Quantcast
Channel: ossama-elkaffash-articles
Viewing all articles
Browse latest Browse all 80

Article 16

$
0
0
الذكاء الاصطناعي بين الآلي والانساني


الى الاصدقاءصالح الشهابي ووليد عبد الله و محمد مسعد وجلال الطائي و ايفالد فليسار
و الى والدي العزيز رحمه الله محمد نصرالدين القفاش
و والدي الروحي رحمه الله عبد الوهاب المسيري

هذا البحث قدمناه انا و صالح لمؤتمر التحيز في نقابة المهندسين بالقاهرة عام 1992
و نشر في كتاب فقه التحيز بطبعتيه
ولاسباب عديدة فقدناه و من فترة قريبة اعطى احد تلامذة صالح له مجلة المهندسين التي نشرت البحث ايضا
وللاسف لم يصور صالح النسخة
وعندما التقينا مؤخرا تذاكرناه
وافتقدناه
وعندما وجدته علىببليو اسلام
قررت وضعه على المدونة ربما استفاد منه آخرين
مازلت اعتقد ان الكثير من الاراء التي طرحناها معقولة جدا بالرغم من مرور 18عاما عليها وتغير العالم تغيرا كبيرا
اسامة
زغرب
26يونيو 2010

الإنسان والآلة:

"ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد" (سورة ق/ 16).

منذ أن عرف الإنسان الأدوات واستخدم الآلات وهو يشعر بنقصه الكامن ويستشعر ضعفه الفطري. والأدوات والآلات هي سبيله لتخطي هذا النقص والتغلب على هذا الضعف. والجنس البشري واحد في طموحاته وتطلعاته. وكذا في تاريخه الروحي وليس فقط في تكوينه البيولوجي ومع هذا يمكن القول إن النسق الفكري الغربي يمثل التجسيد الأمثل لمجموعة من الأطروحات تضع الكم قبل الكينونة والإنتاج قبل المنتج، وتستهدف الاستهلاك واللذة بدلا من الرضا والتوازن.

على العكس فلقد تطورت النظرة الكونية الشرقية في مصر والهند والصين والعراق لتعطي منظومة أخلاقية متكاملة بلغت غاياتها في نظام ديني متسق يضع مبادئ ومثلا وأخلاقا وواجبات وحقوقا للإنسان ويدع له حرية الاختيار بين ما يراه صوابا أو خطأ، بينما تتميز النظرة الغربيةالأسطورية الكمية بعدم وجود هذه المنظومة الأخلاقية فمثلا تقوم آلهة الجرمان والتيوتون بكل أنواع الفظائع والرذائل طالما هناك فائدة من ورائها؛ فعلى سبيل المثال لدينا نصيحة "أو دين"بأن الزنا مرغوب طالما لم يمسك بك الزوج الغيور، ولم تهمس بأي أسرار خطيرة في أذن معشوقتك لحظة الشهوة. ليس هذا فقط بل إن الإيمان بهؤلاء الآلهة ذاتهم مرتبط بمدى الاستفادة منهم ومدى المنفعة المتحصلة من ورائهم. هذا النموذج المعرفي الذي يؤمن بالإله فقط عندما يكون الإله قويا قادرا يؤدي بالتالي إلى تأطير الإله داخل النسق وجعله كلي القدرة Omnipotentباطشا ومن ثم فإن النموذج الأول prototypeلهذا الإله هو ذلك الإله اليهودي الباطش الجبار يهوه بينما بالمقابل يقدم الإسلام نموذجا معرفيا مختلفا يضع الإله خارج النسق وهو الله الرحمن الرحيم. فالرحمة أعلى من القوة والقدرة ولا مجال للمقارنة.

إن تقييم الإنجاز الحضاري للإنسان من خلال منجزاته التقنية الآلية فقط وليس من خلال نظرة شاملة متكاملة للصرح الفكري المعرفي الذي يقدمه والذي يوائم أسلوب حياته هو من منجزات المدنية الغربية، ونموذج عصر النهضة.

