!!! اي غرض مزدوج فمنيريدان يفهم سيفهم ومن نريدهالا يفهم فدعنا نراوغه ونضلله و لانعطيه فرصة القمع!!!
الحمد لله اللي أدينا
لقينا في سكتنا تسالي
قرب يامرقص وإنتي ياأمينه
آدي بتاع الفول أهو قبالي
هنا نود الاشارة الى الاسماء و دلالتها الدينية و الجنسية
مرقص وامينة و هنا دلالة على العلاقة بين المسلمين والاقباط وايضا على تواجد المرأة وسط جماعات الافندية السائرين اي تغير الدور الجنسي التقليدي

خد ياجدع يابتاع الفول
بتبيع بكام تعا قرب قول
وريني فوله م اللي معاك
اخلص بس الناس شايفاك
هنا تتدخل الفتاة ويبدو من النص انها في بناية او مسكن فهي تنادي عليه ليأتي اليها و هي تستخدم كلمة فولة بالمعنى الدارج اي ماذا تخبيء حيث ان الفول السوداني موجود داخل قشرته و مختفي عن النظر و يكنى عن الذكي الاريب بانه يفهم الفولة
المداراة هنا تلعب دورا مزدوجا فمن جهة ترسل رسالة ضمنية للمتلقي بوجود مستويات متعددة للنص و من جهة تلعب دورا دراميا في مستويات العلاقات بين الجنسين فهنا الانثى في البناية تتدلل و تظهر خشيتها من رؤية الناس على النقيض من الفتاة التي تسير مع مجموعة الافندية
اللي يعرف أبويا يقول له
تمللي المصري الناس باصين له
أنا مش باسرق راح أخاف ليه
معايا سوداني وخدناعليه
رد البائع هنا من قبيل الرد على الكناية بكناية فعبارة اللي يعرف ابويا يقول له تعني انا لا اخشى شيئا و هذا الرد يأتي كرد على السياق الدرامي او الحوار مع الفتاة ولكنه ايضا يمثل اسقاطا سياسيا و اضحا
فالمصري الناس باصين له اي ينظرون له و يتابعون ما يفعل او يحسدونه حتى
و التأكيد على جرأة المصري / البائع يأتي من كونه لا يفعل شيئا نكرا فهو لا يسرق فلماذا يخاف
كل ما معه هو
سوداني و قد تعود عليه ولا يمكن له الانفصال عنه
داحنا كمان واخدين على فولك
بحق اسمه من غير قطع قولك
اشمعنى هي ترد عليها
علشان نتايه اسم النبي حولك
تدخل الافندية يعيد الحوار الى سكة العلاقة بين الجنسين و في تصوري ان هذا ايضا عودة لمداراة ومداورة المحتل و الاحكام العرفية و الهروب من البعد السياسي
مرة اخرى اسلوب الشعب في التعامل مع الطغاة بشكل لا يضره او على الاقل لا يؤدي الى مأساة
لا مؤاخذه حاكم العاده الجاريه
الست قبله نشوف طلباتها
سوى تكون بيضه أو جاريه
أهو الغرض نقضي واجبتها
رد البائع مرة اخرى يتلاعب بين العلاقة بين الجنسين اي البعد الاجتماعي و بين العلاقات بين مصر والسودان اي البعد السياسي وهنا لابد ان نفهم ان استخدام لفظة جارية هنا لا تعني عبدة او أمة لكن تعني بعد لوني و هي طريقة تعبير مصرية عتيقة بها بالتأكيد ابعاد عنصرية لكن هنا المقصود بوضوح البعد اللوني
هنا يجدر بنا ان نذكر ان البائع السريح يتميز بوعي وطني سياسي عال و هو ما سـؤكده كلمات الفتاة فيما بعد و هذا يوضح ايضا البعد الطبقي الذي اعتقد انه مقصود عند بديع خيري
برضه كلام بتقوله معقول
وأنت خساره في بيعك الفول
قول لي بكام بتبيع الكيله
والله باينك صاحب عيلة
الفتاة تؤكد هنا على وعي البائع و انه لا يستحق ان يبيع الفول اي المقصود لايستحق وضعه الطبقي ولا فقره و اضطراره للسعي لجلب الرزق لاسرته
صاحب عيله وصاحب ذمه
معايا سوداني تحبه الأمه
مش بيقولوا احنا بلادي فول
وأنا أشرف لي أبيع الفول
رد البائع مرة اخرى يجرنا لفكرة الاسقاط السياسي و الدفاع عن ارتباط مصر والسودان و كذلك الدفاع عن انتمائه الطبقي وعدم الخجل منه
وهو ما يؤكده الافندية
في ردهم الذي يؤكد انتقال الوعي السياسي اليهم بل ايضا قبولهم لحجج و منطقية البائع في اطار العلاقة بين الجنسين
كده الحداقه براوه على دينك
مادام بتشقى بعرق جبينك
خلص بقى للست البيعه
كده زي احنا ما شايفينك
اود ان الفت الانتباه لكلمة براوة التي هي تعريب لبرافو و طريقة التعريب و ايضا لجرأة بديع المعهودة في استخدام اي لهجة بدون تخوف او تحرج
كلمات البائع الاخيرة تعيد الحوار الى الاسقاط السياسي مستخدما علاقة البائع المشتري الذي نساه و يريده ان يتذكره و الجميع يشتركون في التوكيد على الوعي السياسي بالقضية الوطنية
أجيب بكام ولا إنتي نسيتي
قوام ياستي ألا ورايا بيتي
أنا خايف لتكوني نادهالي
ونسيتي يامصريه سوداني

لا ارجع اوعى تقول كده تاني
بذمتي وديني وأيماني
مهما العوازل قالوا أو عادوا
عمر ابن مصر ماينســـاك
أبدا ياســـــــــــــــــوداني
هنا اود فقط ان اوضح ان بديع يستخدم كافة المفردات الدرامية التي بثها في ثنايا الصورة لجعل النص متماسك دراميا فالبائع مثلا يؤكد على ضرورة عودته لاسرته بعد ان عرفنا انه صاحب عيلة و الجميع يؤكدون على حبهم للسوداني وانه لا يمكن ان ينسوه!!!
السؤال الذي يتبادر للذهن ماذا حدث ؟؟؟؟كيف تراجع الوعي السياسي و القومي و لماذا انفصل السودان عن مصر بالرغم من فوز الحزب الاتحادي في الانتخابات التي اجريت عام 1956؟؟؟؟
اسئلة تخرج عن نطاق التحليل النصي و لكنها ايضا مشروعة مثل السؤال الذي بدءنا به تحليلنا!!!
والله اعلم.

Article 22

$
0
0

عن اللغة والترجمة


هذه هي مقدمة آخر كتبي وهو ترجمة مجموعة قصصية للكاتب الكرواتي ضامير قراقاش
المجموعة من نشر دار الكلمة بالقاهرة

مدخل-عن ذكريات صبا ولى:

اتذكر جيدا البرنامج الأذاعي "لغتنا الجميلة" الذي كنت استمع له في السبعينيات و انا اطالع كتب التشريح و علم وظائف الاعضاء، محاولا التركيز في بداياتالعضلات و نهاياتها و علاقات الاجهزة والهرمونات والمحفزات، فاجدني اصغي في انتباه الى كلمات عميد الادب العربي التي يبدء بها البرنامج و التي مازلت اذكر نطقه لها بطريقته المحببة" لغتنا العربية يسر لا عسر و نحن نملكها كما كان القدماء يملكونها"....

حين تحضرني تلك الذكريات اجدني افكر في اشياء كثيرة كنت اعتقد وقتها انها عين الحق ثم تغير رأيي مع مرور الزمن و صرت ارى الكثير من المشاكل فيها بل و ارى بعضها على انها باطل الاباطيل...

من هذه الاشياء قضية استخدام اللهجة المحكية في الكتابة.

لكن قبل الاسترسال في ذكريات صبا وشباب اتصور ان الاجدى هو التوقف عند هذه القضية التي كنت اخال انها شائكة و اعتقد انها لم تعد كذلك.

بداية كنت ارى ان استخدام اللهجة العامية( او المحكية كما افضل ان اسميها الآن) حدث جلل و خطب شديد...و كنت اعتقد انها مؤامرة لتدمير العربية و الخ الخ الخ...

الآن لا اعتقد ان الامر كذلك على الاطلاق و اتصور ان لغتنا العربية ملك لنا كما كانت ملك للقدماء من قبلنا....

ما سأحاوله هنا هو مجرد طرح تساؤلات وليس عرض نظرية ...و هو مجموعة افكار و قضايا شغلتني منذ زمن و ايضا عاودتني كثيرا و حاولت التعامل معها في كتابات متعددة. و مؤخرا فرضت نفسها عليّ بشكل عملي حين واجهتني مشكلة ترجمة الكاتب الصديق ضامر قراقاش القاص و الروائي الكرواتي.

لقد راينا كيف دخلت الفاظ وصياغات من اللغة المحكية الى المكتوبة مع التطور الهائل في القصة العربية القصيرة في ستينيات القرن الماضي. تطور لغة السرد و استخدام آليات و اساليب مستعارة من فنون اخرى طور من الالفاظ المستخدمة ومن طريقة الكتابة . على سبيل المثال استخدام ابراهيم اصلان و بهاء طاهرلالفاظ دارجة محكية في حوارات ابطال قصصهم مثلما الحال في مجموعة خلوة الغلبان لاصلان و مجموعة طاهر الاولى الخطوبة. هنا سنتجاوز عن مرحلة سبقت تلك المرحلة الا وهي مرحلة نجيب محفوظ و يوسف ادريس ويحيى حقي و توفيق الحكيم و محمود البدوي و عادل كامل و فكرة اللغة الثالثة او العربية البسيطة . فما يعنيني اساسا هو اللغة المحكية و هنا اود ان نلاحظ ان هناك عملا هاما ظهر متزامنا مع مرحلة اللغة الثالثة هذه وكان مكتوبا باللغة المحكية بالكامل وهو قنطرة الذي كفر للدكتور مصطفى مشرفة. تراتبية هذه المراحل و تطور استخدام اللغة المحكية في السرد ومن ثم الترجمة هو ما ساحاول ان ارصده رصدا سريعا في الجزء التالي.

مراحل تطور السرد المكتوب في القرن العشرين- محاولة اولية في التصنيف

في تقديري ان القرن العشرين شهد عدة مراحل في ما يمكن انيسمى بعملية تطور استخدام اللغة المحكية في السرد. بداية شهدنا مرحلة الاغراق في المحسنات والالفاظ وما اسماه يحيى حقي ( لغة المن ثمات والبيدأنات) من علامات هذه المرحلة المنفلوطي . واكبت هذه المرحلة على مستوى الترجمة حركة ترجمة نشطةهي استمرار لحركة الترجمة في القرن التاسع عشر و نتيجة للبعثات الكثيرة مع ازدياد التواصل بين المنطقة العربية و اوروبا.

و كان من اهم ثمرات هذه المرحلة على المستوى المؤسسي تاسيس هيئة التأليف و الترجمة و النشر و التي قدمت للمكتبة العربية عشرات الكتب الهامة و كانت مدرسة حقيقية للمترجمين من بعدها و نذكر هنامن بينالمترجمين على سبيل المثال لا الحصر محمد بدران و حسين مؤنس و عبد الحميد يونس و عبد الغفار مكاوي و سمير سرحان و محمد عناني وعبد الحميد بدويغيرهم.

ثم شاهدنا مرحلة اللغة الثالثة و كتابات يوسف ادريس و يحيى حقي و توفيق الحكيم وغيرهم واستمرت مع هذه المرحلة الترجمة على نفس القدر من الجودة و الرصانة وهذا ما دعاني لذكر اسماء مترجمين من اجيال متعاقبة

كان التطور الاهمفي تقديري في لغة السرد هو بداية تطعيم القصة العربية ببعض من الالفاظ المحكية كما ذكرنا و تطور هذا بشكل كبير مع كتاب بدءوا في السبعينات و الثمانينات مثل محمد حسان و احمد والي و يوسف ابو ريا ومرسي سلطان و هذا ايضا على سبيل المثال لا الحصر. في المقابل لم يحدث ان استخدمت اللهجاتالمحكية فيالترجمة و في تصوري ان هذا كان اساسا للخوف الكبير من فعل هذا. و كمثال فبالرغم من جمال ترجمة غالب هلسا لرواية سالنجر "الحارس في حقل الشوفان" الا ان الترجمة تفقد النص هذا جزء كبير من قيمته لان الاضافة الكبرى في النص هي نحت الفاظ جديدة و القدرة على استخدام اللهجة الامريكية المحكية و تجاوز الانجليزية العيارية.

في المقابل نجد ان تمصير العديد من المسرحياتقد اثرى اللهجة المحكية و كتابتها على يد اجيال متوالية من بديع خيري الى بهجت قمر و مرورا بابو السعود الابياري و السيد بدير وغيرهم .

وقد حاولت تقديم تجربة مماثلة في الترجمة في مسرحيتي الكاتب السلوفيني ايفالد فليسار "نورا نورا" و "الكوكب الحادي عشر".

اعتقد ان هذا يعود لان ترجمة المسرحية هدفها الاساس هو ان تمثل وتعرض و ان كانت الترجمة للعربية السلسة او اللغة الثالثة قد اخرجت لنا مسرحيات رائعة كثيرة في سلسلتي المسرح العالمي و روائع المسرحيات العالمية . و اود ان اقول هنا اني اغفلت عمدا التجارب الاخرى في مختلف الدول العربية وقصرت الحديث على مصر لاسباب عديدة اهمها محدودية العرض هنا و ايضا لان الهدف هو طرح اسئلة وتساؤلات اكثر من تقديم بحث علمي محدد. بمعنى ان هذه المقدمة تؤدي غرضها ان ادت لبحث علمي محدد الغرض و الخطة في اي مكان لانها عندئذ تكون قد استثارت الشهية لدى الباحثين على طرق هذه المناطق المحرمة على حد علمي.

لكن اتصور ايضا ان الترجمات كانت عن لغات بها نفس الازدواجية اللغوية مكتوب / محكي و لذاكان من المشروع للمترجم استخدام الفاظ عربية غير محكية لترجمة الفاظ محكية في الاعمال التي ترجمت .

الترجمة من لغة لا توجد بها ازدواجية محكي / مكتوب- تجربة ترجمة ضامر قراقاش:

المشكلة تبدأ عندما تخلو اللغة المترجم منها من الازدواجية تلك . وتلك هي الحال في اللغة الكرواتية. اللغة الكرواتية لغة شابة وهي تتشابه كثيرا مع البوسنية و الصربية حتى ان ابنتي الصغيرة عائشة كانت تشاهد فيلم رسوم متحركةمدبلج للصربية و عندما ارادت ان تطلبه مني قالت لي اريد هذا الفيلم الذي كان يتحدث بالكرواتية التي لا تسمى الكرواتية!!!

هذا التشابه و الاختلاف اقليمي بمعنى انهناك لهجة خاصة لكل اقليم من اقليمي كرواتيا الكبيرين دلماشيا اي الاقليم الساحلي و سلافونيا اي الاقليم القاري و هناك لهجة خاصة لزغرب بل في كل اقليم هناك لهجات متعددة بداخله مثلا سكان فاراجدين وهي مدينة قريبة جدا من زغرب لهم لهجتهم الخاصة جدا و سكان جزر البحر الادرياتيكي ايضا لهم لهجتهم التي قد لايفهمها اهل زغرب بل احيانا لا يفهمها اهل دلماشيا انفسهم ...

الحاصل ان هذا التنوع ينعكس في الكتابة بمعنى ان كل هذه اللهجات المحكية لا تمثل عاميات بل هي مكتوبة. بل ان النقاد هنا في كرواتيا يعتبرون ان استخدام هذه اللهجات هو نوع من التطوير ومن خصوصية الكاتب .

و عندما يريد المترجم تحويل قصص مكتوبة اساسا بهذه اللهجات الى العربية يو اجه مشكلة التعامل مع هذه اللهجاتوهو ماحدث معي عندما بدات في ترجمة مجموعة اسكيمولضامير قراقاش. .هل عليّ ان أحولها الى العربية الفصحى لكن لو فعل هذا تفقد القصص معناها تماما ...هل استخدم اللهجة المحكية كليةواتبع طريق الدكتور مصطفى مشرفة في قنطرة الذي كفر؟؟ لكن هذا ايضا لا يحل المشكلة فالقصة بها مستويين . مستوى السرد حيث صوت الراوي هو السائد وهنا نراه يستخدم الكرواتية بالطريقة التي يدعونها هنا الكرواتية العيارية . و المستوى الآخر هو مستوى الحوار الذي يستخدم فيه لهجة محلية مغرقة في محليتها وبمستويات متعددة تكسب الشخصية سمات اجتماعية وجغرافية و بيئية.

وجدت ان الحل الاقرب للصواب في تقديري هو استخدام العربية الفصحى في السرد و استخدام لهجات محلية محكية في الحوار بل و استخدام ترجمات للاسماء لاعطائها هذا البعد الذي يريده الكاتب .

بمعنى ان التجربة هنا في المزج بين المكتوب / المحكي تقوم اساسا على البعد الدرامي الذي اراده الكاتب اي انني كمترجم اقوم بتحويل نص الكاتب بكل ما يحمله من مستدعيات الى مقابل عربي له مع محاولة الحفاظ على هذه المستدعيات قدر الامكان.

هل نجحت ام فشلت .... الله اعلم

Article 21

$
0
0

النص المقاوم و الغناء الشعبي


مقدمة

من سمع من بيننا عن حسن مختار صقر؟؟
سؤال استنكاري اكثر منه استفهامي
و عندما وجدت الاغنية لم اكن اتوقع هذا النص
ولا كل هذه الاشكاليات
كنت اظن انه نص عادي لمطرب مجهول
فاكتشفت انه نص غير عادي بالرغم من ان مطربه مجهول
النص
يا الماني يالا يا الماني
ع السيدة على مين وداني
زيح ذاليني زيح ذاليني
و ليلتكم بوناسيرا وديني
حنتنغنغ البس واديني
يا الماني يالا يا الماني
التحليل
بداية طريقة النطق التي يستخدمها المطرب لكلمة الماني تجعلنا نشك في انه يتعمد تفخيم اللام لتحوير المعنى وتجعلنا نتساءل لماذا
ينطقها
يالماني؟؟
في تقديري ان الاجابة على هذا السؤال تكمن في الرغبة في الاخفاء و الابتعاد عن التصريح مما يجعل الكلمة مفتاح اللغز فيا الماني هنا تعني ايها الالماني القادم من الغرب و الذي سحق الانجليز في ليبيا خذني معك الي السيدة زينب نتبرك بها معا
قد يبدو هذا رمية بعيدة المدى ولكن لو تذكرنا معا الاشاعة القوية عن اسلام هتلر حجه وتسميته لنفسه بالحاج محمد هتلر و غير ذلك
سنجد ان الفكرة ليست بهذا القدر من الغرابة
الكلام عن الليلة البوناسيرا التي تقرن الايطالية لغة حلفاء الالمان بالقسم الشعبي تجعلنا نتمسك بها اكثر
عبارة زيح ذاليني اي ازح من يذلني تؤكد المعنى حيث المطلوب هنا ابعاد الاذلال الواقع على الشعب من قبل الانجليز اي عدو عدوي الشهيرة
بدون الدخول في متاهات سياسية اتصور ان الاغنية البسيطة السريعة التي تستخدم الادغام واخفاء الكلمات بنطقها بطريقة ملتوية كحيلة دفاعية هروبية هي وثيقة تاريخية من الدرجة الاولى وتعطينا فكرة قوية عن جانب مجهول من تاريخ مصر
والله اعلم

Article 20

$
0
0









ورف -حمدي -ميكروباص -مكوك فضاء


فيصل- تحرير

او بين القائد حمدي بن عبد الرحيم و الرائدورف بن موج



مدخل...عن اللقاءات الاولى و الروائح و خلافه!!

دائماتترك اللقاءات الاولى آثارا تدوم (مثلها مثل الانطباعات الاولى و مثل رائحة آكس التي لا استخدمها و لا احبها) . وقد كان لقائي الاول مع حمدي بن عبد الرحيم افتراضيا على صفحات جريدة الدستور في اصدارها الاول حيث كان مشرفا على القسم الادبي. قرأت نقده اللاذع لكتابات كاتبة مصرية منتشرة و استلقيت على قفاي ضاحكا و هو يصف كتابتها بانها من الذين يلخصون قصة سيدنا يوسف ابن يعقوب بقولهم عيل تاه و اهله لقوه بعد مدة!!!

و كان لقائي الثاني مع حمدي حقيقيا في اروقة جريدة القاهرة في اصدارها الثاني حيث كان يعمل سكرتيرا لتحريرها و عملت بها مشرفا على القسم الخارجي. قدمني له بلال فضل و في لحظة صرنا اخوين!!!( حمدي دائما يتهمني باني اكلت ارثه و يبتزني في زجاجات البارفان او العطر )

وصرت مدمنا لكتابات حمدي بعد اللقاءين.

في بداية السبعينات تعرفت على مسلسل الخيال العلمي الامريكيستار تركفي نسخته الاولى و ايضا صرت مدمنا للكابتن جيمس كيرك و مستر سبوك و من هنا بدأت رحلتي مع المسلسل الذي استمر الى عام 2005 و صور عدة افلام آخرها هذا العام.المسلسل يحكي قصة سفينة فضاء عابرة للمجرات تابعة لاتحاد الكواكب الذي يضم بين جنباته الارض و كوكب فولكان و يقيم علاقات مع كواكب اخرى من اهمها امبراطورية الكلينجون التي ينتمي اليها الرائد او ليوتانت كوماندرورف بن موج. الذي كان لقائي الاول معه من خلال الجزء الثاني من المسلسل و المعروف باسم الجيل الثاني.

لا يمت ورف بن موج لحمدي بن عبد الرحيم بصلة قرابة( بالرغم من تشابهمها الشكلي و تشابه صفاتهما) فكلاهما مقاتل محارب و فنان في حربه وقتاله و كلاهما يحب الروائح والعطور (و لو ان الروائح التي يحبها حمدي لا تشابه تلك التي يحبها ورف في ان الاخيرة لا تأتي بالابتزاز!!! ) و كلاهما يفضل اللحم ( اتذكر عندما اصر حمدي على دعوتي على العشاء و كيف اجبرني على الذهاب الى المنوفي في اول فيصل بالرغم من اني طلبت بوضوح كشري)

وكلاهما عاشق رومانسي يقدس مفاهيم الشرف والرجولة و يعيش لها وقد يموت في سبيلها.( وهو هدف كل اهل كلينجون و اعتقد ايضا هدف كل اهل التمساحية كوكب حمدي).

1-عن الكتابة و المبارزة...وفن الحب و... الحرب

منذ تعرفت على ورف اجده في حالة صدام دائم و حرب دائمة ...مقاتل شرس يحمل سلاحه الكلينجوني ببراعة ويديره بفن ومهارة ضد الاعداء في ساحات القتال و الاصدقاء في منزل اللعب او الهولودوم. و على نفس المنوال وجدت حمدي قلمه سلاحه يستخدمه في شراسة احيانا مثلما فعل مرارا ضد اسماء كبيرة و منتشرة في الوسط الثقافي المصري، و احيانافي رقة لاتخلو من خشونة مع الاصدقاء (و انا واحد من هؤلاء الذين اصابهم قلم حمدي )وانا لااعرف حقا كيف يستطيع البطلان ان يجمعا النقيضين في آن وبهذه البراعة.

ربما كان هذا بسبب العلاقة الخاصة التي تربط كلينجون بالتمساحية؟؟؟؟ لا ادري...

و بنفس القدر من المهارة نجد ورف يجتذب الشخصيات النسائية في ستار ترك فيتحلقن حوله كفراشات اجتذبها النور و بشكل كنت اظنه مبتذلا كابتذال صورة النور والفراشات و كثرة استهلاكها.و بالمثل مع حمدي تجده يجتذب الاصدقاء من الجنسين فيقعوا اسرى غرامه و تجده ايضا يتكلم عنهم في وله و عشق صوفي احيانا وينحت لهم القابا وكنيات تخصه و تخصهم وتصير علامة عليهم. انا مثلا يسميني قفاشو و ترجع التسمية الى ان حمدي يعتبرني اجنبيا يجيد العربية ولان حمدي مثله مثل ورف لا يعترف بوجود لغات اخرى غير لغته (ورف لا يعترف بلغات اخرى غير الكلينجونية ) و يعتقد حمدي ان الاجانب (وانا منهم ) اسماءهم ممنوعة من الصرف و مبنية على الرفع!!!

يعشق حمدي العربيةكما تعلمها في الازهر الشريف و يقاوم بشدة اي محاولة للتطوير ( رفض بشدة ترجمتي للمجموعة القصصية الكرواتية اسكيمو و محاولتي المزج بين المحكي و المكتوب للتعبير عن لغة القاص الخاصة) و في كتابه الماتع"فيصل- تحرير" اصر على التنويه على هذا الرفض و فضل عدم استخدام اي حوارات بالمحكية و استخدم لغة بسيطة لم يكن راضيا عنها كل الرضا. تلك ايضا هي حال ورف عندما يوضع في مأزق بسبب تعنته و اصراره على تقاليد كلينجون التي يقدسها و كثيرا ما يدخل في صراع عنيف مع اقرب المقربين اليه مثلا خطيبته داكس جادزيا في الجزء الثالث من المسلسل و المسمى ديب سباس ناين و التي لم يفهم هزلها و مزاحها و كاد الامر ينتهي الى انفصالهما!!!!

مرة اخرى يعاودني التساؤل ما هي العلاقة الحقيقية بين التمساحية وكلينجون؟؟؟؟

2-عن الكتاب و المسلسل .. وكائنات الكواكب الاخرى....

فيصل- تحرير كتابة خاصة جدا عن موضوعين عامين جدا!!

يرى حمدي ان حالة مهنة الصحافة في تدهور مستمر و يدلل على هذا بما يقتبسه من "مجعزات"(المجعزة هي الترجمة الاشاوسية للفظ العربي المبين معجزة كما ذكر هشام بن ابو المكارم في قاموس اللغة الاشاوسية الطليعيةالمسمى المكتوب على الجبين لازم يطلع العين) الكتابالافذاذ و المحررين الكبار و التي لا "تمط "( تمط هي الترجمة الاشاوسية لكلمة تمت المهجورة – المكتوب على الجبين لابن ابي المكارم مرجع سبق ذكره...) لجنس الكتابة باية صلة ....و اعلمان هذا ليسصحيحا و ان الواقع مختلف تماما ( من امثلة الواقع المؤلم ان الاهرام العريقة صارت تستخدم التاء المربوطة كبديل للهاء حتى في لفظ الجلالة و العياذ بالله(( اكتب اللفظ بالهاء لان التدوينة بالعربية و لكن من يريد يمكنه ترجمتها على جوجل الى الاشاوسية القحة)) ايضا من الامثلة ان القاهرة و في نفس العدد الذي نشر هذا الكلام تنشر مقال لكاتب يصف النقاد بانهم جهابزة بالزاي و هزالأن الذال المهملة حرف منقرض الغيّ بفرمان من مجلس قيادة الثورة الميكروباصية )....ما يقدمه حمدي هو طرف جبل الجليد فما خفي كان اعظم واعظم و اعظم . وفي تصوري ان مهنة الاعلام برمتها هي مهنة منقرضة او انقرضت من قبل العصر الميكروباصي الثاني وقبل الثورة الميكروباصية بزمن.

يوميات حمدي ومغامراته في عالم الديسك وفك طلاسم كتابة الافذاذ الاشاوس الكبار لا تعادلها الا ملاحظاته الثاقبة عن الميكروباص و التي تتسم بما يسمى الموضوعية الباردة (يأتي البرودمن حيدة المراقب الجالس في برج المراقبة موضع حمدي المفضل في الميكروباص) وبين اليوميات و الملاحظات وجدت نفسي انتقل الى كوكب جديد لم عهده من قبل . كوكب حقيقي خريطته تتحدد بالقاهرة واطرافها ما بين التحرير و فيصل و كوكب افتراضي يتنقل مع تنقل حمدي بين الجرائد المخنتلفة كالديار و الكرامة و الاحرار و العالم اليوم الخ ... في "سبوباته و مرماته و سمكراته"!!!

هنا اجدني اخلط تماما و لا استطيع التفرقة بين حمدي وورف . ورف ايضا يرى ان مهنة المحارب الكلينجوني في تدهور مستمر و ان الحالة "جيم" فعلا ( لا استطيع ان اتفق معه او اختلف لاني لم ادخل الجيش اساسا) وهو يتنقل ما بين السفن والمحطات الفضائية مثل حمدي تماما... ما بين الانتربرايز الى ديب سبيس ناين الى الدفاينت الى سفينة الكلينجون و هو يستخدم المكوك لفضائي في تنقلاته..ما بين الكواكب و المحطات والسفن....

هل ما سبق هياسماء جرائد سمكرها حمدي ودسك موضوعاتها ام ان الاسماء الاولى هي سفن فضائية كان ورف ضابطها الاول ومن يسجل يومياتها في دفتره الخاص و هيمن ضمن سبوباته؟؟؟

3- كائنات الكواكب الاخرى ...و اختياراتها الصعبة

من العسير حقا ان يكون المرء مختلفا في هذا العصر الميكروباصي الثاني. (من الاقوال المأثورة لحكيم من حكماء كلينجون نساه التاريخ)

و نحن على اعتاب العصر الميكروباصي الثالث تزداد صعوبة الاختلاف و تزداد قسوة ان يكون المرء غريبا فما بالكم لو كان من كوكب آخر؟؟؟...(سواء كان هذا الكوكب التمساحية من اعمال الامبراطوريةالكلينجونية موطن ورف بن موج ام كلينجون من اعمال اسيوط موطن حمدي ابن عبد الرحيم -ايهما اقرب في اطار سياق الزمان المكاني المستمر او الزمكان من وجهة نظر نسبية موضوعية!!)

في فيصل- تحرير يعيش حمدي بن عبد الرحيم حالة الاختلاف هذه و ينقل الينا حالة اغتراب شديدة و كيف لا يكون وهو العاشق للعربية الذي يضطر الى ان يرتزق من قراءة كلام فارغ او فارغ فقط لانه ليس كلاما اساسا!!! وهي نفس حالة ورف بن موج في جزء الجيل التالي حيث هو الكلينجوني المحارب يعمل كضابط اول في سفينة عابرة للمجرات تابعة للاسطول النجمي التابع لاتحاد الكواكب بينما امبراطورية الكلينجون في حالة صداقة عدائية مع هذا الاتحاد؟؟؟ اغتراب شخصي و تمزق في الانتماء و هي نفس الحالة التي نشعر بها مع حمدي وهو ينتقل بنا من "مجعزة الى مجعزة "و يقدم لنا نموذجا تلو نموذج على حالة المهنة التي يعشقها و تدهور اللغة التي يقدسها!!!

و هو نفس الشعور الذي ينتابني شخصيا و انا اتابع وصف حمدي للحظات رحلاته المكوكية في الميكروباصات على اختلاف انواعها و الحوارات الدائرة بين ركاب مكوكات الفضاء المتنوعة التي يستقلها في تنقلاته اليومية بين محطاته الفضائية/الصحفية التي يقتات من العمل فيها في وظيفة الديسكاوي وهي كما نرى وظيفة من كوكب آخر بلا ادنى شك!!!

احس ان حمدي يصف كائنات من كارداسيا ( وهي على الاغلب كرداسة بعد استقلالها في القرن السابع و العشرين عن الاتحاد الافرواسيوي وانضمامها لامبراطورية التمساحية -كلينجون رايح جاي) او بيجور ( و هي بالتأكيد ليست زنين ولكن اعتقد انها الباجور التي تحارب لنيل الاستقلال من الاحتلال الكرداسي) او روملان ...او ...الخ ...الذاهلين و المصريين و المتطرفين و المعاشات الخ عوالم متراكبة في كون متكاملينقله الينا بدقة وموضوعية و حب القائد حمدي بن عبد الرحيم في يومياته التأريخية فلا نملك الا الانتعاش من بهجة المعرفة ( وليس من رائحة آكس و لذا يلزم التنويه لمن يعتقد غير ذلك)

وهو نفس الشعور الذي يتنابني عندما اتابع ستار ترك و الرائد ورف بن موج ولا املك الا ان اسائل نفسي:

هل صحيح ان حمدي عبد الرحيم ليس ورف ابن موج في نسخة كوكبية جديدة ام ان الامر لا يعدو مجرد تشابه اسماء ...مثلما هي الحال مع محمود الخطيب و حسن شحاتة؟؟؟؟

على فكرة نشرالمقالفي جريدةالقاهرة


Article 19

$
0
0












مذبحة الخنازير و منطق تصفية الحسابات


و انا جالس في امان الله في مكتبي بزغرب يدخل عليّ صديق بوسنيّ يعمل معي و يبادرني بسؤال: لماذا تقتلون الخنازير؟؟ماذنبها؟... وبالامس وضع التلفزيون الكرواتي مذبحة الخنازير في مصر ضمن اطرف ردود الافعال العالمية على انتشارالوباء....

اصبح رد فعل الحكومة المصريةعلى موضوع انفلونزا الخنازير( او الانفلونزا المكسيكية كما يسميها البعض منعا لاتهام مخلوقات لا حول لها ولا قوة) مثار تندر و سخرية العالم ( وهذا ليس بالجديد طبعا). والسؤال الذي اعتقد انه بديهي هو لماذا؟؟؟

البداية:

بدء الامر بصرخات من المعارضة في البرلمان شاركتها فيها كتلة كبيرة من الموافقة تحمل الخنازير مسؤولية الوباء وتدعو الى القضاء عليها مع التأكيد على ان مصر بلد اسلامي و الاشارة الى تحريم الخنازير و تحول الامر الى مزايدة وصلت الى ذروتها مع اتخاذ قرار ذبح الحيوانات و تعويض اصحابها ...

الواقع ان هذا التعويض لا يوازي قيمة الحيوانات الحقيقية و ايضا القرار لا يأخذ في اعتباره ان تربية الخنازير مهنة متكاملة يمارسها قطاع محدد من المصريين و لها هرميتها الخاصةالمرتبطة بعملية جمع القمامة و تدويرها وبالتالي فهناك الكثير من الناس التي سيصيبها ضرربالغ من هذا القرار وهو الامر الذي تجلى في عملية مقاومة السلطات عندما بدءت اجراءات تنفيذ القرار.

واتصور انه من الضروري مناقشة هذا القرار من جانبينجانب شرعي يتعلق بتحريم الخنازير و جانب علمي يتعلق بدور الخنازير في نقل العدوى وبفيروس انفلونزا الخنازير او الانفلونزا المكسيكية كما تسميها منظمة الصحة العالمية تحسبا لاي اجراءات انتقامية ضد الحيوانات .

علة التحريم:

بداية نص الشريعة في التحريم مطلق وغير معلل قال الله تعالى: "قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)"(الأنعام:145). فالأصل هو أن علة تحريم الشيء هي كون ذلك حكم الله تعالى أو حكم رسوله صلى الله عليه وسلم، لأن الواجب التسليم لله تعالى والتسليم لرسوله صلى الله عليه وسلم في الأحكام الشرعية، تسليماً يقتضي القبول والانقياد كما قال الله تعالى: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً" ( الأحزاب الآية36)

بمعنى ان الامر لا يتعلق بعلة ضرر في الخنزير ذاته ولاتوجد مشكلة تجعل من لحم الخنزير مضرا في ذاتهويؤدي للمرض (وهي حجة عجيبة بالنظر لأن الدول التي تأكل الخنزير لا تعاني من مشاكل صحية مثلما تعانيها دول كثيرة لا يوجد بها خنازير اساسا ) و الاجتهادات التي يطلع بها علينا اصحابها في مجال جعل تحريم الخنزير مفيد و ان الخنزير مضر اساسا هي من قبيل التهويم و قياس المطلق على النسبي .و اشكالية مثل هذه التعليلات اساسا انه لو غابت العلة المقترحة او انمحت لسبب ما هل يعني هذا اباحة لحم الخنزير؟؟؟؟مثلا يقال ان الخنزير يصاب بديدان معينة وينقل عدواها للانسان لكن اليست معالجة اللحم و التربية الصحية تمنع مثل هذه الاصابات وهل لو لم توجد مثل هذه الاصابة صار الخنزير حلالا؟؟؟

للمزيد من التوضيح اود ان اقول ان المحاولات المتعددة التي يحاول اصحابها ان يقدموا ما يسمى بالتبريرات العلميةالمفيدة للتحريم او للفرض انما تظهر في الاساس ان ثمة مشكلة في النص و مطلوب دائما دعمه بدليل علمي. وكأن العلم هو المطلق و النص هو النسبي!!!

الغرض ببساطة مما سبق توضيح نقطة تغيب عن اذهان الكثيرين ممن يلصقون الشر بالخنزير في ذاته و يبحثون عن مشاكل في كينونته وهي ان الخنزير مثله مثل اي كائن آخر في الكون هو من مخلوقات الله المأمورة غير المخيّرة.

بما يعني ان الغيرة الدينية التي تمثل دافعأ اساسيأ عند كل من نادى بالقضاء على الخنازير قد اتخذت هدفأ مغلوطأ و اسقطت على مخلوقات بريئة مشاكلها المتعددة!!!

فيروس انفلونزا الخنازير:

السؤال الذي اود ان اطرحه هو ماهي انفلونزا الخنازير؟؟؟

الاجابة ببساطة هي مرضفيروسي يصيب الجهاز التنفسي للانسان يسببه فيروس اسمه اتش 1 أن 1. ولم يتوصل العلماء بعد الى معرفة الطريقة التي ظهر بها فيروس «أتش1 أن1» ولا الكيفية التي جُمعت فيها مكوّناته المتعددة

ويتألف هذا الفيروس من مزيج لفيروسات الأنفلونزا عند الطيور والبشر والخنازير الأميركية والأوروبية والآسيوية.

و هكذا نرى بوضوح ان نسبة الفيروس الى الخنازير او المكسيك هو من قبيل التسمية فقط . وهذا يقودنا مرة اخرى الى رد الفعل الشديد في مصر و الذي امتدحه البعض .

هناك خبرفي الصفحة الاولىبجريدة الاهرام بتاريخ السادس من مايو يقول اكد الدكتور صالح الشيمي رئيس لجنة الصحة والسكان والبيئة بمجلس الشوري اليوم أن الوضع في مصر مطمئن جدا‏,‏ ولايوجد أي حالات بمصر سواء بين البشر أو بين الخنازير‏,‏ وأن فيروس إنفلونزا الخنازير ليس شديد الضراوة‏.‏ وقال الشيمي إن وزارة الصحة تقوم بترصد الحالات عند المنافذ‏,‏ كما تقوم وزارة الزراعة والطب البيطري بذبح الخنازير وحفظها في ثلاجات تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية‏,‏ مضيفا أن نسبة الوفيات علي مستوي العالم ضعيفة للغاية إذا ماقورنت بنسبة الإصابة. و إذا كان الامر كذلك فلماذا الاجراءات العنيفة و لماذا هذا النوع من التعسف في المعالجة؟؟؟ ولماذا لم نشاهد مثيلا لهذا في موضوع انفونزا الطيور اي ببساطة اعدام كامل الثروة الداجنة ؟؟؟ وخاصة ان انتقال العدوى من الطيور امر ثابت ومؤكد علميا؟؟؟ بينما الحال مع انفلونزا الخنازير ليست كذلك بل ووفقا لخبر نشر في كل من الاهرامالقاهرية و الحياة البيروتية يوم الرابع من مايو فقد أعلنت وكالة مراقبة الأغذية الكندية يوم الثالث من مايو، أن مزارعاً عاد من المكسيك أخيراً، نقل عدوى أنفلونزا الخنازير الى 200 خنزير في مزرعة في ألبرتا، في اول حالة تنتقل فيها عدوى هذا المرض من البشر إلى الخنازير. وأشارت الوكالة الى أن المريض والخنازير يتماثلون للشفاء.

هل لان صناعة تربية الدواجن بل تربية الطيور عامة لها من يمثلها من المتنفذين و صناعةتدوير القمامة و تربية الخنازير ليس لمن يعمل بها من يدافع عن مصالحه ؟ وبالتالي يصبح كمن لا خال له يسهل ضربه و يسهل لمن يريد ان يثبت فعاليته ان يتخذه كبش فداء يذبحه و يذبح الحيوانات التي يربيها؟؟؟؟

النهاية

لا يقتصر الامر على تعريف الفيروس و شدة المرض و الخطر منه فهناك العديد من العلماء و الباحثين في دول عديدة يرون ان موضوع انفلونزا الخنازير مبالغ فيه و يراد منه تحويل الانتباه عن الازمة الاقتصادية و الكساد و الركود و شغل الجمهور في مختلف ارجاء العالم بصحته باعتبار ان تهديد الامن الشخصي يجب ما عداه من مشاكل. ومن ضمن هؤلاء مثلا جيمس بتراس عالم الاجتماع الامريكي و الذي قال هذا الرأي في حوار له مع مع اذاعة سي اكس 36 في 27ابريل الماضي.

http://www.lahaine.org/index.php?blog=3&p=37560

ببساطة يرى من يتبنى هذا الرأي ان هذه سياسة مستمرة للحكومة الامريكية و انها تكررت كثيرا لضرب خصوم سياسيين ( اسلحة الدمار الشامل في حالة العراق) او اقتصاديين ( فيروس السارس و الصاقه بالصين ) و ذلكلتخويف الجمهور الامريكي وضمان تأييد الرأي العام و صمته على اقل تقدير وهي الاستراتيجية التي اسماها نعوم تشومسكي عالم اللغة و المعارض الراديكالي الامريكي الشهير "ضمان الخضوع " في كتابه الاقتصاد السياسي لوسائل الاعلام" بالاشتراك مع ادوارد هرمان."

و يبدو ان هذه الاستراتيجية التي تشمل تصفية حسابات متعددة هي ما ادى الى هذا القرار فقد وجدها من طالب به فرصة للتشدد فيما يرى انه الحق و تصفية حساباته مع مخلوق يرى دائما انه الشر بعينه ووجدها من اصدره فرصة للظهور بمظهر المتشدد في الدفاع عن الدين و الوطن وصحة المواطنين وامنهم.

ولا حول ولا قوة الا بالله.