2- عصر الكمبيوتر

بعد الحرب العالمية الثانية تم امتصاص الدول المتوسطية الأوروبية عدا يوغسلافيا وألبانيا في بنية الغرب تحت راية الولايات المتحدة. ثم أدمجت بشكل متزايد في إطار سوق أوروبية تحكمها الشركات عابرة القارات. لم يحدث هذا كنتيجة اعتباطية عشواء بل يمكن تفسير انتقال مركز الثقل في العالم الغربي من المتوسط للأطلنطي في ضوء قانون التطور غير المتكافئ واختراق النسق من أطرافه.

وفي هذا الإطار صارت علوم الميكانيكا والطبيعة من قبيل العلوم القديمة وازدادت الحاجة لعلم حديث يمثل أعلى مراحل تطور هذه المدنية، حيث الكم والقياس والربح هي أسس النجاح.

إن المجتمع الأمريكي يقوم على أفكار أسطورية مثل الاكتشاف والريادة وهو مجتمع ما يدعى بالصفحة البيضاء أو Tabula rasa، هذا المجتمع الذي يتعامل أساسا بالرقم حيث يقال إن جمال هذه الفتاة يساوي مليون دولار ويحيا على الديون والحسابات التي لا تنتهي، يحتاج هذا المجتمع إلى علوم إحصائية وقياسية وكمية حتى تتحول الأسطورة إلى أرقام واقعية. وتصير الخيالات الكاذبة موضوعية علمية. يحتاج هذا النسق إلى حل أسطوري آلي جديد يبرره. وكان هذا الحل هو الكمبيوتر.

وتعبر كل المصطلحات الأمريكية المستخدمة في علوم الكمبيوتر عن هذا النسق فعلى سبيل المثال لا الحصر،

Hard ware- soft ware

وهما المصطلحان الأساسيان في الجهاز ذاته ما هما إلا كلمتان منحوتتان من softناعم وhardصلد وwareمخزن أو محل ويرتبط نحتهما بمكان الشراء والبيع ولا علاقة وظيفية أو دلالية مباشرة بالمعنى الأساسي لكل مصطلح.

ولننظر في مصطلح ثالث I.B.M. compatibleحيث إن I.B.M. هي عملاق عمالقة الكمبيوتر أو حسب القول الدارج في أمريكا

USA is IBM

.

تصير تلك الشركة هي النموذج والمثال الذي ينبغي احتذاؤه؟

هاكم مصطلحا رابعا Data Baseوهو تلك الأوساط الضخمة للإمداد بالبيانات ومصطلحا خامسا Data Bankويتعلق كل من المصطلحين بفرع من فروع الرأسمالية الاحتكارية الأمريكية: البنوك والقواعد العسكرية، اوالمرابي العالمي والشرطي العالمي، وهما الدوران اللذان يحلو للولايات المتحدة أن تلعبهما على مسرح السياسة العالمية.وهكذا يتحول الفكر لمخزون مادي كالمال، وتصبح المعلومات قوات للانتشار السريع.

إن البحث في المصطلح يمدنا بمعين لا ينضب يكشف عن الفلسفة الكامنة وراء النسق ولنا عودة لموضوع اللغة والمصطلح.

إن الكمبيوتر كاختراع هو تطوير لأفكار "بابدج"في القرن التاسع عشروهو تنفيذ لتلك الأفكار باستخدام دوائر كهربية وبعض الأجهزة الميكانيكية.

إن تلك العلوم الجديدة ذات المصطلحات الجديدة علوم تتناسب تماما مع الثقافة الأمريكية والتفاؤل الأمريكي. . فهي علوم لا تحتاج لإدراك نظري واسع وتعتمد أساسا على التكاثر السرطاني لاعتمادها على التأطير أي العزل والتصنيف ثم الابتلاع.

لننظر معا في المصطلح Kips (ومثل تلك المصطلحات السرطانية تنتشر في علوم الكمبيوتر بسرعة البرق)، وهو مكون من أوائل كلمات

Knowledge Information

Processing Systems

أو أنساق طبخ معلومات المعرفة، فمن الأهمية بمكان أن ندعوها بالكيس فهذا جزء من خلق الأسطورة وإعطاء الشعور بالأهمية للمستخدم لإحساسه بامتلاكه شيئا يفتقده الآخر فهو الحواري والكاهن المسؤول عن محراب العلم وكلماته السحرية. ويخلق المصطلح عند المتلقي شعورا بالإحباط والرهبة والفشل. ها هو العلم السحري يقتحمه ويفحمه. ولا يملك المتلقي إلا الإذعان والابتلاع.

وهكذا EFF, KIPSوTRACSإلى آخر سلسلة المصطلحات السحرية الأسطورية.

تلك المصطلحات تلغي خصوصية اللغة وغموضها وتبطل تاريخيتها وتفسد إنسانيتها، بحيث تتحول لعنصر ابسط، فهي مجرد حروف. وتنتفي العلاقة عند النطق بين الصوتيات والمعاني. ومن ثم تنتفي توليدية وتركيبة اللغة، فلا معنى إذن لبنية سطحية وبنية عميقة. إنما نحن أمام ذرات بسيطة مفردة متناثرة. وهكذا تصير الجمل البسيطة – المطلوبة – هي الجمل الذراتية ويصبح كل فرد منعزلا في ذاته، ويصير الفرد مثل لغته، التي هي وسيلته التعبيرية، مجرد ذرة في فضاء فسيح لا علاقة بينه وبين الأفراد الآخرين. وهكذا يتجلى بوضوح نموذج الرائد المكتشف أو راعي البقر الوحيد الذي يقدم لنا دائما في لقطات بانورامية بعيدة، تظهر الفردية المطلقة والمسافات الشاسعة.

تقدم هذه العلوم الآلة باعتبارها نهاية في ذاتها دون أصل نظري يفسرها، أو هي ذات أصل نظري نسيناه، بل يجب أن ننساه كما نسينا جرائم قتل وإبادة السكان الأصليين أو بعبارة أدق وأكثر موضوعية ألغينا وجودهم من الأساس. فالنسيان أحيانا لا يجدي مثلما هي الحال مع الجرائم الكبرى.


الأسهل أن تقدم إلينا المعلومة على أنها بديهية غفل فنبتلعها مثلما نبتلع الطعام/ الزبالة معها ونحن متسمرون أمام شاشات الكمبيوتر وهي تتحرك بلا نهاية ولا هدف.

3- من الآلة الدافعة لذاتها إلى الآلة المولدة لذاتها، أو ما بين المحرك دائم الحركة والآلات الذكية

هي رحلة زمانية مكانية بدأت من القرنين السابع عشر والثامن عشر في أوروبا إلى نهايات القرن العشرين في أمريكا واليابان. وتبدأ كما رأينا من بدايات الرأسمالية حيث السيادة لعلوم الميكانيكا والكيمياء في أوروبا، وتنتهي مع احتضار الرأسمالية حيث السيادة لعلوم الكمبيوتر والمعلوماتية في أمريكا واليابان.

كان عام 1956 عاما شديد التفاؤل والطموح بالنسبة للأمة الأمريكية، ولنا أن نتذكر أيزنهاور ودالاس والسويس والمجر.

أما في مجال الكمبيوتر فقد كان النجاح على أشده، استقلت علوم الكمبيوتر وصارت كيانات مستقلة في العديد من مراكز البحث العلمي والأكاديمي. وكان الجيل الثاني من أجهزة الكمبيوتر ينتشر بسرعة رهيبة. وانعقدت عليه آمال عظيمة وكانت الطموحات المطلوب منه تحقيقها جامحة وشديدة. وظهرت فكرة الذكاء الصناعي أو تلك الآلة الذكية القادرة على توليد ذاتها. وكان المظنون إمكانية تخطي كل الحواجز في غضون بضع سنوات. وكانت البدايات في مجالات الترجمة والشطرنج.