نشر المقالبجريدةالقاهرة

Article 18

$
0
0












عن الحرية و النفاق

بين بقى انت مش قارح و سلام عشانه سافو في نسختها الثانية



اهداني الصديق العزيز و السميع الكبير الاستاذ الدكتور محمد الباز استاذ طب الاطفال بجامعة القاهرة و احد كبار مقتنيي الاسطوانات النادرة و السجاجيد الرائعة في العالم العربي اغنية لمطربة قديمة ومجهولة هي من ضمن تحفه النادرة حقا هي اغنية بقى انت مش قارح للست عديلة حسن
واهدانا الصديق العزيز ايضا الاستاذ الدكتور وليد عبد الله استاذ الطب النفسي العلاجي والتحليل النفسي بجامعة كولومبيا بنيويورك و ايضا احد كبار مقتنيي الاسطوانات النادرة و التحف القديمة من العرب مجموعة اعلانات قديمة من سبعينات و ثمانينات القرن العشرين
من ضمنها اعلان عن مسحوق الغسيل سافو
ولأن الهديتين قدمتا في وقت واحد تقريبا( لم اعرف بالهدية الاولى الا مؤخرا)فقد وجدتني اقارن بينهما و نتج عن هذه المقارنة المقال القادم
الاغنية
اغنية مدتها 6 دقائق و 39 ثانية على اسطوانات هوموكورد اسمها
بقى انت مش قارح
غناء الست عديلة حسن المنصورية
من ضمن الفرقة سنجد ابراهيم الفيومي و سامي الشوا
مما يرجح انها عشريناتية على الاكثر
النص
بقى انت مش قارح .....باردون
تعض و تبوس .....ف التلافون
ليه كل يوم والتاني
تطلع في حرفة جديدة
تفصل احط وداني
تتنهد التنهيدة
تخدل ايديا... وحياة عنيا
تبقى الحرارة درجة مليون
بقى انت مش قارح .....باردون
تعض و تبوس .....ف التلافون
عشرين جواب لك يومي
مابين دقيقة وساعة
خلتني حتى في نومي
بحلم بقى بالسماعة
تحت المخدة
واسمع بشدة
حس الجرس ولا دق الهون

بقى انت مش قارح .....باردون
تعض و تبوس .....ف التلافون
قوي قوي قارح
عشقك مفيهش غرابة
ان حد قالوا لنينة
انا بس اخاف من بابا
لحسن يطب علينا
يسمع حديتنا
و تبان فولتنا
ده كنت اروح يوه جوه الجون
بقى انت مش قارح .....باردون
تعض و تبوس .....ف التلافون
قوي قوي قارح

الاعلان
اعلان عن مسحوق غسيل سافو
مدته 30 ثانية على نسق اغنية الاساتوك التي اشتهرت في نهاية الثمانينات و بصوت مطرب الاساتوك حمدي باتشان و هو من اخراج محمد سامي

نص الاعلان
آهين يا سافو نعمين يا سافو
ايه غسلينا الفل ده اللي منور بيتنا ده
ايه ياعم سافو ده ؟؟ايه اللي انت عامله ده؟؟؟
غاسل وحدك كل ده
ومزهزه وحدك كل ده فهمني فهم فهم فهمني
حنقع فيه انا كل ده وهو ينضف كل ده
ايه يا سي سافو ده
ايه ما تداري جمالك ده؟؟؟
عشان ما انت عامل كل ده
سلام عشانه سافو

تحليل الاغنية
تنتمي الاغنية في تقديري الى ما يمكن ان نسميه بالنص الايروتيكي وهو النص الذي يدغدغ الحواس دون ان يفجرها و يداعبها في رفق و دون خشونة او صراحة.انه نص يلمح و يستخدم الرموز الواضحة و التشبيهات الشائعة ودون الاستخدام المباشر لاي كلمات ذات دلالات مباشرة. يشبه النص هنا نص الست آسيا ندا الذي تعرضت له من قبل بالتحليل يا نوم يا دي النوم
بداية اود ان اشير الى ان زمن النص الذي قدرته بعشرينيات القرن الماضي هو زمن بداية دخول التليفون الى مصر و هناك العديد من الاغاني و الدويتوهات التي استخدمت هذه الاداة التواصلية كوسيلة تعبير نذكر منها على سبيل المثال لا الحصردويتوالتلافونلرتبية احمد و الشيخ امين حسنين وغيره كثير.النص هنا مختلف في انه ليس دويتو مع احتفاظه بشكل الحوار ولكن اسقط الطرف الآخر و اتصور ان الاسقاط عمدي لانه يؤدي غرض آخر هو تقوية رسالة النص و دعم الغرض الاساسي له وهو ما سنراه في ختام حديثنا.و اتصور ايضا ان النص يتخذ شكل الحوار التليفوني بالرغم من عدم التصريح بذلك الا ان الاشارات توضح ان النص هو حوار تليفوني

فنحن نجد المتحدثة توجه كلامها لشخص و احيانا يبدو وكأنها تجيب عليه و ايضا ثمة اشارات لتواجدها في غرفة النوم مما يرجح
كون النص حوارا تليفونيا
و نظرا لخصوصية النص و طبيعته المفتوحة احيانا كثيرة كما سنرى فانه في تقديري ينتمي الى ما استقر الراي على تسميته بالجنس التليفوني
و لنسبر معا اغوار النص و مستوياته المتعددة
تبدء المتحدثة بتقرير يتخذ شكل الاستنكار
بقى انت مش قارح .....باردون
قارح هنا تعني فاجر مكشوف الوجه وهي تستخدم كلمة باردون او آسفة الاجنبية للتعبير عن كونها ممن يستخدمون اللغات الاجنبية او ربما لاعطاء انطباع انها من ربات الخدور من الطبقات الراقية اي لتملق قطاع كبير من المستمعين اي المستهلك المستهدف
و هي تبرر استنكارها وتأكيدها على فجر الشاب العاشق بالتصريح بما يفعله
تعض و تبوس .....ف التلافون
و لنلاحظ الدلال او الدلع الشديد في طريقة نطقها لكلمة تليفون: تلافون
هذا الدلال الذي يستدعي تدخل المطيباتي و الاشادة بها و بالتالي يسترعي انتباه السامع/المستهلك لهذه المنطقة من النص و يحفزه على اعادة الاستماع لها و الاهتمام بها و بشكل غير فج ولا مباشر وتلك نقطة مهمة في المقارنة مع الاعلان القادم من حيث الشكل
وهي عدم الفجاجة و عدم المباشرة
تبدء بعدئذ بعتاب المخاطب بسؤال يبدو استفهامي بينما هو هدفه المبطن هو المداعبة و بالتالي الحث و الاستزادة
ليه كل يوم والتاني
تطلع في حرفة جديدة

تتساءل وكأنها تستفهم او حتى تستنكر بينما هي في الواقع تحث المخاطب/الصديق/ المحب وتستزيده كما سنرى
تفصل احط وداني
تتنهد التنهيدة
هي هنا تصف حرفته الجديدة فهو ينقطع عن الكلام اي يفصل وهي مفردة اتصور انها عرفت طريقها الى العامية المصرية في هذه الفترة لانها ترتبط بالثورة التقنية التي حدثت مع بداية القرن العشرين و التي شهدت الكهرباء و التليفونات و الراديو و الفونوجراف الخ
و كلمة تفصل هنا تعتبر بمثابة المفهوم المرتحل اي القادم من مجال الى مجال آخر وهي هنا تستخدم لتوضيح صمته التام والذي يستدعي رد فعلها في شكل التركيز و الاصغاء الشديد المنتبه المعبر عنه بمقطع احط وداني اي اقربها جدا وكأنها تتساءل ماذا حدث وهل الفصل آلي من السنترال ام ماذا وهنا نجد ضمنيا بعدا آخر في تفصل هو رغبتها الشديدة في استمرار المحادثة و عدم تيقنها من الجهاز الحديث الذي قد يصاب بالعطب فيفصل
ويأتي رد فعله في شكل تنهيدة وهي تستخدم الكلمة معرفة لتفخيمها و جعلها الوحيدة ومن ثم توضح اثارها العنيفة التي تعددها فيما يلي
تخدل ايديا... وحياة عنيا
تبقى الحرارة درجة مليون

هنا نجد وصفا دقيقا لحالة استثارة و احساس جنسي عالي يصف ارتخاء الاعضاء و ارتفاع الحرارة مع تورية جميلة على حرارة الجسد و حرارة التليفون و بالتالي نفي ضمني لكون العيب السابق اي الفصل من الهيئة او من الشركة او الكوبانية كما كانوا يقولون
هنا اود ان اعود لكلمة تفصل التي ارتحلت لتدخل في قاموس التعبير عن حالة الذهول او التوهان و هي اشارة لقوة المفهوم و قدرته على الارتحال و التنقل حتى الوصول الى التعبير عن حالة نفسية معينة
و هنا ايضا نرى امكانية الاستفادة من النص القديم كوثيقة ذات دلالات انثروبولوجية مدنية و تأريخية حتى
حيث يقدم دخول مفهوم ما الى مجال آخر اشارة الى فترة انتشار المفهوم و ايضا الى الحالة الحضارية التي كان عليها المجتمع في وقت ظهوره ثم انتشاره و يلعب النص هنا دورا هاما في التوازن الاجتماعي و الحفاظ على الاستقرار ليس فقط عبر تدوير المفاهيم القادمة من مجالات حديثة و استيعابها داخل النسق مثلما هي الحال مع مفهوم الفصل الذي اوردناه ولكن ايضا عبر آلية اخرى هي تكرار استخدام صيغ بعينها مثل الاستفهام الاستنكاري بغرض التوكيد و الابتعاد عن التصريح و هو الامر الذي يمثل جزءا لا يتجزء من النسيج الاجتماعي المصري و في تصوري العربي و هو الامر ايضا الذي ناقشته من قبل في تحليل نصوص متعددة نذكر منها نص اوعى تكلمني
وهو نص سنعود للاشارة اليه لاني اجد تشابها واضحا في بنية النصين و رسالتهما الضمنية مع بعض الاختلافات البسيطة
نعاود الغوص في نصنا الاساس
تعاود صاحبتنا الهجوم قائلة
عشرين جواب لك يومي
مابين دقيقة وساعة
هي تبدء بالرقم المبالغ فيه وهو عادة رقم المبالغات في الحكيّ المصري عشرين جواب اي اتصال فكأنها تقول تكلمني عشرين مرة او اكثر في اليوم و هو ما تؤكده بعد ذلك بتحديد التوقيت بقولها مابين دقيقة و ساعة
اي تكلمني في كل الاوقات هذه المبالغة هدفها الحقيقي تبرير استيلاء المتكلمة على اداة الاتصال اي التليفون و من ثم تبرير المكان الذي تتخيل انه موجود فيه وهو هنا مجاز مرسل حيث لا مانع يمنع من ارادة المعنى الاصلي الا وهو ان التليفون معها دائما
فهي تقول
خلتني حتى في نومي
بحلم بقى بالسماعة
اي ان التليفون صار معها حتى في الحلم
هنا يستمر التبرير فهذا التواجد المستمر لاداة الاتصال يجعل مكانها التالي
تحت المخدة
معقولا جدا وهكذا نصل الى الحالة التي تصل اليها صاحبتنا وتبوح بها
واسمع بشدة
حس الجرس ولا دق الهون

وهنا نجد بوضوح حالة الايحاء و التلميح سواء في المكان الخصوصي جدا
غرفة النوم والسرير او الحالة الحلمية التي ايضا تشير الى جو حسي جنسي متزايد
او في المفردات مثل الدق و الهون وهي المفردات التي تؤدي دورا رمزيا شهيرأ يوحي بالجنس و الاتصال اي عكس الانفصال و الفصل الذي اشارت اليه
و كأن الاتصال التليفوني يؤدي ايضا الى اثارة مخيلة المتلقي / المستهلك ليصل الى درجة جديدة من الاتصال او لنقل قديمة متجددة هي الاتصال الجنسي
هنا تصل بنا الى ذروة النص و غرضه الاساس و هنا نجد التشابه الاكبر مع نص اوعى تكلمني في كونهما دعوة لشرعنة العلاقة و اضفاء الصبغة الشرعية عليها عبر التحول الاسري
عشقك مفيهش غرابة
ان حد قالوا لنينة
انا بس اخاف من بابا
لحسن يطب علينا
يسمع حديتنا
و تبان فولتنا
ده كنت اروح يوه جوه الجون

المقطع هذا به كل المفردات والمعاني الموجودة في المقطع الاخير من اوعى تكلمني
الام او نينة المتفهمة للعشق و الاب ا"لحمش"مرهوب الجانب و حالة الانفضاح او انكشاف الفولة و هي كلها امور تعني ضمنيا طلب تحويل العلاقة الى الاطار الشرعي /العائلي
الاختلاف هو ان نصنا هذا لا يبوح بهذا ربما في تقديري لانه اكثر توجها نحو الحالة الايروتيكية الحسية و هو ما دعا الكاتب اساسا الى استخدام حيلة الاتصال عبر الهاتف بدلا من المقابلة الجسدية
هنا مرة اخرى نجد ان النص الذي يطرح نفسه في السوق في شكل اسطوانة تبحث عن مستهلك يعطينا دلالة مرة اخرى على الابعاد اللبرالية لعصر معين ذاع فيه النص وانتشر
و يتبقى تساؤل يحيرني هو سر علاقة المنصورة كمدينة بالغناء و الطرب؟؟؟
فنحن نجد الست عديلة حسن المنصورية و الست زينب المنصورية و لا ننسى طبعا ان السنباطي من المنصورة و ان عائلة حسن الشهيرة بدءا من الاب ومرورا بالبنات المطربات الثلاثة حورية وسكينة و عائشة وغيرهم وغيرهن
فما هو السر و هذا السؤال موجه طبعا لاهل السماع من الخبراء الكبار

هنا ننتقل الى تحليل نص الاعلان الذي ينبني شكلا على نص اغنية كانت ذائعة الصيت في وقت الاعلان وهي الاساتوك لحمدي باتشان

أهين يا سافو نعمين يا سافو يقولها المطرب المشهور الذي نجحت اغنيته و هي نفس النغمة التي تحملها الاغنية بمعنى الرسالة مباشرة ومحاولة استغلال نجاح الاغنية لتسويق المنتج واضحة بالرغم من عدم وجود اي علاقة بين المنتج والاغنية تدخل بعد ذلك مجموعة من فتيات الاعلان اللواتي تلبسن جلاليب بلدية وكأن الاعلان موجه اساسا لربات البيوت الشعبيات و لذا استخدام نص الاغنية الشعبيةونرى الفتيات يتمايلن بدون هدف الا ربما الاثارة التي يحملها النص الاصلي للاغنية بتداعيته الجنسية الكثيرةو يبدأن في الدعاية المباشرةايه غسيلنا الفل دهاللي منور بيتنا دهيتدخل المطرب بنفس طريقة تدخله في الاغنية متسائلا
ايه ياعم سافو ده ايه اللي انت عامله ده غاسل وحدك كل ده ومزهزه وحدك كل دهفهمني فهم فهم فهمني
السؤال في الاغنية ملائم لمقتضي الحال و مقام النص الجنسي فهو سؤال استنكاري لانه موجه للعجوز الذي يأبى الا ان يعاند الدهر ويصارع فوارسه
بينما في الاعلان وخاصة بعد بنائه على
نسق بنية الاغنية يصير السؤال بلا معنى و استدعاءالاغنية لذهنية المستمع /المستهلك /المستهدف يحدث في تقديري اثرا عكسيا
و معاودة اللجوء للمباشرة اللفظية والاثارة الجنسية الحركية بعد ذلك
حنقع انا فيه كل ده وهو ينضف كل ده
يؤدي ايضا الى لا مبالاة المستمع المتفرج و عدم اهتمامه وخاصة ان الكلام بلا طعم ولا لون ولا معنى
و لكن صانع الاعلان لا يهمه المستهلك من قريب او من بعيد ولذا يصر على البنية التي لا تقدم شيئا جديدا
ايه يا سي سافو ده ايه ما تداري جمالك ده عشان ما انت عامل كل ده
سلام عشانه سافو
وهي عبارة اشتهرت في اعلانات سافو كمسحوق غسيل في حقبة الاعلانات المصنوعة بالرسوم المتحركة التي سبقت حقبة الاعلانات التي تستهدف الغرائزية بفجاجة و تسليع الجسد الانثوي والتي واكبت تحولات اجتماعية كثيرة حدثت في السبعينات و الثمانينات من القرن الماضي
ليس هنا مجال تفصيلها
المراد من التحليل اساسا توضيح تحول المجتمع من حالة حرية و لبرالية على مستويات متعددة تسمح بدرجات معينة من الحسية والايروتيكية المحتشمة (على الرغم من ان المفهوم السابق قد يبدو متناقضا )الى حالة من المباشرة والفجاجة و تفاقم النفاق الاجتماعي
ومرة اخرى ليس هنا مجال سرد هذه التحولات ولا كيفيتها
والله اعلم

Article 17

$
0
0
الكساد العالمي الجديد
مقال لجيمس بتراس
مدخل :
كتب العالم الامريكي الكبير جيمس بتراس هذه المقالة في مارس هذا العام .و اتصور انها ذات اهمية قصوى لذلك اقوم بترجمتها. وباختصار شديد :
المقال دعوة الى ان نتخلص من كل الافكار المسبقة القديمة وايضا من الكليشيهات البالية .العالم اليوم في ازمة عميقة و انهيار الاقتصاد المالي او بعبارة اخرى الاقتصاد القائم على السرقة و النهب و غسيل الاموال يدعونا اساسا الى التفكر في كل هذه البلاهة التي تحيط بنا....كيف يمكن ان ينفق العالم بلايين البلايين على بلاهة اسمها الفورميولا وان على انها رياضة...؟؟؟وكيف تتحول الدعارة غير المقنعة الى مهنة محترمة و مطلوبة تحت مسمى الموديلينج ؟؟؟المقال هذا دعوة واضحة لاعادة النظر في الكثير من المسلمات والبديهياتو قد يرى البعض اني اصبت بداء الثوروية -وهو داء لعمري عضال- لكن الواقع ان ما اقوله واكتبه كان دائما وابدا يسير في هذا الطريق...و اتمنى ان يجد المقال اهتماما يستحقه.
اسامةيونيو 2009
مقدمة:
تحطمت كل اصنام الرأسمالية التي نصبت طوال العقود الثلاثة الماضية وهوت بلا اسف عليها.لقد اختبرت فرضيات ونماذج و مقولات التقدم اللانهائي في ظل السوق الحر والرأسمالية الليبرالية(1) و ثبت بلا جدال فشلها الذريع.و نحن اليوم نعيش نهاية حقبة كاملة:حيث يشهد الخبراء في كل مكان على نهاية النظام المالي العالمي و الامريكي,و غياب الاقراض من اجل الاتجار و نقص تمويل الاستثمارات. ويلوح جليا في الافق كساد عالمي ستفقد فيه ما يقارب ربع قوة العمل العالمية وظائفها.و مايحدد معالم المستقبل القريب هو اكبر انخفاض في التجارة العالمية في التاريخ و بنسبة تجاوزت 40%من حجم التجارة السنوي.و يقض مضاجع قادة العالم الغربي شبح الافلاس المرتقب لكبريات الشركات الصناعية في العالم.و لقد انتهى مفهوم السوق كضابط في ذاته لتوزيع الموارد و انتهى معه الدور القيادي المزعوم للولايات المتحدة بوصفها قاطرة الاقتصاد العالمي و هذا الكلام ليس من عندياتي و لكنه ما تقوله الفاينانشيال تايمز و لقد ثبت بوضوح ان كل فرضيات السوق التي تصحح احوالها بنفسها ان هي الا فرضيات زائفة بلا معنى. و انهارت كل نظريات رفض التدخل الحكومي في السوق حتى عند عتاة من كانوا يتبنونها ويبشرون بها. وحتى الدوائر الرسمية تعترف الآن بان سبب من اهم اسباب بداية الازمة و الانهيار الاقتصادي هو عدم المساواة الفظيع في الدخول وان هذا الامر يجب تصحيحه.و صار التخطيط و الملكية العامة و التأميم من المفاهيم المطروحة بشدة على الاجندة الاقتصادية العالمية بل استعادت البدائل الاشتراكية احترامها لدى الكثير من الخبراءومع بداية الكساد تهاوت كل آلهة اوليمب العقد الماضي فقد فشل الاقتصاد الموجه نحو التصدير فشلا ذريعاو عادت سياسات بدائل الاستيراد الى الظهور بقوة. ومع تفكك عولمة الاقتصاد العالمي و مع عودة الرأسمال الى الرؤى القومية من اجل انقاذ الادارات العليا التي توشك على الافلاس استعادت فكرة التأميم والملكية العامة بعضا من بريقها المفقود. ومع تآكل قيمة الاصول المالية و فقدان تريليونات (2) من الدولارات و اليوروهات والينات تزداد عملية الاستغناء عن العمالة بالجملة في كل مكان في العالم(3)ويملأ الخوف و الهلع و الحصر صدور ومكاتب المديرين في المصانع و الادارات المالية والشركات و الادارات السياسية في كل مكان في العالمنحن ندخل بكل وضوح في زمن الاضطرابات الذي يهز ويزلزل اساسات العالم الاقتصادية و السياسية و يشرخها بعمق ولدرجة انه لم يعد بوسع اي انسان ان يتخيل اي امكانية للاصلاح او الترميم في ما يتعلق بالنسق السياسي الاقتصادي السالف.يعدنا المستقبل بكوارث اقتصادية وفوضى عارمة و اضطرابات سياسية وفتن في كل مكان و افقار متزايد للبشر في شتى ارجاء المعمورة. ومرة اخرى يحوم طيف الاشتراكية المقلق فوق اطلال البنايات المالية العملاقة المنهارة. ومع انهيار راسمال السوق الحرة فأن كل الدعاة الايديولوجيين يقفزون من السفينة الغارقة و يتخلون عن خطابهم المشروخ حول فضائل السوق و ينخرطون جميعا في كورس يردد:الدولة هي المنقذ و هذا لعمري اقتراح مخيف و نتيجته الوحيدة ستكون اطالة سكرات الموت في الخزانة العامة و تأخير الموت المحتوم للراسمالية التي عرفناها و جعله اكثر ايلاما(4)و أكثر عنفا .
نظرية الازمة الرأسمالية:ونهاية الخبراء
تكمن جذور فشل السياسات التي ينتهجها القادة السياسيون و الاقتصاديون في مختلف ارجاء المعمورة في جوهر عملية السوق الرأسمالية. و ليتجنبوا النقد الجذري للنظام الرأسمالي يعمد الكتاب و الخبراء الى لوم القادة و الخبراء الماليين بسبب عدم الكفاءة او الخيبة او الجشع او لاسباب شخصية كامنة في نفوسهم . و هكذا حل التحليل النفسي السطحي محل التحليل المنطقي الصارم لبنية الواقع و القوى المادية والموضوعية الفاعلة فيه والذي يبحث في الدوافع و الحوافز التي تدفع المستثمرين و القيادات السياسية و رجال البنوك الى اتخاذ قرارتهم. فعندما تنهار الاقتصاديات الر أسمالية يجن جنون السياسيين و رؤساء التحرير وكتاب الاعمدة في الجرائد و المجلات الكبرى و لا يتمكنون من رؤية العمليات الموضوعية و يهرعون الى غابة التخمينات والتهويمات الذاتوية المتوحشة ليجدوا فيها ملاذا، فيكونوا كمن يستجير من الرمضاء بالناروبدلا من فحص الابنية الواقعية و الفرص الحقيقية الناجمة عن تراكم فائض القيمة و المنفعة الحدية الواقعية الموجودة بالفعل والتي هي الدافع الرئيسي لاتجاه رأس المال نجدهم يهومون عن فشل القيادة و تخاذل الادارة.و بدلا من فحص سلطة وتأثير الطبقة الرأسمالية على الدولة و خاصة فيما يتعلق باختيار صناع القرار الاقتصادي و كل من يناط بهم الاشراف على الاقتصاد ومراقبة العمليات المالية بحيث يتم تعظيم ارباحهم بشكل خرافي غير مقبول(5)، فهم يقولون لنا الآن انه حدث سوء تفاهم او جهل بسيط بمتطلبات السوق.و بدلا من النظر المدقق في واقع الطبقات الاجتماعية و علاقاتها البينيةو بالتحديد التدقيق في الطبقة الرأسمالية المتواجدة في الواقع التاريخي و تمحيص الاسواق الواقعية الحقيقية، يقوم محللو النفسية الاقتصادية النصابون بافتراض سوقأ مجردا يعمل فيه رأسماليون متخيلون (يحكمهم المنطق الرشيد "الوهمي")(6)و بدلا من فحص كيف تتخلق ثقة المستثمرين عبر الجو العام المكون من الارباح المتصاعدة و الاسواق الآخذة في الاتساع و القروض الرخيصة المتوافرة و العمالة المدجنة الخاضعة و السيطرة على سياسات الدولة و في غياب كل هذه العوامل او بعضها تنهار الثقة و تغيب...يدعي النصابون النفسيون ان انهيار الثقة هو نتيجة للتخبط الاقتصادي(7)و من ثم تصير المشاكل والاسباب الموضوعية وهي غياب ظروف مادية محددة تؤدي الى تراكم الارباح و ايضا تؤدي الى الازمة نقول تصير مجرد ادراك لهذا الفقدان و معرفة بهذا الغياب.
تنبثق الثقة والامل و الوثوق بالاقتصاد الرأسمالي من العلاقات الاقتصادية و الابنية الاقتصادية التي تنتج الارباح. هذه الحالات النفسية ماهي الانتائج لنجاحات متحققة:تبادلات اقتصادية و استثمارات و نسب في الاسواق تؤدي الى رفع القيمة و مضاعفة الارباح الحالية و المستقبلية.
و عندما يخيب الاستثمار تخسر الشركات الاموال و تفلس المؤسسات و يخيب امل المشاركين و تنهار ثقتهم في اصحاب الشركة و السماسرة وعندما يصير الفشل واقعا واضحا لقطاع اقتصادي برمته فان هذا يؤدي الى فقدان عام للثقة بين المستثمرين و اصحاب رؤوس الاموال و المقترضين
هذا التهويم النفساني هو آخر ملاذ لمنظري الرأسمالية و اكادمييها وخبراءهاو كل محرري الصفحات المالية.في محاولتهم لكي لا يواجهو واقع الحال في الاسواق الرأسمالية الموجودة حاليا نجدهم يكتبون عن طوباويات مثالية و مفاهيم خرافية مثل السوق الرشيد الصحيح الذي يتشوه نتيجة حالات ذهنية معينة. بمعبارة اخرى في محاولتهم اليائسة لانقاذ ما يمكن انقاذه من ايديولوجيتهم البائسة التي ثبت فشلها يخترعون مثالا اخلاقويا يطلقون عليه
الذهنية الرأسمالية الحقيقية و السوق الرشيد الحقيقي و يفصلونه عن السلوكيات الواقعية و الشروط الاقتصادية و التناقضات الكامنة بعمق في الصراع الطبقي في اي مجتمع طبقي.
و تتوازى تلك التهويمات و التخريفات التي يطلقها منظرو الرأسمالية مع افلاس النسق الاجتماعي الذي يتعيشون من ورائه
ان فشل وانهيار الطبقة الراسمالية و اتباعها من الساسة لا يعود الى اخطاء شخصية
إن هو الا انعكاس للفشل الاقتصادي للسوق الرأسمالية
ان انهيار النظام المالي في الولايات المتحدة هو عرض لانهيار اعمق واخطر للنظام الرأسمالي برمته وترجع جذور الانهيارالاخير الى ديناميات تطور الرأسمالية في العقود الثلاثة الاخيرة.و بشكل عام جدا فأن الركود العالمي الحالي يمكن رؤيته في ضوء الصياغة الكلاسيكية التي طرحها ماركس منذ ما ينوف على قرن ونصف القرن خلون اي التناقض المستمر بين تطور قوى الانتاج و تطور علاقات الانتاج
و على العكس من مقولة الكثير من الاقتصاديين الكلاسيكيين(7)الذين يزعمون ان الرأسمالية المالية و الرأسمالية بعد الصناعية قد دمرتا او انهتا الاقتصاد الصناعي و خربتا الاقتصاد العالمي ووضعتا كبديل له نوعا من ملهى القمار او الكازينو العالمي او الراسمال المضارب
لقد شهدنا اكبر نمو مستمر على المدى الطويل للرأسمال الصناعي الذي يستعمل عملا مأجورا في قطاع الصناعة اكثر من اي وقت مضى في التاريخ. ونتيجة معدلات الربح المتزايدة فأن الاستثمارات الضخمة وطويلة الاجل صارت القوة المحركة لكي يتمكن الرأسمال الصناعي و من يتبعه من اختراق اقصى بقاع العالم واكثرها تخلفا. وبنت الاقطار الرأسمالية الجديدة والقديمة
(8)امبراطوريات اقتصادية ضخمة ذات توجه عالمي و حطمت في طريقها كل الحواجز الثقافية و السياسية التي كانت تقف في وجهها و اخذت بلا رحمة في استغلال البلايين من العمال المأجورين الجدد والقدامى على حد سواء. ومع تعاظم المنافسة بين الدول الصناعية المستقرة والدول الحديثة التصنيع ومع تزايد كم الربح بحيث انه فاق القدرة على الاستثمار و اعادة التدوير بشكل مربح في المراكز الرأسمالية القديمة هاجر الرأسمال الى آسيا و امريكا اللاتينية و اوروبا الشرقية و بدرجة اقل الى الشرق الاوسط و جنوب افريقيا
وتدفقت فوائض القيمة المتزايدة والضخمة على قطاعات الخدمات و التي تشمل كذلك القطاعات المالية و العقارية و التأمين و المضاربة على الاراضي المدينية بشكل متسع النطاق
وجد النمو الديناميكي للراسمالية و ازدياد التقنيات والمخترعات الحديثة (9)تعبيرا عنه في شكل سلطة اجتماعية و سياسية اكثر للطبقات الرأسمالية مما مكنها من تقزيم الطبقة العاملة تماما وتحجيمها تحجيما كاملا عبر تقليل قدرتها التفاوضية بشدة(10)و ادى هذا لزيادة الارباح بشكل اكبر. ومع تزايد نمو السوق العالمي تعاظمت نظرة الرأسمال الى العمال ليس بوصفهم مستهلكين محتملين و لكن بوصفهم مجرد تكلفة من تكاليف الانتاج.(11) ومن ثم توقف نمو الاجور و تقلصت المكاسب الاجتماعية او حولت الى شركات استثمارية خاصة لمزيد من الربح للراسمال.و في ظروف النمو المتسارع للرأسمالية الشرسة صارت الدولة وجهازها البيروقراطي
اداة خاضعة وتلاشت استقلالية الدولة عن الطبقات المزعومة(12)و ظهر هذا في كل المجالات فالغيت القيود على تعاظم الارباح و قللت الضرائب و انتهت كل الضوابط و اضعفت كل المحاظير. و فتحت الايديولوجية التي اسميت اللبرالية الجديدة حقبة جديدة من الاستثمار الضخم و تراكم فائض القيمة بشكل غير مسبوق في التاريخ فخصخصت الاشغال العمومية و الاراضي و الموارد و البنوك في سابقة لم تحدث من قبل وخاصة على هذا النطاق
و مع تزايد المنافسة واحتدامها و ذلك نتيجة لظهور قوى صناعية جديدة في آسيا(13)،تعاظم اتجاه الرأسمال الامريكي الى النشاط المالي.و في اطار الحلقة التمويلية المالية اخترعت الولايات المتحدة الامريكية سلسلة من الادوات المالية الاستثمارية التي اجتذبت بدورها التراكم الرأسمالي الضخم و الثروات الهائلة المتزايدة النمو نتيجة الارباح الهائلة في القطاع الانتاجي
لم يتحول الرأسمال الامريكي عن التصنيع بل بالاحرى اعادالانتشار الى الصين وكوريا وغيرها من المراكز الصناعية النامية و ليس هذا بسبب انخفاض الارباح و لكن على العكس تماما بسبب زيادة فائض القيمة و تعاظم الارباح فيما وراء البحار
وفر التصنيع المتزايد في الصين نتيجة توافر الاستثمارات مئات الملايين من الوظائف لعمالة تستغل ابشع استغلال في ظروف اقل ما يقال عنها انها وحشية و اجور لا تتجاوز الكفاف و بدون فوائد اجتماعية و بدون اي تنظيم نقابي او في وجود تنظيمات نقابية صورية
و مما زاد من حجم الارباح الهائلة ظهور طبقة جديدة من الرأسماليين الاسويين المتعاونين الذين يعملون في حماية الدولة وتحت مظلة حالة رأسمالية الدولة الاسيوية ووصلت معدلات الاستثمار الى ارقام خيالية مذهلة وخصوصا مع عدم التناسب الرهيب بين دخول الطبقة الرأسمالية المالكة والحاكمة و دخول الطبقة العاملة. وبالتالي حدث تراكم رهيب في فائض القيمة لكن في نفس الوقت لم تحدث زيادة حقيقية في الطلب المحلي. و اصبح نمو الصادرات و التصدير الى الاجنبي الذي يعيش فيما وراء البحار هي القوى المحركة للاقتصاديات الاسيوية.و استثمر الصناع الاوروبيون والامريكيون في آسيا ليعيدوا تصدير المنتج مرة اخرى لاسواقهم الداخلية مما ادى الى تحول في بنية الرأسمال الداخلي في بلاد العالم المتقدم و اتجاه الاستثمار الى قطاع التجارة والتمويل المالي. وادى تقلص الاجور الفعلية الى ازدياد هائل في الاقتراض(14)و ازدادت الانشطة المالية زيادة مطردة مع دخول بورصات الدول الاسيوية ذات البنية الدينامية و المستحدثة و الداخلة من فترة قريبة في التصنيع المكثف ومن ثم بدلا من اعادة استثمار الارباح الصناعية الهائلة في الصناعة من جديد وجهت تلك الارباح الى القطاع المالي و تنامت الارباح والسيولة باطراد بالمقارنة مع التقلص النسبي في القيم الحقيقية الناتجة عن تحول الرأسمال من الجانب الصناعي الى قطاع التمويل /التجارة
و نتجت سيولة لا مثيل لها من قبل عبر الارباح الفائقة غير المسبوقة الناتجة من الانتاج العالمي المتزايد و التجارة و قطاع التمويل و اعادة تدوير الارباح القادمة من الدول الصناعية الحديثة والدول النفطية(15)الى الولايات المتحدة عبر الدوائر المالية الحكومية اي وزارة الخزانة ومشتقاتها(16) او الخاصة اي البنوك وشركات الاستثمار(17) وكانت هذه السيولة خارجة تماما وبكل المقاييس عن نطاق استيعاب الاقتصاد الامريكي و الاوروبي و خاصة في القطاعات الانتاجية(18)
وفاضت خزائن المؤسسات المالية الامريكية والاوروبية نتيجة الاستغلال البشع للعمالة الاسيوية في الصين و الهند و البلدان الاخرى و النهب المطلق وتحويل فائض القيمة المتراكم في شكل تريليونات من الدولارات من دول المنظومة الاشتراكية السابقة(19) و دول امريكا اللاتينية التي اعتنقت "اللبرالية الجديدة" ديانة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.(20)
و نتج عن هذا الاستغلال المرعب المفرط للعمالة الاسيوية و تراكم الفائض المالي الذي لم يسبق له مثيل تضخم رهيب في الاقتصاد الورقي و هو ما دعاه علماء الاقتصاد اللبراليين فيما بعد "عدم التوازن الكوكبي" فيما بين الدول الاسيوية التي توفر اموالها وتستثمر وتصدر و بين الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة التي تستهلك و تمول و تستورد. وتحول الاختلال في الميزان التجاري الفائض لمصلحة آسيا الى خزائن وزارة الخزانة الامريكية عن طريق شراء سنداتها و اذوناتها. و من ثم تضخ الاقتصاد المريكي الورقي ووصل الى درجة شديدة الخطورة
وحدث توسع رهيب في القطاع المالي نتيجة لارتفاع معدلات العوائد الناجمة عن استغلال اقتصادية الدول التي تحولت الي نظام السوق المفتوح المفروض عليها من قبل المؤسسات المالية الدولية في العقدين الاخيرين من القرن العشرين.و تجاوز تدويل رأس المال الذي حدث على نطاق كبير وبشكل ليس له مثيل و معه النمو الهائل في حجم التجارة العالمية االقدرة الشرائية للاجور الراكدة و انخفاض الخدمات الاجتماعية و نتج عن كل هذا فائض رهيب في قوة العمل. و حاول رأس المال ان يزيد من ارباحه عبر الاستثمار العقاري الامر الذي ادى الى تضخم كبير في اسعار العقارات على اساس اتساع الدين و زيادة الاقتراض و عدم وجود اصول ثابتة حقيقية لضمان الديون و زيادة الادوات المالية التي تلعب دورا تدميريا لانها اصول بدون قيمة حقيقية.
و نتيجة لانهيار الاقتصاد الورقي انكشف تضخم النظام المالي العالمي و نجم عن هذا انهيار الاخير انهيارا مدويا.و نتيجة لانهيار التمويل والاقراض و الاسواق تأثرت اقتصاديات الدول المتوجهة اساسا نحو التصدير . ومع انخفاض الاستهلاك المحلي(21)بسبب
تدني القدرات الشرائيةالداخلية نتيجة الاستغلال الفظيع للعمالةو الفوارق الرهيبة في الدخول لم تجد دول التصنيع (22) سوقا بديلا لفائض انتاجها من اجل تثبيت وضعها الاقتصادي و منع انحدارها السريع الى هاوية الركود والكساد. بعبارة اخرى ادى النمو الديناميكي السريع والضخم لقوى الانتاج على اساس فرط استغلال العمالة الى تطور مفرط في الدوائر المالية مما ادى الى دفع عملية استبعاد التصنيع و اخضاع عملية التراكم الرأسمالي الى المضاربة مما ادى في النهاية الى تدهورها ومن ثم انهيارها.

لم يعد بوسع العمل الرخيص الذي كان اساس الارباح الهائلة و الاستثمارات المتزايدة و نمو التجارة العالمية زوالتوجه المتزايد نحو التصدير على نطاق كوكبي نقول لم يعد بوسعه ان يتحمل كل من النهب المتزايد من قبل الرأسمال المالي المتجه نحو المضاربة (23) وايضا لم يعد يقدر على توفير السوق اللازم لنمو القطاع الصناعي الدينامي. ان ما سمي ّ خطا بالازمة المالية او حتى بازمة قطاع الاسكان والتمويل العقاري لم يكن الا القشة التي قصمت ظهر القطاع المالي المتضخم مفرط النمو.
لقد ارتد القطاع المالي الذي نمى من رحم التوسع الدينامي للرأسمالية "المنتجة" على صانعه . وقد ادت الروابط التاريخية و الوشائج العالمية بين الصناعة والتمويل الى ازمة رأسمالية نسقية هي في جوهرها موجودة في كنه العلاقة الجدلية التناقضية بين الافقار المتزايد للعمل و تعاظم تركز رأس المال.
و ما الكساد العالمي الحالي الا نتيجة حتمية للتراكم المفرط للرأسمال و هو آلية اساسية او لنقل ألالية الاساسية في النظام الرأسمالي وقد كان انهيار النظام المالي مجرد اداة التفجير ولكنه ليس بأي حال من الاحوال المحدد البنيوي للانهيار. وهذا واضح بجلاء من واقع ان اليابان و المانيا الصناعيتين قد عانتا معاناة اكبر من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة الماليتين و ذلك فيما يتعلق بانهيار الصادرات و الاستثمارات و النمو.
يقوم النظام الرأسمالي المأزوم بتدمير الرأسمال من اجل ان يطهر نفسه من القطاعات والمؤسسات الاقل كفاءة و الاقل قدرة على المنافسة و الاكثر استدانة وذلك من اجل اعادة تركيز رأس المال و اعادة بناء التراكم الرأسمالي إذا سمحت الظروف السياسية القائمة بذلك. و تنبثق عملية اعادة ترتيب البيت الرأسمالي من خلال النهب المنظم لموارد الدولة و الذي يسمى باستخدام اللغو الجديد المعونة المالية و غيرها من مسميات النصب التي تستهدف نقل موارد الخزانة العامة اي اموال دافعي الضرائب الى خزائن البنوك والقطاعات المالية المتهاوية و ما يستتبع هذا من تخفيض الانفاق الحكومي اي الانفاق الاجتماعي و الخدمات العامة لمصلحة الشعب و تقليل نفقات العمالة عبر الطرد و تصاعد البطالة و خفض الاجور و استنزاف المعاشات و التأمينات الصحية والا جتماعية و الخفض العام لمستويات المعيشة لاجل زيادة الارباح وتعظيم التراكم الرأسمالي.

_______________________
هوامش
(1)الاشارة هنا الىتهويمات فوكوياما و غيره من بلهاء العلوم السياسية و كذلك الى العلوم الادارية و كل سلة النصب تحت هذا المسمى
(2)يشهد عصرنا الحالي نهاية عصر البليون او المليار او الاف مليون في اطار الارقام التي تسجل ميزانيات الدول الكلام الآن عن التريليون و هذا يشابه نهاية عصر المليون مع الازمة المالية الاقتصادية العالمية في السبعينات التي ادت لانتهاء المليون
بالرغم من انه لابد وان نعي تماما اختلاف الازمة الحالية اختلافا بينا وكليا عن تلك الازمات السابقة عليها بما في ذلك الكساد العظيم في الثلاثينيات
(3)من الامثلة الواضحة سنجد طرد العمالة الاجنبية من الامارات و افلاس ايسلندا و الدول التي على وشك الافلاس مثل المجر و بولندا وجمهوريات البلطيق
(4)يتوقع بتراس انهيار الامبراطورية الامريكية انهيارا مؤلما سواء في الخارج وهو الامر الذي نشهده مع تزايد التورط في افغانستان و ازدياد الخسائر و ايضا في الداخل وهو الامر الذي نرى مقدماته في ازدياد معدلات العنف و القتل العشوائي في الولايات المتحدة وخاصة من افراد شردتهم الازمة و قضت على احلامهم و ايضا في شكل تصاعد الاضاربات والاعتصامات العمالية بل واحتلال المصانع
(5) هنا يجدر بنا ان نذكر العديد من المقالات التي تحدثت تفصيلا عن انهيار الدور الرقابي للحكومة الامريكية و ارتباط هذا بصعود الآن جرين سبان ومن ثم تلميذه وربيبه بن برنانكي و كيف تعاونت الادارات الامريكية المتعاقبة -ابتداءا من ريجان وانتهاءا بكلينتون- على الغاء كل الدور الرقابي للدولة وهو الامر الذي كانت اقرته مجموعة القوانين والاجراءات التي اتخذت في عهد ف د روزفلت فيما عرف باسم التعاقد الجديد او النيو ديل. على الاخص يمكن الرجوع لمقالات كل من مايك ويتني و مايكل هدسون على موقع كاونتربانش
(6) الاشارة هنا الى الخرافات المنتشرة في اوساط "الخبراء"الاقتصاديين عن الرشادة و العقلانية التي تتميز بها الرأسمالية
(7)ممكن هنا الرجوع ايضا لمقالات بول كريج روبرتس مساعد وزير الخزانة الامريكي في عهد ريجان ايضا على كاونتربانش
وروبرتس يتبنى الرأي السائد بين الاقتصاديين الامريكيين من غير مدرسة شيكاغو والذي يرى ان ترحيل الصناعة الى الدول الافقر ادى الى الازمة الحالية وهؤلاء الاقتصاديون يرفضون فكرة خلق الثروات التي كرستها مدرسة شيكاغو و تبنتها الادارات الامريكية
(8)يرى بتراس في اكثر من مقال منشورعلى موقعه ان هناك طريقين لبناء الامبراطوريات الرأسمالية احدهما تنتهجه الولايات المتحدة وهو ما اسماه بناء الامبراطورية عسكريا و اعتمادا على التدخل المباشر و الآخر تعتمده الصين و الدول الحديثة و لو على نطاق اقليمي مثل البرازيل مثلا وهو البناء التجاري
(9) بالتعبير الماركسي الكلاسيكي ادوات الانتاج التي تشكل جزءا اساسيا من قوى الانتاج وتطورها
(10)نذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر الدور الذي لعبته ثاتشر في ضرب الطبقة العاملة البريطانية و خاصة مع اضراب عمال الفحم الشهير في الثمانينات
(11)هنا يجب ان نذكر ان مقولة الاقتصادي الماركسي الفرنسي كريبو بصدد الافقار النسبي و تصدير الازمة لدول العالم الثالث تتمتع بصحة نسبية و انه مع تصاعد موجات الهجرة الى الدول الثرية في اوروبا و امريكا يتم خلق سوق بديل للعمالة الرخيصة و التي تستخدم ايضا في السوق المحلي لضرب القدرة التفاوضية للعمل و بالتالي ينهار حلم العمال المتميزين ذوي الياقات البيضاء
(12)بالطبع هنا لابد وان نذكر المؤلف اللينيني الكلاسيكي الدولة و الثورة
(13)الاشارة هنا الى النمور الاسيوية و كل له قصته الخاصة و طريقة نموه المغايرة للآخر و لكن كعادة الخبراء يتم تجميعها في سلة واحدة وتقديمها على انها قصة واحدة
(14)هنا لابد من الاشارة ايضا الى ازدياد بل و سيادة النزعة الاستهلاكية المحضة التي تتجلى في مزيد من الامتلاك ومزيد من غزو الاشياء لحياتنا اليومية و كأن القيمة الوحيدة للانسان باتت في ما يلبسه او ما يقتنيه او ما يركبه و نوعه و اصبحت الاشياء تقتنى لاسباب غير وظيفية ولا حتى جمالية اي انعدمت صفة الحياتية المهم ان هذه النزعة الاستهلاكية المتزايدة ادت الى مزيد من الانفاق بالاقتراض بالرغم من عدم قدرة الكثيرين حتى على الوفاء بهذه القروض.لكنه الحلم بالامتلاك والاقتناء كوسيلة للحراك الاجتماعي
(15)هنا اود ان اشير الى الكتاب المهم للكاتب الامريكي الذي يعيش حاليا في غابات الامازون محاولا التكفير عما اقترفه من ذنوب في حق البيئة وشعوب المناطق الفقيرة في العالم وهو كتاب
اعترافات قاتل محترف يغتال اقتصاديات الدول
ويمكن زيارة موقع الكتاب هنا
(16)تتم اعادة استثمار الاموال المتراكمة عبر التصدير في سندات الخزانة الامريكية و باقي الاوراق المالية التي تصدرها الحكومة الامريكية و هذه النقود المعاد استثمارها في الولايات المتحدة تستخدم مرة اخرى لتعزيز النفوذ الامريكي في الدول المستثمرة التي تتمتع بفائض في الميزان التجاري مع الولايات المتحدة اي بعبارة اخرى من دقنه وافتله كما يقال في المثل الشعبي
يمكن في هذا الصدد مراجعة كتاب بركنز المذكور و ايضا فيلم مايكل مورالفائز بجائزة مهرجان كان فهرنهيت 11/9
(17)من امثلة النصابين الدوليين الذين صاروا علامات على فساد النظام المالي برنارد مادوف ويمكن الرجوع الى عشرات المقالات عنه في كاونتربانشوايضا الى مقال جميلعنه لمايكل مور
(18)يمكننا ان نقول ببساطة ان الامر كان دعوة مفتوحة للنصب و ليس مادوف و امثاله الا مجرد قمة جبل الجليد من ضمن الامثلة طبعا الشركة الاسبانية التي كانت تتاجر في طوابع البريد!!و غيرهم كثير وفي كل انحاء العالم
(19)كمثال ما حدث في دول البلطيق استونيا و لاتفيا وليتوانيا التي افلست وتطالبها البنوك السويدية والبريطانية بسداد ماعليها وذلك بعد ان نهبتها تماماممكن مراجعة مقال مايكل هدسون في كاونتربانش عن آخر الاخبار في اقتصاديات الزبالة
ايضا ما كتب عن انتخابات ايسلندا الاخيرةوهي مثال آخر على نهب البنوك الغربية للدول الصغيرة و كيف تحولت ايسلندا في لمح البصر الى واحدة من افقر دول العالم
(20)الشعار الذي رفعته المظاهرات التي اطاحات برؤساء الارجنتين المتعاقبين في ازمة 2002 كان البنك الدولي قاتل ومجرم
(21)طريق الصين للخروج من الازمة الحالية هو تشجيع الاقتصاد الداخلي على الاستهلاك و خصوصا تنمية المناطق الريفية وماتزال الصين تتوقع نموا اقتصاديا ايجابيا على عكس دول العالم. يراجع في هذا الصدد و المحاذير المطروحة مقال والدن بيلو هل بوسع الصين انقاذ العالم من الكساد؟؟؟
(22)هذا المفهوم يتعلق بالدول التي يتم فيها التصنيع بغرض التصدير و هي الدول التي انتقل اليها معظم الاقتصاد الصناعي العالمي لرخص العمالة وتوافرها مثل الصين والهند اساسا و لكن ايضا يمكننا ان نذكر البرازيل و الباكستان و فيتنام و غيرها
(23)رؤية بتراس هي رؤية ماركسية تقليدية ترى ببساطة ان الهدف الرئيسي للاقتصاد الرأسمالي هو تعظيم الربح بكل الوسائل ومن ثم لا رشادة ولا عقلانية في هذا الاقتصاد

Article 16

$
0
0
الجزء الثاني


مدخل : مرة اخرى يحاول بتراس ان يقدم تحليلا صارما للازمة المالية العالمية يبتعد فيه عن الاخلاقوية و النفساوية ويحاول استكشاف الظروف الموضوعية التي ادت اليها عبر تحليل الازمة البنيوية والخلل الهيكلي في النظام الرأسمالي ذاته.وهذا يعني استخدام مؤشرات اقتصادية ومالية للتدليل على كون الرأسمالية تحمل في طياتها بذور انهيارها و الكامنة اساسا في فوضى الرأسمال و عدم تطور علاقات الانتاج بنفس سرعة تطور قوى الانتاج.
و الواقع انني اعتقد ان عودة احتدام الحرب الباردة في نهاية السبعينات و التي شهدت انهيارا مؤثرا للنظم الشمولية في اوروبا الشرقية مع نهاية الثمانينات، قد مهدت ايضا لحدوث انهيار في النظم الرأسمالية الغربية و ما اجل هذا الا حرب الكويت التي شنتها الولايات المتحدة بغرض اساسي هو استنفاذ القوى التنافسية الموجودة في العالم الرأسمالي وهي تحديدا المانيا و اليابان وهو ما حدث عبر تحميل الدولتين و معهما دول الخليج تكلفة الحرب المالية الباهظة و تحميل المصريين والسوريين تكلفة الحرب البشرية مقابل بعض الفتات. في المقابل كانت الحروب الامبريالية التي خاضتها الولايات المتحدة وماتزال بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير الذي كان ينوء من حمل التطور المفرط في الرأسمال المالي كما اوضح بتراس في الجزء الاول