في الترجمة ساد الاعتقاد بأن زمن المترجم البشري قد ولى، وأن زمن المترجم الآلي قد بات قاب قوسين أو أدنى. وأن الدقة والنظام ستحلان محل الهوى والمزاج وفي دارتموت 1956 طرح هذا المترجم وقدم نماذج باهرة لترجماته من الروسية للإنكليزية، وكان هذا مدعاة


سرور لعلماء وخبراء وكالة المخابرات المركزية C.I.A. الذين ظنوا أنهم قد حصلوا على ما يريدون، وأنه سيكون بوسعهم أن يفكوا الشفرة ويحلوا الرسائل في ثوان قليلة، ومن ثم يتقدمون تماما في الحرب المشتعلة الباردة.

بيد أنكم تقدرون وتضحك الأقدار، فها هو خبيث يأتي عام 1967، ويطعم الكمبيوتر هذا المثل طالبا ترجمته من الإنكليزية للروسية وبالعكس في رحلة ذهاب وعودة: The Flesh is willing but the spirit is weakأي أن الجسد يتوق ولكن الروح جبانة. فجاءت الترجمة الأخيرة

The meat is good but the

wine is rancid

وتعني أن اللحم طيب بيد أن النبيذ رديء.

ولم تكن الحال في الشطرنج أحسن فلقد تبددت آمال الحالمين يلاعب الشطرنج الآلي الذي لا يقهر. يقول ميخائيل تال بطل العالم السوفيتي عام 1961 واحد اهم اللاعبين الهجوميين في تاريخ الشطرنج :الشطرنج يعكس جوهر الإنسان وخواصه المميزة، ولا أعتقد إطلاقا أن الآلات ستظهر سمات فردية كالشخصية وصراع الأفكار.

ليكسب المرء في الشطرنج عليه أن يملك حماسة كبيرة وموهبة عظيمة.

وهكذا سريعا ما طوى النسيان هذا الحماس، وانطمرت الأفكار الجامحة حول الذكاء الصناعي. ولكن على عكس المتوقع لم يخب الاهتمام بالكمبيوتر ولم تقل الاستثمارات المنفذة في هذا المجال بل استمر الحال على ما هو عليه، ولم يتضرر أحد، بل على العكس اتسعت مجالات استخدام الكمبيوتر وازدادت الحاجة لهذه العلوم التأطيرية العملية الذرائعية غير النظرية مع ازدياد تسارع الإيقاع الحياتي، واشتداد الحاجة للرقم التبريري والجدول الإبهاري والقوس الأسطوري، ولكن أهم شيء هو زيادة الأرباح التي تجنيها الشركات من وراء الكمبيوتر. ثم ظهر الجيلان الثالث والرابع من أجهزة الكمبيوتر، ودخلت اليابان سوق المنافسة بنمطها النظامي الدقيق القائم على العسكرية التي وجهت للحياة المدنية، وتقديس السلف وتكريس النموذج القبلي، وعبادة العمل المنتج بلا نهاية، وفي خلال بضع سنوات سيطرت اليابان على سوق المكون الرئيسي أو الدائرة المتكاملة I.C.، وها نحن ثانية أمام النمط الاختصاري المستمر، ولا غرو فالوقت هو المال ولا وقت لدينا للنطق بالكلمات الكاملة والجمل المفهومة الطويلة.

وحاليا تفخر اليابان بأن شركة هيتاشي قد أنتجت أصغر I.C. في الوجود. دائرة متكاملة مساحتها 2 سم2 وتحمل 64 ميغابيت (كان هذا عام 1992) بالطبع لن يوجد من يسأل ولم كل هذا؟ وما الداعي له؟ فالمهم الأصغر والأصغر والأصغر والأكثر سعة فالأكثر سعة والأدق والأكثر دقة. المهم أن نشتري ونشتري ونشتري، ونستهلك ونستهلك ونستهلك ولا يهم أن ندمر البيئة أو نحطم التوازن الطبيعي. فتلك آثار جانبية بسيطة ولا يوجد من هو كامل!!

و يعتبر الجيل الرابع حيث البطل الأساسي هو الكمبيوتر الشخصي قمة وذروة هذا الاتجاه، فلم يعد الكمبيوتر تلك الآلة الضخمة المقصورة على الأكاديميين والمتخصصين والتي تحتاج لكروت مثقبة ومهارات تقنية خاصة لكي نستخدمها لقد أضحى في متناول الجميع لا بل صار ضرورة للجميع، إن الأمية الآن كما تخبرنا الإعلانات والمقالات العديدة التي تقذف علينا لنبتلعها – هي أمية الكمبيوتر. لذا اشتر كمبيوتر وتمتع بالحياة، وبالطبع لا ضرورة لأن يسأل أحد نفسه: لماذا وما الداعي وما حاجتي؟ فتلك أسئلة سخيفة وأجوبتها محرجة ومقلقة.

يقول البروفسور "ناعوم تشومسكي"عالم اللغويات الأمريكي الشهير التزمت الحكومة بثلاث سياسات مترابطة، وتم تحقيقها جميعا بنجاح منقطع النظير.

1- تحويل الداخل من الفقراء للأغنياء.

2- زيادة ضخمة في القطاع الحكومي من الاقتصاد بحيث أصبح أداة لإجبار الجمهور على تمويل الصناعات ذات التقنية العالية التي تنتج الزبالة مرتفعة التقنية.

3- زيادة التدخل والتخريب الأمريكي ودعم الإرهاب الدولي (بالمعنى الحقيقي للمصطلح).

والحكومة التي يتكلم عنها البروفسور هي حكومة الرئيس ريغان حيث كان الرئيس بوش يشغل منصب نائب الرئيس.

تمثل النقطة الثانية الإجابة المباشرة عن تساؤلاتنا بينما تمثل النقطتان الأخيرتان شرح وتوضيح الإجابة. فيجب تسويق الكمبيوتر الشخصي الذي تنتجه الشركات الضخمة التي تنفق بلايين الدولارات في هذا المجال – مجال "البحث العلمي"بحثا عن مزيد من الأرباح والأموال، ومزيد من إنتاج "الزبالة"مرتفعة التقنية. ليتم تسويقها للمستهلك "الرشيد". في هذا النموذج لا وجود للبشر وإنما يوجد "المستهلك"فحسب.

ولا بد من ازدياد التدخل والتخريب الأمريكي لضمان خضوع أسواق العالم لهذا الغول المسمى الشركات عابرة القارات ومتعددة الجنسيات. وبالتالي يجب إرهاب أي محاولة للتنمية المستقلة. إرهاب بالمعنى الحقيقي للكلمة والأمثلة عديدة تبدأ من كوبا والدومنيكان على سبيل المثال لا الحصر مرورا بفيتنام وكمبوديا ولاوس ولبنان وتنتهي في الثمانينيات بجرانادا وبنما ونيكارجوا، ولا ننسى ليبيا والعراق. والقائمة لا تنتهي. لا يهم البشر، المهم السوق.

ويتم تحويل الدخل من الفقراء للأغنياء وعلى نطاق عالمي عن طريق استيراد المواد الخام بأسعار بخسة، بل والعمل على خفض أسعار المواد الخام للحضيض، ولا ننسى في هذا الصدد الانخفاض الدرامي لأسعار البترول في بداية الثمانينيات. ناهيك عن التدهور المستمر في أسعار العملات الأجنبية التي تمثل الأوعية الإدخارية لمعظم الأمم النامية وكذلك إفلاس وتخريب المؤسسات المالية التي ترتبط بتلك الأمم. تعمل هذه الآليات من جانب، ومن جانب آخر تعمل آليات أخرى هي تصدير التقنية المتقدمة بأعلى الأسعار، وبذا تتم الدورة بإتقان شديد فبخلق الحاجة نخلق السوق ثم نضمن السوق ولو بالقهر العسكري. المهم أن الكمبيوتر ضرورة والأمية الآن هي أمية الكمبيوتر.في هذا الجو المحموم وفي إطار "التنافس الشريف جدا"بين الشركات، كان لابد من خلق سلعة جديدة لخلق أسواق جديدة، ومن المؤكد أن موضوع حاجة الإنسان وأهمية السلعة هي من الأمور الثانوية، كما رأينا وكانت السلعة الجديدة هي الذكاء الصناعي الذي عاد للساحة وبقوة.