اسامة
الكساد العالمي :تحليل طبقي
لا تنفع المؤشر ات الاقتصادية المجمعة او الكبرى و الدالة على صعود وانهيار النظام الرأسمالي العالمي كثيرا في مساعدتنا على فهم اسباب و دوافع و آثار الكساد العالمي. في افضل الاحوال تصف هذه المؤشرات الانهيار الاقتصادي وفي اسوء احوالها تؤدي الى تعتيم صورة الطبقات الاجتماعية الحاكمة و دورها الحاسم في التطور التاريخي بكل تعقيداتها و تحولاتها وشبكاتها و التي تؤدي الى التوسع ثم الانهيار و ايضا دور الاجور و الطبقات العاملة المأجورة التي انتجت الثروة التي مونت التوسع و عليها الآن ان تدفع تكلفة الانهيار العظيم.(1) وهو الامر الذي سنحاول استكشافه فيما يلي
من البديهيات المعروفة جيدا ان اولئك الذين تسببوا في الازمة هم اكبر المنتفعين بالخدمات الحكومية(2).الملاحظة البسيطة والخام هي ان الطبقات الحاكمة هي التي صنعت الازمةو الطبقات العاملة هي التي تدفع الثمن وهي ملاحظة ثاقبة و اقل ما يقال عنها انها تجعلنا نقدر اهمية التحليل الطبقي في فهم الواقع الاجتماعي الكامن خلف الارقام الاقتصادية والمالية الغفل. فبعد الكساد الذي شهدته بداية السبعينات(3) استطاعت الطبقة الرأسمالية الصناعية الغربية ان توفر التمويل اللازم لبدء فترة نمو عميق و متسع شمل العالم باكمله. وانتعشت الطبقات الرأسمالية في المانيا و اليابان وجنوب شرقي آسيا و تنافست مع نظيرتها الامريكية و تعاونت معها في آن
شهدت تلك الفترة انخفاضا متزايدا بشكل نسبي و مطلق ايضا في قدرات الطبقة العاملة على كل الاصعدة والمستويات الاقتصادية والسياسية و التنظيمية(4) . فمثلا ادت التطورات التقنية التي شهدتها العقود الاخيرة من القرن العشرين على مستوى التنظيم الاداري الى معادلة ارتفاع الاجور نسبيا عبر تخفيض العمالة و هذا بدوره ادى الى تقليل قدرات العمال على الضغط على الادارة و رأس المال
و هذا كله ادى الى تعزيز قوة رأس المال ودوره في الانتاج و صار بوسع الطبقات الرأسمالية ان تمارس تحكما شبه تام على موقع و حركة الرأسمال
حاولت القوى الرأسمالية المستقرة(5)وخاصة في الولايات المتحدة الامريكية وانجلترا والتي اصبحت تمتلك رصيدا ضخما من الرأسمال (6)و صارت تواجه تحديا متزايدا من القوى التي استعادت عافيتها في المانيا و اليابان(7) نقول حاولت تلك القوى ان تزيد من معدلات ارباحها بالرغم من هذه المنافسة (8) عبر تحويل معظم الانشطة الرأسمالية الى القطاع المالي و قطاع الخدمات.كانت هذه الخطوة في البداية تستهدف تنمية و زيادة مبيعات المنتجات المصنعة في تلك البلاد عبر توفير الاستثمار اللازم لتمويل واقراض المستهلك لشراء السيارات او البضائع البيضاء(9) و لكن هذا تغير و صار غرضا في ذاته مع تزايد الارباح القادمة منه
في نفس الوقت قام الرأسمال الصناعي الاقل دينامية باعادة توزيع مصانعه ونقلها الى المناطق الاكثر ربحية لانها اقل كلفة عبر انخفاض الاجور فيها. من ثم ظهر الرأسمال الصناعي بمظهر الممول المالي في الولايات المتحدة حتى مع احتفاظه بالشكل الصناعي في عملياته خارج الولايات المتحدة في المصانع المنتشرة في كل انحاء العالم. وادى تزايد التصنيع الرخيص في الخارج و تزايد الربح القادم من التمويل المالي في الداخل الى تضخم رهيب في الارباح الخالصة التي تحصل عليها الطبقات الرأسمالية
و بينما زاد تراكم رأس المال في الدول الاصليةالصناعية تراجعت الاجور و التكاليف الاجتماعية حيث اجبرت القوى الرأسمالية الصاعدة الطبقات العاملة على تحمل تكلفة خفض الكلفة لزيادة القدرة التنافسية للمنتج و ساعدها في ذلك عاملان حاسمان
تواطؤ النقابات العمالية في الولايات المتحدة و تخاذل الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية في اوروبا الغربية(10).و زادت الارباح اكثر واكثر بسبب تلك التقلصات المستمرة في الاجور و ربط الاجر بالانتاج بشكل تعسفي و تحالف القيادات العمالية الصفراء مع رأس المال
وتم تعويض الطبقة العاملة الامريكية تعويضا غير حقيقي ووهمي عبر انخفاض اسعار المنتجات الاستهلاكية المستوردة التي ينتجها العمال الاشبه بالعبيد في الدول الحديثة التي تقوم بالتصنيع لحساب الشركات الكبيرة و ايضا عبر اتساع رقعة الاقراض عبر الآليات المالية التي اخذت البنوك توفرها (11).
اي ببساطة حدثت حالة مصطنعة من الرخاء المادي الوهمي
ومع النهب الرهيب الذي حدث للاتحاد السوفيتي السابق وبمساعدة العصابات المحلية التي اثرت ثراءأ فاحشأ في تلك الدول(12)حدث تدفق خيالي للاموال على البنوك الغربية طوال عقد التسعينات في القرن العشرين. و مع تحول الصين لسياسة اقتصادية رأسمالية في بداية الثمانينات (13)و التي تزايدت مع التسعينات تزايدت ارباح الرأسمال الصناعي المنتقل اليها لاجل الاستغلال الرهيب لمئات الملايين من العمال العاملين في ابشع الظروف وباجور لا تتجاوز الكفاف. وهكذا عام القطاع المالي والبنكي في الدول الغربية على اكثر من تريليون دولار نهبت من دول الاتحاد السوفيتي السابقة واضيف لهذا البحر المالي المتلاطم مئات البلايين من الدولارات القادمة من اموال المافيا و النهب والتي اسرعت للبنوك الغربية ليتم غسلها و تبييضها مما ادى الى تضخم رهيب في القطاع المالي والبنكي(14)وخاصة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. و مع تصاعد اسعار البترول نتيجة للمضاربة و التلاعب المستمر في البورصات وكذلك مع زيادة الايجارات و ارتفاع اسعار العقارات ازدادت الاموال المتدفقة و ازدادت السيولة فتحول البحر الى محيط شاسع ضخم. و هكذا وفر النهب و الاستثمار العقاري و المضاربات على اسعار السلع تراكم مالي رهيب لا علاقة له بالانتاج الصناعي الحقيقي. و على الجانب الآخر ادى التصنيع المتسارع للصين وغيرها من الدول الاسيوية الى توفير سوق ضخم لم يسبق له مثيل في التاريخ متاح للصناع الالمان واليابانيين المنتجين للآلات الصناعية و التقنيات المتطورة وفقام هؤلاء بتوفير هذا للمصانع الصينية والفيتنامية
اي ببساطة لم يتحول الرأسمال الامريكي عن التصنيع وانما تحولت الولايات المتحدة كدولة!!!(15) وهذا فرق كبير. فعبر تغيير اماكن الانتاج و نقل المصانع الى الخارج ثم استيراد منتجات مصنعة رخيصة و التركيز على الاقراض و التمويل ازداد تنوع الطبقة الرأسمالية الامريكية وتعددت قطاعاتها وشرائحها. وهذا ادى الى مضاعفة الارباح و تضخم تراكم رأس المال.
وعلى الجانب الآخر تعرضت الطبقات العاملة الى انواع متعددة ومتزايدة من النهب والاستغلال غير المسبوق: فركدت الاجور و زادت الفوائد والعمولات المأخوذة على القروض و انخفض مستوى المعيشة باستمرار مع ازدياد التحول من الاعمال التصنيعية التي تتطلب مهارة وتعطي اجرا عاليا نسبيا الى وظائف الخدمات المنخفضة الاجر.
و كانت العملية الاساسية التي ادت الى الانهيار واضحة لمن يريد ان يرى لقد نمى الرأسمال الغربي اساسا عبر الاستغلال البشع
لدول الاتحاد السوفيتي السابق و امريكا اللاتينية مما ادى الى انخفاض ملحوظ وعميق في مستويات المعيشة في العقد الاخير من القرن العشرين.و ازدادت معدلات التراكم الرأسمالي مع ازدياد الاستغلال البشع الذي لم يسبق له مثيل لملايين العمال في الصين والمكسيك و اندونيسيا والهند والهند الصينية و غيرها من مناطق العالم. و ساعد على هذا التراكم الرهيب ايضا ان الاجور كما اوضحنا سابقا قد انخفضت نسبيا او ركدت في الولايات المتحدة واوروبا الغربية خاصة مع ازدياد معدلات الهجرة غير المشروعة لتلك البلاد مما ساعد على توفير عمالة رخيصة بدون تكاليف اجتماعية يدفعها الرأسمال(16)و ساعد التركيز النظري و السياسي والاعلامي في المانيا واليابان و امريكا اللاتينية و شرق اوروبا على اقتصاديات التصدير باعتبارها الحل الوحيد للنمو(17)على زيادة الاختلال المتصاعد او التناقض الرهيب بين الرأسمال الذي يتزايد تركزه وتمركزه سواء على مستوى التراكم او الملكية و بين الجماهير الغفيرة المتزايدة العدد من العمال ذوي الاجور المنخفضة(18). وهكذا ازداد الاختلال البنيوي على مستوى العالم
وتخطت عملية التراكم الدينامية المتسارعة كل قدرات وامكانيات النسق الرأسمالي شديد الاستقطاب المقسم فلم يعد بوسعه امتصاص الرأسمال في انشطة انتاجية مع توفير معدلات ربحية عالية. وادى هذا الى نمو رهيب متعدد الاوجه لعمليات المضاربة عبر تضخيم اسعار السلع الاولية و الاستثمار العقاري و السندات والاوراق المالية واموال التأمينات و الادخار و تمويل القروض الاستهلاكية و الاستيلاء على الشركات وتفكيكها و كل هذا بدون انتاج حقيقي للقيمة.مع تقلص الاجور و الطفرة الصناعية انخفض الطلب المحلي و زادت حدة المنافسة في السوق العالمي
و قدمت المضاربات المالية في اطار هذه السيولة الهائلة حلا سريعا على المدى القريب :الارباح على اساس الاقراض الرخيص. و اشتعلت المنافسة بين المقرضين فانخفضت اسعار القروض(19)و زادت آليات الاقراض. وامتدت المضاربة على العقارات ايضا الى الطبقات العاملة(20)حيث انتهز العمال المأجورون الذين لا يمتلكون مدخرات شخصية او ممتلكات او اصول ثابتة انتهزوا فرضة وجود قروض سهلة ميسرة لينخرطوا في صفوف الحمى المضاربية ووهم الثراء السريع يحدوهم ويداعب اجفانهم. و بنوا هذه الصروح الوهمية على ايديولوجية خرافية تقول بان اسعار العقارات في صعود مستمر الى الابد(21).و ترددت اصداء الانهيار المحتوم الذي حدث في كل ارجاء النظام لقد انفجرت قاعدة سلسلة المضاربات المتوهمة و حدث انفجار نووي متسلسل اخذ يتسارع صعودا من قاعدة الهرم المضاربي العقاري اي اصحاب العقارات المدينة الذين لا يستطيعون سداد ديونهم ليصل الى البنوك الكبرى والمؤسسات المالية
الضخمة التي كانت تتسابق في التنافس على تقديم القروض و شراء العقارات لاعادة بيعها .وتأثرت كل القطاعات المتنوعة سواء تصنيعية او مالية او تجارية و انخفضت قيمتها جميعا .و تواجه الرأسمالية باكملها اليوم خطر الافلاس التام(22)وشهد الرأسماليون الصينيون و الالمان و اليابانيون الذين يستغلون العمالة ابشع استغلال انهيار اسواق التصدير.
ان الفقاعة المالية المنفجرة هي نتيجة حتمية لفرط تراكم الرأسمال الصمناعي و النهب الفظيع للثروات و الموارد على نطاق عالمي كوكبي. و فرط التراكم هو ظاهرة كامنة في جذور علاقات الانتاج الرأسمالية . انها تعبير عن التناقضات الحتمية بين الملكية الخاصة لادوات الانتاج و الانتاج الاجتماعي على نطاق ضخم و بالتالي التركز المستمر لرأس المال و الذي يصاحبه انخفاض مستمر في مستويات المعيشة و افقار مستمر للطبقات المتوسطة و العاملة
_______________________________
هوامش
بداية اود ان اقول ان هذه الهوامش هدفها الاول هو تقديم صورة واضحة قدر الامكان عبر الامثلة و الاقتباسات عن الموقف الحالي و توضيح المقال و تدعيمه وهي ليست مجرد اشارات مرجعية بل في تقديري هي جزء لا يتجزء من المقال بالعربية
اسامة
(1)كل الحلول المقترحة تجعل العبأ اساسا على دافع الضرائب او كما قال العامل النقابي جورج شوتويل في مقال له حول عواقب افلاس الشركات الصناعية الكبرى في امريكا عندما تراكمت الارباح تناقصت اجورنا والآن وهم على شفا الافلاس علينا ان ندفع لانقاذهم
ببساطة يطالب الرأسمال الذي يقوم بالتهرب من دفع الضرائب و يرعى الفساد السياسي عبر تمويل حملات القيادات السياسية في كل مكان لضمان ان يعملوا لمصلحته ان يقو م العمل المأجور بدفع تكلفة الازمة والركود و التراجع وطبعا يسارع الكثيرين من الخبراء والمحللين بالكلام عن الانتماء و القومية وديون مصر كما حدث في الثمانينات
يعني ببساطة مرة اخرى الشباب الحلو الروش يستلف ويروشن و يعيش و الناس البيئة تدفع لما تروح السكرة وتأتي الفكرة
(2)الخطة المالية المقترحة من قبل برنانكي رئيس الاحتياطي الفدرالي او ما يعادل البنك المركزي الامريكي وجايثنر وزير الخزانة و كلاهما من عملاء وولستريت وارباب البنوك و الشركات والمؤسسات المالية الكبرى تعني اساسا ان تشتري الحكومة الامريكية اي دافعي الضرائب اي العمل المأجور كما اسلفنا كل الاوراق المالية التي لا تساوي قيمة الحبر المطبوعة به لرفع قيمتها التي لن ترتفع و دون المساس اطلاقا بالبنوك او تلك المؤسسات التي رفعت حكومة اوباما شعار
انها اكبر من ان يسمح لها بالانهيار
يراجع في هذا الصدد مقالات مايكل هدسونو مايك ويتني في كاونتربانش
ايضا يمكن مراجعة مقالروبرت وايسمان في نفس الموقع و عنوانه الطيب والشرس والقبيح
(3)يمكن مراجعة مقالبول كريج روبرتس حول انهيار برايتون وودز و الغاء الغطاء الذهبي و اعتبار الدولار العملة الاساسية للتحويل الدولي او الاحتياطي النقدي العالمي وهو ما حدث مع الازمة العالمية في بداية السبعينات و التي حدثت ايضا كأزمة دورية و زادت من حدتها عوامل اخرى من بينها تكلفة حرب فيتنام و ايضا ارتفاع اسعار النفط بعد حرب اكتوبر
(4) دخول عالم الاتمتة و زيادة دور الآلات الحاسبة و ايضا تقلص دور الصناعة التي تعتمد على العمل المكثف مثل التعدين وخاصة مع انخفاض اسعار المواد الخام في الثمانينات من القرن الماضي و كل هذا ادى الى ضعف قدرة الطبقة العاملة على المناورة و الضغط وقد نتذكر جميعا فشل اضراب عمال المناجم بقيادة ارثر سكارجيل في انجلترا و ايضا فشل الاضرابات العمالية المتوالية في ايطاليا وفرنسا
(5)اي القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية وهي الحرب التي شهدت ما اسماه سمير امينتحول مركز الثقل الاستعماري غربا من المتوسط الى الاطلسي في كتابه "البحر المتوسط في النسق العالمي" والصادر عام 1988 (بالمشاركة مع فيصل ياشير)و اتصور ايضا انها شهدت دخول العالم الى عصر الرأسمالية الكوكبية او العولمة وهي حرب ما بعد الكساد العظيم و في تقديري آخر الحروب الكبرى بين القوى الاستعمارية الا إن ظهر شخص مجنون لا يبالي بدمار البشرية فيما يعرف احيانا باسم الخيار شمشون هو ما تنبأ به تشومسكي في كتابه "مثلث المقادير"الصادر عام 1983
(6)يحدث هذا نتيجة عمليات اعادة تدوير الدولار و يرجع هنا الى مقال مايكل هدسون موعد في يكاترينبورج و التي يتحدث فيها عن اجتماعات مجموعة شنغهاي في يونيو 2009 و من ثم مجموعة البريك اي البرازيل روسيا الهند الصين و طرح فكرة التخلي عن الدولار و اعتماد وحدة الصرف المعادلة بالبنك الدولي بوصفها العملة الاستراتيجية الاحتياطية
(7)استعادت اليابان والمانيا عافيتهما بسبب حرب فيتنام اساسا و يمكن فهم هذا من خلال ان الحروب الامبريالية التي تدخلها الولايات المتحدة للحفاظ على امبراطوريتها و توسيعها و دور القبضاي الذي تقوم به تحت مسميات مختلفة منذ بداية القرن العشرين و الذي استشرى بعد الحرب العالمية الثانية يؤدي الى زيادة التراكم الرأسمالي في دول تستفيد كثيرا من هذا الانفاق العسكري المتزايد الذي تعتمد عليه الولايات المتحدة لفرض سيطرتها وهو ما حدث في حرب فيتنام التي ادت الى انتعاش كل من الاقتصاد الياباني و الالماني وتعنتمد الولايات المتحدة على آلية الدولار كعملة احتياطية عمومية لاستعادة ما تنفقه ببذخ على قوتها العسكريةو هو الامر الذي لا تستطيعه تماما اليوم في حالة هذه الازمة التي نحن بصدد تحليلها
(8)يمكننا ان نفهم هذا ببساطة من خلال فهمنا لقانون البحث عن اعلى ربحية بوصفه القانون الاساس للنظام الرأسمالي
(9) مصطلح يعني البضائع الاستهلاكية الفاخرة والتي تتحول الى ضروريات حياتية مع آلة الدعاية الشرسة الضخمة التي تصور انه من الضروري امتلاك هذه الاشياء
راجع قاموس التنمية او مقالات اسامة القفاش عنه
(10)قصة خيانة الاحزاب المسماة بيسار الوسط للطبقة العاملة والطبقات الشعبية بشكل عام تظهر كاوضح ما يمكن مع توني بلير دلدلول جورج بوش و الشوبش الخاص به في مجال تسويق الحروب و الاكاذيب
(11)الحمى الاستهلاكية و اجواء الحلم الكاذب عبر فكرة الاقتناء و الماركات المعينة و الوصول للثراء باسهل الطرق عبر المسابقات الخرافية و اليانصيب وخلق وهم الوفرة و ان التميز ياتي من اقتناء اشياء معينة كل هذا يصير الوعاء القيمي للمجتمع ما بعد الاستهلاكي هذا و الذي ينبني اساسا على الاقتراض المستمر
(12) المقصود هنا اناتولي تشوبايس و عصابته اثناء حكم يلتسين و يمكن الرجوعلمقال د.ايمان يحيى حول هذا الموضوع
(13)التحول الصيني الى استخدام آليات اقتصادية تشابه آليات الاقتصاد الرأسمالي مع الابقاء على سيطرة الحزب الشيوعي الصيني على الحكم حدث مع وصول دينج هسياو بنج و هزيمة ما سمي بعصابة الاربعة بعد موت ماو و قد رفع بنج شعار عدم اهمية لون القط طالما كان يصيد الفئران..من المهم جدا رؤية الصين في اطار مختلف عن الاطار الرأسمالي التقليدي لاسباب عديدة بينها عدم ترسخ طبقة بعينها كطبقة رأسمالية ترث وتورث. التراث الصيني في البيروقراطية عريق وعتيق ويعود الى كاقبل الكونفوشيوسية حتى
(14)هنا نوجه الانظار الى الدور الذي لعبته و تلعبه اموال الفساد و السوق السوداء التي تحتاج الى غسيل مثل المخدرات و السلاح و الدعارة وغير ذلك بل وتحول بعض هذه المهن الى نوع من الرفاهية ومهن محترمة
(15)يؤكد هنا بتراس على التفرقة بين الطبقات الحاكمة و البلاد و بالتالي نعود مرة اخرى الى اساس نظرية ماركس الذي طوره لينين في الدولة والثورة عن دور جهاز الدولة كاداة في يد الطبقات الحاكمة
(16)تلعب الهجرة غير المشروعةدورا هاما في ضرب سوق العمل عن طريق توفير عمالة ارخص و اكثر قدرة على الخضوع من العمالة المحمية بالنقابات و المنظمة المواطنة ولذا نجد انها قد صارت سلاحا ذوحدين في الدول التي تستشري فيها من امريكا الى اوروبا الغربية فمن جهة لا غنى عنها لتوفير العمالة الرخيصة وتهديد العمالة الموجودة المنظمة ونزع مكتسباتها و من جهة تمثل ايضا خطرا على البنية التحتية بالمعنى الغربي من حيث انها تقدم بيئة خصبة للجريمة المنظمة والمشاكل الاجتماعية
(17)هنا يمكننا ان نتذكر الشعارات البلهاء التي انطلقت في مصر في التسعينات عن التصدير او الموت و غير ذلك من بلاهات
(18)هنا يتكلم بتراس عن نظرية الافقار المطلق الماركسية والتي طورها كما ذكرنا في الجزء الاول الاقتصادي الماركسي الفرنسي كريبو الى فكرة الافقار النسبي . حيث تقوم دول المحيط كما في نظرية سمير امين بتوفير العمالة الرخيصة و المواد الخام قليلة الثمن مقابل توفير بعض الفتات للعمالة المواطنة من ذوات الياقات البيضاء
(19)يتخلق الوهم ويزداد لدى المواطنين بشكل عام عبر الآليات الاعلامية التي تلح على حلم الثراء و حلم الامتلاك و سهولة كل شيء فيتم تخليق ما اسماه جرامشي الحس العام حيث يؤمن الناس بافكار تتناقض مع مصالحهم الطبقية بل و يدافعون عنها و هم لا علاقة لهم بها. و هكذا نرى حمى الشراء و حمى الماركات و حمى الاقتناء وتصبح القيمة الاساسية للانسان هي في ملبسه او سيارته الخ...و تظهر اشياء مثل ضغوط الصحبة حيث يضطر الشباب مثلا لمسايرة الشلة و يؤدي هذا لضغوط مادية عامة و من ثم انحراف و فساد الخ و القصص في هذا الصدد لا تنتهي
(20)يمكن هنا ان نتذكر بوضوح خطاب لينين البسيط الى الفلاحين الاوكران الفقراء
و ايضا كتابه الشهير الى الفلاحين الفقراء
(21)لا تعليق الا سبحان من له الدوام
(22)هنا نضرب امثلة من البنوك التي انهارت فجأة مثل ليمان و من الدول التي افلست كايسلندا والمجر و غيرهما و الشركات الصناعية الكبرى التي انهارت مثل ديناصورات السيارات الامريكية

هذا هو الجزء الثاني من المقال و سيتبعه الجزء الثالث قريبا ان شاء الله
التعليقات و الاحالات مهمة لمن يريد رؤية الصورة العامة بشكل اكثر وضوحا و اقل اعتاما
خالص التحيات
اسامة
يونيو 2009

Article 15

$
0
0










الجزء الثالث

اوباما والازمة الرأسمالية

مدخل


يعتبر برنارد مادوفرمزا حقيقيالجو الاقتصاد العالمي في فترة الانتعاش السالفة او الفقاعة المالية. وهو يذكرني كثيرا بفيلم اشاعة حب لفطين عبد الوهاب (1)وخاصة بالمشهدين التاليين





حيث النصب على عينك يا تاجر و المنصوب عليهم يتوسلون للنصاب كي ينصب عليهم و كما قال لي يوما احد النصابين فافضل من تنصب عليهم هم افراد اسرتك لانهم لن يقدمون شكوى ضدك الى الشرطة و ايضا لانهم مستعدون للنصب بمعنى انهم يثقون فيك و هكذا كان حال برني مادوف الذي نصب اساسا على اليهود واسرائيل و كل من هم من اقاربه ثم اعتذر لهم قائلا
"آسف يا جماعة اصل النصب في دمي" مش بالذمة شيك!!!و على بياض كمان

في هذا الجزء يقدم بتراس ادلة رقمية واحصائية على رؤيته للازمة وايضا يطرح رؤية يشاركه فيها الكثيرين من المحللين والاقتصاديين من مختلف المدارس(2) حول دور اوباما و حكومته...اتصور ان اوباما سيكون جورباتشوف الولايات المتحدة الامريكية وهو ما ساحاول ان اناقشه في تعليقي على الجزء الثالث....قد يرى البعض ان كلامي هذا سابق لاوانه وان الاقتصاد الامريكي يتعافى الخ و قد سمعت وقرأت مؤخرا كلاما كثيرا عن انتعاش الاقتصاد الامريكي و ما شابه.. او ما يسميه برنانكي و اتباعه النبتات الخضراء...يكفي للمرء قراءة مقالات بول كريج روبرتسو مايك ويتني و مايكل هدسون و غيرهم (3)ليدرك مدى انهيار الاقتصاد الامريكي وبشكل في تقديري لا رجعة فيه. البنوك ماتزال تحت الخط الاحمر و كل الانتعاش المالي المزعوم يحدث في البورصة بشكل صوري وماتزال موجودة على حالها تلك الاصول المسمومة او المشمومة بتعبير السائقين و ميكانيكية السيارات و ايضا ثقة المستهلك تتناقص باستمرار ناهيك عن وصول عدد المتعطلين و اشباه المتعطلين الى ما يقارب 30مليون عامل(4)بما يعادل حوالي خمس قوة العمل وهو شيء رهيب و لا علاج له
يمكن ايضا رؤية ما يحدث في هندوراسو تخبط الادارة الامريكية وعدم قدرتها لا على معاقبة الانقلاب ولا على تأييده(5)كدليل على مدى انهيار الادارة الامريكية و عدم قدرتها على الفعل ناهيك عن افغانستان و هجمات طالبان و العراق الخ(6) وكل هذه دلائل واضحة لمن يريد ان يرى و يعرف ان اوباما بمحاولاته الفاشلة لتجميل الصورة و تعديل المسار مصيره الفشل الذريع(7) وهو ما اكده العديد من الباحثين.
المشكلة في تقديري هي سيطرة الخبراء المزعومين و خطابهم الانتحاري(8) المليء بالكليشيهات و المكرر و هو طبعا دفاعا عن مصالحهم وهيمنتهم الفكرية و الثقافية
هل يتغير الحال مع ما يحدث؟؟؟ علم ذلك عند الله ولكن قديما قالوا دوام الحال من المحال

الجزء الثالث
اوباما و الازمة الرأسمالية محاولة لتحليل طبقي

في عام 2009يمكننا ان نرى مؤشرات الكساد المتزايد العميق في كل مكان
زادت نسبة الافلاس بمقدار 14%في عام 2008 و يعتقد المحللون الماليون انها سترتفع الى 20% في 2009(جريدة الفاينانشيال تايمز عدد 25 فبراير 2009 ص 27)
و قد وصل رقم مديونية البنوك الغربية الى مايزيد على ترليون دولار و هو في تزايد مستمر (معهد التمويل الدولي ، المجموعات البنكية و جماعات الضغط التابعة لها في واشنطن(فاينانشيال تايمز 10 مارس 2009 ص 9))
و وفقا للفاينانشيال تايمز في المصدر السابق تصل الخسائر الناجمة عن اعادة تقدير الاستثمارات البنكية و تخفيض قيمتها(9)إلى القيمة السوقية الفعلية الى 3 ترليون دولار وهو ما يعادل الانتاج البريطاني بالكامل لمدة عام!!!! و في نفس التقرير يقتطف الكاتب من بنك التنمية الاسيوي قوله ان الاصول المالية في جميع انحاء العالم قد انخفطت بما يزيد على 50 تريليون دولار وهو ما يعادل الانتاج العالمي بالكامل لمدة عام. و ستصيصل عجز الموازنة الامريكية عام 2009 الى ما يعادل 12.3% من حجم الناتج القومي الاجمالي وهو عجز مالي عملاق بكل المقاييس وسيؤدي لامحالة الى تدمير الاستثمارات العامة
و قد شهد السوق المالي العالمي انهيارا رهيبا وكأنه يسقط بشكل عمودي في هوة سحيقة وهاكم بعض المؤشرات
تراجع مؤشر(10)توبيكس
(TOPIX)
من 1800 في منتصف عام 2007 الى 700 في بداية عام2009
تراجع ستاندر وبور(11) من 1380 في بداية 2008 الى اقل من 700 في 2009
(S&P)

تراجع فتسي100 (12)من 6600 الى 3600 في بداية 2009
(FTSE100)
تراجع هانج سنج (13)من 32000 في بداية 2008 الى 13000 في بداية 2009

(فاينانشيال تايمز 25 فبراير 2009 ص27)
و في الربع الرابع من عام 2008 انخفض الناتج المحلي الاجمالي في كوريا الجنوبية بنسبة 20.8% و في اليابان بنسبة 12.7% و في المانيا بنسبة 8.2% و في المملكة المتحدة بنسبة2.9% وفي الولايات المتحدة بنسبة 3.8% (الفاينانشيال تايمز 25 فبراير 2009 ص9)
و انخفض متوسط داو جونز من 14164 (14)في اكتوبر 2007 الى 6500 في مارس 2009
و يقدر الانخفاض السنوي في الناتج الصناعي في اليابان بنسبة 21 % و في كوريا الجنوبية بنسبة 19% و في المانيا بنسبة 12% و في الولايات المتحدة بنسبة 10% و في المملكة المتحدة بنسبة 9%(الفاينانشيال تايمز 25 فبراير 2009 ص 9)
و يعتقد ان التدفق الاستثماري لرأس المال من الدول الامبريالية الى الدول النامية سينخفض بنسبة قد تصل الى 82% و ان تدفق القروض و الاعتمادات سينخفض بما يقدر بحوالي 30 بليون دولار(المرجع السابق )
وقد تقلص الاقتصاد الامريكي في الشهور الثلاثة الاخيرة من عام 2008 بمقدار 6.2% و انخفض ايضا في الربع الاول من عام 2009 نتيجة للانخفاض الحاد في الصادرات(23.6%) و تقلص انفاق المستهلكين بنسبة 4.3% في الربع الاخير من عام 2008(هيئة الاذاعة البريطانية 27 فبراير 2009)
و مع تزايد معدلات البطالة و فقدان 600الف عامل لوظائفهم شهريا في الشهور الثلاثة الاولى من عام 2009 (15) و تزايد عدد الذين يعملون لبعض الوقت و غير المسجلين فقد تصل البطالة الحقيقية والمقنعة الى نسبة 25% بنهاية العام
و تشير كل العلامات الى ركود وكساد متزايد عميق طويل المدى
انخفضت مبيعات السيارات من جنرال موتورز و كرايزلر و فورد بنسبة تقارب 50% بين عامي 2007 و 2008 و شهد الربع الاول من 2009 انخفاضا جديدا بنسبة 50% ايضا(16)
و تكاد الاسواق العالمية تموت مع انتشار الكساد والركود الاقتصاديين بمعدلات متزايدة ومتسارعة(17)
و قد انخفضت مبيعات السلك المعمرة في الولايات المتحدة بنسبة 22% (هيئة الاذاعة البريطانية 27 فبراير 2009)
وقد انخفض معدل الاستثمار العقاري بنسبة 23.6% و معدل الاستثمار الصناعي و في مجالات الخدمات بنسبة 19.1% و يقود الانخفاض انخفاضا قياسيا في مجال الآلات و السوفتوير وصل الى 27.8% .
المحرك الاساسي لموجة الكساد الحالية هو عدم الاستثمار من قبل الرأسمال الخاص. وكل المؤشرات الاقتصادية الاخرى من قبيل ارتفاع معدلات الافلاس و انخفاصضالاستثمارات و ازدياد الجرد الرأسمالي و عدم القدرة على سداد الرهن العقاري و من ثم الطرد والاخلاء و انعدام السيولة البنكية و عدم تغطية الخسائر المتراكمة و ازدياد الاصول المسمومة و انخفاض الاقراض و الاعتماد و انخفاض قيمة الاصول و انخفاض قيمة البيوت بنسبة 20% بما يزيد على 3 تريليون دولار هي اسباب ونتائج الكساد. ونتيجة لانهيار القطاعات الصناعية و التعدينية و العقارية و التجارية على مستوى العالم فثمة مالا يقل عن 2.2 تريليون دولار امريكي من الاصول المسمومة اي غير القابلة للتسييل في كل بنوك العالم و هو ما يتجاوز بكثير القيمة المقدمة من البيت الابيض في اكتوبر 2008 للحل المالي والتي تكررت في فبراير ومارس 2009
يقلل الكساد العالمي من التواجد الاقتصادي الامبريالي و يدمر الاستراتيجيات الممولة من الخارج التي تستهدف التصدير و التي طبقت بناءا على اوامر البنك الدولي في امريكا اللاتينية و اوروبا الشرقية و آسيا و افريقيا(18)
ثمة ايمان راسخ لا يتزعزع عند الاقتصاديين التقليديين و الخبراء الماليين والمستشارين المتخصصين انه على المدى الطويل ستنتعش الاسواق المالية و سينتهي الركود و سترجع الحكومة عن التدخل في الاقتصاد. ولان هؤلاء المحللين مثبتون على مقولات اقتصادية صماء و يرون الامور من منظور الماضي نراهم قد فقدوا القدرة على رؤية الواقع الآني تحت ارجلهم والذي ليس له مثيل من قبل. الكساد الاقتصادي الحالي له طبيعة عالمية و الانهيار حدث بشكل سريع لم يثبق له مثيل والاهم هو مستوى التدخل الحكومي و كم الدين الذين ستتحمله الحكومات لمساعدة البنوك المفلسة والصناعات المتعثرة و الذي سيؤدي الى اعثار اجيال متلاحقة مقبلة(19)
و يختار انبياء الاكاديمية المبشرون بالتنمية طويلة الامد مؤشرات من الماضي بشكل عشوائي و كل تلك المؤشرات قد طورت في سياق اقتصادي سياسي يختلف اختلافا بينا عن الظروف التي نحياها اليوم(20). و كل اللغو الذي يتفوه به الاقتصاديين عن ما بعد الازمة وتجاوز الازمة يتغاضى تماما عن المؤشرات الواقعية المتغيرة ابدا و ايضا لا يرى او يتجاهل طبيعة الازمة المفتوحة التي لا تشبع و التي تميز هذا الكساد الحالي و من ثم يتغاضى عن المؤشرات الحقيقية للازمة. وكما لاحظ احد المحللين "اي بدايات نختارها لتقديم بيانات تاريخية لا يمكن على الاطلاق ان تماثل البدايات في اي نقطة اخرى لان الظروف السابقة على تلك البدايات فيمختلفة متماما في الحالتين"(الفاينانشيال تايمز 26 فبراير 2009 ص 24) يحدث الركود الاقتصادي الحالي في الولايات المتحدة في ظل اقتصاد غير تصنيعي و في ظل افلاس النسق المالي و انهياره و في ظل عجز مالي قياسي غير مسبوق و في ظل تجاوز الدين الخارجي لاكثر من عدة تريليونات من الدولارات و في ظل انفاق عسكري يتجاوز 800 بليون دولار مخصص لحروب مستمرة و احتلال عسكري لا ينتهي. وكل هذه المتغيرات تتجاوز تماما كل السياقات السابقة التي احاطات بازمات الكساد السابقة. و الواقع الحالي للبنية الاقتصادية للدول الرأسمالية هو ان الدولة قد نهبت نهبا غير مسبوق كل الممتلكات العامة و الخزانة الممولة من اموال دافعي الضرائب من اجل ان تنقذ بنوكا مفلسة و مصانع منهارة .و تضمن هذا النهب تحويلا لم يسبق له مثيل من اموال العمال و اصحاب الاجور الثابتة من دافعي الضرائب و المنتجين الى جيوب المبتزين آكلي السحت غير المنتجين و الى جيوب مجموعة من الرأسماليين الفاشلين. وقد ادى معدل ومستوى انخفاض المدخرات وتآكلها في مجالات المعاشات و الصحة و المدخرات الفردية الى انخفاض غير مسبوق ومتسارع في مستويات المعيشة و افقار جماعي لم يحدث من قبل في تاريخ الولايات المتحدة.
و لم يحدث من قبل فى تاريخ الرأسمالية ان ظهرت ازمة اقتصادية عميقة بدون وجود بديل اشتراكي حركي او حزبي او دولتي يمكنه ان يقدم نموذجا بديلا. ولم يحدث من قبل في التاريخ ان كانت الدول والانظمة خاضعة خضوعا تاما للطبقة الرأسمالية و خاصة في مجال توزيع الموارد العامة . ولم يحدث من قبل في تاريخ كساد اقتصادي ان انفقت الحكومات اموالا جمة بهذا القدر وتوجه فقط لتعويض طبقة رأسمالية فاشلة و ترمى الفتات للعمال واصحاب الاجور الثابتة.
و تعكس سياسات اوباما الاقتصادية و ايضا الاشخاص الذين عينهم لتسنم المراكز الحساسة في حكومته التحكم الكامل للطبقة الرأسمالية في الانفاق الحكومي و التخطيط الاقتصادي.
ان البرنامج الذي طرحته حكومة اوباما وغيرها من الدول الغربية والرأسمالية لا يرى حتى القواعد البنيوية لهذا الكساد.
اولا خصص اوباما تريليون دولار لشراء اصولا بنكية لا قيمة لها و قدم اكثر من 40% من خطته الحفزية المقدرة بمبلغ 787بليون دولار لبنوك مفلسة و تخفيضات ضرائبية بدلا من تقديمها للقطاع الانتاجي كل هذا من اجل انقاذ حملة الاسهم والسندات بينما يصل عدد العمال الذين يفقدون وظائفهم شهريا الى ما يقارب 600 الف عامل.
ثانيا حول نظام اوباما اكثر من 800 بليون دولار لتمويل حروب في العراق و افغانستان لاجل المحافظة على فكرة بناء الامبراطورية عسكريا.(21) و هذا يمثل تحويلا للاموال العامة من القطاع المدني الى القطاع العسكري مما يجبر عشرات الالوف من الشباب العاطل الباحث عن العمل على الانضمام للجيش(بوستون جلوب 1مارس 2009).
ثالثا قدمت اللجنة التي شكلها اوباما لطرح رؤية لاعادة هيكلة صناعة السيارات الامريكية و فحواها ما يلي:اغلاق العديد من المصانع و الغاء خطط التأمين الصحي للمتقاعدين و اجبار عشرات الالوف من العمال على قبول تخفيضات وحشية في معاشات الموظفين و تأميناتهم الصحية. يقع عبء اعادة صناعة السيات المملوكة بالكامل للقطاع الخاص على عاتق العمال المأجورين و المتقاعدين ودافع الضرائب الامريكي. تتلخص كل استراتيجية اوباما الاقتصادية في عبارة واحدة انقاذ حاملي الاسهم والسندات ومنع انهيار البورصة ويتأتى هذا عبر ضخ تريليونات الدولارات في المؤسسات المالية الفاشلة المفلسة و شراء ديونها الملتهبة و اصولها التي لاقيمة لها. و وفي نفس الوقت يتحاشى نظام اوباما اي استثمار حكومي مباشر في المشروعات الاستثمارية الانتاجية المملوكة للقطاع العام وهو ما كان يمكن ان يوفر عملا لعشرة ملايين عامل متعطل. وبينما تخصص ميزانية اوباما اكثر من 40% للانفاق العسكري و دفع الديون الخاصة بالمؤسسات المالية يفقد واحد من بين كل 10 امريكيين منزله او منزلها و يتزايد عدد المواطنين الامريكيين العاطلين ليصل الى نسبة مئوية غير مسبوقة من رقمين و يتزايد عدد المواطنين الامريكيين الذي يعيشون على طوابع الطعام(22) ليصل الى ملايين يعتمدون على هذه الطوابع لتوفير احتياجاتهم الغذائية الاساسية طوال 2009.
يخصص برنامج اوباما لخلق الوظائف بلايين الدولارات للمؤسسات الخاصة العاملة في البناء و الاتصالات و البيئة و الطاقة حيث يتدفق الجزء الاساس من هذا الدعم الى جيوب القيادات الادارية و يوفر ربحا لحاملي الاسهم بينما لا يصل الى العمال الا فتات الفتات. و الاهم ان الجزء الاساس من العمال العاطلين عن العمل في قطاعي التصنيع و الخدمات لا علاقة لهم البتة بالقطاعات التي تتلقى الدعم المخصص لخلق الوظائف ومكافحة البطالة. وايضا لن يخصص الا جزء ضئيل من حملة التحفيز المزمعة لعام 2009. وهدفه وتأثيره سيكون الحفاظ على مستوى معيشة ودخل الطبقة الحاكمة سواء من الرأسمالية المالية او الصناعية و تأجيل انهيارها الذي حان وقته منذ امد بعيد. و ستؤدي حملة التحفيز هذه الى زيادة الفوارق الاقتصادية الاجتماعية بين الطبقات الحاكمة و العمال المأجورين والموظفين. فبينما نجد ان الضرائب المفروضة على الاغنياء تدرجية نجد ان الديون الباهظة الناتجة عن عجز الموازنة مفروضة على دافعي الضرائب من العمال و الموظفين و لاجيال عدة قادمة.
وقد تبنى اوباما بكل سرور استراتيجية بناء الامبراطورية بالقوة العسكرية وحتى في اطار عجز الموازنة غير المسبوق و اثناء ركود وكساد اقتصادي متزايد ليصل الى حالة من العسكرة لا مثيل لها في التاريخ الحديث.و بالرغم من كل وعوده الجوفاء التي قالت بعكس هذا تماما فقد تجاوزت ميزانية العسكرة لعام 2009 /2010 ميزانية حكومة بوش بما لايقل عن 4% و سيزداد عدد القوات الامريكية بمقدار عدة مئات من الالوف. سيظل عدد القوات الامريكية تقريبا كما هو في العراق و ستزداد القوات الامريكية في افغانستان بضع عشرة الف مقاتل .وهذا على الاقل في عام 2009 بالرغم من الوعود السابقة على الانتخابات التي كانت تقول عكس هذا. وقد تضاعفت الهجمات الجوية والا رضية الامريكية في الباكستان بشكل متوالية هندسية. و لنلاحظ ان القيادات التي اختارها اوباما لقيادة سياسته الخارجية في وزارة الخارجية و وزارة الدفاع(البنتاجون) و وزارة الخزانة و مجلس الامن القومي و خاصة فيما يتعلق بمنطقة الشرق الاوسط كلهم من دعاة العسكرة صهيونيي الميول ذوي التاريخ الطويل في الترويج للحرب ضد ايران و لهم علاقات قوية مع القيادات العسكرية الاسرائيلية.
باختصار يمكننا التأكد من اولويات حكومة اوباما من خلال المخصصات المالية و الموارد البشرية والمادية التي يخصصها للحرب و من ثم يمكننا تقييم اتجاهات الحكومة عبر تقدير اي الطبقات ربحت وايها خسر؟؟؟
تؤكد سياسات حكومة اوباما انه ملتزم تماما بانقاذ الطبقة الرأسمالية والامبراطورية الامريكية. ولتحقيق هذا هو مستعد للتضحية بالاحتياجات الاساسية الضرورية العاجلة و المصالح المستقبلية للطبقات العاملة الامريكية و اصحاب المنازل الذين تأثروا تأثرا مباشرا بالكساد الاقتصادي المحلي . لقد زاد اوباما من انشطة بناء الامبراطورية عسكريا و قوى من مواقع دعاة الحرب من محبي اسرائيل في مختلف ادارات حكومته. و سياسة الانعاش الاقتصادي التي يدعيها اوباما لا تستقيم مع استراتيجيات التصعيد العسكري التي يتبعها فعليا فحتى لو كان للاولى اثر فان تكلفة الثانية تأكله بل و تخلف هوة واسعة في اي جهد مبذول لمحاولة مقاومة انهيار الخدمات الاجتماعية و ازدياد الطرد من المنازل نتيجة عدم القدرة على السداد و افلاس الاعمال و طرد العمال بالجملة.
لا يتحول النقل المستمر من الاموال العامة الى جيوب الطبقة الحاكمة عبر حكومة اوباما الى زظائف و قروض و خدمات اجتماعية. ومحاولة تحويل البنوك المفلسة الفاشلة الى مؤسسات اقراض ناجحة تحقق ارباحا هي بلاهة منقطعة النظير. والمعضلة الاساسية التي تواجه حكومة اوباما هي كيف يخلق ظروفا لاستعادة الربحية في قطاع المال المنهار في الاقتصاد الامريكي حاليا(26).
و ثمة عدة من المشاكل الرئيسية تواجه هذه الاستراتيجية:
اولا انهارت البنية الاقتصادية التي كانت تنتج الارباح و تولد عمالة و تزيد النمو.لم تعد موجودة لقد تفككت اولا مع تحويل مسار رأس المال التصنيعي الى الخارج و من ثم تحويله الى رأسمال مالي و ادوات مالية و غيرها من القطاعات الاقتصادية غير المنتجة.
ثانيا تؤدي سياسات التحفيز التي ينتهجها اوباما و بدء في تنفيذها الى زيادة احكام قبضة القطاع المالي على الاقتصاد عبر تحويل موارد مالية ضخمة الى هذا القطاع بدلا من اعادة التوازن للاقتصاد عبر تمويل القطاع الانتاجي. و حتى في اطار القطاع الانتاجي
توجه موارد الدولة الى دعم النخبة الرأسمالية و التي اظهرت عدم قدرتها على خلق العمالة المستديمة ولا على المنافسة على مستوى العالم ولا على تقديم الابتكار الذي يشد المستهلك و يزيد من رغبته في الاستهلاك.
ثالثا تبعثر ستراتيجية اوباما التي تهدف الى انعاش الاقتصاد من اعلى الى اسفل الاموال على دعم الرأسماليين الفاشلين بدلا من رفع مستوى دخل الطبقة العاملة عبر مضاعفة الحد الادنى للاجور و زيادة تعويضات البطالة ، وتلك هي الطريقة الواقعية لزيادة الطلب و حث الاقتصاد والمساعدة على انتعاشه.و بالنظر الى انحدار مستوى المعيشة الناجم عن التحلل الحادث على المستوى المحلي و زيادة الانفاق العسكري لدفع ستراتيجية بناء الامبراطورية عسكريا وكل منهما من الاسس الرئيسة للدولة ففي اعتقادي لا توجد ادنى فرصة لاحداث التغيير البنيوي المطلوب الذي يمكنه عكس السياسات التي تنتهجها حكومة اوباما و المؤدية لمزيد من الانهيار.
لا يكمن الخروج من الركود الاقتصادي في طبع بلايين الدولارات فهذا سيوفر فقط ظروفا لحدوث تضخم مفرط و خفض قيمة الدولار. السبب الاساس هو فرط تراكم رأس المال الناتج عن الافراط في استغلال العمل. مما يؤدي الى ازدياد معدلات الربح و انهيار الطلب. و الهوة الضخمة التي حدثت بين فرط تمدد الرأسمال و انخفاض الاستهلاك من قبل العمال هي ما مهد الطريق الى انفجار الفقاعة المالية. و تعني اعادة التوازن للاقتصاد خلق الطلب (وليس من خلال قطاع خاص صناعي متهالك تماما او بنوك مفلسة ونسق مالي منهار) ولكن عبر تدخل مباشر للدولة وتأميم للمصانع المفلسة و استثمار طويل الامد وضخم في انتاج السلع والخدمات. لقد تضخمت البنية الفوقية عديمة الانتاجية القائمة على المضاربة ووصلت الى ان تكون هولة فظيعة عبد التغذي على القيمة المضافة الناتجة من العمل المأجور و طرحت الهولة نفسها في شكل ادوات ورقية لا علاقة لها البتة باي قيمة استعمالية حقيقية. لابد من القضاء تماما على هذا الاقتصاد الورقي غير الحقيقي لاجل تحرير القوى الانتاجية من الكوابح و المشاكل التي يسببها الرأسماليون الفاشلون و اتباعهم من المطبلين لهم. و لابد من ايجاد برنامج اعادة تأهيل ضخم لتدريب السماسرة و العاملين في البورصات واسواق الاوراق المالية على اعمال مفيدة منتجة. و من اجل اعادة بناء السوق المحلي وانعاشه و من اجل تعزيز القدرة على الابتاكار لدفع عجلة الاقتصاد لابد من انهاء الامبراطورية التوسعية تماما. لابد من اغلاق القواعد العسكرية الباهظة التكاليف وغير المنتجة و هي اساس بناء الامبراطورية عسكريا و لابد ان يحل محلها شبكة علاقات تجارية واسعة تعمل على فتح اسواق و خلق تعاملات اقتصادية مثمرة ترتبط بالانتاج و بالعاملين في مصانعهم المحلية. لعكس حالة التعفن الناشبة اظافرها في جسد الاقتصاد. لابد من انهاء الامبراطورية و بناء جمهورية ديمقراطية اشتراكية. و من اهم الاسس التي يجب ان بنبني عليها انهاء الامبراطورية الغاء كل التحالفات السياسية مع القوى العسكرية الخارجية و خاصة دولة اسرائيل والقضاء تماما على كل العاملين في خدمتها في الحكومة الامريكية و مؤسسات الدولة و الذين يعوقون كل الجهود التي يبذلها المواطنون الامريكيون لبناء مجتمع ديمقراطي يخدم مصالح الشعب الامريكي.

خاتمة:
تحول المقال لكتاب صدر مؤخرا. و اتصور ان الاطروحة المقدمة هنا تستحق النظر و الاستفادة منها. سواء على مستوى اعتبار الاسباب او على مستوى الحل المطروح المبني منطقيا على الاسباب المقدمة للازمة. اتصور ايضا انه على الرغم من ان الدراسة تقدم رأيا مختلفا عما هو سائد حاليا الا انها مدعومة بادلة امبريقية و منطقية وتقدم تحليلا رصينا لما يحدث. كونها ضد التيار لا يعيبها ، و في اعتقادي ان الخطاب الانتحاري بكافة تفرعاته و اشكاله وصوره المعتمد اساسا على الكلام المكرر والكليشيهات والقوالب الجامدة و الشعارات المفرغة و الرافض للمنطق والتحليل هو الخطاب السائد في مختلف انحاء العالم اليوم وبالتأكيد مع زيادة مفرطة في وجوده في المنطقة العربية. رفض الكليشيهات و محاولة التحليل المبني على وقائع ومعطيات امبريقية محددة هو في تقديري اول خطوات تقديم الخطاب البنائي الجديد.
_____________________________________________
الهوامش
(1)خارج موضوع المقال ...انا اعتبر فطين عبد الوهاب من اهم مخرجي العالم و ليس السنيما المصرية فقط و بالنسبة لفيلم اشاعة حب فهو في تقديري الشخصي من اجمل الافلام الكوميديا في تاريخ السنيما قاطبة ..كل الممثلين كانوا فوق الامتياز!!!
يوسف وهبي حين
يقلد نفسه في تراجيدياته الشهيرة على المسرح في المشهد الموجود هنا . مشهد عبقري حق. تأطير فكرة الكوميديا في اعلى درجاتها حين تتحول الذات الى نموذج للسخرية منه وهي نفس الفكرة التي لعب عليها الكوميديانات الامريكيون اليهود في الستينات وخاصة وودي آلان و مل بروكس و جين وايلدر. السخرية من الذات و من السينما وتراثها ايضا . يذكرني الفيلم بفيلمين بصرف النظر عن ان الفكرة مقتبسة. الفيلم الاول هو هلزابوبنمن اخراج هنري بوتر و الثاني هو باي باي بيرديو هو من اخراج جورج سيدني و تشبه مقدمته مقدمة فطين التليفونية الجميلة. اعتقد ان قيمة السنيما على السنيما اساسا هي انها تذكر كل محب للسنيما او سنيفيل بتراث متكامل و تستدعي له ذكريات ولحظات مرئية جميلة
(2) يمكننا ان نذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر البروفسورجون بيلامي فوستر
تحليلات بيلامي فوستر مهمة ومبنية على نظريات وافكار المفكرين الماركسيين الكبيرين بول باران وبول سويزي صاحبا الكتاب الهام جدا رأس المال الاحتكاري
(3) هنا يمكننا مراجعة مقالات كثيرة في كاونتربنشو منثلي ريفيووانترناشونال سوشياليست و ربليون وغيرها من المواقع ذات الطابع الماركسي . حيث نجد تحليلا مختلفا عن الافكار النفسمالية التي تعزو الازمة لطمع ذا او جشع ذاك او خراب ذمة ثالث. ولا تحاول البحث في الطابع البنيوي العميق للازمة و الكامن في بنية انظام الرأسمالي في ذاته
(4) يراجع هنا مقالة مايكل ويتني نبتات خضراء ام ارض محروقة؟؟؟
(5) يراجع في هذا الصدد المدونة الهامةالتي تكتبها مناضلة من هندوراس عن تطورات الاحداث هناك وتقدم تحليلا رائعا للاخبار بالانجليزية مع توثيق دقيق لكل معلومة. مثال رائع على الميديا الجديدة حين تستخدم بشكل جاد
(6) هنا يمكن الاشارة الى مقال هام جدالجيمس بتراس على موقعه الرسمي .ايضا مقال هام جدافي سوشياليست ووركر. كذلك هناك العديد من الاخبار عن قضية بلاك ووتر و تورط صاحبها اريك برينس في الاغتيالات والتعذيبعلى ياهوو غيره من المواقع الاخبارية
(7) يراجع هنا مقال رالف نادر عن فشل اوباما على جبهات عدة في كاونتربانش
(8) اتصور ان مجموعة مقالاتالخطاب الانتحاري قد تفد هنا في تذكيرنا بملامح هذا الخطاب ووسائل استخدامه و تأثيراته
(9) يراجع مقال مايك ويتني السابق لفهم فكرة التلاعب بالارقام و الاحصائيات لاعطاء فكرة عن كيفية عمل الخبراء المزعومين وهنا ايضا تجدر الاشارة الى دراسة سابقة قدمتها في موسوعة فقه التحيز عن فكرة خدعة الرقم و سحره الذي يتوسل به المدلسون لاعطاء ما يسمى بصورة واقعية عملا بمقولة ان الارقام لا تكذب وهي فعلا لا تكذب ولكن تتجمل!!! للاسف الكثير من المحللين لا يدركون هذا و قد قدم استاذي الفاضل المرحوم الاستاذ الدكتور عبد الوهاب المسيري تحليلا مستفيضا لهذا الموضوع في كتابه الهام هجرة اليهود السوفييتالصادر عن دار الهلال المصرية1990
(10) التوبيكس هو مؤشر البورصة اليابانية
(11) ستاندارد آند بور مؤشر مالي للبورصة الامريكية تابع لشركة ماكجرو هيل الامريكية ومقرها روكفلر سنتر بنيويورك
(12) الفتسي او الفوتسي كما يدعى تدليلا هو مؤشر مالي لقياس قوة الشركات البريطانية
(13) هانج سنج هو مؤشر هونج كونج المالي ويعطي مؤشرا ايضا على الاقتصاد الصيني
(14)حتى مع الارتفاع الاخير في اسعار الاسهم فلم تصل البورضات العالمية بعد الى مستويات مقبولة و ماتزال متراجعة بشكل ضخم. والاهم هو ان هذه الارتفاعات تمثل فقط عملية الاحياء الناجمة عن ضخ الاموال في القطاع المالي اي انها غير حقيقية كما اوضح الكثير من المحللين
(15) يراجع ايضا مقال مايكل ويتني السابق الذي يقدم تحليلا هاما للارقام المتعلقة بالبطالة و كذلك لفكرة انتعاش البورصة المتوهم
(16)هنا يمكن طبعا ان نذكر افلاس الشركات الديناصورية تلك وما ترتب عليه من فقدان الآف من العمال لوظائفهم
(17) هنا يجدر بنا ان نشير الى حالة كرواتيا . حيث ترتفع الاسعار بمعدلات متزايدة و قامت الحكومة بزيادة الضرائب على المبيعات الى 23% و ايضا فرضت ضريبة جديدة على المرتبات و المعاشات و مايزال الاقتصاد بالطبع في تدهور مستمر
(18) ادت سياسات اعادة الهيكلة او التحرر الاقتصادي لتي انتهجتها دول عديدة في افريقيا وآسيا و امريكا اللاتينية الى خراب رهيب و انهيار كارثي و كل هذا بفضل مشورة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وخبرائه المزعومين. نذكر هنا على سبيل المثال فقط الارجنتين وافلاسها وانهيارها الكامل عام 2002 و ايضا حاليا ايسلندا التي صارت دولة تحت مستوى الفقر
(19) تراجع في هذا الصدد مقالا بول كريج روبرتس حول عجز الموازنة الامريكية وسياسة طبع الدولارات التيتنتهجها الحكومة اعتمادا على فكرة البلطجة وفرض الدولار كعملة عالمية بالقوة
(20) هنا نجد مثالا هاما في اخبار الياهو المستمرة عن تجاوز الازمة وبرنانكي باعتباره الرجل الذي انقذ الاقتصاد و ايضا وهو الامر المضحك حقا الاخبار التي يذيعها التلفزيون الكرواتي عن تجاوز الازمة في الوقت الذي تتدهور فيه مستويات المعيشة بشكل غير مسبوق
السؤال حقا: هي الناس دي فاكرانا معيز ولا ايه؟؟؟
(21) ويراجع في هذا الصدد بتراسومقالاته عن طرق واستراتيجيات بناء الامبراطورية
(22) طوابع الطعام هي وسيلة لمساعدة المحتاجين في الولايات المتحدة الامريكية عن طريق تقديم كوبونات يحق لهم بموجبها الحصول على الطعام وهي من فئات دولار و خمسة وعشرة دولارات و تقدم عن طريق وزارة الزراعة الامريكية

Article 14

$
0
0
الولايات المتحدة و الصين
طرف يخسر والآخر يربح
بقلم جيمس بتراس
ترجمة وتقديم وتعليق د.اسامة القفاش


مدخل:
يقول ابو الفتح البستيحكيم زمانه الشاعر الكاتب الاديب
زيادة المرء في دنياه نقصان وربحه غير محض الخير خسران
ويقولابو البقاء الرنديحكيم الاندلس
لكل شيء إذا ماتم نقصان فلا يغر بطيب العيش انسان
هي الامور كما شاهدتها دولا من سره زمن ساءته ازمان


وكما قال المثل الشعبي المصري لو دامت لغيرك ماكانتش وصلت لك
وهي الحكمة التي وضعهاجيبونالمؤرخ الكبير في كتابهسقوط وانهيار الامبراطورية الرومانيةوصاغها الفيلسوف اوزوالد شبنجلر في كتاباته. ودي حال الدنيا...... والله اعلم

في هذا المقال المهم في تقديري يحاول بتراس استخدام المنهج الانثروبولوجي للتحليل المتعمق للحالة وهي هنا عدد واحد من جريدة الفاينانشيال تايمز الشهيرة . بالاضافة لمنهج تحليل النص او استنطاقه حيث يقوم بوضع المعلومة المستقاة من المقال / النص المراد تحليله في اطار سياقي لتقديم صورة نماذجية قادرة على تفسير العالم بشكل افضل. هذه الصورة النماذجية تلتزم بتحيزات بتراس الاساسية او نموذجه المعرفي الاصلي
هنا نجده يستخدم نموذج كيفية بناء الامبراطوريات الذي طرحه من قبل مرارا و تكرارا لتوضيح المكاسب والخسائر الناجمة عن كل من السياستين و عندما يتحدث عن الحل فهو يطرح الحل الاشتراكي كبديل لعمليات الترقيع و كعلامة على نموذج افلاس الرأسمالية الذي يتبناه
و لتوضيح نموذجه و اعطائه قدرة اكبر على التفسير نجده يلجأ لاتخاذ مصدرية محددة هي معلومات مستقاة من اكبر جرائد عالم المال والاعمال الذي يقف بتراس على النقيض منه تماما لكن المصدرية الحقيقية لابد ان تعتمد على معلومات و ووقائع موثقة ويعتد بها وهو درس في تقديري شديد الاهمية
اعتقد ان اهمية المقال القيم لا تكمن فقط في محتواه المهم والعميق و المفيد و الذي يوضح الصورة العالمية بمنظور محدد وجديد ولكن ايضا في بنيته الصارمة و منهجيته المحددة في التعامل مع الوقائع
والله اعلم.

مقدمة

تتنافس الرأسمالية الاسيوية وبالتحديد الصين وكوريا الجنوبية مع الولايات العالم من اجل السيطرة على الاسواق العالمية. و تلتزم القوى الاسيوية العالمية بسياسة النمو الاقتصادي الدينامي بينما تنهج الولايات المتحدة ستراتيجية بناء الامبراطورية بالقوة العسكرية

قراءة في عدد وحيد من الفاينانشيال تايمز
يتضح لنا من مجرد القراءة السر يعة لعدد وحيد (28ديسمبر 2009)من الفاينانشيال تايمز ان ثمة استراتيجيات متعارضة لبناء الامبراطوريات. فعلى الصفحة الاولى نجد المقال الرئيس عن الولايات المتحدة وسياسة توسيع رقعة النزاعات العسكرية التي تنخرط فيها تحت مسمى الحرب على الارهاب والمقال بعنوان"اوباما يطلب مراجعة قوائم الارهاب" وبالمقابل سنجد مقالين عن الصين في الصفحة الاولى. و يتكلم الاول عن اطلاق الصين لخدمة قطار الركاب الاسرع في العالم و يتحدث الثاني عن قرار الصين استمرار ربط عملتها(1)بالدولار لان هذا الربط من آليات تنشيط قطاع التصدير المنتعش في الصين. وبينما يركز انتباه الولايات المتحدة على فتح جبهة جديدة في اليمن في حربه ضد الارهاب (بعد العراق و افغانستان و باكستان) تخبرنا الفاينانشيال تايمز على نفس الصفحة ان كونسورسيوم من كوريا الجنوبية قد فاز بعقد قيمته 20.4 بليون دولار لتطوير وبناء محطات طاقة نووية لاغراض مدنية في الامارات العربية المتحدة و تفوقت في هذا الصدد على منافسة قوية من اوروبا و الولايات المتحدة.وعلى الصفحة الثانية سنجدمقالة مطولة عن انظمة السكك الحديدية في الصين وتفوقها على خدمة السكك الحديدية في الولايات المتحدة: يقطع قطار الركاب السريع المتطور مسافة 1100كم بين مدينيتن كبيرتين في اقل من 3 ساعات بينما يستغرق قطار الامتراك الامريكي السريع 3ساعات ونصف ليقطع مسافة 300كم بين بوسطن ونيويورك.وبينما تتفاقم متاعب نظام السكك الحديدية في الولايات المتحدة ويتدهور حال السكك الحديدية بسبب نقص الاستثمارات و انعدام الصيانة. نجد الصين تنفق 17بليون دولار لبناء خطها السريع. وتخطط الصين لبناء 18000كم من الخطوط الجديدة لخدمة قطارها الاسرع بحلول عام 2012 في المقابل نجد الولايات المتحدة تنفق مقدار مماثل لتميل التصعيد العسكري في افغانستان و باكستان وكذلك لفتح جبهة جديدة في اليمن.تبني الصين نسق نقل يربط بين المنتجين و سوق العمل في المقاطعات الداخلية و بين المراكز التصنيعية الكبرى على الساحل بينما نجد على الصفحة الرابعة مقالا يصف التزام الولايات المتحدة بسياسة مواجهة الاسلاميين و التهديد الاسلامي في اطار استراتيجية الحرب على الارهاب التي لا تنتهي. تحولت بلايين الدولارات من اموال دافعي الضرائب الى السياسة العسكرية التي استهدفت شن الحروب على الدول المسلمة و احتلالها وبدون ادنى فائدة للولايات المتحدة(2) بينما تسعى الصين حثيثا لتطوير اقتصادها المدني(3). وبينما يدعم البيت الابيض والكونجرس سياسات دولة اسرائيل الاستعمارية العسكرية(4)التي لاتمثل شيئا يذكر سواء كسوق او كمصدر للمواد الخام مما يؤدي الى تغريب 1.5بليون مسلم وجرح مشاعرهم(الفاينانشيال تايمز ص7) ينمو الناتج القومي الاحجمالي الصيني 10اضعاف على مدى 26سنة(الفاينانشيال تايمز ص26) وبينما تخصص الولايات المتحدة 1.4تريليون دولار لوولستريت والمؤسسة العسكرية،مما يفاقم من العجز في الموازنة و يضاعف البطالة و يستحضر الكساد والركود(الفاينانشيال تايمز ص12) تطلق الحكومة الصينية حملة تحفيز اقتصادية(5)تستهدف التصنيع المحلي و قطاعات التشييد والتعمير مما يؤدي الى نمو ايجابي مقداره 8% في الناتج القومي الاجمالي و انخفاض واضح في البطالة و يؤدي بالتبعية الى حفز الاقتصاديات المرتبطة بالصين في امريكا اللاتينية وآسيا و افريقيا (نفس الصفحة).و بينما تنفق الولايات المتحدة الاموال والموارد الافراد من اجل الانتخابات الصورية في الدول العميلة في العراق وافغانستان و تشارك
في مفاوضات لا طائل من ورائها فيما بين شريكتها العدوانية المتصلبة المدللة اسرائي وعميلها الفلسطيني العقيم نجد ان الحكومة الكورية تدعم كونسورسيوم برئاسة مؤسسة الطاقة الكهربية الكورية لينجح في الفوز بصفقة بقيمة 20.4مليون دولار لبناء محطة نووية في الامارات مما يفتح الطريق لعقود اكبر في المنطقة. (الفاينانشيال تايمزص13).
و بينما تنفق الولايات المتحدة 60بليون دولار على الشرطة الداخلية و مراقبة المواطنين و تضاعف عدد مؤسسات الامن الداخلي العاملة في الولايات المتحدة بحثا عن ارهابيين مزعومين ، نجد ان الصين تستثمر 25 بليون دولار لدعم علاقتها في مجال الطاقة مع روسيا(فاينانشيال تايمز ص3).
و تعكس القصة التي تحكيها لنا القراءة السريعة لعدد وحيد من الفاينانشيال تايمز واقعا اعمق وتوضح الانقسام العميق الحادث في العالم اليوم. ستصل الدول الاسيوية بزعامة الصين الى مرتبة القوى الاقتصادية العظمى في العالم على اساس من استثماراتها الهائلة داخليا وخارجيا في مجالات التصنيع و النقل و التقنية و التعدين و معالجة المواد الخام . في المقابل نجد ان الولايات المتحدة هي قوة عالمية متراجعة وفي انهيار مجتمعي مستمر نجم عن سياستها الخرقاء التي تستهدف بناء الامبراطورية عبر القوة العسكرية و اقتصادها المتمحور حول القطاع المالي و المضاربة بشكل اساسي:
أ- تبحث واشنطن عن عملاء محليين صغار في آسيا بينما تعمل بكين على توسيع نطاق اتفاقيتها الكبرى مع القوى الاقتصادية العظمى مثل روسيا و اليابان و كوريا الجنوبية و غيرها
ب- تستنزف واشنطن مواردها المحلية و تخرب اقتصادها لاجل تمويل حروب عبر البحار . بينما تقوم بكين بتمويل عمليات تعدين وتصنيع موارد معدنية و بحث عن الطاقة لتوسيع نطاق سوق العمل المحلي و زيادة قدراتها التصنيعية
ج- تستثمر الولايات المتحدة في التقنية العسكرية التي تستهدف الثوار المحليين الذين يقاومون الانظمة العميلة للولايات المتحدة و تستثمر الصين يف التقنية المدنية لزيادة قدرة صادراتها التنافسية
د- بدأت الصين في اعادة هيكلة اقتصادها من اجل تنمية الجزء الداخلي من البلاد و هي تخصص الكثير من الموارد والانفاق الاجتماعي لمواجهة مشاكلها الكبيرة فيما يخص الفوارق الهائلة في الدخول و تفشي عدم المساواة بينما تقوم الولايات المتحدة بالاستثمار المهول في القطاع المالي الطفيلي من اجل انقاذه بالرغم من انه قد خرب الصناعات الامريكية (عبر تخريب الاصول عن طريق الدمج و الاستحواذ(و لاهم له الا المضاربة على المبتكرات المالية بدون تأثير حقيقي على العمالة و الانتاجية و التنافسية.
ه-
تتزايد حروب الولايات المتحدة وقواتها العسكرية في الشرق الاوسط(6) و جنوب آسيا(7) و القرن الافريقي (8)والكاريبي (9)في الوقت الذي تقدم فيه الصين استثمارات وقروض ميسرة تربو على 25 بليون دولار لاجل بناء البنية التحتية و استخلاص المعادن و انتاج الطاقة و بناء مصانع تجميع في افريقيا و شتى بقاع الارض.
و- توقع الصين اتفاقات تجارية مع ايران و فنزويلا و البرازيل و الارجنتين و شيلي والبيرو و بوليفيا لتضمن الحصول على الطاقة و المعادن والمواد الخام الزراعية الستراتيجية بينما تقدم امريكا 6بليون دولار الى كولومبيا (10)كمعونة عسكرية و تحصل على 7 قواعد عسكرية هناك من الرئيس اوريبا لاجل تهديد فنزويلا و تدعم انقلابا عسكريا في دولة هندوراس الصغيرة و تدين البرازيل و بوليفيا لانهما تعملان على تنويع علاقاتهما الاقتصادية و زيادة الروابط مع ايران.
ز- تزيد الصين من علاقاتها الاقتصادية مع اقتصاديات دول امريكا اللاتينية الدينامية و التي تضم اكثر من 80%من سكان المنطقة بينما تشارك الصين نظام الحكم الفاشل في المكسيك (11)الذي يحمل بجدارة لقب اسوء اداء اقتصادي في العالم الغربي و الذي تربطه علاقات قوية مع عصابات تجارة المخدرات المتغلغلة في جهاز الدولة.
استنتاج بديهي:
ليست الصين دولة رأسمالية استثنائية. فالعمال مستغلون في ظل رأسمالية الدولة الصينية ، و الفروق في الثروة و مستويات المعيشة رهيبة، ويتم طرد الفلاحين من اراضيهم لافساح المجال لمشروعات السدود العملاقة و الشركات الصينية تستخلص المواد المعدنية و غيرها من الموارد الطبيعية في العالم الثالث(12). بيد ان الصين خلقت ملايين الوظائف و قللت من الفقرعندها بمعدلات متسارعة لم تحدث من قبل في تاريخ العالم. وتقوم البنوك والمصارف الصينية اساسا بتمويل الانتاجو الاستثمارات الانتاجية. و لا تغزو الصين وتقصف وتدمر البلاد الاخرى. في المقابل ارتبطت الرأسمالية الامريكية ارتباطا وثيقا بآلة عسكرية جهنمية تمتص رحيق الحياة من الاقتصاد المحلي و تخفض من مستويات المعيشة لاجل تمويل حروبها الخارجية التي لاتنتهي. وقد خرب قطاع النار (13)الاقتصاد الانتاجي طالبا الربح من خلال المضاربة و الواردات الرخيصة. تستثمر الصين في البلاد البترولية الغنية و الولايات المتحدة تهاجم هذه البلاد. و تبيع الصين اطباقا و اواع ليحتفل الافغان باعراسهم بينما تقصف الطائرات الامريكية بدون طيار هذه الاحتفالات. تستثمر الصين في الصناعات الاستخراجية(14)لكن على العكس من المستعمرين الاوروبيين السابقين فهي تبني السكك الحديدية و تشق الطرق و تعمر الموانيء و المطارات و توفر قروضا ميسرة للدول التي تتعامل معها.ولا تمول الصين صراعات عرقية مسلحة ولا تمردات ملونة مثلما تفعل المخابرات المركزية. وتمول الصين نموها الاقتصادي تمويلا ذاتيا و ايضا تفعل نفس الشيء لتمويل وتطوير تجارتها الخارجية و نظام النقل والمواصلات عندها وفي نفس الوقت تغرق الولايات المتحدة تحت وظأة دين خارجي وداخلي يتجاوز عدة تريليونات من الدولارات وذلك لاجل تمويل حروبها التي لا تنتهي و انقاذ مصارف وبنوك وولستريت المفلسة التي انهكت وخربت الاقتصاد وتفعل هذا بينما تزداد نسبة البطالة و يفقد الملايين من العمال وظائفهم.
ستنمو الصين وتمارس قوتها عبر السوق و ستنخرط الولايات المتحدة في مزيد من الحروب في طريقها للخراب و التعفن الداخلي. و يرتبط نمو الصين المتنوع بالعديد من الشركاء الاقتصاديين الديناميين بينما ترتبط العسكرية الامريكية بدول المخدرات و امراء الحرب و مقاولي الانفار في جمهوريات الموز(15) و الاسوء من بين هؤلاء الشركاء هو النظام العنصري في اسرائيل.
تداعب الصين احلام المستهلكين في كل العالم بينكما تخلق الولايات المتحدة الارهابيين يف كل انحاء العالم ايضا
قد تحدث ازمات اقتصادية في الصين ولا نستبعد حدوث اضطرابات وتمردات عمالية لكنها تمتلك الموارد الاقتصادية القادرة على معالجة واحتواء هذه المشاكل. بينما الولايات المتحدة تعاني اليوم من ازمة و ربما يحدث بها تمردات داخلية ايضا لكنها انهكت امكانياتها على الاقتراض و نقلت كل مصانعها للخارج و كل قواعدها العسكرية في محختلف بقاع المعمورة هي اهداف و معرضة للخطر و لا تمثل موارد و اساس اقتصادي.لا توجد بالولايات المتحدة مصانع تكفي لاعادة تشغيل عمالها اليائسين وقد نرى في القريب العاجل العمال يحتلون المصانع الفارغة و يعلنون العصيان المدني(16).
لكي نعود دولة حقيقية عادية علينا ان نبدء من جديد فنغلق كل البنوك الاستثمارية و القواعد الاستعمارية و نعود الى امريكا. علينا ان نبدء المسيرة الطويلة نحو اعادة بناء
صناعتنا لتلبية احتياجاتنا المحلية و العيش في اطار بيئتنا المحلية. و نتخلى عن بناء الامبراطورية في سبيل بناء جمهورية ديمقراطية اشتراكية.
متى يكون بوسعنا ان نفتح الفاينانشيال تايمز او غيرها من الصحف اليويمية لنقرء عن قطار سريع يربط الساحل الشرقي بالغربي ويقطع المسافة بين نيويورك و بوسطن في اقل من ساعة؟؟متى تمون مصانعنا محلات المنتجات طويلة العمر؟ متى سنبدء في بناء مولدات الطاقة الهوائية والشمسية و الطاقة الناتجة من المحيط؟ متى سنتخلى عن قواعدنا العسكرية الخارجية و
نترك امراء الحرب ومهربي المخدراتوالارهابيين يواجهون عدالة شعوبهم؟؟؟
هل سنقرء هذا يوما ما في الفاينانشيال تايمز؟؟؟
لقد بدء الامر في الصين
بثورة
بتراس
يناير 2010


تعليق المترجم
هل يمكن الكلام هنا عن تغير جديد في مركز الثقل العالمي يشهده العالم بعد نقطة تمفصل اساسية هي انهيار الايديولوجية اللبرالية الجديدة؟؟؟وفشل سياسات اعادة الهيكلة و التركيز على الرأسمال المالي في اخراج الراسمالية من ازمتها المزمنة و حل مشكلتها الاساسية التي رآها كينز و شومبيتر و غيرهما من الاقتصاديين الكلاسيكيين ناهيك عن ماركس ومدرسته الا وهي مشكلة انخفاض الربحية و تراكم فائض القيمة و عدم القدرة على تدويره اي الركود؟؟؟؟
stagnation
إذا امكن القول وفقا لسمير امين في كتابه الهام المتوسط في النظام العالمي (1988)ان العالم قد شهد انتقالا لمكز الثقل الاستعماري من شرق الاطلسي الى غربه بعد الحربين العالميتين فهل يمكننا الآن ان نقول ان العالم يشهد انتقالا مماثلا من غرب الاطلسي الى شرق الهادي؟؟؟؟
السؤال في تقديري هو لماذا الصين؟؟؟
لمحاولة الاجابة على هذا السؤال اتصور انه يجب علينا الرجوع الى فترة الستينات و السبعينات
فمع تفاقم الازمة الامبريالية وتصاعد حرب فيتنام حدث خلل كبير في التوازن الرأسمالي العالمي ادى بشكل ما الى نمو قطاع الصادرات والتصنيع الياباني و الالماني بسبب اعتماد الامبريالية الامريكية على الدولتين كمورد لها لتقصير خطوط امداد حروبها الفاشلة في الهند الصينية
امتصت الولايات المتحدة الازمة عبر اجراءات مالية في عهد نيكسون و ايضا عبر الانسحاب من الهند الصينية بعد ان حولتها الى ارض محروقة.
و عندما عادت الازمة للظهور مرة اخرى في الثمانينات جاءت حرب الخليج الثانية او حرب تحرير الكويت لتساعد امريكا على التخلص من منافسيها الرأسماليين اي اليابان و المانيا و تمتص الاحتياطي عندهما و معهما ايضا اموال الدول النفطية
اتى العقد الاخير من القرن العشرين ليشهداستمرار السياسات المالية التي مثلت حلا سحريا يؤجل الازمة و يجدد شباب الرأسمال المالي باستمرار عبر القروض والتمويل العقاري و المضاربات و استمرار سياسة نقل المصانع بحثا عن الايدي العاملة الرخيصة لتوفير نفقات الانتاج ومثلت الصين بديلا مقبولا فهي شبه متخلفة و يمكن الضغط عليها سياسيا و ايضا من الممكن الاستمرار في سياسة التهديد العسكري و بناء و توسيع الامبراطورية عبر القوة العسكرية بدون مزاحمة منها.
لكن الصين على ما يبدو تعلمت من دروس الماضي سواء من الاستعمار القديم الكولونيالي الاوروبي او من دروس منافسة القوة العظمى على المستوى الاقتصادي مثلما حدث مع اليابان والمانيا
لذا عندما عادت الازمة مرة اخرى مع انفجار الفقاعات العقارية و انهيار النظام المالي لم يتأثر الاقتصاد الصيني كثيرا وعاود الصعود مرة اخرى.
لذا اتصور ان السؤال الذي افتتحنا به هذه الخاتمة مازال قائما
هل نشهد انتقالا جديدا لمركز الثقل ؟؟؟
الله اعلم.

ملاحظات
1-عملة الصين اليوان وقد رفضت الحكومة الصينية مؤخرا رفع قيمتها و كان هذا اثناء زيارة اوباما للصين
2-بالطبع هناك مستفيد من هذه الحالة او كما قال تشومسكي في اكثر من عمل له ان سياسة كل الحكومات الامريكية هي زيادة افقار الفقراء و زيادة اثراء الاثرياء. والمستفيد هنا هو شركات السلاح والتقنيات الفائقة و البنوك اي الشريحة المتحكمة في الرأسمالية الامريكية و التي تساهم بالقدر الاكبر في تمويل الحملات الانتخابية على كل المستويات
المقصود هنا هو ان هذه السياسات لا تفيد الاقتصاد الامريكي ككل ولا المجتمع الامريكي ككل.
3-ممكن جدا ان نذكر هنا السودان كمثال حاضر في الاذهان وقريب من القلب . حيث قامت الصين باقراض السودان وانعاش الاقتصاد السوداني في مقابل استغلال الحقول النفطية وتطوير مشروعات الري والاستصلاح هناك
4-تقوم اسرائيل بدورها كدولة وظيفية لحماية المصالح الامريكية الاستراتيجية في المنطقة لكن هذا لا يمنع من وجود تناقضات ثانوية قد تزيد فيما بين الدولة الوظيفية وبين الدولة الراعية وهذايعود اساسا الى التناقض الكامن في مفهوم الدولة الوظيفية على المستوى البنيوي
بمعنى ان الدولة كمفهوم تعني وجود مجتمع و مصالح و طبقات اي تعني وجود تناقضات بينما الوظيفة تعني بشكل ما نوع من التجانس و الدور
5-انجزت الصين عملية الخروج من الازمة التي ضربت العالم بدءا من 2007 عبر الاستثمار في البنية التحتية وتوسيع نطاق استثماراتها في المواد الخام والصناعات التعدينية في مختلف انحاء العالم
6-الاشارة الى فلسطين والعراق وجنوب لبنان والحرب المزمعة ضد ايران
7-هنا الاشارة الى باكستان وافغانستان
8-الصومال و اثيوبيا واريتريا و كينيا
9-هندوراس و هاييتي وغيرهما
10- لدعم الحرب التي يشنها اوريبا ضد الفارك وايضا لتهديد فنزويلاوالاكوادورالتي اغلقت القاعدة الامريكية
11-تعتبر المكسيك افشل الدول على المستوى الاقتصادي في نصف الكرة الارضية الغربي
ممكن في هذا الصدد مراجعة مقالات جون روس في كاونتربانش
12-تعلم الصينيون الدرس من الاستعمار البريطاني والهولندي الذي كان استعمارا بغرض النهب ولم يكن الغرض الاساسي منه هو الاستيطان على عكس الاستعمار الفرنسي
جمعت الصين بين محاسن السياستين اي الارتباط بالدولة المستعمرة عبر القروض و المصالح و ايضا تعمير البنية التحتية و زيادتها من اجل تسهيل التصدير و ربط الدواخل بالموانيء
13-الاسم الذي يطلق على قطاع استثمارالمال و التأمين و العقارات وهو اختصار للاحرف الاولىبالانجليزية
F I R E
التي تعني نار كما نعرف و المعنى الكامن هنا هو ان هذا القطاع يحرق الاقتصاد الحقيقي
14- نظرية فائض القيمة العالمية كما طورها الان كريبو و سمير امين و العديد من منظري التبعية و التي تعني تصدير المواد الخام و استيراد المواد المصنعة
15-جمهوريات الموز هي جمهوريات امريكا الوسطى والكاريبي و ترجع التسمية لكونها كانت تعد مزرعة لشركة الفواكه المتحدة من اجل زراعة الموز من اشهر تلك الجمهوريات جواتيمالا وهندوراس و السلفادور
16- ربما يعتقد البعض ان هذا امر مستبعد لكن الدلائل الكثيرة سواء المستمدة من تاريخ الحركة العمالية الامريكية قبل تدجينها و الحالية تؤكد امكانية حدوث العصيان المدني وعلى مستوى واسع
و احداث الستينات ليست ببعيدة

Article 13

$
0
0
المؤتمر العام لنصرة القدس كوالامبور -ماليزيا

يناير 20 /21



انعقد في كوالامبور عاصمة ماليزيا في 20 و 21 يناير عام 2010 الجمع التأسيسي للمؤتمر العام لنصرة القدس و المعروف اختصارا باسم نصرة. وحيث انني كنت ممن تشرفوا بحضور المؤتمر والمشاركة في اعماله ، وشرفت بان اكون مقررا للجنة الاعلام فيه فيسعدني ان اضع وثائق المؤتمر تحت تصرف الباحثين و كل زوار مدونة مقالات اسامة القفاش

المؤتمر ثمرة مجهود ضخم استمر عبر اجيال وهو نتيجة تواصل الكفاح الشعبي الفلسطيني المستمر و الذي هو في الاساس رافد هام من روافد كفاح الشعب العربي لتحقيق تمام تحرره الوطني

اسامة القفاش
زغرب 16فبراير 2010

THE GENERAL CONGRESS FOR THE SUPPORT OF AL QUDS

Basic Law

The participants in the Founding General Assembly of “The General Congress for the

Support of AL QUDS,” delegates of its preparatory committees and Advisory Board,

representatives of trade and professional unions, Arab and Muslim communities,

associations and organizations which support Al Quds Al-Sharif and the struggle of the

Arab Palestinian people to achieve their legitimate and just rights and accomplish the

national liberation of Palestine, meeting in the city of Kuala Lumpur from 20 - 21 January,

2010;

Believing in their duty to support and liberate AL QUDS, and rescue Al-Aqsa Mosque,

against the dangers of Zionism and the racist violations of the Zionist occupation in

Palestine; as well as their duty to defend the sanctities and holy places, and the Christian

and Islamic waqfs in AL QUDS, against the “Israeli” efforts to change the character of the city

of AL QUDS, the city of prophets, peace be upon them, since the birth of Jesus Christ

who lived in it, and Night Journey of the Prophet Muhammad, (peace be upon him) the last

of all prophets and messengers, to holy mosque of Al-Aqsa, from which he ascended to

Heaven. The city of AL QUDS has been consequently, associated with the tolerant

message of monotheism: "THE APOSTLE, and the believers with him, believe in what has

been bestowed upon him from on high by his Sustainer: they all believe in God, and His

angles, and His revelations, and His apostles, making no distinction between any of His

apostles; and they say: We have heard, and we pay heed, Grant us Thy forgiveness, O

our Sustainer, for with Thee is all journeys’ end". The Holy Qur’an, Al-Baqarah surah,

verse 285;

Believing and committed to the support of the struggle of the Arab people in Palestine for

their national liberation and to achieve their legitimate sovereignty over the city of AL

QUDS and establish their homeland in Palestine;

Committed to AL QUDS as the capital of the spiritual and monotheistic heritage of all

humankind, and a symbol of religious tolerance and religious fraternity, and an exemplar

for the respect of religious sanctities without violation or prejudice;

Convinced that all believers must have the right to practice their religion freely, without

violation of any legitimate and confirmed religious rights;

Thus announce the establishment of “The General Congress for the Support of AL QUDS”

and adhere to this Basic Law with its following articles:

Part I: Charter

Article I: Name: "The General Congress for the Support of AL QUDS" (Hereinafter The

Congress).

Article II: Objectives: The objectives of The Congress are as follows:

1 – Ensuring the sanctity of AL QUDS and Al-Aqsa Mosque, all the holy sites and all the

Islamic and Christian waqfs in Palestine; ensuring freedom of worship and religious

practice to all believers of revealed religions; and explaining the scope, contents and the

2

legitimacy of the religious rights of Muslims and Christians in AL QUDS to the international

public opinion.

2 - Guaranteeing the inalienable national rights of the Arab people in Palestine, their return

to their homeland, Palestine, and enabling them to exercise fully all their human, religious

and cultural rights in their homeland Palestine with AL QUDS as its capital; and

confronting Zionism and exposing the falsehood of its claims, its racist settlement policies,

and the criminal acts of the Zionist occupation forces in Palestine to the international public

opinion.

3 - Enhancing and promoting peace based on the realization of the values of justice, right,

cooperation, the common good, and mutual understanding between people in order to

achieve dignity and reject transgression, aggression and corruption.

The reference to all these goals hereinafter will be "The support of AL QUDS ".

Article III: Work Methods: To achieve its objectives, The Congress will adopt the

following methods:

1 - Adoption of open and resourceful means and frameworks, that credibly reflect the true

aspirations of the ummah stances towards the developments relating to the support of AL

QUDS and their real values to achieve the objectives of this Basic Law and to enhance its

working methodology and means of implementation.

2 – Mobilizing of the non-governmental efforts and resources in the Islamic world and the

Diaspora, and activating them economically, politically, and on the media level in order to

face the challenges of Zionism and its policies of hegemony and international oppression

which threaten the ummah's legitimate and just rights in AL QUDS and Palestine.

3 – Integrating between the civil and governmental potentials and resources, in order to

build strong forces for moral pressure and groups in support of Al-Quds among

international decision-making countries and centers; and coordinating them with forces of

the free world of all religions and backgrounds, and with advocators of peace based on

justice in Palestine and AL QUDS and those who are committed to the protection of its

holy places and its Islamic and Christian waqfs and those who will defend the sanctity of

the Arab Palestinian people and their legitimate, just and inalienable rights.

4 - (To functionalize all this): The Support of AL QUDS assumes effective and efficient

practices of various forms and methods of ethical, moral and media work, based on truth

and justice, at both the diplomatic and civil levels for the support of AL QUDS, and the

establishment of peace based on justice and fairness in AL QUDS as the capital of

Palestine.

Part II: Membership and Structures

Chapter I: Membership of The Congress

Article IV: All participants in the Founding General Assembly are considered members of

The Congress, subject to all the rules and regulations of membership set for the different

types (Active, advisory, honorary, and supportive) in the first ordinary general assembly.

Article V: Membership of The Congress is either:

A - Active Membership: Constitutes of the members of the local nusrah committees in

every country that The Congress is located. These (Nusrah Committees) consist of:

1. Representatives of trade-unions and professional unions, bodies representing the

Muslim and Arab communities, and organizations that support Al-Quds and the

Arab Palestinian people's struggle for its just and legitimate rights.

3

2. Representatives of The Congress’ Friends' societies in various districts,

provinces and regions.

B - Consultative Membership: includes members of the Advisory Board of The

Congress.

C - Honorary Membership: It consists of individuals who provided services to the

cause, aims and work of The Congress.

D - Supportive Membership: This includes the trade-unions and professional unions,

bodies representing the Muslim and Arab communities, and the organizations in

support of Al-Quds Al-Sharif and the Arab Palestinian people's struggle, which concur

with the objectives of The Congress, but does not engage in the framework of the local

Nusrah Committees.

Article VI: Written requests for membership must be addressed to The Congress’

General Secretariat through one of its members in the different regions. In countries

that are not represented in the Secretariat, requests for membership must be submitted

to the Secretary-General directly and, as an exception, to the coordinators of the local

preparatory committees in the interim period between the Founding General Assembly

and the first Ordinary General Assembly. These requests must be settled within three

months. A “Not Rejected” reply within this period means an approval to join. The

refused requests have the right to take the matter to the next general assembly, whose

decision is final in this regard.

Article VII: Membership Fees:

a. Membership fees are paid by the active members. Fees paid by other members are

considered donations.

b. Membership fees vary, according to the different categories of members as follows:

I. Active members representing trade and professional unions: what equals 100

euros per year

II. Active members representing The Congress friends: what equals 10 euros per

year.

c. Each member of The Congress’ Friends pays what equals 1 euro to engage in a

group in the city or village.

Article VIII: Membership Terms:

- Members should agree and abide by the principles, objectives and methodology of

work contained in the documents and the regulations of The Congress.

- Active members must pay their annual membership fees when due.

Article IX: Membership shall be forfeited when:

1) abusing The Congress, or violating its objectives and methodology of work

contained in this organizational chart.

2) not paying membership fees for three consecutive years. Membership is suspended

once the annual fees are unpaid.

3) a written request is sent by the member or the association to the Secretary-General

to suspend his membership.

4

Article X: Members can reject the Secretariat's decision to suspend their membership,

and protest against the decision to the next assembly general, whose decision is final

in this regard.

Chapter II: Congress’ Finance

Article XI: The financial resources of The Congress are:

1 - Membership fees.

2 – Waqfs, contributions, donations, aid, grants, and bequests, to be given for

purposes that are compatible with the purposes and regulations of The Congress. This

must not have a negative impact on the performance of its functions. If the majority of

the Secretariat members refuse to accept a donation, they need to justify their decision

to the next general assembly.

Article XII: The financial resources of The Congress are put in its bank account.

Article XIII: The Secretariat mandates a certified legal accountant to audit the accounts

of The Congress.

Article XIV: The General Secretariat drafts the rules and regulations concerning the

financial management of The Congress, methods, mechanisms and deadlines for

payment of membership fees. It also controls the revenues and expenses of The

Congress. These rules and regulations must be ratified by the general assembly.

Chapter III: Structures of The Congress

Article XV: “The General Congress for the Support of Al Quds” consists of the

following structures:

1 – The General Assembly.

2 – The General Secretariat.

3 - The Executive Office.

4 - The Advisory Board.

5 – Local Nusrah Committees.

Article XVI: General Assembly:

1 –The General Assembly is the highest authority in The Congress. It convenes

regularly once every three years. The period between two regular general assemblies

is referred to as "cycle".

2 – A General Assembly may convene for an extra-ordinary session once or more

whenever called for by the majority of the General Secretariat or the Executive office

members, to deliberate a specific issue.

3 - Continental meetings may be held with more than one specific geographical area to

discuss issues concerning the General Assembly program of work. These meetings are

not entitled to engage in regulatory issues (amendment of the Basic Law and its

regulations, nomination and election of the General Secretariat ... etc.).

4 – The General Assembly is headed by the President of the Advisory Board, who

appoints two assistants and a rapporteur from among the present members.

5

5 - The General Assembly is open to all members of The Congress without distinction,

according to the rules of representation which will be set in detail in the bylaw of The

Congress.

6 – The General Assembly shall discuss all the general and financial reports and work

programs that are submitted by the General Secretary. It will also take decisions

pertaining to regulatory issues.

7 - The General Assembly shall elects independently: the President, the Deputy, and

Vice-Presidents of the Advisory Board; and the Secretary-General of The Congress,

members of its General Secretariat. Members of the General Secretariat are elected in

accordance with the following geographical distribution:

a - The Arab Region (Palestine, the Arabian Peninsula, Iraq and Great Syria, the

Nile Valley, and Arab North Africa): 5 members.

b - The African Region (Eastern and Central Africa, West and South Africa): 2

members.

c - West Asia (Iran, Turkey and the Republics of Central Asia): 2 members.

W - South Asia (Pakistan, India, Bangladesh, Sri Lanka ..): 3 members.

d - South-East Asia (Indonesia, Malaysia, China, Australia ...): 2 members.

e - North and Central Europe (Germany, Scandinavia, Central and Eastern Europe):

2 members.

f - South and West Europe (Britain and Southern Europe): 2 members.

g - North America Region (United States and Canada): 2 members.

h - Central and South America (Latin America): 1 member.

8 – The Founding General Secretariat elects members of the General Secretariat only

for geographic areas whose representatives were able to attend. The election of the

representatives of the remaining areas will be, exceptionally, left to the General

Secretariat (by the majority of its members) according to the progress of the formation

of local Nusrah committees in these areas. The General Assembly then will elect in its

first ordinary session all the members of the General Secretariat.

9 - In case of a vacancy in the General Secretariat of one or more seats in a specific

geographical region, either because of lack of representation in the General Assembly,

or due to death, incapacity, resignation or expulsion of these members, the Secretary-

General shall nominate an other representative for that geographical region and the

General Secretariat shall endorse the appointment to follow up the execution of the

area work and programs. The new member for the vacant seat must be elected in the

coming ordinary or special session of the General Assembly.

10 - The right to run for the General Secretariat is limited to active members. Members

of the Advisory Board may share in the election of the General Secretariat, while the

remaining members (Honorary and Supporters) may participate in all phases of the

General Assembly deliberations and voting. But they are not allowed to nominate or

vote in the General Secretariat election.

Article XVII: The General Secretariat:

1 - Is the organ entrusted with supervision and implementation of The Congress’ Plan

of Action and achieving its objectives

2 - An Executive Office and an Administrative Office stem out of the General

Secretariat. Both bodies are involved in the regular operation of The Congress.

3 - The Executive Office assists the Secretary-General in matters of normal functioning

of The Congress.

6

4 - The Administrative Office which is formed of eight members and chaired by the

Secretary-General is entrusted with the tasks related to the following domains and/ or

affairs: Solidarity, Right of Return, the media, international organizations,

communication and follow-up, financial, legal, planning and studies.

5 - The General Secretariat meets regularly, once a year. It may hold extra-ordinary

sessions when called for by the Secretary-General or one third of its members to

discuss a specific issue.

6 – The General Secretariat adopts its decisions by the majority of its attendants,

unless indicated otherwise.

7 - The General Secretariat in its first meeting will elect a deputy Secretary-General,

who will carry out his duties in cases of death or disability. He will also perform all

duties that may be assigned or delegated to him by the Secretary-General.

8 - Members of the General Secretariat will follow-up and supervise the operations of

the offices of Nusrah Committees and their implementation of the programs and tasks

undertaken in their districts.

9 – The Secretary-General: undertakes the following tasks:

A – Represents The Congress in the various official bodies, and may delegate

someone to do so.

B – Heads the General Secretariat, manages and organizes its work and appoints

the staff of the Administrative Office, as well as the employees and volunteers who

assist the General Secretariat in implementing the tasks entrusted to them.

C – Co-ordinates between the Nusrah committees, and their programs and

activities, in order to achieve the goals and decisions of The Congress. To this end,

he appoints and follows up the coordinators of the preparatory committees in the

different countries and supervises the formation of the local Nusrah committees.

D – Signs contracts and commitments of The Congress. He also signs and

authorizes the invoices for emergency assignments, and those related to the daily

management of The Congress’ agencies. He may delegate some of these tasks to

the Finance Director.

C – Submits an annual report on the progress of The Congress to the General

Secretariat, as well as the general and financial reports to the regular meeting of the

General Assembly.

10 – The Administrative Office: helps the Secretary-General in his duties, particularly

in the tasks related to the following domains and/ or affairs:

A - Media: the scope for implementing The Congress policy, resolutions and

recommendations of both the General Assembly and the General Secretariat in this

field.

B - Solidarity: The programs and projects proposed by the General Secretariat, and

bodies represented in The Congress, in support of the Palestinian people and its

economy which resists the Zionist occupation and its policies to change the character

of AL QUDS and Palestine. These programs will be implemented in the areas where

the Arab Palestinian people live, whether in Palestine or in the Diaspora, and must be

monitored by the concerned official and civil authorities.

C – The Return: Helping to enable the Arabs of Palestine to fully exercise their

inalienable right of return to their homeland, enjoying full civil, national, cultural and

religious rights.

D - International Organizations: Communicating with International Organizations.

E - Planning and Studies: Planning and research activities of the General

Secretariat.

7

F - Finance: In charge of collecting membership fees, donations and grants, as well

as monitoring expenditure, controlling the budgets of The Congress, bookkeeping,

accounting, and management of interior financial affairs.

G - Communication and Coordination: Communicating with, and coordinating

between the various support committees, as well as communicating with the different

bodies and agencies, whose work and objectives are compatible with the objectives

and activities of The Congress.

H - Legal: Concerned with the legal aspects of The Congress, particularly those

related to the documentation of land, real estate, the Arab Palestinian property in AL

QUDS and the rest of Palestine, as well as the jurist activities and events and those

related to the international law.

Article XVIII: Executive Office:

1 - Its members are elected among members of the General Secretariat and by them,

to follow up daily issues and supervision of the work of The Congress.

2 – The Executive Office, in addition to the Secretary-General and the Deputy of the

Advisory Board, consists of representatives of geographical regions, according to the

following distribution:

- Palestine: one member.

- Arab Region: one member.

- Asia: Two members.

- South and west Asia: one member.

- Sub-Saharan Africa: one member.

- Europe: one member.

- North and South America: one member.

3 - The Bureau shall meet once a year to discuss the activities of The Congress and

the local Nusrah committees and take its decisions and recommendations thereon.

Most of its members, the representatives of contiguous geographical regions, may

convene more than once a year by the invitation of the Secretary-General to discuss

specific issues.

Article XIX: Advisory Board:

1 - Consists of people known for their high credibility, integrity and moral stature, and is

referred to as “The Board".

2 – The Board includes members of the advisory board of the Founding General

Assembly and members of the "Founding Committee", who contributed and shared the

idea of The Congress from the beginning.

3 - The General Assembly shall elect the President, Vice-Presidents, and the Deputy of

the Board to follow-up the activities of its members for The Congress. The President

and the Deputy shall coordinate with the Secretary-General. An office for the board

shall also be appointed.

4 – The President of the Board or the Secretary-General may add new members

according to the above criteria, to be authenticated by the majority of the members of

the Executive Office Secretariat.

5 - The office of the Board will schedule the activities it intends to carry out, and

determine the appropriate frequency of its meetings.

6 - The Board is authorized to:

- Give opinion and advice, collectively or individually, which would help to achieve

the objectives of The Congress and the implementation of its resolutions. The board

will also give their views on the issues submitted to them by the General

Secretariat.

8

- Form a moral and advisory reference to the local Nusrah committees and local

committees which are Friendly to The Congress, to encourage them and incite them

to execute activities that will help in achieving the objectives of The Congress.

Article XX: Nusrah Committees:

1 – The Nusrah committees are the framework within which civil events and activities are

organized in accordance with the objectives of The Congress. The Nusrah committees will

follow up the implementation of the resolutions of the General Assembly in their areas, in

coordination with the General Secretariat.

2 - The Nusrah committees are formed wherever non-governmental committees which

advocate The Congress goals and methodology. Attention should be given to seek the

widest possible representation of civil bodies and associations of all sectors and

backgrounds to achieve efficiency and success in their activities and to enable them to

perform their tasks in full.

3 - The Nusrah committees in each country/state will organize local and regional

committees depending on the circumstances of each. They must take into account the

gradual formation of the committees starting from local villages to neighborhoods up to the

larger cities, regions and finally the formation of national supporting Committees. Thus,

these Committees will be able to express their national aspirations for a wider civil

advocacy of AL QUDS. The periodical renewal of its officials and the distribution of

responsibilities will help to avoid bureaucracy which could limit their representation and

effectiveness.

4 – The Nusrah committees in any country / state are composed of the representatives of:

- Trade unions and professional bodies that consider supporting AL QUDS one of its

major concerns.

- Civil society organizations and associations working in support of AL QUDS.

- Groups of Friends of The Congress, from neighborhoods, villages, cities, regions and

countries, who believes in The Congress objectives and seeks to achieve them.

5 - The member of the General Secretariat in each region will help The Nusrah committees

in each country, to complete their formations and regulations to improve their working

methods. He will coordinate between the national Nusrah committees in each region.

6 - The structures of The Congress will ensure that the Nusrah committees have full

freedom and flexibility to adopt their local programs and events that are appropriate

to the circumstances of each country, and are able to achieve the objectives and

methodology of The Congress and implement its decisions and programs.

7 - Local coordinators appointed by the Secretary-General, shall work on establishing

Local Nusrah committees and forming The Congress ' friends' societies and activate

their contribution.

8 - Delegates of the Nusrah committees will participate in the general assembly, in

accordance with the representation policy set in the rules of procedure, to ensure

equitable representation in the general assembly of the different areas and countries.

Article Twenty-One: General Provisions:

1 - The permanent headquarters of The Congress shall be in the City of AL QUDS. Until

this is possible, the official address for correspondence will be that of the Secretary-

General.