لا يكفي الجيل الرابع فنحن لن نستطيع إيقاف التقدم ولا ينبغي لنا أن نفعل، ووجد اليابانيون ضالتهم في المدعو "ذكاء صناعي"فأعيد إحياء المصطلح وقدم في قالب ياباني نمطي، النسق الخبير.

كلنا يعرف الخبير الياباني فهو دقيق شديد الانكباب على عمله، عبد طيع لآلته يقدس العمل – ولو كان هذا الخبير آليا فلنا أن نتصور ماذا سنجني من ورائه بعد أن نلغي كل عناصر النقص الإنساني؟

4- الأنساق الخبيرة بين المقياس الكمي والتعريف الارتجاعي

"في عالم حيث التوقيت هو كل شيء، من الأفضل أن تعتمد خطتك للبقاء على أكثر من الحدس. ولذا فقد قرر الآن يوشيوكا من شيرسون ليمان هتون أن يحول خبرته إلى كم وشفرة"هكذا يقدم النسق الخبير نفسه: لا وجود لحدس أو لتفكير وتدبير لا داعي لكل هذه الأشكال من أشكال النقص الإنساني، فلديك النسق الخبير يوفر لك الوقت ويتيح لك البقاء في وسط هذه الغابة، بتحويله كل شيء إلى كميات دقيقة يمكن قياسها وتحديدها. لا وجود للخطر ولا داعي للخوف. إذن دع القلق وابدأ الحياة. أو كما يقول يوشيوكا ذاته: "يا ليتني كنت اقتنيت هذا الجهاز من قبل".وهكذا ألغي الإنساني واستبقي الآلي فتلك هي القاعدة الأولىلهذا النسق. في الواقع النسق لا يريد بشرا، وإنما يريد مستهلكين وحسب. بل إن النخبة أو القادة لا ضرورة لهم، فكل ما نريده هو المنفذون Executivesلا أهمية لتعاظم قدرات أولئك المنفذين وتزايد سلطاتهم التي تفوق قدرات وسلطات رؤساء الدولالمهم أنهم منفذوا النظام الأهم من الأفراد، وآليات النظام يجب أن تستمر ولنضحي بأي كائن في سبيلها، شكل كابوسي من أشكال مجتمع 1984 الذي حدثنا عنه أورويل وغيره.

المهم هو الدقة والنظام والربح ومزيد من الربح. النجاح هو قدرتي على مراكمة مزيد من المال. وتعريف النجاح ارتجاعي اجتراري مغلق مثل النموذج فأنا ناجح كخبير لقدرتي على بيع أكبر عدد من أنساق الخبرة، تلك التي تدربني على البيع وهكذا مزيد من الذراتية والذاتوية.

ويفخر الخبراء اليابانيون بهذا، فعدد الناس الداخلين في أبحاث وتطبيقات الذكاء الصناعي في اليابان يتزايد بشكل مستمر. ويقرب عدد أعضاء الجمعية اليابانية للذكاء الصناعي التي تأسست منذ 4 أعوام حوالي 4000 عضووتنتشر الآن أنساق الخبرة من الشركات الكبرى إلى الشركات الأصغر ويتم تعريف الأنساق الخبيرة اليابانية بأنها ذلك المنهج الذي يتيح تراكم المعرفة والحصول على المعرفة، وكذلك المناهج النوعية لبناء أنساق الخبرة والتوليد الآلي لأنساق الخبرة الموجهة لمعضلة. وهكذا يتحول الذكاء والفكر إلى تراكم كمي للمعلومات. أما الفشل فهو عادة نتيجة نقص البيانات، العيب كمي؛ تنقصنا البيانات والمعلومات، ومن ثم الحل كمي، وكما قلنا من قبل: الأصغر فالأصغر والأدق فالأدق.