2 - The official languages of The Congress are Arabic, English and French. In case of any

dispute, the interpretation of the Arabic and any other language will be accepted. If this

does not solve the dispute, the original Arabic text shall prevail.

3 - The General Secretariat will develop The Congress Bylaw, which will organize the

mechanisms of action for the General Assembly, the General Secretariat, the Executive

9

Office and the structures of The Congress. The Bylaw will set the necessary terms and

provisions of this Basic Law.

4 - This Basic Law may be modified with the consent of two thirds of the members of the

General Assembly. On the other hand, the General Secretariat may - by majority of its

members - or with the consent of the Executive Office, develop some of the necessary

articles to facilitate the work by adding supplements to the Basic Law, provided that these

additions are approved by the General Assembly.

5 – Due to the fact that events and activities of The Congress spread geographically,

correspondence between members and the Secretary-General will be signed and sent by

fax or mail. This form is considered a reliable and legal method and is also accepted as a

form o voting.

6 - Decisions are taken by an absolute majority of the attendance unless otherwise stated.

7 - The general rule is: it is not permissible for officials of The Congress frameworks,

structures, the central and local Nusrah committees, to take a leading responsibility for

more than two consecutive terms, not exceeding ten years in total.

8 - The terms of this Basic Law may be modified with the consent of the relative majority of

its active members present at the meeting of the General Assembly.

9 - The Congress will be resolved with the consent of two-thirds majority of its active

members present at the meeting of the General Assembly, and endorsed by the relative

majority of the members of the Advisory Board present at the General Assembly meeting.

WALLAH WALIYYU ATTAWFEEQ

THE GENERAL CONGRESS FOR THE SUPPORT OF AL QUDS

The Founding General Assembly

Kuala Lumpur

FINAL COMMUNIQUE

Represented by their delegates in the Advisory Board as well as by delegates in the

Preparatory Committees, coming from within and outside the Islamic Countries, the

participants held their Founding General Assembly for The General Congress for the

Support of AََL QUDS (The Congress henceforth), between 5th and 6th of Safar 1431

H, corresponding to 20th and 21st January 2010 CE, in the Malaysian capital Kuala

Lumpur. They declared officially the creation of The Congress for the Support of AL

QUDS. On this occasion, the participants wish to extend their most heartfelt gratitude

to the Government and People of Malaysia as well as to the Perdana Global Peace

Organization, for having generously hosted the proceedings of their constitutive

assembly.

Equally, the participants wish to express their deep thankfulness to Tun Dr Mohamed

Mahatir for his incisive keynote speech, in which he clarified the true dimensions of

the Palestinian question. Tun Dr Mahatir called on this occasion the “West” to revise

their view, according to which expiating for the persecution and massacres

perpetrated against Jewish groups in European societies could be done through the

expulsion, dispossession and expropriation of the Muslim and Christian Palestinians.

He went on to point out that the Jews had constantly found refuge, safe havens,

security and freedom to practice their religion, trade and financial transactions in the

land of Muslim countries; this same land which has now become the target of

Western persecution, massacres, and expropriation in the specific case of Palestine.

In this connection still, Dr Mahatir went on to call on all the countries of the West to

put an end to their unfair policies, to stop fomenting and sowing discord amidst

Islamic countries, war-mongering and fanning the fires of “terrorism”, causing

bloodshed and triggering the spirit of vengeance. By the same token, according to

Dr Mahatir, the West casts a blind eye to the Zionist racist policies and encourages

their aggressive violations against humanity in Palestine. In his conclusion, Dr

Mahatir stressed the fact that peace in Palestine can only materialize if the Arabs in

Palestine are granted their right to return to their homeland as well as the right to live

in it in peace and dignity.

Marshal Abdel-Rahman Siwar al-Dahab presided over the General Assembly

deliberation sessions. This came after he had given his speech on behalf of the

Advisory Board for The General Congress for the Support of AََL QUDS, in which he

stressed the need for taking practical and appropriate measures that are liable to

support the resistance, militancy and national liberation struggle, of the Arab people

in Palestine, against occupation, on the one hand; and the need to coordinate efforts

among various bodies and organizations that are concerned with the support of AََL

QUDS and Palestine on the other hand.

The participants stressed their constant pledge and obligation to back up the struggle

of the Arab People in Palestine in view to achieving its national liberation and

recovering its total sovereignty over the city of AََL QUDS, together with safeguarding

the sacred inviolable character of the al-Aqsa Mosque, the rest of the holy Islamic

shrines and the Islamic and Christian waqfs in Palestine.

2

They also reiterated their pledge to strive for enabling the Arabs of Palestine to enjoy

their full right to return to their homeland and to enjoy all the rest of their citizenship

and religious rights within their homeland, Palestine.

The participants stressed the fact that the support for AَL QUDS can only materialize

through enabling the Arabs of Palestine to exercise their right to return to their

homeland and country. In this regard, the participants proclaimed their adamant

support for the struggle of the Maqdissis as well as that of the rest of the Arabs of

Palestine for their right to return to their homeland and for the fight for their national

liberation. This endeavor should materialize through the active and complementary

efforts both on the non-governmental and on the governmental levels, in order to

fulfill the aspirations of the Arab People, the Islamic Ummah as well as those of the

freedom-lovers across the World. In order to come to terms with such a goal, these

groups and individuals will have to resort to the use of various forms and styles of

ethical and moral action, and various means on all levels possible, be they legal,

economic, social or informational.

The General Assembly has ratified the “Basic Law” for The General Congress for the

Support of AََL QUDS, and has agreed on a number of recommendations relating to

the use of media, the social, economic, and legal domains, in addition to adopting

a decision to commemorate the Day for the Solidarity of AََL QUDS, which is to be

held simultaneously in every country in which committees for the support of AَL

QUDS are based.

On the other hand, the General Assembly condemns the criminal embargo imposed

by the Zionist entity on the Arab People of Palestine and particularly on Ghazza. In

the same manner, it condemns the Zionist criminal policies and practices against the

Arab People in Palestine, in Lebanon, and in the Golan Heights. It holds the Tel-Aviv

government responsible for those policies and practices vis-à-vis the International

Law and considers them acts of war crime, genocides, and crimes against humanity,

all of which violate the rules of International Human Rights Law, as well as the

relevant international conventions and treaties.

The General Assembly calls on the Arab, Islamic and the World communities at

large to do everything possible to join efforts in order to put an end to those inhuman

practices and violations, as well as to the Zionist criminal embargoes that are

imposed on the People of Palestine and to work for securing their lifting, together

with opening land , sea and sky outlets, that are under the control of the government

of Tel-Aviv.

Prior to closing its procedures, the constitutive General Assembly for The General

Congress for the Support of AََL QUDS elected Tun Dr Mohamed Mahatir President

of its Advisory Board, and Dr Ali al-Ghatit Deputy for the same body. Dr Hamdi al-

Sayyid, Mr Salah Salah and His Eminence the Mufti Mohamed Hussein were elected

Vice-Presidents for the Advisory Board. Dr Said Khalid El Hassan was elected

Secretary General for The General Congress for the Support of AََL QUDS. And for

the General Secretariat membership of The Congress for the Support of AََL QUDS

were elected the following ladies and gentlemen: Mr Ibrahim al-Azhari, Dr Ihsan

Thuraya Sarma, Mr Irvin Adrovitch, Mr Rafiq Ahmed, Dr Safouan Karim, Dr Samir

Boudinar, Mr Ali Rida Mahjoub, Prof. Mohamed Mujib al-Rahman, Mr Mostafa

Maarouf, Mrs Maysoon Shaath, Mr Navid Hamid and Dr Halah Suleiman al-Asaad.

At the closure of the procedures of its Founding General Assembly, The Congress

announced the creation of a Distant Learning Medical Centre, for the benefit of the

Maqdissi students and practitioners, as a joint venture with the General Secretariat of

the Union of Arab Medical Doctors. In this connection it was pointed out that The

Congress will get in touch with various relevant institutions and circles to support this

3

centre, which is a measure among others for countering the Zionist embargo that is

imposed on the Arab People of Palestine.

In order for The Congress to fulfill its program, and the recommendations and

activities that culminated its proceedings, it announced that its members will proceed

to setting up a “Support Waqf “, and that contact will be made with the relevant

circles and parties concerned to officially establish this waqf.

Kuala Lumpur, Malaysia,

6 Safar 1431 H // 21 January 2010 CE

Nus Final Communique 100120


Article 12

$
0
0
البيان الصحفي الصادر عن اول مؤتمر صحفي لنصرة في القاهرة بتاريخ 22مارس 2010


عقدت السكرتارية العامة لمنظمة نصرة القدس مؤتمرها الصحفي الاول في القاهرة في مقر نقابة الصحفيين واصدرت بعده هذا البيان . سأقوم برفع باقي البيانات و المقررات تباعا
ايضا ستنتهي السكرتارية العامة قريبا من عمل موقع خاص لنصرة على الشبكة العنكبوتية
سيتضمن اخبار القدس وصور وافلام وايضا منتدى نصرة القدس
وهو منتدى مفتوح لمشاركة الجمهور باي لغة
سأضع هنا رابط الموقع ان شاء الرحمن
خالص التحيات
اسامة


بسم الله الرحمن الرحيم

المؤتمر العام لنصرة القدس

THE GENERAL CONGRESS FOR THE SUPPORT OF AL QUDS

LA CONGRES GENERALE POURLA SOLIDARITE AVEC AL QUDS

الأمانة العامة

nusratalquds@gmail.com

6ربيع الثاني 1431هـ// 22 / 3 / 2010م

نقابة الصحفيين - القاهرة

بـيان صحـفي

في خضم الأخطار والأحداث الخطيرة المحدقة بالقدس الشريف وفلسطين، فإنّ المؤتمر العام لنصرة القدسإذ يؤكد التزامه بواجب النصرة لنضال الشعب العربي في فلسطين من أجل تحرره الوطني وتحقيق سيادته الكاملة في مدينة القدس، وضمان حرمة المسجد الأقصى وكافة المقدسات والأوقاف الإسلامية والمسيحية في فلسطين؛ فإنّه يشدِّد على أنّ الممارسات العنصرية الصهيونية التي تنتهك الحرمات الدينية والثقافية والحضارية والوطنية والإنسانية في فلسطين لن يكون مآلها في نهاية المطاف إلاّ تقويض الكيان الصهيوني في فلسطين..

إن سياسات وممارسات الاستعمار الاستيطاني الاحلالي الصهيوني لم تقف عند اقتلاع ملايين من عرب فلسطين من أرضهم، بل إنها لا تتورّع عن تزييف الواقع الثقافي والديموغرافي وتغييره في فلسطين. وإذ تؤجج هذه الممارسات وعن سابق إصرار من مشاعر الإحباط والغضب على امتداد العالم الإسلامي والساحة الدولية، فإنها تظهر للرأي العام الدولي أبعاد الموقف العنصري لقادة حكومة تل أبيب تجاه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 القاضي بعودة اللاجئين من عرب فلسطين إلى وطنهم كشرط ملازم لقبول عضوية الكيان الصهيوني في الأمم المتحدة..

إنّ الموقف الصهيوني القائل بأن تطبيق هذا القرار الأممي إنما يقوِّض من "النقاء اليهودي" للكيان الصهيوني هو بطبيعة الحال موقف غير قابل للتطبيق عملياً ولا يمكن واقعياً البناء عليه:ليس وحسب لأنه يتجاهل الشرط الذي تمّ على أساسه قبول عضوية الكيان الصهيوني في الأمم المتحدة والمنتظم الأممي، بل لأنه عنصريته وصلافته البالغتين تتناقض تماماً مع المعطيات الواقعية الراهنة للمنطقة مجتمعياً ودينياً وحضارياً ودولياً.. فهو يشكِّل سابقة عنصرية صريحة تربط بين حقوق المواطنة (في فلسطين) وبين العقيدة (والأيديولوجيا) الصهيونية؛ ناهيك بأنه موقف يتجاهل أن أكثر من نصف السكان في فلسطين هم الآن من العرب (المسلمين والمسيحيين واليهود) الذين ينتمون تاريخياً وثقافياً إلى المجتمع والحضارة العربية الإسلامية، فضلاً عن أنّ قرابة مثلي هؤلاء عددياً من لاجئي عرب فلسطين يرابطون على حدودها ولا شاغل لهم إلاّ تحرّرهم الوطني وإحقاق حقوقهم في العودة إلى وطنهم فلسطين..

كما أنّ هذا الموقف الصهيوني يتجاهل قبل كل ذلك وبعده، أنّ السلام والاستقرار الحق في فلسطين لا يمكن أن يتحقّق عبر السياسات المعادية لأمة فلسطين العربية بملايينها الثلاثمائة، والمستخفة ليس وحسب بمليار ونصف مسلم يرفضون العنصرية الصهيونية، بل أيضاً بمواقف أحرار العالم وشرفائه ممن يرفضون عنصرية الاستعمار الاستيطاني الإحلالي كانت صهيونية أم لم تكن.

إنّ المؤتمر العام لنصرة القدسالذي كان من ثمار جهوده خلال السنوات الأخيرة أن ينعقد جمعه العام التأسيسي في العاصمة الماليزيةكوالالمبور يومي 5-6 صفر 1431هـ (20-21يناير 2010) بمشاركة مندوبي هيئته الاستشارية و ممثِّلي لجانه التحضيرية المختلفة من دول العالم الإسلامي وخارجه، ليؤكد ويجدِّد التزامه بإيضاح حقائق واقع الصراع مع الصهيونية في فلسطين بأبعاده الاجتماعية والسياسية والحقوقية والحضارية والدينية، باعتبار أن احترام هذا الواقع هو الأساس الوحيد الممكن لتحقيق السلام في فلسطين والمنطقة. إنّ تجاهل أبعاد واقع الصراع في فلسطين لا يمكن أن يقود إلى السلام، وإنما إلى مزيد من التهديد للأمن والسلم الدولي في ظل حالة الاستقرار المصطنع والهش الذي تفرضه وتكرّسه العنصرية الصهيونية. إن إقامة السلام إنما تتوقف على تحقيق الاستقرار المبني على احترام حقائق الصراع في فلسطين وعلى إحقاق الحقوق على هذا الأساس لا على تجاهله أو تزييفه.

لكل ذلك، فإن المؤتمر العام لنصرة القدسالذي كان قد أعلن في البيان الختامي لجمعه العام أنّ تأسيسه إنما يستهدف استنفار الطاقات الأهلية عربيّاً وإسلاميّاً ودوليّاً، والعمل على التقاء وتكامل الجهود الأهلية والحكومية من أجل نصرة القدس، بما يحقق تطلعات عرب فلسطين في الحرية والكرامة والتحرّر الوطني، ويشرح عدالة قضية القدس وفلسطين أمام الرأي العام الدولي، ليؤكد مضيه في العمل في إطار ما اعتمدته لجانه الإعلامية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية، وما أقره بشأن فعاليات "اليوم التضامني الدولي لنصرة القدس" الذي سيتم تنظيمه بشكل متزامن في مختلف العواصم والبلدان التي تتواجد فيها لجانه التضامنية.

إن إرساء السلام والأمن الدوليين إنما يتوقف على نصرة القدس وتمكين الشعب العرب الفلسطيني من حقه المشروع في العودة إلى أرضه ووطنه فلسطين والعيش فيها بأمن وكرامة متمتِّعا بكافة حقوقه المواطنية والدينية..


Article 11

$
0
0
الذكاء الاصطناعي بين الآلي والانساني


الى الاصدقاءصالح الشهابي ووليد عبد الله و محمد مسعد وجلال الطائي و ايفالد فليسار
و الى والدي العزيز رحمه الله محمد نصرالدين القفاش
و والدي الروحي رحمه الله عبد الوهاب المسيري

هذا البحث قدمناه انا و صالح لمؤتمر التحيز في نقابة المهندسين بالقاهرة عام 1992
و نشر في كتاب فقه التحيز بطبعتيه
ولاسباب عديدة فقدناه و من فترة قريبة اعطى احد تلامذة صالح له مجلة المهندسين التي نشرت البحث ايضا
وللاسف لم يصور صالح النسخة
وعندما التقينا مؤخرا تذاكرناه
وافتقدناه
وعندما وجدته علىببليو اسلام
قررت وضعه على المدونة ربما استفاد منه آخرين
مازلت اعتقد ان الكثير من الاراء التي طرحناها معقولة جدا بالرغم من مرور 18عاما عليها وتغير العالم تغيرا كبيرا
اسامة
زغرب
26يونيو 2010

الإنسان والآلة:

"ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد" (سورة ق/ 16).

منذ أن عرف الإنسان الأدوات واستخدم الآلات وهو يشعر بنقصه الكامن ويستشعر ضعفه الفطري. والأدوات والآلات هي سبيله لتخطي هذا النقص والتغلب على هذا الضعف. والجنس البشري واحد في طموحاته وتطلعاته. وكذا في تاريخه الروحي وليس فقط في تكوينه البيولوجي ومع هذا يمكن القول إن النسق الفكري الغربي يمثل التجسيد الأمثل لمجموعة من الأطروحات تضع الكم قبل الكينونة والإنتاج قبل المنتج، وتستهدف الاستهلاك واللذة بدلا من الرضا والتوازن.

على العكس فلقد تطورت النظرة الكونية الشرقية في مصر والهند والصين والعراق لتعطي منظومة أخلاقية متكاملة بلغت غاياتها في نظام ديني متسق يضع مبادئ ومثلا وأخلاقا وواجبات وحقوقا للإنسان ويدع له حرية الاختيار بين ما يراه صوابا أو خطأ، بينما تتميز النظرة الغربيةالأسطورية الكمية بعدم وجود هذه المنظومة الأخلاقية فمثلا تقوم آلهة الجرمان والتيوتون بكل أنواع الفظائع والرذائل طالما هناك فائدة من ورائها؛ فعلى سبيل المثال لدينا نصيحة "أو دين" بأن الزنا مرغوب طالما لم يمسك بك الزوج الغيور، ولم تهمس بأي أسرار خطيرة في أذن معشوقتك لحظة الشهوة. ليس هذا فقط بل إن الإيمان بهؤلاء الآلهة ذاتهم مرتبط بمدى الاستفادة منهم ومدى المنفعة المتحصلة من ورائهم. هذا النموذج المعرفي الذي يؤمن بالإله فقط عندما يكون الإله قويا قادرا يؤدي بالتالي إلى تأطير الإله داخل النسق وجعله كلي القدرة Omnipotentباطشا ومن ثم فإن النموذج الأول prototypeلهذا الإله هو ذلك الإله اليهودي الباطش الجبار يهوه بينما بالمقابل يقدم الإسلام نموذجا معرفيا مختلفا يضع الإله خارج النسق وهو الله الرحمن الرحيم. فالرحمة أعلى من القوة والقدرة ولا مجال للمقارنة.

إن تقييم الإنجاز الحضاري للإنسان من خلال منجزاته التقنية الآلية فقط وليس من خلال نظرة شاملة متكاملة للصرح الفكري المعرفي الذي يقدمه والذي يوائم أسلوب حياته هو من منجزات المدنية الغربية، ونموذج عصر النهضة.

2- عصر الكمبيوتر

بعد الحرب العالمية الثانية تم امتصاص الدول المتوسطية الأوروبية عدا يوغسلافيا وألبانيا في بنية الغرب تحت راية الولايات المتحدة. ثم أدمجت بشكل متزايد في إطار سوق أوروبية تحكمها الشركات عابرة القارات. لم يحدث هذا كنتيجة اعتباطية عشواء بل يمكن تفسير انتقال مركز الثقل في العالم الغربي من المتوسط للأطلنطي في ضوء قانون التطور غير المتكافئ واختراق النسق من أطرافه.

وفي هذا الإطار صارت علوم الميكانيكا والطبيعة من قبيل العلوم القديمة وازدادت الحاجة لعلم حديث يمثل أعلى مراحل تطور هذه المدنية، حيث الكم والقياس والربح هي أسس النجاح.

إن المجتمع الأمريكي يقوم على أفكار أسطورية مثل الاكتشاف والريادة وهو مجتمع ما يدعى بالصفحة البيضاء أو Tabula rasa، هذا المجتمع الذي يتعامل أساسا بالرقم حيث يقال إن جمال هذه الفتاة يساوي مليون دولار ويحيا على الديون والحسابات التي لا تنتهي، يحتاج هذا المجتمع إلى علوم إحصائية وقياسية وكمية حتى تتحول الأسطورة إلى أرقام واقعية. وتصير الخيالات الكاذبة موضوعية علمية. يحتاج هذا النسق إلى حل أسطوري آلي جديد يبرره. وكان هذا الحل هو الكمبيوتر.

وتعبر كل المصطلحات الأمريكية المستخدمة في علوم الكمبيوتر عن هذا النسق فعلى سبيل المثال لا الحصر،

Hard ware- soft ware

وهما المصطلحان الأساسيان في الجهاز ذاته ما هما إلا كلمتان منحوتتان من softناعم وhardصلد وwareمخزن أو محل ويرتبط نحتهما بمكان الشراء والبيع ولا علاقة وظيفية أو دلالية مباشرة بالمعنى الأساسي لكل مصطلح.

ولننظر في مصطلح ثالث I.B.M. compatibleحيث إن I.B.M. هي عملاق عمالقة الكمبيوتر أو حسب القول الدارج في أمريكا

USA is IBM

.

تصير تلك الشركة هي النموذج والمثال الذي ينبغي احتذاؤه؟

هاكم مصطلحا رابعا Data Baseوهو تلك الأوساط الضخمة للإمداد بالبيانات ومصطلحا خامسا Data Bankويتعلق كل من المصطلحين بفرع من فروع الرأسمالية الاحتكارية الأمريكية: البنوك والقواعد العسكرية، اوالمرابي العالمي والشرطي العالمي، وهما الدوران اللذان يحلو للولايات المتحدة أن تلعبهما على مسرح السياسة العالمية.وهكذا يتحول الفكر لمخزون مادي كالمال، وتصبح المعلومات قوات للانتشار السريع.

إن البحث في المصطلح يمدنا بمعين لا ينضب يكشف عن الفلسفة الكامنة وراء النسق ولنا عودة لموضوع اللغة والمصطلح.

إن الكمبيوتر كاختراع هو تطوير لأفكار "بابدج" في القرن التاسع عشروهو تنفيذ لتلك الأفكار باستخدام دوائر كهربية وبعض الأجهزة الميكانيكية.

إن تلك العلوم الجديدة ذات المصطلحات الجديدة علوم تتناسب تماما مع الثقافة الأمريكية والتفاؤل الأمريكي. . فهي علوم لا تحتاج لإدراك نظري واسع وتعتمد أساسا على التكاثر السرطاني لاعتمادها على التأطير أي العزل والتصنيف ثم الابتلاع.

لننظر معا في المصطلح Kips (ومثل تلك المصطلحات السرطانية تنتشر في علوم الكمبيوتر بسرعة البرق)، وهو مكون من أوائل كلمات

Knowledge Information

Processing Systems

أو أنساق طبخ معلومات المعرفة، فمن الأهمية بمكان أن ندعوها بالكيس فهذا جزء من خلق الأسطورة وإعطاء الشعور بالأهمية للمستخدم لإحساسه بامتلاكه شيئا يفتقده الآخر فهو الحواري والكاهن المسؤول عن محراب العلم وكلماته السحرية. ويخلق المصطلح عند المتلقي شعورا بالإحباط والرهبة والفشل. ها هو العلم السحري يقتحمه ويفحمه. ولا يملك المتلقي إلا الإذعان والابتلاع.

وهكذا EFF, KIPSوTRACSإلى آخر سلسلة المصطلحات السحرية الأسطورية.

تلك المصطلحات تلغي خصوصية اللغة وغموضها وتبطل تاريخيتها وتفسد إنسانيتها، بحيث تتحول لعنصر ابسط، فهي مجرد حروف. وتنتفي العلاقة عند النطق بين الصوتيات والمعاني. ومن ثم تنتفي توليدية وتركيبة اللغة، فلا معنى إذن لبنية سطحية وبنية عميقة. إنما نحن أمام ذرات بسيطة مفردة متناثرة. وهكذا تصير الجمل البسيطة – المطلوبة – هي الجمل الذراتية ويصبح كل فرد منعزلا في ذاته، ويصير الفرد مثل لغته، التي هي وسيلته التعبيرية، مجرد ذرة في فضاء فسيح لا علاقة بينه وبين الأفراد الآخرين. وهكذا يتجلى بوضوح نموذج الرائد المكتشف أو راعي البقر الوحيد الذي يقدم لنا دائما في لقطات بانورامية بعيدة، تظهر الفردية المطلقة والمسافات الشاسعة.

تقدم هذه العلوم الآلة باعتبارها نهاية في ذاتها دون أصل نظري يفسرها، أو هي ذات أصل نظري نسيناه، بل يجب أن ننساه كما نسينا جرائم قتل وإبادة السكان الأصليين أو بعبارة أدق وأكثر موضوعية ألغينا وجودهم من الأساس. فالنسيان أحيانا لا يجدي مثلما هي الحال مع الجرائم الكبرى.


الأسهل أن تقدم إلينا المعلومة على أنها بديهية غفل فنبتلعها مثلما نبتلع الطعام/ الزبالة معها ونحن متسمرون أمام شاشات الكمبيوتر وهي تتحرك بلا نهاية ولا هدف.

3- من الآلة الدافعة لذاتها إلى الآلة المولدة لذاتها، أو ما بين المحرك دائم الحركة والآلات الذكية

هي رحلة زمانية مكانية بدأت من القرنين السابع عشر والثامن عشر في أوروبا إلى نهايات القرن العشرين في أمريكا واليابان. وتبدأ كما رأينا من بدايات الرأسمالية حيث السيادة لعلوم الميكانيكا والكيمياء في أوروبا، وتنتهي مع احتضار الرأسمالية حيث السيادة لعلوم الكمبيوتر والمعلوماتية في أمريكا واليابان.

كان عام 1956 عاما شديد التفاؤل والطموح بالنسبة للأمة الأمريكية، ولنا أن نتذكر أيزنهاور ودالاس والسويس والمجر.

أما في مجال الكمبيوتر فقد كان النجاح على أشده، استقلت علوم الكمبيوتر وصارت كيانات مستقلة في العديد من مراكز البحث العلمي والأكاديمي. وكان الجيل الثاني من أجهزة الكمبيوتر ينتشر بسرعة رهيبة. وانعقدت عليه آمال عظيمة وكانت الطموحات المطلوب منه تحقيقها جامحة وشديدة. وظهرت فكرة الذكاء الصناعي أو تلك الآلة الذكية القادرة على توليد ذاتها. وكان المظنون إمكانية تخطي كل الحواجز في غضون بضع سنوات. وكانت البدايات في مجالات الترجمة والشطرنج.

في الترجمة ساد الاعتقاد بأن زمن المترجم البشري قد ولى، وأن زمن المترجم الآلي قد بات قاب قوسين أو أدنى. وأن الدقة والنظام ستحلان محل الهوى والمزاج وفي دارتموت 1956 طرح هذا المترجم وقدم نماذج باهرة لترجماته من الروسية للإنكليزية، وكان هذا مدعاة


سرور لعلماء وخبراء وكالة المخابرات المركزية C.I.A. الذين ظنوا أنهم قد حصلوا على ما يريدون، وأنه سيكون بوسعهم أن يفكوا الشفرة ويحلوا الرسائل في ثوان قليلة، ومن ثم يتقدمون تماما في الحرب المشتعلة الباردة.

بيد أنكم تقدرون وتضحك الأقدار، فها هو خبيث يأتي عام 1967، ويطعم الكمبيوتر هذا المثل طالبا ترجمته من الإنكليزية للروسية وبالعكس في رحلة ذهاب وعودة: The Flesh is willing but the spirit is weakأي أن الجسد يتوق ولكن الروح جبانة. فجاءت الترجمة الأخيرة

The meat is good but the

wine is rancid

وتعني أن اللحم طيب بيد أن النبيذ رديء.

ولم تكن الحال في الشطرنج أحسن فلقد تبددت آمال الحالمين يلاعب الشطرنج الآلي الذي لا يقهر. يقول ميخائيل تال بطل العالم السوفيتي عام 1961 واحد اهم اللاعبين الهجوميين في تاريخ الشطرنج :الشطرنج يعكس جوهر الإنسان وخواصه المميزة، ولا أعتقد إطلاقا أن الآلات ستظهر سمات فردية كالشخصية وصراع الأفكار.

ليكسب المرء في الشطرنج عليه أن يملك حماسة كبيرة وموهبة عظيمة.

وهكذا سريعا ما طوى النسيان هذا الحماس، وانطمرت الأفكار الجامحة حول الذكاء الصناعي. ولكن على عكس المتوقع لم يخب الاهتمام بالكمبيوتر ولم تقل الاستثمارات المنفذة في هذا المجال بل استمر الحال على ما هو عليه، ولم يتضرر أحد، بل على العكس اتسعت مجالات استخدام الكمبيوتر وازدادت الحاجة لهذه العلوم التأطيرية العملية الذرائعية غير النظرية مع ازدياد تسارع الإيقاع الحياتي، واشتداد الحاجة للرقم التبريري والجدول الإبهاري والقوس الأسطوري، ولكن أهم شيء هو زيادة الأرباح التي تجنيها الشركات من وراء الكمبيوتر. ثم ظهر الجيلان الثالث والرابع من أجهزة الكمبيوتر، ودخلت اليابان سوق المنافسة بنمطها النظامي الدقيق القائم على العسكرية التي وجهت للحياة المدنية، وتقديس السلف وتكريس النموذج القبلي، وعبادة العمل المنتج بلا نهاية، وفي خلال بضع سنوات سيطرت اليابان على سوق المكون الرئيسي أو الدائرة المتكاملة I.C.، وها نحن ثانية أمام النمط الاختصاري المستمر، ولا غرو فالوقت هو المال ولا وقت لدينا للنطق بالكلمات الكاملة والجمل المفهومة الطويلة.

وحاليا تفخر اليابان بأن شركة هيتاشي قد أنتجت أصغر I.C. في الوجود. دائرة متكاملة مساحتها 2 سم2 وتحمل 64 ميغابيت (كان هذا عام 1992) بالطبع لن يوجد من يسأل ولم كل هذا؟ وما الداعي له؟ فالمهم الأصغر والأصغر والأصغر والأكثر سعة فالأكثر سعة والأدق والأكثر دقة. المهم أن نشتري ونشتري ونشتري، ونستهلك ونستهلك ونستهلك ولا يهم أن ندمر البيئة أو نحطم التوازن الطبيعي. فتلك آثار جانبية بسيطة ولا يوجد من هو كامل!!

و يعتبر الجيل الرابع حيث البطل الأساسي هو الكمبيوتر الشخصي قمة وذروة هذا الاتجاه، فلم يعد الكمبيوتر تلك الآلة الضخمة المقصورة على الأكاديميين والمتخصصين والتي تحتاج لكروت مثقبة ومهارات تقنية خاصة لكي نستخدمها لقد أضحى في متناول الجميع لا بل صار ضرورة للجميع، إن الأمية الآن كما تخبرنا الإعلانات والمقالات العديدة التي تقذف علينا لنبتلعها – هي أمية الكمبيوتر. لذا اشتر كمبيوتر وتمتع بالحياة، وبالطبع لا ضرورة لأن يسأل أحد نفسه: لماذا وما الداعي وما حاجتي؟ فتلك أسئلة سخيفة وأجوبتها محرجة ومقلقة.

يقول البروفسور "ناعوم تشومسكي" عالم اللغويات الأمريكي الشهير التزمت الحكومة بثلاث سياسات مترابطة، وتم تحقيقها جميعا بنجاح منقطع النظير.

1- تحويل الداخل من الفقراء للأغنياء.

2- زيادة ضخمة في القطاع الحكومي من الاقتصاد بحيث أصبح أداة لإجبار الجمهور على تمويل الصناعات ذات التقنية العالية التي تنتج الزبالة مرتفعة التقنية.

3- زيادة التدخل والتخريب الأمريكي ودعم الإرهاب الدولي (بالمعنى الحقيقي للمصطلح).

والحكومة التي يتكلم عنها البروفسور هي حكومة الرئيس ريغان حيث كان الرئيس بوش يشغل منصب نائب الرئيس.

تمثل النقطة الثانية الإجابة المباشرة عن تساؤلاتنا بينما تمثل النقطتان الأخيرتان شرح وتوضيح الإجابة. فيجب تسويق الكمبيوتر الشخصي الذي تنتجه الشركات الضخمة التي تنفق بلايين الدولارات في هذا المجال – مجال "البحث العلمي" بحثا عن مزيد من الأرباح والأموال، ومزيد من إنتاج "الزبالة" مرتفعة التقنية. ليتم تسويقها للمستهلك "الرشيد". في هذا النموذج لا وجود للبشر وإنما يوجد "المستهلك" فحسب.

ولا بد من ازدياد التدخل والتخريب الأمريكي لضمان خضوع أسواق العالم لهذا الغول المسمى الشركات عابرة القارات ومتعددة الجنسيات. وبالتالي يجب إرهاب أي محاولة للتنمية المستقلة. إرهاب بالمعنى الحقيقي للكلمة والأمثلة عديدة تبدأ من كوبا والدومنيكان على سبيل المثال لا الحصر مرورا بفيتنام وكمبوديا ولاوس ولبنان وتنتهي في الثمانينيات بجرانادا وبنما ونيكارجوا، ولا ننسى ليبيا والعراق. والقائمة لا تنتهي. لا يهم البشر، المهم السوق.

ويتم تحويل الدخل من الفقراء للأغنياء وعلى نطاق عالمي عن طريق استيراد المواد الخام بأسعار بخسة، بل والعمل على خفض أسعار المواد الخام للحضيض، ولا ننسى في هذا الصدد الانخفاض الدرامي لأسعار البترول في بداية الثمانينيات. ناهيك عن التدهور المستمر في أسعار العملات الأجنبية التي تمثل الأوعية الإدخارية لمعظم الأمم النامية وكذلك إفلاس وتخريب المؤسسات المالية التي ترتبط بتلك الأمم. تعمل هذه الآليات من جانب، ومن جانب آخر تعمل آليات أخرى هي تصدير التقنية المتقدمة بأعلى الأسعار، وبذا تتم الدورة بإتقان شديد فبخلق الحاجة نخلق السوق ثم نضمن السوق ولو بالقهر العسكري. المهم أن الكمبيوتر ضرورة والأمية الآن هي أمية الكمبيوتر.في هذا الجو المحموم وفي إطار "التنافس الشريف جدا" بين الشركات، كان لابد من خلق سلعة جديدة لخلق أسواق جديدة، ومن المؤكد أن موضوع حاجة الإنسان وأهمية السلعة هي من الأمور الثانوية، كما رأينا وكانت السلعة الجديدة هي الذكاء الصناعي الذي عاد للساحة وبقوة.

لا يكفي الجيل الرابع فنحن لن نستطيع إيقاف التقدم ولا ينبغي لنا أن نفعل، ووجد اليابانيون ضالتهم في المدعو "ذكاء صناعي" فأعيد إحياء المصطلح وقدم في قالب ياباني نمطي، النسق الخبير.

كلنا يعرف الخبير الياباني فهو دقيق شديد الانكباب على عمله، عبد طيع لآلته يقدس العمل – ولو كان هذا الخبير آليا فلنا أن نتصور ماذا سنجني من ورائه بعد أن نلغي كل عناصر النقص الإنساني؟

4- الأنساق الخبيرة بين المقياس الكمي والتعريف الارتجاعي

"في عالم حيث التوقيت هو كل شيء، من الأفضل أن تعتمد خطتك للبقاء على أكثر من الحدس. ولذا فقد قرر الآن يوشيوكا من شيرسون ليمان هتون أن يحول خبرته إلى كم وشفرة"هكذا يقدم النسق الخبير نفسه: لا وجود لحدس أو لتفكير وتدبير لا داعي لكل هذه الأشكال من أشكال النقص الإنساني، فلديك النسق الخبير يوفر لك الوقت ويتيح لك البقاء في وسط هذه الغابة، بتحويله كل شيء إلى كميات دقيقة يمكن قياسها وتحديدها. لا وجود للخطر ولا داعي للخوف. إذن دع القلق وابدأ الحياة. أو كما يقول يوشيوكا ذاته: "يا ليتني كنت اقتنيت هذا الجهاز من قبل".وهكذا ألغي الإنساني واستبقي الآلي فتلك هي القاعدة الأولىلهذا النسق. في الواقع النسق لا يريد بشرا، وإنما يريد مستهلكين وحسب. بل إن النخبة أو القادة لا ضرورة لهم، فكل ما نريده هو المنفذون Executivesلا أهمية لتعاظم قدرات أولئك المنفذين وتزايد سلطاتهم التي تفوق قدرات وسلطات رؤساء الدولالمهم أنهم منفذوا النظام الأهم من الأفراد، وآليات النظام يجب أن تستمر ولنضحي بأي كائن في سبيلها، شكل كابوسي من أشكال مجتمع 1984 الذي حدثنا عنه أورويل وغيره.

المهم هو الدقة والنظام والربح ومزيد من الربح. النجاح هو قدرتي على مراكمة مزيد من المال. وتعريف النجاح ارتجاعي اجتراري مغلق مثل النموذج فأنا ناجح كخبير لقدرتي على بيع أكبر عدد من أنساق الخبرة، تلك التي تدربني على البيع وهكذا مزيد من الذراتية والذاتوية.

ويفخر الخبراء اليابانيون بهذا، فعدد الناس الداخلين في أبحاث وتطبيقات الذكاء الصناعي في اليابان يتزايد بشكل مستمر. ويقرب عدد أعضاء الجمعية اليابانية للذكاء الصناعي التي تأسست منذ 4 أعوام حوالي 4000 عضووتنتشر الآن أنساق الخبرة من الشركات الكبرى إلى الشركات الأصغر ويتم تعريف الأنساق الخبيرة اليابانية بأنها ذلك المنهج الذي يتيح تراكم المعرفة والحصول على المعرفة، وكذلك المناهج النوعية لبناء أنساق الخبرة والتوليد الآلي لأنساق الخبرة الموجهة لمعضلة. وهكذا يتحول الذكاء والفكر إلى تراكم كمي للمعلومات. أما الفشل فهو عادة نتيجة نقص البيانات، العيب كمي؛ تنقصنا البيانات والمعلومات، ومن ثم الحل كمي، وكما قلنا من قبل: الأصغر فالأصغر والأدق فالأدق.



يفترض هذا النموذج وجود الخبير الذي يقدم خبرته أو معرفته عن طريق المقابلة ومن ثم فهو نموذج هرمي. ولا عجب في هذا فالنموذج الأولي للكمبيوتر هو نموذج هرمي بطبيعته حيث إنه ثمة مرسل (هو صانع البرنامج) ومستخدم (هو مستلك البرنامج). ونلاحظ أيضا أن"مستخدم" هو المصطلح المستخدم في كتابات الكمبيوتر بشكل عام، وهو مصطلح يفترض الهرمية الاستهلاكية كما نرى.

إن النسق الخبير هو الوصول بهذه الهرمية إلى نهايتها حيث لا وجود لخرافة الديمقراطية هنا. إن دور "المستخدم/ المستهلك" الوحيد هو "الاستخدام/ الاستهلاك". فنحن نقدم لك الخبرة، وعليك أن تستهلك رسالة واضحة بسيطة أحادية الاتجاه.

هذا النموذج يفترض عدم وجود ظواهر مركبة، كل شيء واضح وبسيط، وثمة قانون واحد لحل كل المعضلات، والعجيب أن هذا صحيح تماما من وجهة نظر معينة. إن القانون الوحيد الذي تعترف به المدنية الغربية، ويقبله المجتمع الرأسمالي (ولكن بشكل ضمني دون إعلان) هو الربح والاستهلاك. وهو كما نرى مفهوم بسيط وحيد ذري غير قابل للتحطيم. وهو المفهوم الأساسي خلف الأنساق الخبيرة ولنلق عليها نظرة عن كثب.

كان التشخيص من أوائل استخدامات الأنساق الخبيرة. وخاصة تشخيص الأمراض ومن أنجح الأنساق الخبيرة المستخدمة في مجال التشخيص الطبي نسق خبير يستخدم في تشخيص "بعض أمراض الدم" يسمى المايسين. إنه نسق متخصص شديد التخصص كعادة النظام كله. وتحضرنا في هذا المقام نكتتان الأولى تتحدث عن ذلك الطبيب الذي خرج من غرفة العمليات ليقول للأب المنتظر بلهفة مولوده "لقد اضطررت للتضحية بالجنين وبالأم من أجل نجاح العملية".

وتحكي الأخرى عن ذلك السائح الذي ذهب لأشهر بيوت الدعارة



في أمريكا فوجد ناطحة سحاب هائلة وعند المدخل استعلامات وأمن واستقبال فامتلأ حبورا وسعادة وطلب من الاستعلامات امرأة فأخبروه أن عليه التحديد أطويلة هي أم قصيرة فقال طويلة بسعادة بالغة. فقيل له: إذن اذهب إلى استعلامات الدور السابع فذهب وسأل الموظف عن امرأة طويلة فطل بمنه التحديد أرفيعة أم سمينة.أجاب السائح: رفيعة. دق الموظف الكمبيوتر أمامه ثم أخبره: عليك الصعود لاستعلامات الدور العاشر. صعد الرجل وهو يزفر وسأل عن امرأة طويلة رفيعة فعنفه الموظف على عدم دقته أبيضاء يريد أم زنجية فقال السائح: بيضاء. رجع الموظف للكمبيوتر، ثم نصح السائح بالنزول للدور الثالث. لم يتمالك السائح نفسه وصرخ: أريد امرأة أية امرأة، فهرعوا إليه وأمسكوا به، واقتادوه للمدير الذي قال برقة: عزيزي هنا لا توجد نساء، هنا يوجد نظام.

وقد لاحظ أحد خبراء الذكاء الصناعي في معرض حديثه عن أنساق التشخيص أنه"للأسف الاهتمام يبتعد الآن عن التشخيص ويتجه نحو التخطيط والتصميم"، ويستمر قائلا: "إن مناهج أنساق التشخيص قد استقرت نسبيا، ويمكن الحصول على أداء مرض، بيد أنه لا توجد أنساق تشخيص كثيرة قيد العمل الآن، كما كان متوقعا، فعلى ما يبدو أنها ليست فعالة بما يكفي"

إن الخبير الذي قال هذه العبارة لا يدرك التناقض الداخلي فيها ما بين استقرار الأنساق النسبي، وما بين عدم كفاءتها وعدم فعاليتها. فكيف يستقر ما هو غير كفء وغير فعال؟؟؟.

إن هذا التناقض ما هو إلا تعبير عن عدم ملاحظة أن الخطأ قد لا يكمن في عدم الفعالية، بل لعله فكرة النسق الخبير ذاتها. بعبارة أخرى هذا التناقض هو تعبير عن قناعة داخلية بأن النظام دائما على حق من ثم لا سبيل لنقده أو مناقشته. فهو بديهي حقيقي لا يقبل الخطأ أو النقاش. ويروي لنا الأبشيهي في "المستطرف" قصة ذلك الطبيب النطاسي الذي اصطحب ولده لعيادة مريض، وحين دخل على المريض وجس نبضه، ونظر في عينيه قال له: "لعلك أكلت اليوم دجاجا". فأجابه المريض: "نعم أيها الحكيم"، فقال الطبيب:"لا تفعل فإنه يضرك". وبعدئذ عاد الطبيب وإبنه مريضا آخر وبعد أن قاس نبضه ونظر في عينيه قال له: "لعلك أكلت اليوم فاكهة"، فرد المريض: "فعلت أيها الحكيم". فقال هنا:"لا تفعل فإنها تضرك". وبعد عودتهما للبيت معا سأل الابن أباه: "كيف يا أبي عرفت ما عرفت؟"، فقال مفسرا: "حين دخلت بيت المريض رأيت على عتبة الدار ريش دجاج، وحين جسست نبضه أحسست وهنا في يده فخمنت ولم أجزم، وقلت له لعلك "وعند الثاني رأيت قشر الفاكهة متناثرا حول سريره وأحسست آثار العصير والحلاوة على يديه"، فقلت له: "لعلك، وخمنت ولم أجزم". وبعدئذ ذهب الابن وأخذ في يديه حقيبة كحقيبة أبيه، ونزل لعيادة مريض، وحين دخل أبصر بردعة على الباب، ثم دخل حجرة المريض، وجس نبضه ونظر في عينيه وقال له: "لعلك أكلت لحم حمار"؟ فقال المريض: "ويحك أيها الطبيب ومن يأكل لحم الحمير. فخجل الابن وعاد لأبيه وقص عليه ما حدث. فتساءل الأب معجبا وكيف خمنت هذا الذي خمنته؟ فرد الابن لما رأيت البردعة دون الحمار ظننت أنهم أخذوا الحمار، وقلت لنفس لو أنهم أخذوا الحمار وأبقوا عليه لما تركوا البردعة إذن فقد أخذوه وذبحوه، ولذا قلت للمريض لعلك، ولم أجزم، فقال الأب: لا فائدة، فأما الطب فتطبع، وأما الفراسة فهي طبع.

ولم يقل الأب العربي الحكيم بالقطع أن ثمة نقص في المعلومات، وأن كفاءة الابن "مايسين" ليست كافية بما فيه الكفاية!! فهذا النسق الكمي العياري لم يعهده ولم ينتهجه.

وهذا النسق الكمي القياسي العياري هو الذي ينتج روايات الخيال العلمي المتشائمة السوداوية مثل روح حية، ليارسيلد والمخ لبادي تشايفسكي و2001 أوديسا الفضاء لأرثر كلارك وغيرها، حيث المصير القاتم ينتظر البشرية ولا مهرب ولا مفر. وبالطبع فهذا متسق تماما مع فكرة الكم والانغلاق والقياس، فكل شيء محسوب وحتمي وإلزامي، ولذا نجد مثل هذا الجدول الاستقرائي السخيف المتهافت في نهاية كتاب صورة مستقبلية لأرثر كلارك، حيث يتوقع الخلود بحلول عام 2100 . يكمن خلف هذا الكم من السخف نسق الغائية التنافسية، حيث لابد أن تكون العلاقات بين الأشياء هي علاقات سبب ونتيجة، وحيث المنافسة القاتلة هي القانون الوحيد الذي يسري على الجميع.

وينبني منطق الأنساق الخبيرة على ما يعرف باسم آلات الاستنباط وهي مثل عبارة "الابن مايسين" الأخيرة تقوم على معادلة لو/س...إذا/ ص...

بافتراض ارتباط حدوث ص بوقوع س دائما، وكما نرى يفترض هذا النموذج التبسيطي وقوع كم محدود من الأحداث، وكذا أن العلاقة بين الحدثين داخل النموذج تظل ثابتة لا تتغير في كل الظروف، ولا تدخل فيها عوامل شخصية سواء كانت هذه العوامل طريقة النطق أو الشعور الخاص في لحظة معينة. باختصار يفترض النموذج انتفاء هذا العنصر الإنساني والذي يدعوه العنصر الذاتي. وكمثال على النتائج المبهرة التي يحققها هذا النموذج ما حدث في تنبؤات الكمبيوتر ي نهائيات كأس العالم بإيطاليا 1990. فلقد توقعت الأنساق الخبيرة فوز الأرجنتين على الكاميرون، وفوز هولندا على مصر 8/1، وليس هذا فقط، فقد حدد النسق الخبير من سيسجل الأهداف، ومتى سيسجلها. وبالطبع لم يحدث هذا فقد فازت الكاميرون على الأرجنتين، وتعادلت مصر مع هولندا، ولكن من يهتم ومن يسأل، المشكلة هي نقص المعلومات، ولم يقل أحد أن من المستحيل التنبؤ الدقيق بنتائج الألعاب الرياضية، وأن الكرة بالذات يحكمها الغموض والترقب والحالة الذاتية.

ولذا تبقى أساس معضلة الغموض Fuzziness، كيف يحلها النسق الخبير؟ بعبارة أخرى ما هو الحد الذي يعتبر عنده النموذج موضوعيا وليس ذاتيا على سبيل المثال، فيما يخص اللغة نجد عملية طبخ اللغات الطبيعية أو إعادة صياغتها لتلائم الجهاز الناطق للكمبيوتر. إن الحل الذي يقدمه الذكاء الصناعي وخبراؤه الأفذاذ هو ببساطة التجاهل التام ودفن الرأس في الرمال (كما رأينا تلك هي الآلية المعتادة) الغموض في رأيهم غير موجود، لماذا لأن اللغة بسيطة وليست معقدة، جامدة وليست متغيرة – إنها بنية سطحية تمثلها لوحة مفاتيح الكمبيوتر، وبنية عميقة تمثلها أجهزته الداخلية، وخاصة المجمع Assemblerالذي ينتهج اللغة الثنائية، ولكن بالرجوع لأصل هذا الكلام عند تشومسكي صاحب النحو التوليدي وفارسه الأول نكتشف أن العلاقة بين البنية السطحية والبنية العميقة ليست بالبساطة التي تقدم لها. فالبنية السطحية تقدم إسهاما كبيرا في صياغة تحولات المعنى ذاتها، ولا يقتصر إسهامها على الجانب الصوتي فقط.

وسنوضح هذا باستخدام مثال من القرآن الكريم: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم) (التوبة/31).

إن البنية السطحية للنص قد جعلت كلمة المسيح المنصوبة معطوفة على أحبارهم ورهبانهم، وليس على لفظ الجلالة، فالقرآن يربأ بأن يجعل من المسيح نبي الله في منزلة الأحبار والرهبان، وينزهه أيضا عن خطيئة ادعاء الربوبية، ومن ثم فالفصل بشبه الجملة "من دون الله" يهدف إلى التنزيه والإجلال كنوع من الأدب والذوق الرفيع. وهي كما نرى عناصر لا تقاس ولا يمكن إدماجها في البناء الموضوعي لهذا النسق التبسيطي. لو أن المنطق التبسيطي الذي يفترض أن كل العلاقات من المرتبة الأولى هو المستخدم في تحليل النص القرآني الكريم لاختل البناء تماما وتغير المعنى تغييرا شاملا وخطيرا.

ويفترض إمكانية تجاوزه بذلك الثراء الديناميكي الكامن في اللغة الإنسانية، هذا الثراء الذي يؤدي للإبداع المستمر في استخدامنا اليومي للغة كنسق معرفي إنساني اجتماعي. إن هذا الجانب الإبداعي للغة الإنسان العادية هو أحد العوامل الرئيسية التي تميز اللغة الإنسانية عن أي نسق معرفي إنسان اجتماعي. إن هذا الجانب الإبداعي للغة الإنسان العادية هو أحد العوامل الرئيسية التي تميز اللغة الإنسانية عن أي نسق معروف للاتصال بين الحيوانات.

هذا الإبداع الإنساني الحياتي هو الذي يجعلنا نلعب ونتسامر ونضحك ونغش أُناء اللعب ونغضب. أي باختصار نمارس إنسانيتنا.

فلو ذهب الطفل للمدرسة فوجد النسق الخبير يعلمه، وعاد للمنزل ليجلس أمام الكمبيوتر ليلاعبه، ثم دخل للنوم فوجد الإنسان الآلي يرعاه، فمتى سيتعلم أن يكون إنسانا؟

وبمنتهى الوضوح دعونا نتساءل ما هي العلاقة التي توحد بين اللعب مع الكمبيوتر، وبين الشراء والبيع وبين تشخيص المرض؟

فلو افترضنا عدم وجود النموذج الهرمي الذي ذكرنا، وعدم وجود القانون الذري الأساسي وهو الاستهلاك والربح، فما هي العلاقة السحرية التي تمكن تلك الآلة الذكية من اكتشاف القانون الموحد الذي يحكم هذه الأنشطة؟

5- خاتمـة: الحاسوب في بلاد الجنوب

توقع المؤلفان"فجنباوم" و"مكوردكس" في كتابهما الجيل الخامس و(الذي يحمل العنوان الفرعي الذكاء الصناعي، التحدي


الياباني بالكمبيوتر للعالم)، توقعا أن تكتسح اليابان سوق الكمبيوتر في العالم لتقدمها في مجال الذكاء الصناعي وتوقعا وصولها لابتكار ما سموه "الجيل الخامس"، أو الجيل الذكي المفكر من تلك الآلات، وهما يدافعان عن النموذج الأمريكي المترهل في مواجهة النموذج الياباني الدقيق المنضبط مستخدمين الآلية الدفاعية القديمة: الثقافية والحساسية والفن في مواجهة التجارة والسوقية والبيع، هي آلية استخدمتها أوروبا من قبل عند انتقال مركز الثقل لغرب الأطلنطي والعنوان ذاته، كما نرى حربي وعسكري وتنافسي وهو يضع اليابان في مواجهة العالم أي يستعدي العالم ضمنيا على اليابان.

ورغم توقع المؤلفين المتفائل، إلا أن ما حدث غير ما توقعا، فلا تزال الأماني أكبر من الواقع، وما يزال الخيال مستحيل التحقيق، ولم تخرج إلى الوجود بعد تلك الآلات المفكرة الذكية من الجيل الخامس ويبدو أن ولادته المتعسرة ستستمر متعسرة. (وماتزال متعسرة حتى الآن بالرغم من مرور 18 سنة)

ونود أن نوضح في الختام لماذا استخدمنا مصطلح "الكمبيوتر" كما هو دون أي من الترجمات مثل الحاسوب والحاسب الآلي، وقديما العقل الالكتروني...إلخ.

إن ترجمة هذا المصطلح توضح أساسا التحيز والسيطرة التي نرزح تحتها. التحيز اللغة أجنبية بعينها وسيطرة تلك اللغة الغازية علينا. فلماذا الحاسوب وليس المنسق من الفرنسية Ordinateurولماذا لا نجد كلمة وظيفية تعبر عن هذه الآلة المخزنة للبيانات مثل حافظة المعلومات أو غيرها..

إن استخدامنا لمصطلح الكمبيوتر الشائع على لسان الناس هو من قبيل أهون الضرر فشيوع اللفظ على ألسنة الجمهور وتداوله يعني قبوله واستساغته ولا يعني الرضوخ لسيطرة اللغة الغازية.

إننا ندعو لإعادة النظر في المصطلح وإعادة النظر في كافة المفاهيم والمصطلحات التي تقدم إلينا على أنها بديهيات لنبتلعها.

الحاسوب في بلاد الجنوب

في الختام نقول إن النظرة السائدة في بلادنا تجاه الكمبيوتر تتميز بجعله نوعا من الميتافيزيقا الجديدة فهو لغة العصر وهو "العقلانية الجديدة" التي تنظر للأمور في كلياتها ولا تلقي بالاً للحدود المنقطعة بين العلوم والقائمة طويلة..

إن المنطلقات التي تنطلق منها تلك النظرة السائدة تتماشى تماما مع ما دعاه د. عبد الوهاب المسيري "اعرف عدوك وأشعر بالهزيمة"، فهي تنطلق أساسا من افتراض أن لا سبيل للتقدم إلا بانتهاج نهج الغرب المتقدم، مفترضة ضمنيا أن التقدم خطي وإلزامي وحتمي، وأن النموذج المعرفي ثابت في كل مكان وزمان، وبالتالي فهي تفترض عدم وجود خصوصية حضارية للمنطقة.

إن المفهوم الكامن خلف تلك النظرة في رأينا هو الابتلاع وهو مفهوم يوضح العملية بجلاء فنحن نبتلع كل ما يقدم لأنه بديهي ولا سبيل للتقدم بدونه ونبتلع دون فهم ودون مضغ، فالمهم أن نلحق بالركب.

نحن لا نقبل بل نبتلع. القبول مفهوم مختلف في رأينا، فهو يتضمن الرفض وبذا يشمل الاختيار، ومن ثم التفكير، وتلك مرحلة عليا تفترض أننا بشر وتفترض أيضا التزام النموذج التفسيري الديني حيث الحقيقة المطلقة خارج نطاق إدراكنا العقلي أو المادي، بسم الله الرحمن الرحيم (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) (الأنعام /103) "صدق الله العظيم"

لكنه في نطاق معرفتنا الروحية كما يقول عبد الرازق الكاشاني:"الروحانية هي جوهر العقل"، قديما قال صالح بن عبد القدوس:

وإن عنـــاء أن تفهـــم جاهلا ويحسب جهلا أنه منك أفهم

متى يبلغ البنيان يوما تمامه إذا كنت تبنيه وآخر يهــدم

دعونا نتساءل معا: ما هي حاجتنا كأمة لكل هذا اللغو ولكل هذه الغثاثة، وهل هناك ضرورة حقة لكي يمتلك كل منا كمبيوتره؟ بل دعونا نتساءل كذلك. ماذا سنجني كبشر من هذا وماذا يقدم لنا هذا الجهاز في إطار منظومتنا التفسيرية الأخلاقية الاجتماعية المبنية على الود والتراحم والحب والقبول.

بسم الله الرحمن الرحيم:"ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا" (الإسراء/ 11).

بسم الله الرحمن الرحيم: "كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال" (الرعد/17) صدق الله العظيم.


Article 10

$
0
0





عنف الصورة: نظرات في لغة السينما الراهنة.- في: ندوة إشكالية التحيز.- القاهرة
بيتر واتكنز
ترجمة وتقديم اسامة القفاش

من هوبيتر واتكنز وكيف تقابلنا: عن مخرج من اهم المخرجين في تاريخ السنيما

اعتقد ان الروابط الموجودة هنا كافية للتعريف بهذا الصديق العبقري العزيز
و ان لم تكفي يمكن الرجوع لهذه الصفحة و اختيار الروابط المناسبة
التقيت اول ما التقيت ببيتر عام 1990 عبر الخطابات المتبادلة عبر المعهد السويدي و المعهد الدرامي السويدي وهما مؤسستان سويديتان تقدمان منح ثقافية تتعلق برؤية ثقافية ودرامية مختلفة للعالم
كنت قد تعرفت على اعماله الاكثر من رائعة عبر فيلمه امتيازثم فيلمه لعبة الحرب
و كنت اتوق حقا للتعرف على هذا المخرج المذهل
ثم شاهدت فيلمه التحفة ادفارد مونش
فازداد انبهاري وتأثري به
وفي السويد اتيحت لي الفرصة للاتصال معه وقد كان
تبادلنا الرسائل المطولة طوال عامين و لم يكن الايميل متاحا في هذا الوقت
ثم التقينا في ربيع 1992 في السويد في ماريا فرد لنتشارك سويا في ورشة عمل مبنية على افكاره حول نقد وسائل الاعلام و كيفية تطبيقها
عنف الصورة قدم كبحث في مؤتمر التحيز عام 1992
وكنت قد شاهدت فيلمه الملحمي الرحلة
و هو فيلم 17 ساعة تحفة بصرية و سنيمائية حقيقية ناهيك عن كم المعرفة والعلم الموجود به
و تحمست ومازلت لاعمال بيتر بالرغم من انقطاع الاتصال مؤقتا
وفي عام 2002عاودت الاتصال به عندما كنت اكتب في موقع اسلام او لاين
ولم ترحب ادارة الموقع في ذلك الوقت بفكرتي عن استضافته لعمل ورشة عمل حول الدراسات النقدية لوسائل الاعلام
انشر هذا المقال الآن على المدونة بمناسبة اساسية هي ان بيتر هذا العام قد بلغ اليوبيل الماسي في عمره الممتد ان شاء الله
كل سنة وانت طيب يا بيتر
اتمنى ان يحظى هذا المقال المهم باهتمام القاريء العربي
اسامة القفاش
زغرب 2010


لم يحدث من قبل أن ازداد اهتمام المجتمعات الغربية بتعليم وسائل الإعلام (على الأقل بين الدوائر العلمية والأكاديمية) كما يحدث الآن. بيد أن الحقيقة المرة أنه لم يحدث قط من قبل أن كانت العلاقة بين وسائل الإعلام والجمهور بهذه الدرجة من الهرمية، ولم نر قط مثل هذه الأعداد الضخمة من البالغين والشباب في المجتمع أو في قاعات الدرس الذين لا ينظرون لوسائل الإعلام نظرة نقدية وإنما يتقبلونها كما هي.

فقد اعتمدنا على أن نلعب دوراً سلبياً في علاقتنا بوسائل الإعلام نظراً لعدة عوامل تاريخية واقتصادية واجتماعية وسياسية، فنحن نقرأ الجريدة ولا نشارك في كتابتها ونشاهد أفلاماً أو برامج تلفزيونية ولا نشارك في إخراجها. وهدف مقالي هذا هو إعلام الناس أن تلك العملية السلبية ليست عادية ولا سوية ولا حتمية.

ثمة أقلية في بعض البلدان الغربية صارت تنظر نظرة نقدية شديدة للتلفزيون وخاصة بسبب العنف السائد فيه، وهذا النقد ضروري وأنا لا أريد بأية حال من الأحوال التقليل منه. بيد أن هذه المقالة ستؤكد على أن الهوة بين إدراكنا لمشاكل اجتماعية مثل تلك التي نتكلم عنها وقدرتنا على إحداث التغيير، إنما هي كبيرة هائلة.

فثمة حاجة لنفهم الفرق بين النقد "السلبي" و"الإيجابي"، وأن ندرك أن الأخير يتطلب منا فهماً واضحاً، يشمل عمليات الشكل واللغة، لكيفية صياغة المعلومات في وسائل الإعلام وكيفية عرضها على الجمهور سواء على قصاصات الورق أو على شاشات التلفزيون.

لغة الفيلم والشكل [الأحادي]

وأعني باللغة الشكل أو الطريقة التي يتم بها بناء وتقديم الأفلام وبرامج التلفزيون، وهذا لا يقتصر على الصوت فقط (الأصوات والموسيقى والمؤثرات الصوتية) لكنه يشمل أيضاً الصور والزمن والإيقاع والموضوعات والطروحات الداخلية الكامنة وبناء الحكاية.وكما بينت في مرات عديدة فإن التلفزيون في جميع أنحاء العالم (متبعاً في ذلك النموذج الهوليودي) قد طور أشكالاً لغوية شديدة التحجر حيث نلاحظ فيها عمليات شديدة الالتزام كالتقطيع وتحريك الكاميرا وصياغة الحوار وبناء الدراما (الخط الروائي) واستخدام الصوت... إلخ.

وقد صارت تلك اللغة / الشكل المستخدمة في تلفزيونات العالم وتقريباً في كل السينما التجارية وبشكل متزايد، صارت الشكل اللغوي السمعي البصري لمجتمعاتنا. وحتى الآن فنحن نشاهد ما قد صار أساساً الشكل الأوحد لنقل الرسائل لما يدعي "الثقافة الشعبية".

وسيكون من الخطأ بدون مزيد من البحث (حتى الآن على الأقل) أن ندعو هذا بشكل قاطع الشكل الأوحد في العالم لأن ثمة أشكالاً معينة من السينما على سبيل المثال في الاتحاد السوفيتي وأفريقيا وأمريكا اللاتينية تكشف عن اختلافات لوجود عوامل حضارية. بينما تكشف قنوات التلفزيون ومعظم السينما التجارية في معظم هذه المجتمعات عن كل الشفرات المنتظمة داخل الشكل الأوحد الغربي.

ولا يعني هذا أن الأفلام التي تستخدم أشكالاً مختلفة للتعبير لا تنجح، فمهرجانات السينما في العالم ما زالت مستمرة في عرض الإمكانيات التركيبية الغنية الموجودة في السينما كوسيلة اتصال جماهيرية، لكن المشكلة أن تلك الأفلام قد صار من العسير للغاية تمويلها ونادراً ما تعرض على الجمهور على شاشات السينما أو التلفزيون – هذا إن عرضت على الإطلاق. وما ينبغي أن يسبب قلقنا ويكون محط اهتمامنا هو ما يظهر يومياً أمام الجمهور، حيث إن الضرر الأكبر يتم في هذا المجال.

وهذا المقال يتعامل مع الأساطير التي تدافع عن ذاتها، وإحدى هذه الأساطير والتي يتم نشرها وإعادة نشرها في عدد من الأوساط الأكاديمية الغربية المتخصصة في مجال الإعلام اليومي، هي أن السينما شكل فني شديد التعقيد بحيث إنه لا يمكن قياسه (أي أن السينما لا تتضمن شفرات قانونية ومن ثم فهي وسيط اتصال جماهيري ديمقراطي). ويكشف لنا تطور الشكل الأوحد أن هذه لم تعد هي الحالة السائدة.

وحالياً يتم تجاهل حقيقة وجود هذا الشكل الأوحد وشيوعه وما يتضمنه ذلك من نتائج، تجاهلاً شديداً أو يتم التعامل معه بما يمكن أن ندعوه "التجنب المدروس" من قبل كل فرد تقريباً في المنظمات التلفزيونية الدولية وكذلك من قبل العاملين في المجتمع الأكاديمي الغربي.

بيد أن هذا الشكل الأوحد يوجد دائماً على شاشات التلفزيون وفي دور العرض السينمائي الهامة في كل أنحاء العالم وبشكل منتظم كل ليلة. والشكل الأوحد يهيمن على وسائل الإعلام الجماهيرية المرئية المسموعة تماماً كما أن التلوث مشكلة مركزية لا يمكن تجنبها.

بيد أن أحد المشاكل الرئيسية هي عجز العديد من البشر عجزاً مطلقاً عن التعرف على هذا الشكل والأوحد داخل الفيلم والمادة التلفزيونية التي يشاهدونها. فمعظم الناس في واقع الأمر يعانون من صعوبة إيجاد العلاقة بين مفهوم الشكل وبين بناء المادة السمعية البصرية.

وبعد مناقشات لا تحصى في اللقاءات الجماهيرية طوال عشرين عاماً وصلت إلى رؤية مفادها أن الفيلم أو البرنامج التلفزيوني بالنسبة لمعظم الناس إنما هو شئ طبيعي وآلي يظهر هناك بشكل ما، وبالتالي فإن مقولة إنه قد تم بناؤه بكيفية معينة وبشكل معين ومن خلال منهج عملي ومنظم هي مقولة عسيرة على الفهم، وأن هذا الفيلم قد بنيلتحقيق غاية معينة هي مفهوم أعسر على الفهم، وأن أعسر المفاهيم على الإطلاق هو أنه يجوز للناس أن يدفعوا بأفكارهم للمادة المرئية وأن يحدثوا بها تغيرات.

ومن ثم قبل أن نبدأ في مناقشة وتحليل نتائج الشكل الأوحد نحن بحاجة لتأكيد وجوده.

والمشكلة التي نواجهها أساساً هي أنه قد تم اختصار وسيط تعبيري خلاق مركب (الصور المتحركة والناطقة) إلى مجرد مجموعة وحدات ترددية سلطوية لا تتغير؛ إن هذا يشبه تماماً اختصار الرسم إلى قوالب محددة من قبل (مثلما ننتج نمط صناعة الثوب) أو اختصار العمارة كلها إلى مجرد البناء باستخدام سلاسل من وحدات معدودة سالفة التجهيز. بيد أن المشاكل الناجمة هنا لا تؤثر فقط في الجانب الخلاق والفني فالوضع أكثر خطورة مما نتصور، كما يمكن أن نرى لو فحصنا الخواص التالية للشكل الأوحد.

إنه عادة عنيف؛ لقد تضاعفت وغلظت القطعات الصوتية البصرية وحركات الكاميرا والأبنية الموضوعاتية المتغيرة، والتي كانت كلها في الأساس تمثل جزءاً مما دعى بنمو السينما "السوي" والذي بدأ قرب 1915 وصار استخدامها استخداماً متزايداً من أجل تحقيق الصدمة أو الهزة العنيفة. وتلك الظاهرة من الصعب للغاية وصفها على الورق بيد أنه من الممكن تشبيهها بفيروس اتخذ جوانب تقليدية معينة من نمو السينما وطورها بشكل متطفر إلى سلالة خاصة بعينها.

ومع تلك الطفرة تسارع الإيقاع الداخلي (الأبنية الزمنية) للأفلام وبرامج التلفزيون تسارعاً شديداً. وقد حدث هذا عمداً للتأثير في الجماهير، ويجب تعريف ما حدث على أنه شكل محدد من أشكال العنف سواء من حيث النوايا أو النتائج.

وهذا العنف، ضمن الشكل اللغوي ذاته، هو بعد جديد يضيف صدمات تحت أرضية أخرى للمتفرج الذي تأثر في الأساس من عنفالموضوعات المتزايد المتسارع.

إن الاغتصاب والانتهاك الجنسي ودعارة الأطفال والعنف اللفظي المرعب المتوحش والتفرقة على أساس الجنس والعنصرية توجد في كل مكان في العالم اليوم وسنجد دور عرض سينمائية وأفلام فيديو تصب هذا علينا صباً، ومعظم هذه المواد تجد طريقها لشاشات التلفزيون مباشرة.

ومن المفاهيم الأساسية التي يجب علينا إدراكها أن عنف الموضوعات يتم تدعيمه دائماً عن طريق عنف الشكل الداخلي للفيلم.

ويعاد إنتاج الشكل الأوحد بشكل دائم في معظم الأجناس السينمائية السائدة وفي برامج التلفزيون بما في ذلك نشرات الأخبار ومعظم الأفلام التسجيلية، وهذا التدويل الكوني المتنامي لشكل اللغة السنيمائية يمثل الجزء الأعظم من المشكلة.

تقدم لنا اليوم معظم الأفلام وكل المواد التلفزيونية، تقريباً، عالماً، بديلاً ثم يطلب منا أن نتوحد مع الشخصيات ذات الأدوار المثالية، والتي تكرر نفس الكلمات التي تؤكد على الالتزام بعناصر معينة من عناصر المجتمع الاستهلاكي، والتي صارت من المكونات التي لا يمكن الاستغناء عنها في تلفزيون العالم اليوم، ونماذج الأدوار تلك لا تمثلنا ولا تماثلنا، وفي معظم الأحيان لا يوجد أي تشابه بينها وبين أساليبنا الحياتية.

إن فقدان القدرة على التعرف على عالمنا الحقيقي، والتوحد البديل مع الشخصيات الخيالية والخرافية في المسلسلات التلفزيونية العاطفية وغيرها يمكن أن يخلق فراغاً أو خواءًا شديد الخطورة بداخلنا وفي أعماق وجداننا.

وهذا الإحساس بالخطر وعدم الأمان هو أيضاً نتاج الشكل الأوحد (اللغة) الذي يقدم هذا العالم البديل. إن التأكيد المستمر على التحول السريع والأبنية التقليدية عند بناء "الحدوتة"، والقطع وحركات الكاميرا... إلخ ترسخ رسالة الفيلم ومعها تأثير الخواء بعمق فيوجداننا، ولا تترك لنا فسحة الدخول ببطء في المادة المقدمة لنا واستنطاقها، وهذا يخلق إحباطاً عميقاً لدى المشاهد ويمهد الطريق لنفاذ الصبر الذاتي، وعدم التحمل والعدوانية بشكل عام وضد الأفلام الأكثر رقة بشكل خاص.

لقد غير الشكل الأوحد علاقاتنا بالزمن تغييراً كاملاً فقد أدى الإيقاع المتسارع سالف الذكر إلى اختصار الفترات المتاحة للتأمل والانتباه اختصاراً شديداً، وكما شهد ألوف وألوف من المدرسين في كل أنحاء العالم طوال ما يربو على عشرين عاماً. فقد خلق التلفزيون والسينما "الجماهيرية" تغيرات ملحوظة في قدرتنا على التركيز والاسترخاء والتأمل أو على قبول نظريات أو أفكار يتم توضيحها باستخدام دليل مرئي يصاحبها (ومن ثم تثبت أنها صحيحة).

لقد ساعد الشكل الأوحد على خلق اعتماد ضخم على قيم المجتمع الاستهلاكي بكل ما تحمله داخلها من ضرر وضرار للأنواع البشرية والحيوانية والبيئية على حد سواء، وقد سبب أيضاً خسارة لا تعوض في مجال العلاقات بين البشر.

وفي أوسع معانيه، أثر الشكل الأوحد تأثيراً عميقاً على علاقتنا بالمجتمع من حولنا بسبب الآثار الرئيسية سالفة الذكر، وقد أسهم إسهاماً مباشراً في ازدياد العنف، وأسهم في انسحاب ملايين البشر من خضم الممارسات السياسية في المجتمعات الغربية المعاصرة، ومن ثم يجوز أن نطلق على لغة السينما "الجماهيرية" والتلفزيون كذلك اسم لغة "الخصخصة".

وفي النهاية وعلى أكثر المستويات تعقيداً وأشدها خطراً فإن الشكل الأوحد يتداخل في عملية فقدان العلاقة بين غالبية وسائل الإعلام وبين الجمهور بل يعمقها. إن الشكل الأوحد هو فقدان العلاقة الديمقراطية بين الجمهور ووسائل الإعلام ويؤدي تراكم آثاره السلبية على النوع البشري إلى ضمان بقاء الآليات التي تدعمه واستمراريتها.

دور المنتجين المنفذين في السينما والتلفزيون

من المشاكل المركزية اليوم إصرار كل المنتجين المنفذين في كل محطات التلفزيون واستوديوهات السينما التجارية وشركات الإعلان ووكالاته على هذا الشكل الأوحد السريع المتقطع والغليظ، قائلين لمخرجي السينما والتلفزيون و"للمونتيرين أيضاً" إنهم لو لم يستخدموه "ستجعلوننا نفقد جمهورنا" و"بالتالي ستفقدون وظائفكم".

وبهذه الطريقة صار الشكل الأوحد شفرة إجبارية يتحتم استخدامها على العاملين والجمهور في نفس الوقت، وحتى الآن لا يعي الجمهور على الإطلاق القمع الواقع عليه من قبل السينما "الجماهيرية" والتلفزيون لضمان استمرار هذه الشفرة ولضمان عدم صناعة أشكال بديلة، أو لو صنعت، لضمان عدم وصولها للجمهور.

وكان تأثير هذا في العقد الماضي على الإنتاج الفني للتلفزيون والسينما تأثيراً مدمراً ويمكن أن نعزو الحظر المفروض على الفيلم الذي أخرجته "الرحلة" إلى هذا التأثير بشكل مباشر. فقد أصبح فيلم "الرحلة" الذي لا يوجه النقد إلى التلفزيون المعاصر وحسب بل ويقترح أيضاً أشكالاً بديلة لاستخدام وسائل الإعلام، هذا الفيلم أصبح مثالاً كلاسيكياً لضحية القهر الذي يمارسه عدد ضخم من المشتغلين بوسائل الإعلام اليوم.

ويواجه العديد من صناع الأفلام المستقلين ومنتجي التلفزيون إمكانية منع تطوير طاقاتهم الفنية باستمرار نتيجة لفرض الشكل الأوحد، وقد وجد البعض منهم أنه لم يعد بإمكانهم العمل في التلفزيون بسبب هذا.

وهذه الأزمة يتحمل وزرها في الأساس العديد من المنتجين المنفذين في السينما والتلفزيون لأنهم هم الذين يمارسون ضغطاً هائلاً على العديد من زملائهم. في مثل هذا المناخ فإن ما ندعوه السينما الجماهيرية ومعظم برامج التلفزيون صارت أدوات واضحة للقهر الأيديولوجي أكثر من ذي قبل وهي تتخفى في عباءة التقنية المتطورة وتحت قناعي "الإمتاع" و"المعلومات"، وتحت هذه العناوين في الغرب يتم فرض أيديولوجيات الهرمية والتعصب الجنسي والتناحر والمجتمع الاستهلاكي.

وقد صارت معظم أفلام السينما المعاصرة والتلفزيون أدوات للسطوة الشخصية المباشرة وتُستخدم تلك السطوة على مستوى الشركات لإيجاد ارتباط مع الرأسمال أو مع المصالح السياسية السائدة، ويصعب تحديد الأيديولوجيات التي ينشرها التلفزيون نظراً لما يقال عن "الحياد" و"البرامج الموضوعية ذات المستوى" (مثلما في منظمات كهيئة الإذاعة البريطانية وهيئة الإذاعة الكندية والتلفزيون السويدي.... إلخ) بيد أن القراءة المتأنية للبرامج المذاعة من المنظمات الحكومية سالفة الذكر تكشف أن ما يتم بثه وفرضه هي قيم النظام وهي قيم الذكور البيض العاملين من الطبقة المتوسطة والذين يتراوح متوسط أعمارهم بين أواخر العشرينات إلى أواسط الأربعينات.

ويمتلك عدة مئات من المنتجين المنفذين في كل أنحاء العالم سلطة تعادل رؤساء الدول أو رؤساء الحكومات، ولكن المدهش أن قلة من الجمهور هي التي تعرف أسماءهم أو تستطيع معرفة أشكالهم. والقرارات التي يتخذها أولئك الرجال لها تأثير عميق على نفسية الأمة وأنماط التصويت الانتخابي والسلوك الاجتماعي والسياسي.

وهؤلاء الناس هم المنتجون المنفذون الرئيسيون في المحطات القومية للتلفزيون ونوابهم (مثل رؤساء القنوات ورؤساء الأقسام... إلخ) وغيرهم من الموظفين الرئيسيين وكبار الموظفين مثل منسقي البرامج.

وأقل ما يهمنا هنا هو أن معظمنا لا يعرف من هؤلاء الناس وأنهم لا ينتخبون ليشغلوا مناصبهم تلك، فالأمر الأشد خطورة هو أن أولئك المسؤولين الكبار يستخدمون سلطتهم لمنع أي نقاش قد يدور حول استخدامهم للسلطة، وبمعنى آخر، إنهم قد خلقوا بيروقراطيات تلفزيونية قومية هي عبارة عن أنساق مغلقة محكمة من الداخل تسير بالدفع الذاتي ويتم هذا عن طريق سلاسل متكاملة من العمليات التي تشمل فرض أسطورة "الموضوعية" و"ومنع النقاش" الداخلي والعام حول عملياتهم وأشكالهم اللغوية. وقد خلقت هذه الإجراءات مناخاً مرعباً ومروعاً لدرجة كبيرة في مجال مهنة الإعلام التلفزيوني الجماهيري خلال العقود القليلة الماضية. وقد أدى هذا إلى المزيد من الخوف والرعب، وهكذا دخلت في دائرة مغلقة وحلقة مفرغة.

ومن الأمثلة النمطية هنا رد الفعل ضمن الدوائر المهنية والعاملين بالإعلام تجاه تقرير نقدي أعدته جماعة منا كانت تقوم بإعداد فيلم "الرحلة" في عام 1985 وقد قمنا في هذا التقرير بتحليل 40 ساعة من الإرسال التلفزيوني الموجه من هيئة الإذاعة الكندية، وحلل هذا التقرير الأولي (الأول من نوعه في الغالب) العديد من المشاكل اللغوية التي يطرحها التلفزيون المعاصر وأرسل إلى ما يقرب من 200 من العاملين في هيئة الإذاعة الكندية تتراوح وظائفهم من القيادات التنفيذية إلى الفنيين العاملين في هيئة الإذاعة الكندية، وحثثنا أولئك العاملين في التلفزيون على الرد حتى نبدأ حواراً متبادلاً حول المشاكل التي تواجه الإرسال الجماهيري، وحتى الآن وبعد مرور 5 أعوام من التقرير رد علينا خمسة فقط من العاملين في هيئة الإذاعة الكندية وكانت الردود على النحو التالي: ردان إيجابيان، ورد محايد، أما الرد الرابع فكان شديد العدائية، وقد وصلنا الرد الأخير من قبل مقدم برامج شهير صرخ فينا بشدة في الهاتف ثم أغلقه.

والمدهش أن الإدارة الرئيسية في هيئة الإذاعة الكندية قد ردت علينا بعد فترة صمت طالت لمدة ستة شهور، وكان ردهم مبتكراً، فقد ذهبوا لمنتج منفذ كبير متقاعد ووضعوا تحت تصرفه ميزانية وطلبوا منه أن يناقش ويفند ما وجدناه، وأنكر الرد الرسمي الذي تلقيناه بعد حين من هيئة الإذاعة الكندية كل ما حللناه، ولم يكن ثمة أدنى شك في أنهم قد عاملوا كل ما قلناه بكل احتقار ولا مبالاة، أو أنهم قد تعاملوا معه على أي مستوى إلا بوصفه تهديداً ينبغي نفيه.

ومما سبق وغيره من الدلائل والخبرات والتجارب المماثلة مع وسائل الإعلام فأنا أؤكد لأي فرد يتساءل في اجتماع جماهيري عام "هل يعي أولئك الذين يديرون محطات التلفزيون ما يفعلونه؟ إن الإجابة الصحيحة الآن هي "نعم وبالتأكيد" فلقد انتقلنا حقاً وصدقاً من عصر 1950 – 1970 حين كان يمكن أن يقال إن ما يحدث في التلفزيون إنما هو نتيجة الجهل أو السطحية إلى فترة 1980- 1990، الفترة التي أصبح فيها القهر الأيديولوجي – ومن ثم القمع الذي يحافظ عليه – واعياً ومتعمداً مع سبق الإصرار.

المخرجون والمؤلفون والممثلون

في هذا السياق يلعب العاملون الفنيون في السينما والتلفزيون دوراً شديد الازدواجية، ويعاني بشدة مما يمكن أن ندعوه التناقض الوجداني، ويظهر على الكثيرين منهم الحرج وعدم الراحة عند طرح مقولة "ضرورة اختبار وتمحيص الأشكال اللغوية التي يستخدمونها"، "أو مناقشة أثر هذا على الجمهور. وبالأحرى ثمة نقاش قليل حول هذه التساؤلات في خضم الوسط السينمائي. وكما أوضحت من قبل فهذه الأسئلة ممنوعة منعاً باتاً في مجال التلفزيون، من ثم فإن الشائع جداً أن نشاهد فيلماً قد يحتوي على موضوع هام وجاد، ولكننا نراه يستخدم لغة الشكل الأوحد بقطعاته الحادة، وبنائه الزمني المفكك، واستخدامه المتكرر للقفزات المتعمدة سواء السمعية أو البصرية، وهذا لدغدغة حواس المشاهد وجذب انتباهه.

ولقد وجدت أنه عادة لا يحضر صناع الأفلام للندوات والمحاضرات التي ألقيها حول طبيعة وآثار الشكل الأوحد؛ وليس هذا لأن صناع الأفلام يعادون الأفكار البديلة (رغم أنه من الواضح أن البعض كذلك في الواقع) بيد أنه يبدو أنهم لا يرتاحون لها ولا يدرون ماذا يفعلون بها أو حيالها وخاصة لو كانت الأفكار تتعلق بالشكل اللغوي الذي يستخدمونه.

وأعتقد أنه بإمكان صناع الأفلام أن يعزلوا أنفسهم عن الإشكاليات الضخمة عن طريق تركيزهم على الكفاح اليومي من أجل إيجاد المال اللازم لتمويل الفيلم القادم، وأستطيع وبشكل شخصي أن أقسم على أن هذا أمر شديد الأهمية. بيد أن المسألة هي أن هذا يمكنه أن يبعدنا عن المضامين الاجتماعية والسياسية لعملنا، فصانع الفيلم المستقل هو أحد القلائل الباقين على قيد الحياة والذين بإمكانهم أن يطرحوا على الجمهور طروحات اجتماعية هامة وتجارب فنية حقيقية.

وأنا لا أنوي بأي شكل من الأشكال أن أهاجم دور صناع الفيلم المستقلين، فأنا واحد منهم وواع للغاية بالنضال الذي يخوضه معظمهم، ولكن المشكلة تظل أن إدراك معظمنا لدورهم إدراكاً تقليدياً لا يأخذ في الحسبان الطبيعة المخادعة للشكل الأوحد الذي يستخدمه العديد منا، ولا يحاول أن يتحدى الموقف السلطوي الذي يتسنمه معظمنا تجاه الجمهور.

وسأذكر هنا مثالاً واحداً حول الالتصاق بالشكل الأوحد والالتزام به؛ في تشرين الثاني/ نوفمبر 1988 نظم معهد الفيلم الدانماركي ندوة في كوبنهاغن حضرها مؤلفو الفيلم والفيديو المحترفون، وكانت الندوة عبارة عن ثلاثة أيام من اللقاءات المتعاقبة وشارك "مونتير" سينمائي من هوليود من خلال شاشة ضخمة ووصلة تلفونية خاصة، وكان بوسع المشاركين أن يتصلوا بأولئك المؤلفين خلال العرض ويسألوهم عن تقنيتهم.

ولم يغب المحتوى الأورويلي العبثي الذي يربط بين المؤلفين الإسكندنافيين وبين نظرائهم في هوليود (فالاجتماع كله خلا تقريباً من أي محتوى شمالي) أقول لم يغب هذا المحتوى العبثي عن انتباه قلة من الزملاء السويديين الذين احتجوا بشدة على ما يبدو، وتساءلوا عن حقيقة غياب أي نقاش طوال الاجتماع حول الأخلاقيات أو عن طرح أي إشكاليات اجتماعية أو سياسية، وقد أُخرس السويديون وقيل لهم لقد حضر المؤلفون هنا ليتعلموا بعض الحيل المهنية، وليس ليتعبوا بالهم بالانخراط في أسئلة اجتماعية مملة لا تنتهي. وقد أعرب السويديون فيما بعد عن حزنهم البالغ لما حدث ليس فقط للحدة التي هوجم بهااقتراحهم ونقدهم؛ ولكن أيضاً لأن كل الحضور تقريباً قد شاركوا في هذا الهجوم. تلك منطقة محرمة معقدة. وكما يظهر لنا في هذا المثال يمكن أن تكون تلك المنطقة مليئة بأماكن الاختلاف وربما الاستقطاب في الوسط الفيلمي حول هذه الأسئلة.

بيد أنه إجمالاً ثمة إمكانيات هائلة للتغيير بين صناع الفيلم المستقلين أو التجاريين وخاصة في القطاع الجماهيري التجاري حيث ثمة تداخل قوي للغاية بين العديد من مخرجي "المتعة والتلذذ" والعنف المتصاعد في السينما، ففي فيلم أرنولد شوارزنجر المسمى "الذكرى الكاملة" يبدأ أرني الضخم في إطلاق العديد من النكات السريعة والقفشات أثناء مشاهد المذابح من أجل "تلطيف الجو"، مثلاً يصرخ في رجل وقع تحت حفار "طز فيك" أو يغمغم وهو يطلق النار على المرأة التي تلعب دور زوجته "اعتبري نفسك طالق" ويبرر المخرج بول فيرهوفن مخرج "الذكرى الكاملة" استخدام النكات أثناء مشاهد العنف التي بناها قائلاً: "الفكاهة أثناء مشاهد العنف تبعد المشاهد عن الواقع وتحميه، فالقفشة التي يطلقها أرني قبل أو بعد هذه المشاهد تصعد بالواقعة الى مستوى مختلف".

وربما لو خلت المشاهد من الفكاهة لكانت شديدة الوطأة على المتفرج. تلك التبريرات التي يستخدمها العديد من العاملين في السينما مثل فيرهوفن هي تبريرات جوفاء ولا ترتكز على أي دليل أو إثبات، إنها ذلك النوع من الخرافات الفارغة والتهويمات الجوفاء التي كثيراً ما يستخدمها المخرجون والممثلون اليوم لتبرير تواطئهم واشتراكهم في الجرائم التي ترتكب على الشاشة المعاصرة، ومعظم الممثلين والمخرجين اليوم لا يدعون حتى أن ثمة دوافع اجتماعية لهذا العنف الذي يقدمونه؛ وإنما هم يستخدمونه بلا مبالاة وتبلد جديرين بالملاحظة. تقول سيجورني ويفر عن "الغرباء" أو "وحوش الفضاء": "أثناء النصف الأول من الفيلم ألعب دور امرأة خجولة بعض الشئ ولكن مع اقتراب النهاية أحمل ثلاثة مسدسات حول عنقي وأدمر كل ما حولي".

وربما كان أفضل تلخيص للنسق القيمي الكامن في قلب معظم السينما الجماهيرية المعاصرة هو ما قاله مؤخراً بريان دي بالما عندما وصف ديكورات ملحمته الدموية الأخيرة عن العصابات والمدعوة "الذين لا يمكن لمسهم" لقد قال: "أردت أن أجعل الفساد يبدو شديد الدماثة مصقولاً".

وإذا كان معظم الخريجين والممثلين يتجاهلون العنف الذي يعيدون ضخه في النسق الاجتماعي وبالقسوة الشديدة التي تظهر على الشاشة، فيوسعنا أن نفهم كيف أنه من الأسهل جداً عليهم أن يتجاهلوا شيئاً خفياً مجدداً مثل العنف الكامن في الشكل السينمائي المستخدم.

وكما أوضحت في أكثر من مقال فإن جزءاً من المشكلة هو الطريقة التي يتم بها إعادة ضخ هذا الشكل الأوحد ضخاً مستمراً وبلا نهاية في النسق الاجتماعي خلال التعليم... ويجب أن نتذكر أن العديد من صناع الأفلام والعاملين بالمهنة ينقلون رؤيتهم للأجيال القادمة في سياق قيامهم بتعليم المهنة.

وأود أن أسوق مثالين حول الكيفية التي يستخدم بها العاملون في السينما هذا الشكل الأوحد في سياق يبدو بعيداً كل البعد عن عالم "الذكرى الكاملة" و"السلاح القاتل" والمثال الأول أقتطفه من برنامج إخباري من التلفزيون الينوزيلندي ويدعى استعراض "بول هولمز" كان يضم فقرة عن حزب الخضر النيوزيلندي الجديد. في البداية نسمع موسيقى مصاحبة خفيفة وصوت يقول "ليس من السهل أن تكون أخضر" وبعد هذا على توالي لقطات تشمل السفينة "محارب قوس قزح" أو "رينبو ووريور" "التي قتل على ظهرها مصور سينمائي" وهي غارقة في ميناء أوكلاند.

في هذا المثال لم نأخذ الوقت الكافي الذي يسمح لنا باستجواب وتقصي الرسالة التي تمر أمام أعيننا نظراً لقصر الشكل الأوحد والسرعة التي يقدم بها حيث كانت الصور تتوالى بسرعة شديدة مع الصوت، وقبل أن نعي حقاً ماذا حدث يمر عبر أذهاننا سريعاً العمل القاسي والممرور، عمل أنتج بهذا الشكل بمنتهى الحرص والتعمد والدقة.

والمثال الثاني هو فيلم وثائقي قصير أنتج لحساب حركة بيئية قائدة في العالم ويعالج قضية تزايد عدد الرؤوس النووية والأسلحة الذرية في أعالي البحار، ويحتوي هذا الفيلم الذي يستمر 11 دقيقة و30 ثانية على 121 لقطة وهذا يعني قطع أو تغيير في المشهد بمتوسط قدره 5.7 ثانية، وهذا الفيلم الوثائقي يماثل في شكله ولغته الفيلمية مئات من الأفلام التي نجدها في كتالوجات حركة السلام والبيئة في كل أنحاء العالم الآن، هذا الفيلم لا يماثل فقط الأفلام العنيفة والبوليسية التي تنتجها هوليوود في متوسط طول اللقطة الزمني بل إن أبنيته الداخلية هي نفسها الأبنية الداخلية المستخدمة في الشكل الأوحد من حيث القسوة والغلظة والتفتت والتفكك.

وأنا أقدم هذين المثالين بوصفهما مثالين نمطيين ليس فقط على العنف الذي يغمد في أعماق رؤوسنا مئات المرات كل يوم ونحن نشاهد التلفزيون كما في المثال الأول، ولكن أيضاً على انخداع المؤسسات السياسية البديلة وصناع الأفلام المسؤولين بهذا الشكل وانبهارهم به كما في المثال الثاني.

وأنا أؤمن أن أساس هذه المشكلة تربوي، فمعظم صناع الأفلام والمؤلفين لا يدرون شيئاً عن الشكل الأوحد، والمناخ التقليدي المهني الذي يتحركون فيه نادراً ما يشجع النقاش أو التحليل المتعلق بالقضايا الأخلاقية والأدبية، هذا إن حدث أصلاً مثل هذا النقاش (مثل قضايا استخدام العنف في الأعمال التي ينتجونها) ونادراً ما تتوفر ا لمعلومات حول النتائج الاجتماعية المحتملة لهذه الأعمال.

وأنا أؤمن بنفس الدرجة أنه يمكن نزع بعض العنف من السينما وشرائط الفيديو وإحداث تغيرات في الاتجاهات المهنية من خلال عملية تربوية شمولية. وأنا متأكد من أن ثمة مخرجين ومؤلفين مستعدين لتقبل التغيرات، فعلى سبيل المثال، ثمة عدد من صناع الأفلام الدوليين – الذين عملوا بجد لمساعدتي على صناعة "الرحلة" والذي يتم توزيعه في السويد عن طريق مركز الفيلم وهو تجمع تعاوني لصناع الفيلم والفيديو – عمل يجد من أجل أن يصل الفيلم لكل التجمعات في مختلف أرجاء السويد.

وقد قمت عام 1988 أيضاً بزيارة مجموعة من صناع الفيلم المستقلين في "فرمنتال" بغرب أستراليا وتناقشنا معاً مناقشات عديدة وعميقة حول اللغة السينمائية التي نستخدمها ومشاكلها، وكنتيجة لهذا أقام اتحاد الوثائقيين المستقل في فرمنتال مركزاً لمراقبة وسائل الإعلام.

وبالتأكيد فثمة مجموعات أخرى وثمة أفراد عديدين في مختلف أنحاء العالم تشغلهم بالمثل قضايا العمل من أجل أشكال بديلة للتعبير في وسائل الإعلام.

دور الناقد السينمائي

ثمة عدد من النقاد السينمائيين، وخاصة في نيوزيلاندا وفرنسا وأستراليا والسويد، الذي أعجبهم "الرحلة" وتفهموه وهو الفيلم الذي يتكلم عن السلام العالمي ودور وسائل الإعلام، لكن للأسف فالتوازن اليوم في السينما العالمية قد عرض الفيلم لهجوم شرس متكرر من قبل عدد أكبر من النقاد مما أدى إلى جعل هذا الفيلم هامشياً للغاية في صناعة السينما.

وقد قام معظم من نقدوا هذا الفيلم الذي يستغرق عرضه 14 ساعة برفض الفيلم دون أن يشاهدوا معظمه وبلغتهم الأصلية، مما يكشف عن المدى الشنيع الذي وصل إليه التعصب والتحيز والوحشية في عالم السينما الغربي اليوم. وقد كتب ناقد سينمائي كندي هام عند عرض "الرحلة" في مهرجان تورنتو للمرة الأولى في عام 1987 يقول: "يجب على كل من يشاهد هذا الفيلم أن يتحلى بقدر كبير من الصبر فعلى فترات طويلة وممتدة لا يتحرك في "الرحلة" إلا الشريط السينمائي عبر آلة العرض... فهل واتكنز يتوق للتدريس في المرحلة الابتدائية؟... إن هذا الفيلم هو المثال الأدق على جنون اليسار وخبله... كما نشاهد في هذا الفيلم المجنون المخيب للآمال بشكل عظيم " وتحت رعاية مثل هذا الناقد الدولي انحدرت السينما إلى مجرد لقطات للدم المتفجر، وصارت صورة مزرية لما كان يمكن أن تصيره، لقد صار العديد من النقاد مثلهم مثل منتجي الأفلام المتفتتة التي نشاهدها اليوم وأقول صاروا متعصبين ومتعجلين، والحاصل هو صناعة فاسدة وخطرة تسمح بصرف 60 مليون دولار على أفلام وحشية مثل "الذكرى الكاملة" ويمكن لها تجاهل أعمال مثل "الرحلة".

"الرحلة"

وكنتيجة مباشرة للهجمات النقدية التي تعرضنا لها في تورنتو كان متوسط الحاضرين في جلسات العرض الثلاث التي أقمناها لعرض الفيلم كله بين 5-10 أفراد خلال مهرجان 1987، وعندما اتهم أحد الزملاء في تورنتو الناقد المعروف بأنه المسؤول عن تهميش فيلماً هاماً مثل "الرحلة" كان رده أنه مذهول من التأثير الذي أحدثته كتابته على الحضور المحتمل.

وهذه التوليفة القاتلة من التواضع الزائف والخيلاء الشديد وإساءة استخدام سلطة ضخمة قد حولت عدد كبير من نقاد الأفلام اليوم إلى ممثلين رئيسيين يساهمون في خلق المشاكل التي نحللها على هذه الصفحات.

وينطبق هذا بصفة خاصة على العديد من النقاد الدوليين الذين يسافرون لمهرجانات السينما الرئيسية، والذين ينظرون لأنفسهم على أنهم نجوم كبيرة، لقد ساهم أولئك الرجال والنساء، بتفاهتهم وسطحيتهم وبتقديرهم العميق لآخر النزعات البصرية السريعة المبهرة الساخنة، وبتجاهلهم الأعمال البديلة المتأنية المتأملة، ساهموا في إعلاء سينما القسوة والعنف لقمم جديدة وسافلة، وهم يتحملون قسطاً كبيراً من مسؤولية النتائج المتوالية للعنف في وسائل الإعلام، ولو اعتقدتم أني أبالغ هنا فأرجو أن تبدأوا بمجموعة خاصة من المقتطفات المأخوذة من أعمال أعمدة التلفزيون والسينما في أهم الجرائد الدولية. وغالباً ما ستفقدون الخيط بعد السطر الأول وتصابون بالدوار من كم التقريظ الذي يلقاه فيلم عنيف ملئ بالمؤثرات التقنية الغالية التي تفجر وتنشر اللحم البشري بطرق متنوعة لا تنتهي، فمثل هذا الفيلم يوصف على أنه "اللذة العظيمة" بدون أدنى تفكير في الوحشية المهنية التي تظهر على الشاشة والخسارة النفسية العميقة الأثر التي تغمد في ما يدعى بحضارتنا المعاصرة.

كتب ثلاثة من النقاد الكنديين عن ا لجزء الثاني من "السلاح القاتل" ما يلي:

"مذهل! من الضحكات العالية إلى الأحداث المبهرة. لذة، لذة، لذة".

"ضحكات كثيرة. فيلم عسكر وحرامية درجة أولى من المستوى الأول".

"عنصري وعنيف بلا حدود وبطريقته الخاصة لذيذ...".

وكتبت التايم عن "الذين لا يمكن لمسهم" ما يلي: "الدم الجميل كثير وغزير، والتصميم الطبيعي المتناسق في الفيلم... يحتوي الفيلم على كل عوامل الإغراء للجمهور. عنف ناضج وومضات سريعة وانتصار الخير على الشر".

وبالطبع لا يكتب كل النقاد بهذه الطريقة غير المسؤولة فأمامي مقال حديث كتبته الصحفية النيوزيلاندية جين هارلي التي تكتب بشكل متعمق عن المشاكل الأخلاقية في التطورات الحديثة في نطاق النوع السينمائي المدعو أفلام الرعب. وتسوق هارلي فيلم "الغريب" من بطولة سيجورني ويفر كمثال كيف حاول أفراد طاقم الفضاء صيد المخلوق العجيب "عبر الممرات الشبيهة بقناة فالوب، والمداخل الشبيهة بالمهبل التي تمتلئ السفينة الأم، وتؤكد في النهاية "أن أكثر الأشياء غرابة في المضمون الثانوي لهذا الفيلم هو الجسد الأنثوي".

وتلمح جين هارلي إلى أن العنف ضد الجنس الآخر يمثل مضموناً ثانوياً دائماً في السينما المعاصرة يومض باستمرار أمام أعيننا ويستقر في شعورنا، ولكنه المثال الاول لمضامين ثانوية أخرى كالعنصرية وتلويث البيئة المستمر وغيرها من أشكال العنف، ينزع مضمون العنف ضد الجنس الآخر إلى أن يشكل جزءاً من ديكور التقنية العالية، ويصبح الشر عادياً وروتينياً وغير ملحوظ، وأن ما يسمح بتسلل العديد من الأشياء عبر نظرتنا المثبتة المذهولة هو اعتيادنا على وجود العنف الشديد المتزايد على شاشاتنا البيضاء.

على سبيل المثال كتب الناقد السينمائي الإنكليزي ديريك مالكولم مؤخراً عن فيلم المخرج دافيد لينش "متوحش في القلب" في الغارديان الأسبوعية يقرظ المخرج لأنه صانع أفلام موهوب ومتوهج. وعلى المرء أن يقرأ المثال أكثر من مرة قبل أن يلاحظ أن ثمة عبارة قد حشرت بين المديح الذي يلقيه مالكولم على لينش من حيث إنه بوسعه إظهار العادي على أنه غريب و"لحظات الحنين وحتى الحب" تقول تلك العبارة المحشورة "تنفجر الرؤوس وتجري الكلاب في أفواهها أيادي بشرية مقطوعة وحتى الجنس يصير ساحة معركة شبقية يمكنها ببساطة أن تنتهي إلى كارثة عنيفة". وفيما عدا تعبير عابر يقول إن مثل هذه المشاهد قد تسبب الأرق فلم يذكر الناقد أي شئ عن هذه المكونات المدهشة في "متوحش في القلب". وبالمثل قد يلقي ديريك مالكولم بتعليق عابر عن استخدام ديفيد لينش للأنماط السحابية. ولكن لا يبذل هذا الناقد الإنكليزي البارز أدنى محاولة أن يسأل مجرد سؤال حول استخدام العنف الفظيع بهذه الطريقة، فكل شئ مقبول بالكامل على أنه بديهية ومسلمة، لقد صار العنف مكوناً ثابتاً آخر وربما يمكننا أن نقول جزءاً أساسياً من أجرومية الفيلم.

والقول إن المؤثرات التقنية التي تنثر الدماء – مثل تلك التي يستخدمها دافيد لينش وبول فيرهوفن وكثير غيرهما– يمكن أن يفهمها الجمهور على أنها مؤثرات خاصة إبداعية، وأن الناس بإمكانها أن تفرق بينها وبين الواقع، مثل هذا القول إن هو إلا محض خرافة وأسطورة خطرة يدحضها كل يوم العنف المتصاعد في الشوارع. فحتى في


نيوزيلاندا الريفية تزايدت أعمال العنف في العقد الأخير إلى الضعف، ولم يتخذ المجتمع أي تدابير لإيجاد العلاقة بين معاناة البشر تلك، والارتفاع غير المسبوق في العنف على شاشة التلفزيون وفي دور العرض الرئيسية في نفس الفترة.

إننا عندما نشاهد فيلماً عنيفاً في السينما أو الفيديو نغرق في تناقضات متعددة المستويات، لا تعطينا الصور المتلاحقة التي تومض أمامنا أي فرصة كي نسأل أو نتأمل، وأحد التناقضات هو أنه بإمكاننا أن نعرف أن أعمال العنف هي مجرد تمثيل، ومن ثم يمكننا أن نعطي أنفسنا فرصة لنستمتع بهذا العمل العنيف التمثيلي، ونحتفظ بحزننا وسخطنا لأعمال العنف التي يمكننا أن نقرر أنها واقعية.

فحتى لو أدرك جزء من عقلنا حقيقة أن الجسد المتفجر على الشاشة هو كذب وتمثيل فإن التصور الواقعي للموت العنيف سيشغل إدراكنا لهذا الحدث (وأفترض أنه سيهيمن عليه)، وينتهي بنا الأمر إلى الاستمتاع بما حدث، فحتى لو استطعنا أن نفصل الواقع عن الخيال (وهو أمر مشكوك فيه)، فإن تواطؤاً قاتلاً يحدث حيث إننا ننزع أكثر وأكثر إلى دمج الموت في منظومة اللذة التي نطلبها عندما نذهب للسينما أو نشاهد التلفزيون.









Article 9

$
0
0


الرؤية التحذيرية - الاستغاثية في الخطاب الإسلامي




تشيع هذه الرؤية التحذيرية بين المثقفين الاسلاميين على مختلف توجهاتهم ويستخدمونها مرارا وتكرارا مع كل حدث تمر به الأمة الاسلامية، وفي معرض تعليقهم على كل صغيرة وكبيرة قد تحدث في بلد اسلامي او تتعلق بجماعة مسلمة في بلد أجنبي

فازدياد عدد صالات البولينج في مصر «هو اختراق صهيوني للشباب المصري» وانتشار شبكة الانترنت هو «وسيلة للسيطرة على شبابنا». واستخدام شركة ديزني الاميركية لعبارة «القدس عاصمة اسرائيل» وتمويلها لأفلام مثل «دوجما» الذي يناقش ثوابت العقيدة المسيحية، هو نتيجة لوصول يهودي لرئاستها. ونجاح الضغط العربي والاسلامي على الشركة في تغيير العبارة من «القدس عاصمة اسرائيل» إلى «القدس في قلب اسرائيل» انما هو نجاح شكليّ وهو تعبير عن هزيمتنا في معركة ديزني. واليهود يستحقون ما حدث لهم على يد هتلر النازي «لأنهم أشد الناس عداوة». والغرب يحاول تقديم الاسلام على أنه العدو الجديد للبشرية... وهكذا.

وبعيدا عن النوايا الحسنة والالتزام الديني والاخلاقي الذي لا نشك في تحلي اصحاب هذه الرؤية به، ولا نشك في اهمية ما يقولونه وما يطرحونه. دعنا نحاول تحليل هذا الخطاب وتفكيك هذه الرؤية لنصل معا لاستكشاف أهم سماتها وخصائصا، ونتعرف على الاسباب التي أدت إلى شيوعها وتزايد استخدامها، ونتقصّى الاهداف التي تحاول الوصول إليها. ونستشرف النتائج الفعلية التي تصل لها.

أهم سمات هذه الرؤية في تقديرنا هي

ثنائية العالم

خير/شر. فالعالم ينقسم إلى قطبين الأنا الطيبة والآخر الشرير. ولابد من انتصار احدهما وانتهاء الآخر

الآخر دائما يتآمر على الأنا «الدش والانترنت وسائل الغرب للسيطرة على شبابنا» «البولينج وسيلة الصهاينة لاختراق مصر

الآخر دائما يريد تدمير الأنا : الهدف: عرب بلا ذاكرة

الاخر دائما شيطان : الدور الشيطاني للاعلام التركي - الذي تسيطر عليه أميركا واسرائيل

هناك دائما آخر خفي غير معلن «الحكومة الخفية في تركيا - الاعلام التركي تسيطر عليه اميركا واسرائيل» ولكن الانا التحذيرية تعرفه وتفضحه. ثمة مباراة صفرية تدميرية لابد من خوضها. معركة تذكرنا بالمعارك الاسطورية مثل «الأرمجدون» التي تنتظرها الجماعات الاصولية المسيحية. لا مجال للتركيبية هنا ولا للعلاقات الانسانية المعقدة ذات الطبقات المتراتبة في المصالح المتشابكة. ثمة وضوح في الرؤية «آخر شرير وأنا طيبة». وهذا الوضوح لا يعني الواقعية ولكن يعني ببساطة التبسيط والتسطيح.

لا مجال لحلول وسط تراعى فيها المصالح المتشابكة، وانما معارك ننهزم فيها أو ننتصر. ودائما تحذرنا الأنا الرشيدة المدركة من مغبة قبولنا بالحلول

الوسط (بعد هزيمتنا في معركة ديزني))، ومن احتيال الآخر علينا (تغيير العبارة من «عاصمة اسرائيل» ذات الدلالة السياسية إلى «في قلب اسرائيل» ذات الدلالات العاطفية والدينية) ليس تغييرا حقيقيا وانما هو تحايل.

الانا - هنا كما نلاحظ - جزآن: جزء فردي يمثله الكاتب، وجزء جماعي هو الأمة المراد تحذيرها واستنفارها. الفردي الخاص بالكاتب يمثل الأنا العلمية، الأنا العارفة او الأنا الحقيقية، أما الجزء الجماعي الذي تمثله الأمة فهو الأنا الجاهلة، الأنا الغافلة، أو الأنا المتوهمة للأمة. يتقمص الكاتب صاحب هذه الرؤية دور العراف الاسطوري الأعمى/ البصير. أعمى البصر لكنه ثاقب البصيرة، ويحذر البشر الغافلين من الشر المحدق بهم كما في حال «تيريزياس» عراف الاساطير اليونانية. هذا العراف الذي تحدى الالهة فلعنته الآلهة، واصابته بالعمى، وبات الناس يرفضون تصديقه على رغم صدقه الدائم

هذه الشخصية تحمل في طياتها دائما جانبا تنبؤيا للأنا الفردية التي تريد دائما وابدا ارشاد الانا الجمعية وتحذيرها. الانا الفردية الكاتب التحذيري في الخطاب الاسلامي المعاصر تستخدم هذا الجانب التنبؤي من خلال استخدامها النص المقدس «أشد الناس عداوة» المائدة/82. ولكنه نص مقتطع من سياقه، فهذه الآية لها اسباب للنزول. وقد نزلت في النجاشي واصحابه، ومن ثم فالسياق مقيد ومن العسف اطلاقه. فالواقع التاريخي يدل على ان اشد الناس عداوة للمسلمين كانوا هم النصارى الذين دارت معهم رحى الحرب منذ غزوة مؤته حتى الآن، بل ان الجماعة اليهودية داخل الأمة الاسلامية كانت دائما وابدا جزءا من هذه الأمة. ولم تتعرض للاضطهاد الذي تعرضت له الجماعات اليودية في البلاد الاخرى.

اقتطاع النص المقدس من سياقه، ثم تقديم تفسير أو قراءة الأنا له بوصفها القراءة الوحيدة الممكنة، ثم اعتبار من يخرج عن هذه القراءة كمن يخرج عن النص المقدس... كلها آليات تحول النص الذي تنتجه الانا إلى «نص مقدس» ثم إلى «النص المقدس» ثم تتحول الانا ذاتها عبر قدرتها التنبؤية وانتاجها للنص المقدس إلى أنا مقدسة، وسلطة ينبغي على الأنا الجمعية الجاهلة طاعتها والتزام نصها... وإلا فالويل والثبور والهزائم وعظائم الأمور. ولتأكيد هذه الحلول وايضا كتعبير عن المباراة القوية التي تخوضها الأنا ضد الآخر نجد ان المفردات المستخدمة في هذا الخطاب مفردات حربية: معركة - غزو - تحدي - قتال - جهاد - سيطرة - اختراق - تدمير... الخ.

هذه المفردات تزيد من احساس الانا الفردية بأهميتها، وترسخ فكرة قدسية التحذيري الاستغاثي الذي تنتجه، ومن ثم تزيد من قدرتها على فرض سلطة هذا النص على الأنا الجمعية الجاهلة التي يجب ان تتبعها وتصغي إليها

الاحساس الدائم بالهزيمة

دعونا نحاول تحليل الاسباب التي تدعو إلى وجود هذا الخطاب التحذيري وشيوعه.
اول الاسباب على ما نعتقد هو السبب الذي يقدم دائما باعتباره السبب الأوحد، وهو القهر الواقع على الانا المسلمة، والاحساس الدائم بالهزيمة نتيجة الموجات الاستعمارية المتلاحقة التي تعرضت لها الامة الاسلامية منذ القرن الثامن عشر، ونتيجة العداء المتواصل بين المسلمين وبين الغرب المسيحي منذ الفتوحات الأولى كما اسلفنا

بيد أن هذا السبب ليس هو السبب الأوحد، بل ونزعم أنه مبرر أكثر من سبب. السبب الأهم في رأينا هواستدماج الآخر العدواني. ان علاقتنا بالغرب كبنية مركبة ومتراكبة من عدة طبقات حضارية متشابكة، هي علاقة مركبة ومتشابكة فيها الاعجاب وفيها الاحتقار، فيها الكراهية وفيها الحب. وفي جانب من تكوين الانا الفردية للمثقف العربي المسلم ثمة عنصر عدواني يمثل الركيزة البنائية الأولى للحداثة الغربية. هذا عنصر عدواني يتجلى واقعيا في شكل الامبريالية، والرغبة المحمومة في الاحتواء والامتلاك، والاعتداء على الطبيعة والآخر غير الابيض وغير الأوروبي. ولكنه قبل ذلك تجلى فكريا ونظريا وفلسفيا في نظريات تقديس الانا الغربية والاعلاء من شأنها والحط من شأن الأمم الاخرى، وتحويلها إلى دنس بربري لا قيمة له.

فكما قال عبدالوهاب المسيري: تحركت جيوش أوروبا الامبريالية في عقول المفكرين الحداثيين الذين برروا المنفعة، وقدموا نظريات: (البقاء للاقوى) و(الغاية تبرر الوسيلة) وغيرها قبل ان تتحرك على ارض الواقع. هذا العدوان المعرفي يتم استدماجه نتيجة طبيعية للاعجاب بالآخر المنجز المتحقق، واحتقار الانا المنهزمة المنسحقة. ويتجلي هذا في اعادة انتاج العدوان المستدمج ولكن في شكل التحذير من هذا الآخر، والاستغاثة من مؤامراته التي لا تنتهي ضد الأنا. وفي الوقت نفسه يتجلى احتقار الأنا في شكل احتقار الأنا الجمعية الذي يأخذ شكل تحذيرها وتنبيهها لغفلتها عن المؤامرات التي تدبر لها بليل وتحاك ضدها في الخفاء

المثقف هنا منشطر الوجدان فثمة اعجاب خفي تقابله كراهية ظاهرة تجاه الآخر، وثمة احتقار خفي للانا لكنها تسقطه على الانا الجمعية وتحوله إلى تحذير وتنبيه لها، ومن ثم يتم اعلاء دور الانا الفردية واعادة الاعتبار لها عبر فصلها عن تلك الانا الجاهلة، وفي جانب خفي تنضم إلى الآخر/ المحبوب/ المكروه في شكل اتخاذ صفة من صفاته وهي العلم والمعرفة والقدرة

التركيبة الشمولية للحركات التقليدية

السبب الثالث في هذا الخطاب هو سبب هيكلي يعود إلى الطبيعة الهرمية للحركات الاسلامية. فمعظم الحركات الاسلامية استدمجت الشكل التنظيمي الهرمي الذي افرزته الحداثة السياسية الواقعية في القرن العشرين والذي هو اعادة انتاج للشكل الحزبي الشمولي الذي نجح في اثبات ذاته عبر البلشفية في روسيا، والفاشية في ايطاليا، والكمالية في تركيا، والنازية في ألمانيا، والفرانكية الكتائبية في اسبانيا، ولكنه كلف البشرية ملايين الضحايا في كل هذه البلاد

هذا الشكل يختزل الطبقة أو الجماعة أو الأمة إلى الحزب أو التنظيم الممثل لها، ثم يختزل هذه التنظيمات إلى الجهاز المركزي الذي يحركها او يرشدها أو يقودها، ثم يختزل هذا الجهاز بدوره إلى شخص القائد المرشد الملهم والمعلم الذي يتم اضفاء صفات قدسية عليه تحوله إلى سلطة مقدسة، وتحول اقواله إلى نصوص مطلقة تتجاوز في اهميتها ومرجعيتها النص المقدس المطلق في ذاته. هذه البنية التنظيمية تؤثر بدورها في الأفراد فتعمق لديهم الاحساس بسلطة الأنا وبرسالتها المقدسة، وبانفصال الأنا الفردية عن الأنا الجمعية التي تحتاج دوما لنصائح الأنا الفردية، والتي اكتسبت جزءا من القداسة لانتمائها للتنظيم الشمولي وتعبيره عن رسالته الخالدة

ويتجلى هذا في شكل التنشئة الاجتماعية التي تتخذ من الوعظ والمباشرة والتبسيط أدوات للوصول إلى اعادة انتاج الأنا الجديدة على مثال الأنا عضو التنظيم في دائرة مستمرة تستهدف اساسا تكريس البنية التنظيمية لا البحث عن الحقيقة أو استكشاف الواقع

نتيجة هذه الهيكلية الشمولية، والتنشئة الاجتماعية الوعظية تحاول الأنا فرض سلطتها على الأنا الجمعية من خلال الوعظ والتحذير. إن عدم وجود الأنا الفردية المتماهية في الأنا التنظيمية الشمولية في السلطة، يجعلها تطلب السلطة عبر اللجوء إلى الخطاب التحذيري في رسالة بين سطور الخطاب تقول:أيها الناس أنتم تجهلون ما يحُاك لكم من دسائس وما يدبر وراءكم من مؤمرات ولكننا نعلمه، ومن ثم نحن أجدر الناس بالوقوف في وجهه وإنقاذكم منه

أهداف الرؤية التحذيرية

يمكننا تقسيم اهداف الرؤية التحذيرية الاستغاثية إلى قسمين، قسم ظاهر ومعلن، وقسم خفي ولا شعوري وغير مدرك. والقسم المعلن هو التحذير والاستنفار وتجنيد طاقات الأمة ضد اعدائها. وهذا القسم لا ننكره وسنشكر القائمين عليه على نواياهم الطيبة. بيد أننا نود ان نذكر بأن الطريق إلى جهنم مفروش دائما بالنوايا الحسنة

ففي احدى حلقات برنامج تلفزيوني جماهيري تبثه احدى الفضائيات العربية الشهيرة دارت المناقشات حول الانترنت، وانبرى احد المثقفين الاسلاميين من اعضاء احد البرلمانات العربية لمهاجمة الشبكة، وأخذ يدعم رأية بمقتطفات من مجلات ذات توجه اسلامي تهاجم الشبكة الاباحية، والمواقع السياسية التي تفرض عليها بعض الحكومات رقابة وغير ذلك

ولأن البرنامج جماهيري وتحضره اعداد غفيرة من الشباب في هذا البلد العربي الذي يمتاز شبابه بالاطلاع وسعة الثقافة، لم يناقشه أحد، ولم يرد عليه أحد. وتم تجاهل تحذيراته وصرخاته تماما، وانخرط الجمهور في حوار واقعي عن استخدامات الشبكة والاتاحة الموجودة عليها، وحيرة الشباب العربي المسلم، ورغبته في والتواصل عبر الشبكة

انا لا أشك مطلقا في النوايا الحسنة للأخ المثقف المسلم ولكن ماذا افادتنا نواياه الحسنة؟ لولا ان الجمهور كان مطلعا على شبكة الانترنت، ومتفاعلا معها لتحولت الحلقة إلى وعظ وهجوم على الغرب، وحال من الاسترخاء الفعلي... فماذا سيفعل المواطن المخاطب عند سماع هذا الحطاب؟سيستفز ويهتز ويشتم الغرب الكافر الذي يريد اختراقنا وتحطيمنا، ويشكر المثقف الذي نبهه لهذا؟ أم انه سينفعل لحظيا ثم يعاود حياته فيشاهد الفضائيات المبثوثة عبر الأقمار الإصناعية ويستخدم الإنترنت ويتفاعل معها؟

وهنا يأتي القسم الآخر اللاشعوري وغير المدرك للخطاب التحذيري الاستغاثي هذا: إنه إظهار سلطة المعرفة التي يمتلكها المثقف المسلم والتي يستحق من أجل امتلاكها الوصول إلى السلطة السياسية لكي يحقق برنامجه التحذيري هذا. اخترنا هذا المثال الدال للبرلماني العربي ذي التوجه الإسلامي نظرا إلى وضوح دلالته. بيد أن النتيجة واحدة في كل أحوال الخطاب التحذيري يهدف في جانبه اللاشعوري إلى تكريس سلطة معرفة المثقف المتنبئ في مواجهة جهل وغفلة الجمهور المخاطب. إنه تعبير لا شعوري عن رغبة هذا المثقف العارمة في إظهار سلطته التي لا يمارسها على المستوى الواقعي السياسي في شكل سلطة معرفية قد تؤدي إلى هذه السلطة السياسية

من أجمل المقالات التي كتبت في موضوع نتائج الخطاب التحذيري الاستغاثي مقالة الباحث محمد مسعد عبدالعزيز المعنونة «النبوءة في الخطاب الإسلامي لقضية فلسطين» إذ يناقش الباحث حركة النبوءة في المخاطب أي النتيجة الفعلية للخطاب التحذيري الذي يستخدم النص المقدس استخداما تعسفيا للوصول إلى رسالة استغاثية استنفارية وتحذيرية. ويرى الباحث أن النبوءة تحوّل الاحتلال الصهيوني من «خطأ» يجب مقاومته وهو ما يعتقد المتنبئ مستخدم الخطاب التحذيري أنه يفعله إلى «صواب» يجب حدوثه، من حيث أنه نبوءة وردت في نص مقدس، أي أن المخاطب في هذه الحال مطالب بقبول الواقع لأنه مقدس وليس تغييره لأنه خطأ

هذا الأثر المعرفي يحدث على المستوى اللاشعوري عند المخاطب ويترسخ بتكرار تعرضه لهذا الخطاب التحذيري. ولكنه لا يبقى على المستوى اللاشعوري دائما وإنما يصعد إلى مستوى الشعور في أحيان كثيرة ومن ثم يعطل الفعل الإنساني ويدمره. الفرد هنا معطل تماما سواء نتيجة إحساسه بالانهزام أمام هذا الواقع الكارثي الذي يحذرنا منه الخطاب التحذيري. أو لإحساسه بضرورة الخضوع للنص المقدس الذي يستخدمه الخطاب التحذيري من دون أن يدري بتأثيراته على الفرد

ويزداد هذا الإحساس بالانسحاق والانهزام من خلال المفردات الحربية التي أوردناها: هزيمة - غزو - اختراق - معركة - جهاد... وهكذا. ماذا يفعل المواطن الفرد العادي حين يسمع هذا الكلام؟ وكيف يمكن أن يتفاعل معه وكيف يمكن أن يستجيب له؟

هذه الأسئلة لا أهمية لها بالنسبة إلى أصحاب الخطاب التحذيري لأن الفرد المواطن غير حاضر أمامهم. وأما الحاضر فهو الفرد المرشد الذي يمتلك المعرفة وينبغي أن ينقلها إلى الأنا/ الجمعية لأنها وسيلة للسلطة

النتيجة أن فكرة الرأي الآخر وتعقد الواقع وتركيبته ورؤية العالم بتضاريسه المتعددة ومعالمه المختلفة لا تطرأ على خاطر الخطاب التحذيري وإنما دائما ثمة رسالة أحادية الاتجاه تريد فرض رأي أحادي الجانب ورؤية تبسيطية للعالم

اهداء خاص
إلى د. محمد مسعد و الفنان جلال الطائي
كتبت المقالة عام 2003 ونشرت في جريدة الوسط البحرينيةولا اعرف كيف وصلت هناك

اسامة
زغرب يوليو 2010

Article 8

$
0
0
فكرة علم انثروبولوجيا الاسلام
طلال اسد
مارس 1986
مركز دراسات العرب
جامعة جورجتاون و اشنطن
ترجمة وتعليق اسامة القفاش




مقدمة: اهمية المقال و من هو طلال اسد؟
بالرغم من حبي الشديد لعلم الانثروبولوجية منذ بداية السبعينات في القرن الماضي و دراستي بدأب لكل اعمال كلود ليفي شترواس و من قبله اعمال كثيرة لايفانز بريتشارد ورادكليف براون و ايضا متابعتي لسول تاكس و غيره من الانثروبولوجيين لم اتعرف على طلال اسد احد اهم الانثروبولوجيين المعاصرين الا مؤخرا عبر الصديق والاخ العزيز سعيد خالد الحسن
وكانت بداية معرفتي بالعالم الكبير من خلال كتابه الرائع عن التفجيرات الانتحارية ثم استمعت الى حوار هام معه واقدم رابطا لهذا الحوار لمن يريد و كرت المسبحة... المقال الذي اقدمه اليوم هو محاضرة هامة القاها في مركز دراسات العرب بجامعة جورجتاون بواشنطن

http://www.youtube.com/watch?v=kfAGnxKfwOg

تتميز كتابات طلال اسد بعدة مميزات في تقديري وسأحاول ان اوجزها في ما يلي
رؤية الآخر عبر مرآة الذات
حيث يحاول دائما ان يطرح تعريفا محددا للذات و عبر هذا التعريف يتحاور مع الآخر و لايقع فريسة لاطار الآخر المرجعي. وهو ما سنجده هنا في اطار محاولته المستمرة لطرح تعريفا واضحا للاسلام و دحض الرؤى المغيمة و الضبابية التي تجعل الاطار المرجعي للتعامل متسعا لدرجة الغياب او ضيقا لدرجة رفض اي رؤية اخرى.
النفس و اتساعها و الذات و ضيقها
في اطار رؤيتي التي طرحتها في كتاب مفاهيم الجمال في طبعته الثانية و التي اعكف الآن على بلورتها في كتاب جديد ، اعتقد ان علينا التمييز بين مكونين اساسيين في الانسان اولهما ما اسميته النفس و ألاخر هو ما ادعوه الذات.
النفس هي تركيبة كما يرىكيركجارد
و هي في تقديري مكون منفصل عن الروح و عن الجسد بمعنى اتصور ان ثمة بناء ثلاثي للكيان الانساني تتقاطع مكونات هذا البناء ما بين جسد مادي و روح هي من امر ربي و نفس سواها الخالق والهمها فجورها وتقواها فهي همزة الوصل بين الخالق و الانسان وهي الجسر الذي يربط بين الجسد والروح و هي التي تتواصل مع غيرها من الانفس على مستويات عديدة
مستوى العلاقة الربانية الذي يسمى بالمحبة في الله
وهنا نجد الانفس تتواصل و تتلاقى بشكل اعلى من التلاقي المادي بل ونحس ان النفس ترتبط مع النفس الاخرى برباط وثيق و كأنه اعمق من رباط الدم " رب اخ لك لم تلده امك"
في هذا المستوى لا تحتاج النفس الى اللغة كاداة اتصال فهي مستغنية عنها لان التواصل قائم في ابعاد اخرى ترتبط اكثر بالروح و بالخالق.
لكن هذا المستوى ليس المستوى الوحيد للنفس و لا هو درجتها الوحيدة (وهنا ينبغي لنا ان نفرق بين مستويات علاقات النفس وبين درجاتها وايضا تجلياتها و لكن هذا موضوع آخر.)
فهناك مستويات اخرى عديدة وهو ما سنناقشه هنا
مستوى علاقة النفس بالنفس في الاطار الاجتماعي
وهو مستوى بناء المجتمعات البشرية و تكوين الجماعات الانسانية وهو المستوى العمومي الانساني
انه مستوى التدافع الحادث بين البشر و هو مستوى التفاعل الانساني العام كما قلت و ايضا هو مستوى الفعل و التواصل الاساس
هنا اتصور ان النفس تطرح نفسها في علاقتها مع الآخرين بشكل الذات حيث يحتاج هذا المستوى الى تواصل عبر اداة اللغة و يحتاج الى ادوات اتصال و طرق تعبير اخرى ذات طبيعة اكثر مادية واكثر التصاقا بالجسد و تشكله المحسوس
اي يحتاج الى اتصالات تنتمي الى عالم المحسوسات بكل تفرعاته و اتساعاته. وهنا نجد ان النفس تتحول او بالاحرى تتحور لتكون ذاتا.
الذات في تصوري هي جزء من النفس تحور ليعطي للنفس القدرة على التحاور مع غيرها من الانفس دون ان تكون نفسها تماما اي انه جزء متكيف مع السلوك الاجتماعي و طبيعة عالم الاتصال المجتمعي ويعبر عن نفسه عبر اللغة ووسائل التعبير المحسوسة.

هذه التفرقة ضرورية لفهم مستويات كتابة طلال الاسد فبالرغم من تركيزه على مستوى العلاقات الاجتماعية و المجتمعية بكل تجلياتها الاقتصادية و العسكرية و السياسية و الثقافية الا انه يرى وبوضوح البعد الانساني المرتبط بالنفس في موضوع دراساته اي الاسلام كدين. بمعنى طلال لا يغفل الابعاد الاقتصادية و الثقافية بل يطرحها بقوة و لكن الاهم في تقديري هو رؤيته للابعاد الاخرى الكامنة في علاقة النفس بالانفس الاخرى في اطار الرؤية الاسلامية. وهو ما نجده ايضا في فهمه لقضية اللغة
اللغة كتعبير عن الاتصال بين الذات و الذوات الاخرى
اللغة كوسيلة اتصال ووسيلة تعبير قضية اساسية في فهم العلاقات الانسانية و فهم الانسان و قضية اصل اللغة و معنى الملكات اللغوية و طبيعتها و تواجدها التشريحي او تمثيلها الدماغي كل هذه المباحث شغلت الباحثين منذ اقدم العصور . اتصور ان من الممكن رؤية اللغة ايضا بوصفها وسيلة الدخول الى اعماق النفس الانسانية و معرفة علاقة الذات بالنفس كما طرح لاكان وتلامذته بشكل ما .
تكوين الجماعة و فكرة الانتماء
إن حاولنا ان نضع تقسيما لما حدث لخريطة المنطقة الممتدة من تركستان الشرقية او منطقة شعب اليغور في الصين و التي تسمى ايضا سنكيانج وحتى المحيط الاطلسي و من جبال الاورال حتى السواحل الجنوبية الشرقية من قارة افريقيا مع الوضع في الاعتبار ان حدود شمال /جنوب لانتشار الاسلام ليست بنفس درجة وضوح حدود شرق /غرب
يمكننا ببساطة ان نرى وبدرجات متعددة من الوضوح 4 فئات كبرى
هناك تجمعات بشرية يمكننا تسميتها شعوبا او قبائل او امم كيفما شئتم وهذه التجمعات قبلت العربية و الاسلام مثل معظم سكان المنطقة العربية
هناك تجمعات بشرية قبلت الاسلام ولم تقبل العربية مثل سكان فارس و ووسط آسيا و معظم سكان افريقيا و جنوب شرق آسيا الخ
هناك تجمعات بشرية قبلت العربية ولم تقبل الاسلام مثل اقباط مصر و مختلف فرق نصارى الشام و ايزيدية العراق الخ
هناك تجمعات بشرية تعيش في المنطقة هذه لم تقبل العربية ولم تقبل الاسلام مثل المجوس في فارس و معظم الشعوب الافريقية ذات التوجه الحيوي و الاورانج اصلي في ماليزيا الخ ايضا
هذه هي الخريطة العامة و لنشدد جدا على صفة العمومية و التي اشرنا اليها في قولنا بدرجات متعددة من الوضوح
بمعنى هنا ننتقل من تقسيم او تصنيف او تفنن جغرافي وديموجرافي له ابعاد تاريخية الى تصنيف لغوي ونفسي وله ابعاد فلسفية
ولتوضيح ما نعنيه
دعونا ننظر مثلا في لغة اهل البوسنة وهم من الشعوب التي لم تقبل العربية ولكنها قبلت الاسلام
سنجد الكثير من المفردات العربية قد ارتحلت عبر التركية لينتهي بها المقام في البوسنية بمعنى قريب من معناها الاصلي او له به
مثلا هناك اكلة مشهورة في سراييفو اسمها
الساهن و بالطبع لو امعنا النظر سنجد انه صحن العربية التي اضيف لها ال التعريف
الكلمة لم تعد تعني الوعاء الذي نأكل فيه بل صارت علما على محتويات هذا الوعاء و هي اقرب ما يكون الى التورلي او طاجن الخضار لاشباع فضولكم وليس بطونكم
ايضا لنرتحل بعيدا الى اقصى الغرب و اقصى نقاط الشمال ايضا فسنجد ان اللغة الاسبانية تحفل بالكلمات العربية الاصل و البرتغالية ايضا وان بدرجة اقل
و الامثلة كثيرة ولا تحصى و اشهر من ان نذكرها
الفارسية والتركية و السواحيلية امثلة ايضا من اللغات ذات الاصول اللغوية التي تأثرت كثيرا بالعربية و بها العديد من الكلمات بل احيانا التراكيب اللغوية مما يعني ان تأثير العربية قد تجاوز مجرد معنى الكلام الى مبناه او بعبارة اخرى تجاوز البعد السيمانطيقي الى ابعاد بنيوية او بتعبير تشومسكي اثر في البناء التحتي للغة
و اشهر مثال هنا هو
El
في الاسبانية وهي اداة التعريف للمذكر وتعادل
le
في الفرنسية
المقصود بما سبق من عجالة تحتاج لابحاث كثيرة و دراسات اكثر ان التأثير لم يكن غائبا و ان الرفض او القبول لم يكن حاسما
وازعم ان هذا كان على مستوى اللغة والدين معا فهناك تأثيرات مختلفة من الاسلام على معتقدات الشعوب و ايضا من معتقدات هذه الشعوب على طريقتها في ممارسة اسلامها

في تقديري ان العربية لم تحل محل الديموطية او الديموطيقية لسبب بسيط هو ان الديموطيقية كانت قد انقرضت او تراجعت كثيرا
في عصر الفتح الاسلامي او دخول العرب لمصر
كانت اللغات السائدة هي اللاتينية التي حلت محل اليونانية الهلنيستية كلغة للنخبة المحتلة و القبطية القديمة او الوسيطة التي هي تطوير ايضا للديموطيقية
ما اسماه صاحب
قول المقتضب فيما وافق اهل مصر من لغات العرب
المسمى ابن ابي السرور (و الكتاب مطبوع ومتاح)
سلطان اللغة الغازية وهو ماحدث مع النخب في مصر بعد الغزو الروماني و من قبله اليوناني و لنتذكر ان فيلو كان يعتقد ان التوراة قد كتبت باليونانية
ما اتصوره هو ان تطور اللغة المصرية القديمة قد وصل الى القبطية الوسيطة وان هذه بدورها سارت في مسارين وصل احدهمت بنا الى القبطية المحدثة بينما وصل الآخر الى العربية حيث ان اللغات من ارومة واحدة كما طرحت في مفاهيم الجمال وايضا في دراسة الترجمة في كتاب المفاهيم
العربية حلت في مصر محل لغة النخبة السياسية و ايضا محل لغة العامة لاسباب مختلفة في تقديري ان اهمها هو الاصول المشتركة و التواجد الحياتي و ربما يفسر لنا هذا قبول تجمع حياتي كبير مثل القبط العربية و عدم قبوله للاسلام
على العكس مثلا من تجمعات المغرب الكبير التي قبلت الاسلام باسرع من قبولها العربية
ايضا يفسر هذا جزئيا احتفاظ اهل النوبة بلغاتهم (وهما لغتين و ليستا لغة واحدة) و بشفاهيتها بالرغم من استخدامهم للعربية

الاتصال مع الخالق و فكرة الفن و اتساع رقعة التعبير بعيدا عن ضيق اللغة وحدودها
اتصور ايضا ان دور النفس الاساسي في الاسلام هو الاتصال بالخالق سبحانه وتعالى اي العبادة

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون‏}‏ ‏سورة الذاريات،الآية56و 57

بينما اختلف العلماء في تفسير الآية
فقد اجتمعوا على ان اساس الخلق و غايته هي العبادة . و اتصور ان العبادة التي تتجلى في الصلاة هي الاتصال بالخالق و الدخول في عباده...
قال الله تعالى "يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربك راضية مرضية فأدخلي في عبادي وأدخلي جنتي" سورة الفجر الآيات 27-30

وهنا ارى ان الدخول في عباد الرحمن الراضين المرضيين هو اسمى مراتب النفس وهو غايتها الكبرى..
يتحقق هذا الدخول بالطاعة و التقوى و العدل و يتحقق اساسا في مجال النفس الاساس ، بمعنى ان الذات الاجتماعية المتحورة مسؤولة عنه و لكن بدرجة اقل
وهذا لان الهدف الاسمى يجعل الاتصال ارحب و اكثر اتساعا و غير محدود بحدود اللغة و المجتمع. هذا الهدف يتحقق في تقديري ايضا عبر الفن و الاحساس بالجمال الذي هو من تجليات الخالق سبحانه وتعالى وهو ما طرحته في كتابي مفاهيم الجمال رؤية اسلامية.
اتساع رقعة التعبير بالفن و الجمال بما يتجاوز حدود اللغة يؤدي الى ان النفس حين تتذوق الجمال فهي تتعبد وتذكر الرحمن. ما قصدته هنا هو توضيح رؤية اتصور انها تتقاطع مع اعمال الانثروبولوجي الكبير.
و ربما اكون على صواب او على خطأ و الله اعلم.



المقال
1
تزايد الاهتمام مؤخرا بموضوع يدعى انثروبولوجيا الاسلام. و لقد تضاعفت الكتابات الانثروبولوجية الغربية التي تحتوي على كلمات اسلام او مسلم في العنوان و كأنها متوالية هندسية.و اعتقد ان الاسباب السياسية التي دعت لهذا و خلقت مثل هذه الصناعة اوضح من ان تستدعي تعليقا عليها. و مهما كان هذا الامر اود ان اركز هنا على الاساس المفاهيمي لهذه الكتابات. وندعونا نبدء بسؤال شديد العمومية. ماهو بالضبط علم انثروبولوجيا الاسلام؟؟؟ ما هو موضوعه البحثي؟
قد تبدو الاجابة بديهية جلية... فما تبحثه انثروبولوجية الاسلام هو بالتأكيد الاسلام. لكن كي نضع الاسلام كموضوع بحثي مفاهيمي تدرسه الانثروبولوجية ليس بالامر اليسير كما قد يظن بعض الكتاب.
و يبدو ان هناك ثلاث اجابات على الاقل على السؤال الذي طرحناه آنفا:(أ)الاولى ترى انه في التحليل النهائي لا يوجد موضوع نظري يمكن ان ندعوه الاسلام. (ب) بينما تدعي الثانية ان الاسلام هو الاسم الذي يطلقه عالم الانثروبولوجية على المجموع غير المتجانس لاشياء متعددة ، كل منها الصق به المخبرون صفة اسلامي.(ت) و تظن الثالثة ان الاسلام جماع تاريخي ينظم مختلف جوانب الحياة الاجتماعية. و سننظر في عجالة مختصرة إلى الاجابتين الاوليين ثم نتفحص الثالثة نظرا لانها في تقديرنا اكثرها اثارة للجدل و اكثرها مقدرة على التفسير بالرغم من كونها غير مقبولة.
منذ عدة اعوام ناقش الانثروبولوجي عبد الحميد الزين(1) هذا السؤال مناقشة مستفيضة في استبيان كان عنوانه "ما بعد الايديولوجية و الثيولوجية: بحثا عن انثروبولوجية للاسلام" وكان هذا مجهودا يستحق التقدير بالرغم من انه كان بلا طائل في النهاية

الخلاصة هي ان ثمة اشكال متعددة من الاسلام ، كل منها له وجاهته و واقعيته و كل منها يستحق الوصف و قد ربط كل هذا بشكل محير بالتأكيد على ان كلها في النهاية تعبر عن منطق لا شعوري مبطن. و هذه الزلة ذات الدلالة و التغير من السياقية الانثروبولوجية الى العمومية الشتراوسية (2) قادته الى الجملة التي ختم بها دراسته
" ومن ثم يتبخر الاسلام بوصفه فئة تحليلية ايضا" بعبارة اخرى ان لم يكن الاسلام فئة تحليلية لا يمكن القول بان ثمة ما يمكن ان ندعوه علم انثروبولوجية الاسلام.وهذا كل ما يمكن قوله عن الاجابات من النوع الاول
احد العلماء الذين يتمسكون بالاجابات من النوع الثاني هو مايكل جليسنان (3)الذي يؤكد (مثله مثل الزين )و خاصة في كتابه التعرف على الاسلام(4)
انه لا يمكن للانثروبولوجي ان يخرج من نطاق اهتماماته اي شكل من اشكال الاسلام على اساس انه ليس الاسلام الحقيقي. وفي الواقع فغن اقتراحه ان الاشياء المختلفة التي يعتبرها المسلمون انفسهم اسلامية لابد وان توضع في اطار حياة و تطور مجتمعاتهم ذاتها هي قاعدة سوسيولوجية معقولة. لكنها لا تساعد في تحديد و تعريف الاسلام بوصفه موضوعا للدراسة و التحليل. والفكرة التي تبناها من انثروبولوجيين آخرين- الا وهي ان الاسلام هو ما يقول المسلمون في كل مكان انه هو-لن تفيد على الاطلاق. ولو لان هناك في كل مكان من المسلمين من يقول ان ما يفعله الكثير من البشر على اساس انه اسلام ليس من الاسلام في شيء. و لا يمكن حل هذه المعضلة بالقول ان ما هو الاسلام سيقدم المخبر الى الانثروبولوجي من خلال معتقدات و ممارسات الاول لانه من المستحيل بصفة عامة تحديد الممارسات والمعتقدات عبر مصطلحات موضوع منعزل. ان معتقدات المسلم عن معتقدات الآخرين وممارساتهم هي ببساطة معتقداته الخاصة. ومثلها مثل كل المعتقدات الاخرى فهي تنبثق و تستمر من خلال العلاقات الاجتماعية مع الآخرين.
و لنلتفت الآن الى الاجابة من النوع الثالث .
من اكثر المحاولات طموحا في هذا الصدد سنجد كتاب ارنست جلنر (5)المجتمع المسلم(6)حاول جلنر في هذا الكتاب ان يقدم نموذجا انثروبولوجيا يمثل الطرق المميزة التي تتفاعل بها البنية الاجتماعية و المعتقد الديني و السلوك السياسي مع بعضها البعض في اطار كليانية اسلامية. وفي يلي ساعالج
هذا النص في شيء من التفصيل. لكن غرضي ليس تقييم هذا العمل في ذاته. لكن بالاحرى استخدامه لاستخلاص المشاكل النظرية لكتابة انثروبولوجية للاسلام. و سنجد كما يحدث دائما العديد من العناصر التي قدمها جلنر في كتابات اخرى لانثروبولوجيين و مستشرقين و علماء سياسة و صحفيين. ومن ثم فان فحص هذا النص يجعل المرء ينظر الى اكثر من موضوع منعزل. لكن الصورة التي يقدمها هذا النص اقل اهمية من الطريقة التي قدمت بها- اي الفرضيات التي تستخلصها و المفاهيم التي تستخدمها
2
في الواقع
سنجد في نص جلنر اكثر من محاولة لطرح اطار مفاهيمي للاسلام. تتضمن اول المحاولات تلك مقارنة و اضحة بين النصرانية و الاسلام. و كل منهما ينظر اليه بوصفه تشكيلات تاريخية مختلفة من السلطة و الايمان ، واحدهما يقع في اوروبا اساسا والآخر في الشرق الاوسط. وهذا البناء المفاهيمي بناء محوري في الاستشراق. لكننا نجده بشكل ضمني في كتابات العديد من الانثروبولوجيين المحدثين.
و احد علامات هذا مثلا هو واقعة ان المراجع الانثروبولوجية المتخصصة في الشرق الاوسط مثل جوليك (7)او ايكلمان(8)تخصص
فصل الدين للاسلام فقط . وبالرغم من ان اليهودية والنصرانية من الديانات المحلية في المنطقة فيبدو ان الانثروبولوجيين الغربيين مهتمون فقط بمعتقدات المسلمين وممارساتهم. ومن ثم سنجد ان اليهودية السفاردية(9) و النصرانية الشرقية(10)تهمشان في الدراسات الانثروبولوجية الغربية وتقدمان على انهما فروع صغيرة موجودة في الشرق الاوسط من شجرة تاريخ نمت وترعرعت في مكان آخر اي في اوروبا و عند الجذور الاساسية للحضارة الغربية.
و ما يضايقني حقا فيما يتعلق بهذه المقولة عن كون اوروبا هي الموقع الحق للنصرانيةو ان الشرق الاوسط هي الموقع الحق للاسلام لا يكمن اساسا في الاعتراض القديم على تقديم الدين بوصفه لب التاريخ و جوهر الحضارة (وهو الاعتراض الذي طرحه العديد من المستشرقين مثل بيكر (11)منذ امد بعيد). مشكلتي كانثروبولوجي هي في الطريقة التي يؤثر بها هذا الطباق الخاص على الصياغة المفاهيمية للاسلام.
لننظر على سبيل المثال في الفقرة الافتتاحية لكتاب جلنر. سنجد هنا الطباق بين الاسلام والنصرانية في صورة جلية واضحة شائعة: الاسلام هو النمط الاولي لنسق اجتماعي . وهو يرى ان ثمة منظومة من القواعد الازلية الموحاة من السماء والخارجة عن ارادة البشر و التي تنظم النسق الصحيح للمجتمع.... و النصرانية واليهودية هما ايضا نمطان اوليان لمجتمع ولكن بدرجة اقل من الاسلام.فمنذ ميلاد النصرانية وهي تحتوي على توصية مفتوحة باعطاء مالقيصر لقيصر. و الايمان الذي يبدء و يظل لفترة ما بدون سلطة سياسية لا يمكنه الا ان يؤقلم نفسه مع النسق السياسي الذي لا يسيطر عليه هذا الايمان ولو الى حين.كان على النصرانية التي ازدهرت بين المحرومين سياسيا لم تفترض انها القيصر. و لذا تبقى معها دائما نوع من امكانية التواضع السياسي منذ هذه البدايات المتواضعة....لكن النجاح الاولي للاسلام كان سريعا جدا لدرجة انه لم يكن في حاجة لاعطاء اي شيء لقيصر.
ولو قرء المرء بعناية ما قيل ها هنا فلابد ان تعتريه شكوك عدة متنوعة.فماذا عن التاريخ الطويل الذي بدء مع قسطنطين حيث حاول القادة النصارى سواء الاباطرة او الملوك او الامراء العاديون او الاداريون الكنسيون اوالمصلحون الكنسيون او المبشرون
الاستعماريون ان يستخدموا السلطة بدرجات مختلفة لخلق الظروف الاجتماعية التي بها يحيا الرجل والمرأة حياة مسيحية حقة او يحافظوا على هذه الظروف كما هي- هل هذا التاريخ برمته لا علاقة له بالنصرانية؟؟؟؟ و بوصفي غير مسيحي لن افترض ان لاهوت التحرير (12) اوالاغلبية الاخلاقية(13) لا يمثلان جوهر المسيحية. بيد اني بوصفي انثروبولوجي اجد من المستحيل قبول ان الممارسات المسيحية و الخطاب المسيحي طوال التاريخ كانا اقل انشغالا باستخدام القوة السياسية لاغراض دينية من الممارسات و الخطاب الاسلامي.
واود ان اوضح اني لا اعارض من حيث المبدء عقد المقارنات بين التواريخ النصرانية و الاسلامية. وفي الواقع احد اهم الخصائص المميزة لكتاب فيشر الجديد عن ايران(14) هو ادماجه مادة وصفية من التواريخ اليهودية والنصرانية في خلال شرحه لنسق المدرسة. وتلك هي احد الدراسات الانثروبولوجية المعدودة للاسلام المعاصر والتي تستخدم مقارنات ضمنية مع التاريخ الاوروبي و من ثم تغني فهمنا .
لكن على المرء ان يتجاوز مرحلة رؤية المتشابهات مثلما فعل فيشر و ان يحاول استكشاف الاختلافات بشكل منهجي. ولهذا السبب فقد تركزت ابحاثي في الاعوام الثلاثة الماضية (15) على تحليل شعائر الاديرة و عقيدة الاعتراف و فترة التحقيق في اوروبا الغربية في القرن الثاني عشر تحليلا انثروبولوجيا مفصلا و كلها ظواهر تختلف اختلافا بينا عن الظواهر التي تربط بين الدين والسياسة في الشرق الاوسط في القرون الوسطى. ومن الملحوظات المهمة واقعة ان النصارى واليهود قد شكلوا دائما جزءا لا يتجزء من المجتمع الشرق اوسطي و بشكل لا ينطبق على حالة التجمعات غير المسيحية في اوروبا. و حجتي هنا ليست الحجة المشروعة و الشائعة القائلة بان الحكام المسلمين كانوا بصفة عامة اكثر تسامحا تجاه رعاياهم من غير المسلمين بالمقارنة مع الحكام النصارى مع رعاياهم من غير النصارى،لكن ببساطة ان السلطات القروسطية سواء كانت نصؤرانية او مسلمة(وسواء كانت دينية او سياسية) كانت لها ستراتيجيات جد مختلفة لاخضاع رعاياها اخضاعا معنويا و ضبط الدولة. هذا موضوع طويل ويخرج عن مقامنا هذا لنه يستحق ان نلتفت اليه كمجرد مثال توضيحي.
يلاحظ المؤرحخون المحدثون ان العلماء المسلمين في العصور الكلاسيكية و ما بعد الكلاسيكية لم يظهروا ادنى اهتمام بالمسيحية ، وان هذا الاتجاه السلوكي عندهم كان مختلفا تماما عن سلوك نظرائهم النصارى الذين اظهروا اهتماما حقيقيا بالمعتقدات و الشعائر للاخرى وليس الاسلام فقط. ما هو سبب اللامبالاة العلمية هذه تجاه الآخر؟ التفسير الذي يقدمه المستشرقون مثل برنارد لويس(
16)هو ان النجاحات العسكرية المبكرة للاسلام قد ادت الى توليد اتجاها سلوكيا لا مباليا مملوء بالاحتقار تجاه اوروبا المسيحية. "اعماهم جبروت الامبراطورية العثمانية العسكري فظل اهل الاسلام حتى فجر العصر الحديث يعتقدون اعتقادا راسخا -مثل العديد من البشر في الشرق والغرب اليوم-ان حضارتهم تتفوق تفوقا لا ينازع على غيرها من الحضارات. كان المسلمون في القرون الوسطى من الاندلس حتى بلاد فارس يرون اوروبا المسيحية باعتبارها منظقة مظلمة بربرية غي مؤمنة ولا داعي لن يخشاها العالم الاسلامي الذي يعمه النور و لا يحتاج لان يتعلم منها" ربما كان الامر كذلك لكن افضل طريق لمقاربة السؤال الذي طرحناها هو قلبه رأسا على عقب فلا نسأل لماذا لم يع الاسلام اوروبا ولكن لماذا كان النصارى الرومان مهتمين بمعتقدات وشعائر الشعوب الاخرى؟ و الاجابة لا تتعلق كثيرا بالدوافع الثقافية التي يقال انها نتيجة خصال داخلية كامنة في رؤية خاصة للعالم ولا تتعلق ايضا بالخبرة الجماعية الناتجة عن المقابلات العسكرية ولكنها تتعلق كثيرا ببنية ممارسات نظامية تدعو الى طلب نوعا من المعرفة النسقية. فبالمثل لم يذكر ان المجتمعات النصرانية المحلية التي عاشت بين المسلمين في الشرق الاوسط كانت مهتمة باوروبا و ايضا قام التجار والرحالة المسلمون بالكتابة كثيرا عن مجتمعات افريقية و اسيوية. ليس من الفطنة ان نفكر في الاتجاهات السلوكية المتقابلة بين الاسلام و المسيحية حيث نجد "لا مبالاة متجسدة " في مواجهة " روح تواقة للمعرفة و العلم " . بدلا من ذلك على المرء ان
يبحث عن الظروف المؤسسية التي ادت لانتاج اشكالا متنوعة من المعرفة الاجتماعية. ما هو هذا الشيء الذي كانوا ينظرون اليه على انه امر جدير بالتسجيل فيما يخص عادات و معتقدات الآخر؟ ومن كان يسجلها؟ وفي اي مشروع اجتماعي كانت تلك السجلات تستخدم؟؟ ومن ثم سنجد انه ليس من قبيل الصدفة ان اكثر الوثائق دقة فيما يخص المعتقدات الوثنية و الشعائر التي يمارسها الوثنيون هي تلك الموجودة في الخماسيات(وهي تلك الكراسات التي تعلم كيفية تقديم الاعتراف المقدس للمتحولين حديثا الى النصرانية) و ان يوميات المحققين العديدة في نهايات القرون الوسطى الاوروبية تصف بدقة متناهية و استفاضة وافية شعائر و معتقدات الهراطقة. ولا يوجد في المجتمعات المسلمة شيئا يماثل هذه السجلات الضافية المحتوية على معرفة منظمة مفصلة عن غير المؤمنين في المجتمع
وهذا ببساطة لان الانساق التي كانت تطلب و تحتاج هذه السجلات غير موجودة في الاسلام.
بعبارة اخرى تختص كل بنية سلطة اجتماعية باشكال معينة لانتاج المعرفة و هذه الاشكال تختلف ليس نتيجة لاختلاف جوهري في طبيعة الاسلام او المسيحية ولكن نتيجة انساق اجتماعية متغيرة وفقا للسياق التاريخي.
و من ثم فخلف شكي في دقة و اهمية المقابلات التاريخية باستخدام دوافع ثقافية مثل "امكانية كامنة للتواضع السياسي" على جانب او "الامكانية الثيوقراطية" على الجانب الآخر يكمن هم آخر وهو تحديدا انه قد تكون هناك فروق هامة على الانثروبولوجي ان يدرسها حين يقوم بدراسة مجتمعات اخرى و قد تنطمس بسهولة عند البحث عن فروق و اختلافات سطحية او بلا اهمية. ليست مشكلة المقابلة التي اجراها جلنر بين الاسلام و النصرانية ان العلاقة بين الدين و السلطة السياسية ليست واحدة في النسقين. لكن بالاحرى ان المصطلحات المستخدمة في ذاتها مضللة و علينا ان نجد مفاهيم اكثر ملائمة لوصف الفرو ق و الاختلافات.

3
حتى الآن لم نفعل الا القاء نظرة سريعة على احد جوانب محاولة انتاج علم انثروبولوجية للاسلام: الا وهي التطابق الافتراضي بين الاسلام والشرق الاوسط. وتعريف تاريخ المسلمين انه صورة المرآة (جلنر)للتاريخ المسيحي. حيث تنعكس العلاقة بين الدين والسلطة بكل بساطة. وهذه النظرة تستحق النقد لانها اولا لا تغفل العمل المضن المفصل لانساق السلطة النظامية في التاريخ المسيحي و ثانيا لانها غير كافية على الاطلاق لتقديم تفسير نظري مقبول. و انا لا اهاجم محاولة تقديم تصورا عموميا عن الاسلام ولكني ارفض الكيفية التي تم بها هذا التصور النظري العمومي. و سيدرك اي عمل حول انثروبولوجية الاسلام ان ثمة تنوع ملحوظ في معتقدات و شعائر المسلمين. و من ثم فاول مشكلة تواجه المرء هي مشكلة تنظيم هذا الاختلاف و التنوع باستخدام مفاهيم ملائمة. و التمثيل الشائع للاسلام بوصفه دمج بين الدين والسلطة ليس من هذه المفاهيم الملائمة. ولكن ايضا ليس من الملائم قبول المفهوم التقليلي الذي يرى كل فرق صغير في ما يسمى الاسلام بوصفه متفرد و يستحق الدراسة في ذاته.
و احد الطرق التي حاول الانثروبولوجيون استخدامها لحل مشكلة التنوع هي تبني وجهة المستشرقين القائلة بالتفرقة بين الاسلام الاورثوذوكسي و الاسلام ير الارثوذوكسي و وضعها في فئات التقليد الاعظم والتقليد الاقل ومن ثم تحضر للتفرقة التي تبدو اكثر مقبولا وموائمة بين الايمان الكتابي النصي التطهري الذي يميز اهل المدن و الايمان
الشعائري
الذي يقدس الاولياء الموجود في الارياف. و بالنسبة للانثروبولوجيين لا يستحق اي من الشكلين ان يدعي لنفسه احتكار كونه الاكثر تمثيلا لحقيقة الاسلام من الآخر. فهما ما هما عليه و قد تشكلا في ظروف مختلفة. وفي الواقع ينظر الى ديانة الريف بوصفها شكلا واحدا فقط من منظور مجرد مقارن.و بالتحديد لان هذه الديانة خذات خصوصية عالية في ذاتها و ذات جذور راسخة في ظروف محلية متغيرة و ترتبط بشخصيات متعددة و تستمد سطوتها على الناس من التقليد الشفاهي غير الموثق ومن ذكريات لا يمكن التحقق منها فإن اسلام اهل الارياف غير المتعلمين متغير بشدة ومتنوع جدا. ومن ثم فإن الارثوذوكسية في الاسلام بالنسبة الى هؤلاء الانثروبولوجيين هي مجرد صنف واحد (بالرغم من كونه ثابت) من بين اصناف متعددة من الاسلام و تتميز باهتمامها الشديد بالنظام و القانون و تستمد سطوتها من نصوص ربانية وليس من افراد ربانية.
و قد شاعت هذه التصنيفة الثنائية عن طريق انثروبولوجيين شهيرين درسا الاسلام في المغرب هماكليفورد جيرتز(17) و ارنست جلنر و تلاميذهما من بعدهما. لكن ما جعلها مثيرة هي الحجة الاضافية القائلة بان ثمة علاقة واضحة بين هذه الازدواجية في الاسلام و بين نمطين محددين من انماط البناء الاجتماعي وهي الحجة التي كان اول من طرحها هم الباحثون الاستعماريون الفرنسيون في المغرب. تدعي هذه الحجة ان المجتمع المغربي يتكون من جانبين . في جانب التنظيم المركزي الهرمي الموجود في المدن و على الجانب الآخر التنظيم الانقسامي المتساوي للقبائل المحيطة بالمدن. و المدن يحكمها حكام يحاولون دائما وابدا اخضاع القبائل المتمردة التي تحكم ذاتها و من جانبهم يقاوم رجال القبائل هذه المحاولات بدرجات متفاوتة من النجاح. وينجحون احيانا عند توحدهم تحت قيادة قائد ديني ملهم في ازاحة الحاكم الموجود. و تنطبق فئتا الاسلام السالفتان انطباقا حسنا على نمطي البناء الاجتماعي والسياسي : في المدن الشريعة و العادات المتنوعة عند القبائل والعلماء في الاولى و الاولياء في الآخرة..وينطر للبنائين بوصفهما جزء من نسق واحد لانهما يحددا القطبين المتعارضين اللذين هما في صراع لا يتوقف من اجل الهيمنة السياسية . و بتحديد اكثر لان كا من سكان المدن و رجال القبائل هم من المسلمين. و كلهم يدينون على الاقل بالولاء ولو الاسمي للنصوص المقدسة ( ومن ثم ولو ضمنيا لسدنتها المتبحرين في العلم) ومن ثم ينبثق نوع محدد من الصراع السياسي. حيث من المتاح لحكام المدن ان يحاولوا فرض سلطتهم على رجال القبائل ومن المتاح للقبائل في المقابل ان يدعموا قائد مقره الريف يهدف الى الاطاحة بالحاكم الموجود و كلا الامرين تحت راية الاسلام.
و قد اضاف جلنر لهذا التخطيط العمومي الواسع الذي انتجه علم اجتماع الاسلام عند الفرنسيين وفي ادبيات متوالية عدد من التفاصيل تعتمد على عدة نقاط
(1)علوم اجتماع الاديان الكلاسيكية
(2) مقدمة ابن خلدون
(3) الكتابات الانثروبولوجية البريطانية عن نظرية (18)السلالة الانقسامية
وقد مدها على استقامتها لتغطي كل شمال افريقيا و الشرق الاوسط و ربما كل فترة التاريخ الاسلامي تقريبا. و قد استخدم النموذج الناتج و استخدمه آخرون لتوضيح التقابل القديم بين المسيحية والاسلام في عدة دراسات وكمثال عليها هذا المقتطف الدال من (19) بريان ترنر:


" ثمة قدر كبير من المعقولية في قولنا ان انه بالنسبة للدين (كان شاطيء المتوسط المسلم الجنوبي بمثابة صورة المرآة للشاطيء الشمالي لاوروبا) فعلى الشاطيء الشمالي نجد ان التقليد الديني المركزي هرمي شعائري وله جاذبية خاصة تجاه الريف. واحد الاركان الاساسية للديانة الرسمية هي القديسين. بينما الديانة المنحرفة الاصلاحية تنزع اليى المساواة و لتطهر و تلغي الوساطة المعزوة للقديسين. على الساحل الجنوبي يعكس الاسلام هذا النمط: فالتقليد المنحرف هو التقليد القبائلي الريفي وهو هرمي و شعائري. وبالمثل فالقديس والولي هما صورة المرآة لبعضهما البعض فيما يتعلق بدور كل منهما. فبينما نجد في المسيحية القديسين اورثوذوكسيين و موتى و قد رسمتهم السلطات المركزية ، نجد انه في الاسلام الشيوخ متنوعين قبائليين او مرتبطين بالقبائل و على قيد الحياة و قد تكرسوا عبر القبول المحلي"
وحتى لو كانت هذه الصورة تنطبق على المغرب فقد تعرضت لنقد عنيف من قبل باحثين ذوي اطلاع على المصادر الاصلية التاريخية بالعربية مثلكورنل(20) و(21) حمودي
وهذا النوع من النقد جد مهم لكني لن اتطرق اليه هنا. و بالرغم من ان السؤال عن مدى انطباق هذه الرؤية الانثروبولوجية للاسلام على العالم الاسلامي برمته ( او حتى على المغرب) بالنظر للوقائع التاريخية المثبتة و المتاحة هو سؤال مقبول معقول، الا انني لن اتطرق ايه كما قلت فدعونا نركز على موضوع آخر : ما هي الاساليب المكررة المستخدمة هنا لتمثيل:
أ- التغيرات التاريخية في البنية السياسية للاسلام و
ب- الاشكال المختلفة من الدين الاسلامي المرتبطة بهذه التغيرات التاريخية؟ ماهي انواع الاسئلة التي تبعدنا عنها هذه الاساليب و تمنعنا من النظر فيها؟ وماهي المفاهيم التي نحتاج لتطويرها لاجل ان نتقصى تلك الاسئلة المختلفة تماما و بطريقة حقيقية؟؟؟
عند مقاربة هذا الموضوع دعونا نضع في الاعتبار النقاط المتشابكة التالية:
أ-لابد ان تحاول السرديات المعنية بفاعلين ثقافيين محددين ان تترجم و تمثل الخطابات في سايقاتها التاريخية التي طرحها اولئك الفاعلين كرد على خطابات الآخرين بدلا من رسم افعالهم رسما تخطيطيا مجرد يؤدي الى نزع تاريخيتهم و الغاء وجودهم في سياق تاريخي محدد
ب- لابد ان تركز التحليلات الانثروبولوجية للابنية الاجتماعية على الانماط المتغيرة من العلاقات المؤسسية و الظروف التي تولدت فيها وعنها " وخاصة تلك التي نسميها ظروفا اقتصادية سياسية"لا على الفاعلين التقليديين
ج-يختلف تحليل الاقتصاديات السياسية عن تمثيل الدراما التاريخية الاسلامية في الشرق الاوسط اختلافا بينا جليا . وكل منهما تمرين على نوع مختلف من انواع الخطاب ولا يمكن ان يحل احدهما محل الآخر. بالرغم من انهما قد يكونا متواجدين بعمق في نفس السرد و هذا تحديدا لانهما خطابان!!
د-من الخطأ تمثيل انواع الاسلام بوصفها ترتبط بانواع من الابنية الاجتماعية على اساس المقارنة الضمنية بين البناء الفوقي (العقيدي او الايديولجي) و القاعدة (الاجتماعية) له.
ه- لابد من مقاربة الاسلام بوصفه موضوعا انثروبولوجيا ينبغي فعهمه بوصفه تقليدا خطابيا يرتبط اساسا بتكوين النفس الاخلاقية و تنظيم البشر او مقاومة هذا و انتاج المعرفة الملاءمة.

4
لو قرء المرء نصا انثروبولوجيا مثل نص جلنر قراءة متأنية قد يلاحظ ان الابنية الاجتماعية والسياسية في المجتمع المسلم الكلاسيكي تمثل بشكل محدد جدأ. وفي الواقع فان ما يجده المرء هو ابطال دراميين في صراع درامي . القبائل المنقسمة تواجه الدولة المركزية. البدو الرحل المسلحون يتوقون للمدينة و التجار العزل يخشون الرحل . و يتوسط الاولياء بين الجماعات القبلية المتصارعة وايضا بين الرحل الاميين و الاله البعيد ذو النوات. ويخدم رجال الدين المتعلمين حاكمهم القوي و يحاولون الحفاظ على القانون الربانيو تستخدم البورجوازية التطهرية الدين للحفاظ على مكانتها المتميزة. ويبحث فقراء المدن عن الاستمتاع في الدين. و المصلحون الدينيون يوحدون المحاربين الرعاة ضد الاسر المنهارة. و ينهار الحكام المرتعدون عبر زوال الوهم عن رعاياهم المدنيين الذين يتحالفوا مع القوة الدينية والعسكرية لاعداءهم من القبائل. وينزع التمثيل الذي يرى البنية الاجتماعية بوصفها مفاهيم لادوار درامية الى استبعاد المفاهيم الاخرى التي سنعود اليها قريبا جدا. لكن حتى السرد المختص بالفاعلين التقليديين يتطلب عرضا للخطابات التي توجه السلوك و التي يمكن تمثيل هذا السلوك فيها او اساءة تمثيله عبر تفاعل الفاعلين مع بعضهم البعض. في المسرحية بالمعنى المحدد سنجد ذه الخطابات في السطور التي يلقيها الممثل. بيد ان سرد جلنر يفتقد تماما لاي خطاب داخلي محلي
الفاعلون الممثلون الاسلاميون عند جلنر لا يتكلمون ولا يفكرون و انما فقط يتصرفون. و بدون ادنى دليل يعزي السلوك "العادي "و الثوري" لابطال الدراما وافعالهم في المجتمع المسلم الكلاسيكي. بالتأكيد ثمة مراجع في النص تشير الى "شركاء يتكلمون بنفس اللغة الاخلاقية" لكن من الواضح ان هذه التعبيرات هي مجرد تشبيهات باهتة لان مفهوم جلنر للغة انها مجرد وسيط يمكن عزله عن عملية الصراع السلطة". في سياق وصفه لعملية دوران النخبة "ضمن بنية لاتتحرك" يكتب على سبيل المثال "
"يوفر الاسلام لغة مشتركة ومن ثم نوعا من السلاسة في عملية قدحدثت او في طور الحدوث على اية حال و لو بشكل اصم واكثر وحشية" بعبارة اخرى لو نزع المرء لغة الاسلام المشتركة لن يتغير اي شيء ذي بال. ليست اللغة الا مجرد اداة لتيسير الهيمنة الموجودة في الواقع. هذه النظرة التي ترى اللغة بوصفها مجرد اداة غير كافية على الاطلاق- وهي غير كافية تحديدا ولا ملائمة اساسا لهذا النوع من السرد الذي يحاول ان يصف المجتمع المسلم باستخدام مصطلحات الدوافع التي تحرك الفاعلين المحددين على مستوى ثقافي. فقط عندما يضع الانثروبولوجي في اعتباره الخطابات المحددة تاريخيا و خاصة عندما يضع في اعتباره الطريقة التي يشكلون الاحداث من خلالها، يمكن طرح الاسئلة الخاصة بالطرق المتنوعة التي عالج بها الحكام المسلمين ورعاياهم مشكلة السلطة اوالقوة المادية او الاقناع او حتى مجرد العادات.
من المثير التفكير في واقعة ان جيرتز
الذي ينظر اليه عادة على انه مهتم اساسا بالمعنى الثقافي مقارنة بجلنر الذي ينشغل بالعلية الاجتماعية قد قدم في كتابه نظرة على الاسلام(22)
رؤية لا تختلف كثيرا عن رؤية الاخير. فكليفورد جيرتز(23) ينظر الى الاسلام نظرة درامية ايضا وفي الحقيقة لانه يدرك تماما اسلوبه الادبي الفخم فقد لجأ كثيرا الى استخدام تشبيهات مستقاة من المسرح السياسي. لقد صور السياسة الاسلامية في المغرب الكلاسيكي و اندونيسيا الكلاسيكية تصويرا جد مختلف في كل حالة ، لكن كل حالة وبطريقتها الخاصة هي صورة مسرحية. بيد انه بالنسبة لجيرتز مثلما الحال مع جلنر يتم التنظير للاسلام بوصفه دراما السلطة الدينية نتيجة حذف الخطابات الداخلية المحلية و نتيجة تحويل كل السلوك الاسلامي الى ايماءة يمكن قراءتها.

5

تخيل سرديات عن تعبيرات و نوايا الممثلين في الدراما الانسانية ليس الاختيار الوحيد المتاح للانثروبولوجي. فمن الممكن الكتابة عن الحياة الاجتماعية او الكلام عنها باستخدام مفاهيم تحليلية. و بكل بساطة فان عدم استخدام هذه المفاهيم يعني الفشل في طرح اسئلة معينة و الخلط في اعادة بناء الابنية التاريخية.
و كمثال فلننظر في مقولة القبيلة. هذه الفكرة محورية بالنسبة لنوعية الانثروبولوجي التي يعتبر نص جلنر مثالا جليا عليها. وعادة ما يستخدمها الكتاب الذين يكتبون عن الشرق الاوسط للاشارة الى تشكيلات اجتماعية ذات ابنية مختلفة و انماط حياة مختلفة تماما. وعادة عندما لا يتعلق الامر بطروحات نظرية فهذا لا يؤثر كثيرا .لكن عندما يتعلق الامر بمثل هذه الطروحات مثلما هي الحال هنا فمن المهم النظر في التأثيرات المحتملة الناجمة عن الاستخدام غير الدقيق لمصطلح القبيلة.
لايقتصر الامر فقط على ان هذا المسمى "قبيلة" به تنوع هائل في البنية التكوينية ولكن الاهم خصوصا هو البدو الرعاة الرحل ليس لهم نمط اقتصاد تقليدي. و تنظيماتهم الاقتصادية الاجتماعية لها دلالات مختلفة اشد الاختلاف فيما يتعلق بامكانية انخراطهم في السياسة و التجارة و الحرب. وقد طالب العديد من الماركسيين مثل (24)بيري اندرسون
بايجاد مفهوم "نمط الانتاج الرعوي" و قد اتبعه بريان تيرنر فاقترح استخدام هذا المفهوم كجزء من الطرح النظري الواعي عن الابنية الاجتماعية الاسلامية لان دول الشرق الاوسط يستوطنها رعاة رحل اساسا
و فرضية ان الرعاة الرحل في الشرق الاوسط المسلم لهم بنية اقتصادية و سياسية نمطية واحدة هي فرضية مضللة. و الاسباب التي تدعونا لهذا القول عديدة ومتشابكة ولا داعي للنظر فيها هاهنا، لكن نظرة سريعة على الموضوع ستذكرنا بمفاهيم عن البنية الاجتماعية تختلف عن تلك التي ماتزال قيد الاستخدام من قبل العديد من الانثروبولوجيين والمؤرخين المتخصصين في الاسلام.
واي دراسة عن القدرات العسكرية للرحل الرعاة مقارنة برجال المدينة لابد وان تبدء ليس من واقعة بسيطة هي انهم رعاة رحل، ولكن من عدة من الظروف الاقتصادية و السياسية المتشابكة بعضها ذات طبيعة نظامية و بعضها غير ذلك.من بين الظروف التي يجب ان تؤخذ في الاعتبار نذكر انواع الحيوانات التي يرعونها و انماط الترحال الفصلية و اشكال التنظيمات الرعوية و حقوق المرعى و الوصول الى نقاط المياه و توزيع الثروة الحيوانية و درجة الاعتماد على العائد من الاتجار بالحيوانات و درجة الاعتماد على الزراعة من اجل الاعاشة و درجة الاعتماد على الهبات و النوافل و الفروض من من هم اعلى منهم في النسق السياسي او من هم اقل
كل هذه الظروف يجب اخذها في الاعتبار و غيرها كثير عندما نريد ان نفهم حتى الاسئلة الاساسية مثل كم رجلا تستيطع القبيلة جمعه للحرب و باي قدر من السهولة و الى متى؟؟
على سبيل المثال في منطقة صحراء شمال السودان التي درستها منذ عدة سنوات تغير ت امكانيات تجييش اعداد ضخمة من المقاتلين
تغيرا دراميا فيما بين منتصف القرن التاسع عشر و منتصف القرن العشرين نتيجة للزيادة الضخمة في الماشية الصغيرة و التحول نحو تدابير واشكال تنظيمية رعوية اكثر تعقيدا و التدخل بشكل اكثر في مبيعات الحيوانات وتغير نمط حقوق الملكية . المهم هنا ليس ان هذه التجمعات القبلية هي النمط السائد في الشرق الاوسط ، وفي الواقع لايوجد نمط سائد ولا قبائل نمطية. وكل ما اقوله هنا ببساطة هو ان كل مايتمكن الرعاة الرحل من فعله او كل ما يستطيعون فعله مقارنة بالسكان المستقرين هو نتاج لعدة ظروف تاريخية تحدد اقتصادهم السياسي و ليس تعبيرا عن بعض الدوافع الرئيسة التي تميز القيادات البطولية الدرامية في القبيلة في سياق دراما اسلامية كلاسيكية. بمعنى آخر لا يمكن النظر للقبيلة بوصفها وسيط ثابت مثلها مثل اي "ابنية متغيرة" او "مجتمعات". انها ابنية تاريخية تتحقق في اطار محدداتها حدود امكانيات وحيوات البشر. وهذا لايعني ان القبائل اقل حقيقية من الافراد الذين يكونوها لكن مفاهيم الدوافع والسلوك و الاقوال لا تنتمي بالتحديد الى اي منحى تحليلي يتعلق بالقبيلة بالرغم من ان هذه المفاهيم قد تتواجد ضمنيا في السرديات المتعلقة بالوساطة. و تحديدا لان القبائل لها بنية مختلفة باختىلاف الزمان والمكان فالدوافع و اشكال السلوك و الاقوال المستعارة ستختلف كذلك.
و لاغرابة ان الفلاحين لا مكان لهم في محاولات تمثيل المجتمع المسلم على اساس خطوط حبكة درامية مثيرة. فلامكان للفلاحين ولا للنساء في الملاحم فهم لايفعلون شيئا. في سردية مثل سردية جلنر لا يلعبون دورا دراميا و لا يعبرون عن تدينهم تعبيرا واضحا مقارنة بالقبائل البدو الرحل و سكان المدن. لكن متى ما يتحول المرء الى مفاهيم الانتاج والتبادل سيجد المرء ان بوسعه ان يسرد قصة اخرى. فالزراع سواء من الرجال او النساء ينتجون محاصيل (مثلما يرعى الرعاة من الجنسين الحيوانات ويربونها) وهم يبيعون تلك المحاصيل او يدفعونها ايجارا او مكوسا. و يلعب الفلاحون حتى في الشرق الاوسط التاريخي دورا هاما في ما يتعلق بالتكوين الاجتماعي في هذه المنطقة ولكن علينا ان نرى هذا الدور باستخدام مفاهيما سياسية اقتصادية وليس باستخدام مصطلحات درامية.ولقد حدثت تغيرات كبيرة مهمة في القطاع الزراعي القروسطي ادت الى نتائج ذات اهمية قصوى فيما يتعلق بتطورالسكان في المدن و فيما يخص تطور الاقتصاد النقدي و ايضا فيما يتعلق بالتجارة عبر القارة او التجارة الاقليمية. وهذا ينطبق ايضا على الحقبة التالية قبل الحداثية بالرغم من التواريخ الاقتصادية تتكلم عن التغيرات بوصفها سلبية ادت لانحدار وليس نمو. ولا يجب ان يكون المرء من المؤمنين بالحتمية الاقتصادية لادراك هذه التغيرات و ادراك ان لها تأثيرات عميقة فيما يتعلق بقضايا السيادة و الاستقلال. وهذه المقاربة التي تدرس المجتمع الشرق اوسطي وتعطي اهمية خاصة للاثر بعيد المدى للحدود غير الشخصية لها اهمية قصوى فيما يخص الروابط التي لا تنفصم او ايضا المتنوعة بين الاقتصاد الاجتماعي و السلطة الاجتماعية . و ستذكرنا باستمرار ان المجتمعات التاريخية في الشرق الاوسط لم تكن قط مكتفية ذاتيا و لم تكن ابدا معزولة عن العلاقات الخارجية و من ثم لم تكن ثابتة بلا تغيير ابدا وحتى قبل اندماجها في نسق العالم الحديث. وعلى عكس هؤلاء الرواة الذين يقدمون لنا شخوص ثابتة منلمسرحية اسلامية لا تتغير يؤدون ادوارا ازلية مقدرة مسبقا ، يمكننا البحث عن العلاقات و التغيرات و الفروق التي تتجاوز الحالة الثابتة لمسرجخحية اسلامية. ومن ثم لن نكتب عندئذ عن بنية اجتماعية اسلامية اساسية ولكن سنكتب بالاحرى عن تكوينات تاريخية في الشرق الاوسط عناصرها لم تندمج بالكامل و لكنها ايضا لم تكن محدودة قط بالحدود الجغرافية للشرق الاوسط.. فعادة ما يتناسى المرء ان مصطلح " العالم الاسلامي " ليس عمفهوما مغلقا مكتفيا بذاته وانا هو مفهوم لتنظيم السرديات التاريخية. و لايعني هذا ان السرديات التاريخية لا تؤثر تأثيرا اجتماعيا بل على العكس تماما . لكن تماسك واندماج العالم الاسلامي هو تماسك ايديولوجي بالاساس انه تمثيل خطابي. من ثم كتب جيرتز "ربما انطبق الامر معلى الحضارات مثلما ينطبق على بني البشر فمهما تغير المرء ستظل الا بعاد الاساسية في شخصيته ثابتة في اطار اللحظة التي تشكلت فيها" لكن قدرية الشخصية التي يتحدث عنها انثروبولوجيون مثل جيرتز تصلح مادة لكاتب روائي وليس كلا شعور مادة دراسية تقدم نفسها على انها الاسلام للباحث الغربي

6

انثروبولوجية الاسلام التي ننقدها هنا تعرض علينا بناءا اجتماعيا تقليديا يتكون اساسا من رجال القبائل و سكان المدن و هما الحاملان الطبيعيان لنوعين اساسيين من التدين-حيث يتمحور التدين القبائلي المعتاد حول الاولياء و المزارات و يرتكز التدين المديني السائد على الكتاب المقدس. و ما اقوله هنا هو انه ان اراد الانثروبولوجي ان يفهم الدين عبر وضع مفاهيمه في سياق اجتماعي فلابد إذن ان الطريقة التي نصف بها هذا السياق الاجتماعي ستؤثر على فهمنا للدين.
و من ثم فإن رفضنا طروحة البنية الثنائية السكونية في الاسلام و التي يدعو لها بعض علماء الانثروبولوجية و إذا اردنا ان نكتب عن الابنية الاجتماعية للمجتمعات المسلمة باستخدام مفاهيم الامكنة والازمنة المتداخلة بحيث يصير الشرق الاوسط بؤرة للتلاقي و التجميع (ومن ثم تنطرح علينا امكانية تعددية التواريخ) إذن لابد ان الطوبولوجية الثنائية تلك ستلوح غير مقبولة على الاطلاق.
و طبيعي ان ثمة اشكال ثانوية بالاضافة للفئتين الكبيرتين المقترحيتين من قبل هذه النوعية من الانثروبولوجية التي نناقشها. ونجد هذا في كتابات جلنر و الآخرين ايضا. ومن ثم سنجد الاسلام الثوري في مواجهة الاعتيادي عند القبائل و هو الذي يندمج في تطهرية الاسلام المديني و يعيد الروح له بشكل دوري. وثمة ايضا الاسلام الصوفي النشواني الذي نجده عند اهل الحضر الفقراء والذي يعمل "كأفيون للشعوب"(25) فيبعد هذه الجماهير عن المشاركة السياسية الفعالة حتى يحد1 تأثير الحداثة ويحول اسلام الجماهير الحضرية الى النمط الثوري. وبشكل مثير تعمل الانواع الثانوية كمؤشرات عند جلنر احدهما مؤشر ايجابي والآخر سلبي وهما يحددان حقبتي الاسلام العظميين- اي بعبارة اخرى يمثلان التوالي التقليدي في اطار البنية المصمتة الصلدة الثابتةو يوضحان التطورات العاصفة و التحركات الجماهيرية في العالم المعاصر.ومن ثم فأن التسليم الظاهري بوجود اكثر من نوعين من الاسلام ما هو الا حيلة ادبية لاعادة تدوير مقولتي المجتمع المسلم التقليدي والحديث

ملحوظة
الجزء الثاني مع الملاحظات واالتعليقات فيما بعد

Article 7

$
0
0

مقالات عن الثورة ومابعد الثورة
1-
مجرد ملاحظات عن السياسة و الخطاب الانتحاري



في حديث مع صديق عزيز و مناضل حقيقي قديم قلت له ان الاخوان مثلهم مثل الحزب الوطني لا يمثلون حقيقة اتجاها سياسيا متجانسا و ان من الخطورة بمكان ان نتكلم عن تجانسهم و تنظيمهم لان هذا يؤدي الى استنتاجات خاطئة و تنبني عليه نتائج شديدة الخطورة وفوجئت به يقول ان الاخوان خانوا الثورة بقبول التعديلات الدستورية لانهم يريدون الفوز بالانتخابات البرلمانية القادمة وانه غير متفائل و غير ذلك من كلاسيكيات الكليشيهات المنتشرة اليوم على الانترنت و على صفحات الجرائد

وعندما قلت له انه من التعريف فان السياسة مثلها مثل ممارسة الرياضة التنافسية و المقامرة و غيرها من مجالات التنافس لا تسمح لغير المتفائل بالتواجد اي بعبارة اخرى لا يمكن ان تكون سياسيا و تكون متشائم اجابني ان لكل لعبة قواعد

واجد حوارنا السابق هذا مهما جدا لانه يعبر عن عقلية الخطاب الانتحاري التي مافتئت اتكلم عنها

http://kaffasharticles.blogspot.com/2006/01/blog-post.html

و اناقشها واكتب عنها منذ عام 2000 والتي ارى انها المسؤولة عن الكثير من مشاكلنا في مختلف المجالات...كيف يمكن ان ينزل فريق ليلعب مباراة او مصارع مثلا او ملاكم الخ وهو يستهدف ان يخسر باقل عدد ممكن؟؟ اليس معنى هذا انه من افضل ان ينسحب إذا كانت النتيجة محسومة مسبقا؟؟ كيف يريد انسان ان يقامر ليخسر ؟؟اليس من الاجدى ان يحرق نقوده؟؟؟

وكيف تكون سياسيا وانت ترى انه لا جدوى من الحراك السياسي؟؟؟كل مهمتك هي التحذير و اطلاق الصيحات الاستغاثية؟؟؟

http://kaffasharticles.blogspot.com/2010/07/blog-post.html

اليس الفعل السياسي مرتبط اساسا بالعمل الواقعي؟؟؟

بمعنى ان بناء التحالفات لا يعني الايمان بفكر الآخر و لكن فقط قبول العمل على ارض الواقع مع هذا الآخر ووفقا لمعطيات محددة وفي اطار هدف محدد

اليس من العجيب حقا الكلام عن خيانة اي فصيل سياسي للثورة لمجرد اختلاف رؤية هذا الفصيل مع رؤيتنا فيما يتعلق بعملية سياسية محددة؟؟؟

هل يمكن ان نتكلم في السياسة بشكل واقعي بعيدا عن ترهات التخويف المستمرة والتي تتعلق بمشاكل شخصية في المقام الاول وبدون الكلام عن اتجاه ولكن الكلام عن فعل على ارض الواقع ...فعل مشترك نتفق عليه او نختلف؟؟؟

بمعنى آخر هل يمكن ان نخرج من سجن الخطاب الانتحاري المفروض علينا عبر الخطاب النخبوي السياسي والاعلامي؟؟؟

اتصور ان هذا ممكن و ان الخروج من اسار الخوف وهو ما بدء يوم 25 يناير وتصاعد يوم جمعة الغضب العظيم يوم 28 يناير حين انهارت الآلة القمعية الفاشلة للنظام السابق قد حدث و هو اول خطوة حقيقية نحو التحرر من الخطاب الانتحاري.

Article 6

$
0
0

2-عن مقولتي الشرفاء و الفاسدين محاولة لفهم مختلف


كل من هاجم السجون بلطجية!!! كل من هرب السجناء ووقف يعطيهم الاوامر بالقتل والهجوم على المتظاهرين شريف!!! ضباط الشرطة قلة منهم الفاسدين لكن الاغلبية شريفة واخوة لنا

الملايين التي خرجت في كل مصر بلطجية

مصر بلد البلطجية هذا هو الاستنتاج الذي نصل اليه لو استمعنا لضباط الشرطة الشرفاء جدا جدا جدا الذين لم يكونوا من المرتشين و لكن كانوا فقط ينافسون الحكومة في ظل الاقتصاد الحر ويبيعون المخالفات باقل من تسعيرة الحكومة هذا في المرور !!! اما في المخدرات فكانوا يحرقون الصنف مع تجاره و مستهلكيه و ينالون لقاء هذا المجهود الجبار عمولة بسيطة ويا ولداه لا يمتلكون من حطام الدنيا شروى نقير سيارات بي ام وشيفروليه ومرسيدس وفيلات و شقق اسكان فاخر وكل هذا لوقوفهم ضد البلطجية وهم كل الشعب المصري.

هذه العقلية التي عبر عنها بجلاء السيد ابو قمر في الفيديو الشهير

http://www.youtube.com/watch?v=fH9WOS0BBYM

وهو الذي كان يأكل في مطاعم الاسكندرية ولا يدفع الحساب ، وهي العقلية لتي ترى العالم ثنائي استقطابي حذاء تلعقه وحذاء تطأه اي عقلية الانسان / الحذاء و هي العقلية النماذجية للجهاز الامني وهي عقلية دونية تنم عن فشل وكراهية للمجتمع وشخصية سوسيوباتية و سيكوباتية تصل في اقصى درجاتها الى التلذذ بتعذيب الآخر و بالطبع لا يمكن ان ننسى فيديوهات التعذيب و خالد سعيد وعماد الكبير وغيرها وغيرها

http://videoo.tv/ar-watch-28-16435.html

و في ادنى درجاتها تقبل التعامل مع مثل هؤلاء السيكوباتيين وتدافع عنهم باسم الزمالة وهو مانجده اليوم في الاسكندرية و السويس وغيرها من المدن وهي عقلية لا تتحمل المسؤولية لانها تظن نفسها فوق المسؤولية و لا تعترف بالقانون لانها هي القانون و بالتالي رؤية العالم الثنائية الخالصة التي ذكرناها سابقا

احنا وهما سادة وعبيد باشوات و اقنان

الى كل السادة الافاضل ممن يدعون ان من هاجم اقسام الشرطة هم بلطجية لو نظرنا للموضوع بشكل احصائي رقمي فقط لوجب علينا ان نسأل: كيف يمكن لعشرات من البلطجية اقتحام اقسام الشرطة كلها وتدميرها و هناك ضباط شرفاء بواسل اشاوس يدافعون عنها بالرصاص الحي الا يتطلب اقتحام مثل هذه القلاع الحصينة الوف بل ملايين وخاصة لو نظرنا لتعدد الاقسام التي دمرت؟؟؟وكيف يمكن ان يكون الآلاف بل الملايين التي هاجمت الاقسام كرمز للشر والكراهية و الذل الذي عاناه الشعب المصري تحت احذية الضباط /الاحذية اقول كيف يمكن ان تكون هذه الاعداد بلطجية؟؟

ترداد مقولة البلطجية التي وجدها الجهاز الامني كطوق نجاة يهرب به من كل آثامه و جرائمه والتي يرفض الاعتذار عنها بل ويرفض ان يحاسب عليها هو تعبير واضح عن الفشل الذريع لهذا الجهاز هذا الفشل الذي ثبت تماما في كل المجالات

الحل هو الحل !!! اي الغاء هذا الجهاز الفاشل تماما

الغاء الداخلية و تسريح الضباط ومحاسبتهم جميعا واسناد مسؤوليات الامن للمحليات وانشاء جهاز بحثي على اعلى مستوى من خريجي كليات حقيقية يدخلونها بمعيار الكفاءة وليس بالنقود والرشوة ولا المحسوبية

هذا هو الحل يا سادة

Article 5

$
0
0

3

الجهاز الامني و محاولات الاصلاح

فيما يخص جهاز الامن اعتقد ان المسألة ليست مجرد انعدام ثقة او هيبة او فاسدون في مواجهة شرفاء الخ

المشكلة في اعتقادي هي عقلية راسخة تكونت عبر اجيال و ترسخت في السنوات الاخيرة وخاصة مع تغول الجهاز الامني وتحوله الى قوة غاشمة لا راد لها او هكذا كان يظن من خلقها. و تتجلى هذه العقلية كاوضح مايمكن في حديث مجدي ابو قمر مدير امن البحيرة السابق و ايضا في الحوار التلفزيوني مع محمود وجدي وزير الداخلية السابق

و ما اقصده هنا ليس التعالي و لا العجرفة و لا الانكار الى آخر الصفات التي تظهر بوضوح في هذين المثالين ، اقصد تحديدا العقلية التي تنتج مثل هذه الشخصية و مثل هذه الصفات. انها ببساطة عقلية الفشل.

الاعتراف بالحق فضيلة كما يقولون

واول خطوات العلاج هي التشخيص

و اعتقد ان اول خطوات التشخيص هنا هي اعتراف بان الجهاز الامني السابق كان فاشلا على كل الاصعدة

ومن يجادل في هذا فلينظر هل نجح في حماية الدولة / النظامالتي / الذي كان عليه ان يحميها/ يحميه ؟؟

بمعنى هل نجحت الخطة الموضوعة للتعامل مع الحركات الاحتجاجية بشتى وسائلها في القضاء على هذه الحركات؟؟؟؟

دعونا ننظر في مثال واحد اتصور انه دال و مثير المثال الذي اقصده هنا هو القبض على وائل غنيم .

هل تصور من قدموا التقرير الامني و من اصدروا الامر باعتقاله ان هذا الاجراء سيؤدي الى اخماد الحركة الاحتجاجية التي يزعمون انه مشعلها ؟؟؟ببساطة من فعل هذا انما يذكرنا بمن يكذب الكذبة ثم يصدقها مثلما الحال مع شخصية جورج كوستانزا في السيتكوم الامريكي الكوميدي الشهير"ساينفلد" وهي الشخصية التي صارت مثالا كونيا على الفشل الذريع بل و استعذاب الفشل ايضا!!!

دعونا ننتقل الى مجال آخر نرى فيه كيف فشل هذا الجهاز وبجدارة؟؟؟؟

هل كان ناجحا في ضبط المرور ؟؟؟

نظرة عابرة سريعة للحال الذي كان سائدا من فوضى و اختلال امني و تفشي للرشوة بين كل الرتب و التي عانى منها كل سائقي التاكسي و الميكروباص و الحافلات و النقلو الملاكي في مصر تؤكد لنا مدى الفشل الذي وصل اليه هذا الجهاز المترهل المتغول.

هل نجح الشباب من خريجي الشرطة من قائدي الدراجات البخارية السريعةفي ايقاف نزيف الدم على كافة طرقات مصر؟؟؟ وهي المهمة الاولى لهم ؟؟؟ بل هل نجحوا في زيادة حصيلة الخزانة العامة للدولة ام نجحوا فقط في الاثراء غير المشروع عبر ما اسميه " منافسة الحكومة في بيع المخالفات باسعار اقل ؟؟؟"

دعونا لا يقتصر تحليلنا لعقلية الفشل هذه على هذين المجالين بالرغم من فداحة الثمن الذي دفعناه من ارواح ابناء الشعب المصري لننظر في مجال ثالث يتولاه هذا الجهاز و ايضا لنرى كيف تؤثر عقلية الفشل حتى في لحظات النجاح.

بلا شك ان قطاع الجوازات وامن المطارات من القطاعات التي تحسن اداء الجهاز الامني فيها تحسنا فائقا في السنوات الاخيرة . لكن هل ادى هذا التحسن لمنع تسرب المطلوبين للعدالة سواء من رجال الاعمال او غيرهم حتى؟؟

هل اختفت ظاهرة التسرب و التهرب الجمركي بل وهروب البعض عبر المرافيء المختلفة جوية ام بحرية ام برية؟؟؟

نظرة سريعة على مطار النزهة بالاسكندرية تقنعنا ان الاجابة الوحيدة على هذا السؤال ستكون بالنفي القاطع

فحتى في مجال تحسن الاداء فيه سنجد ان الفشل مازال مهيمنا ومازال راسخا صامدا.

لننظر ايضا في مجال الامن الشخصي سنجد ان هناك معدلات متزايدة لجرائم العنف والسرقات و الاغتصاب و غيرها من جرائم الاعتداء على الامن الشخصي بالمقابل سنجد تراخيا شديدا من جانب الجهاز الامني في تسجيلها ومحاولات مستمرة في التهرب من ملاحقتها ومن خلال تجربة شخصية تعرضت فيها لسرقة في قطار المترو قال لي الامين بكل ادب "عوضك على الله يا دكتور" و سألت نفسي كيف سيتعامل السيد الامين المكلف بحراسة امن المواطن مع مواطن ليس دكتورا ولا مقيما بالخارج و هي صفاتتعطي مميزات كثيرة كما نعلم جميعا؟؟؟؟؟؟

مرة اخرى اتصور ان الفشل هذا واضح وعلى كل الاصعدة و على كل مستويات الجهاز و اتصور ايضا ان اسبابه كثيرة منها اولا انعدام كفاءة المختار للجهاز الامني و تردي المناهج التي يدرسهاو انعدام كفاءة القيادات و رغبة القيادات العليا في البقاء في مناصبها لاكبر وقت ممكن و من ثم الاتجاه لترقية الاقل كفاءة و كل من هو متوسط محدود الذكاء و الموهبة

وغير ذلك من اسباب تخلق مترادفةهذه العقلية و تؤدي في النهاية الى هذا السلوك

اتصور ان من ضمن وسائل العلاجاللجوء الى اجراءات تتطلب شجاعة و حسم

فلماذا لا تعاد هيكلة الجهاز الامني مثلما تمت عملية هيكلة الجيش المصري بعد حرب 1967

وادخال عناصر من شباب الخريجين الجامعيين في الخدمة؟؟؟

ايضا لماذا لا تتم محاسبة سريعة لكل من تورط في جرائم وفساد لا يتم استثناء كبير ولا صغير؟؟

و لماذا لا نطبق قانون من اين لك هذا واقرارات الذمة المالية على اعضاء الجهاز الامني السابق؟؟؟

و لماذا لا تحال كافة هذه القيادات الفاشلة الى الاستيداع و تحاكم بسرعة و دون محاباة ؟؟؟

و هنا يحضرني مثالين واضحين

المثال الاول تقاعس ضباط الشرطة في الاسكندرية عن احضار المتهمين بقتل شهداء الثورةمن زملائهم واحدهم متهم بقتل 37 شهيد ومما زاد الطين بلة هوتهريب هؤلاء بعد اصدار الامر بحبسهم في سجن برج العرب على ذمة التحقيقات و محاولة هؤلاء الزملاء المتقاعسين الاعتصام دفاعا عن المتهمين اي مرة اخرى الفشل حتى في اتخاذ اجراء جاد دفاعا عنهم واللجوء لتصرفات طفولية تدلنا مرة اخرى على مدى فشلهم وانعدام كفاءتهم

المثال الثاني هو التقاعس عن تقديم مدير امن البحيرة السابق مجدي ابو قمر للمحاكمة بتهمة اهانة الشعب و سوء السلوك ناهيك عن من كانوا معه في الفيديو الشهير و خاصة من وافقوه رياء و اقتناعا

بل لماذا لا يتم حل الجهاز الامني بشكل جذري وتحويل صلاحياته الامنية الى المحليات مع الغاء اكاديمية الشرطة وتحويلها الى جامعة مدنية و تكوين جهاز بحثي مركزي متخصص يستقطب الخريجين من اعلى المستويات و من كل الكليات للعمل في مكافحة شتى انواع الجرائم ويدعم باحدث التكنولوجية؟؟؟


الفشلة يدعمون بعضهم البعض و في حالة السقوط لن نجد منهم مسؤولا واحدا يقف وقفة شجاعة ويعترف بالخطأ و نظرة واحدة الى من قدموا للمحاكمة ومحاولتهم المستميتة لالقاء التهم على الآخرين و عدم تحمل اي مسؤولية تؤكد لنا مرة اخرى مدى الفشل الذي وصل اليه الجهاز الامني وهو الامر الذي يحتاج لعلاج حقيقي واجراءات شجاعة...

الاجراءات الشجاعة هي العلاج الحقيقي وليس الترقيع


Viewing all 80 articles
Browse latest View live