يفترض هذا النموذج وجود الخبير الذي يقدم خبرته أو معرفته عن طريق المقابلة ومن ثم فهو نموذج هرمي. ولا عجب في هذا فالنموذج الأولي للكمبيوتر هو نموذج هرمي بطبيعته حيث إنه ثمة مرسل (هو صانع البرنامج) ومستخدم (هو مستلك البرنامج). ونلاحظ أيضا أن"مستخدم"هو المصطلح المستخدم في كتابات الكمبيوتر بشكل عام، وهو مصطلح يفترض الهرمية الاستهلاكية كما نرى.

إن النسق الخبير هو الوصول بهذه الهرمية إلى نهايتها حيث لا وجود لخرافة الديمقراطية هنا. إن دور "المستخدم/ المستهلك"الوحيد هو "الاستخدام/ الاستهلاك". فنحن نقدم لك الخبرة، وعليك أن تستهلك رسالة واضحة بسيطة أحادية الاتجاه.

هذا النموذج يفترض عدم وجود ظواهر مركبة، كل شيء واضح وبسيط، وثمة قانون واحد لحل كل المعضلات، والعجيب أن هذا صحيح تماما من وجهة نظر معينة. إن القانون الوحيد الذي تعترف به المدنية الغربية، ويقبله المجتمع الرأسمالي (ولكن بشكل ضمني دون إعلان) هو الربح والاستهلاك. وهو كما نرى مفهوم بسيط وحيد ذري غير قابل للتحطيم. وهو المفهوم الأساسي خلف الأنساق الخبيرة ولنلق عليها نظرة عن كثب.

كان التشخيص من أوائل استخدامات الأنساق الخبيرة. وخاصة تشخيص الأمراض ومن أنجح الأنساق الخبيرة المستخدمة في مجال التشخيص الطبي نسق خبير يستخدم في تشخيص "بعض أمراض الدم"يسمى المايسين. إنه نسق متخصص شديد التخصص كعادة النظام كله. وتحضرنا في هذا المقام نكتتان الأولى تتحدث عن ذلك الطبيب الذي خرج من غرفة العمليات ليقول للأب المنتظر بلهفة مولوده "لقد اضطررت للتضحية بالجنين وبالأم من أجل نجاح العملية".

وتحكي الأخرى عن ذلك السائح الذي ذهب لأشهر بيوت الدعارة



في أمريكا فوجد ناطحة سحاب هائلة وعند المدخل استعلامات وأمن واستقبال فامتلأ حبورا وسعادة وطلب من الاستعلامات امرأة فأخبروه أن عليه التحديد أطويلة هي أم قصيرة فقال طويلة بسعادة بالغة. فقيل له: إذن اذهب إلى استعلامات الدور السابع فذهب وسأل الموظف عن امرأة طويلة فطل بمنه التحديد أرفيعة أم سمينة.أجاب السائح: رفيعة. دق الموظف الكمبيوتر أمامه ثم أخبره: عليك الصعود لاستعلامات الدور العاشر. صعد الرجل وهو يزفر وسأل عن امرأة طويلة رفيعة فعنفه الموظف على عدم دقته أبيضاء يريد أم زنجية فقال السائح: بيضاء. رجع الموظف للكمبيوتر، ثم نصح السائح بالنزول للدور الثالث. لم يتمالك السائح نفسه وصرخ: أريد امرأة أية امرأة، فهرعوا إليه وأمسكوا به، واقتادوه للمدير الذي قال برقة: عزيزي هنا لا توجد نساء، هنا يوجد نظام.

وقد لاحظ أحد خبراء الذكاء الصناعي في معرض حديثه عن أنساق التشخيص أنه"للأسف الاهتمام يبتعد الآن عن التشخيص ويتجه نحو التخطيط والتصميم"، ويستمر قائلا: "إن مناهج أنساق التشخيص قد استقرت نسبيا، ويمكن الحصول على أداء مرض، بيد أنه لا توجد أنساق تشخيص كثيرة قيد العمل الآن، كما كان متوقعا، فعلى ما يبدو أنها ليست فعالة بما يكفي"

إن الخبير الذي قال هذه العبارة لا يدرك التناقض الداخلي فيها ما بين استقرار الأنساق النسبي، وما بين عدم كفاءتها وعدم فعاليتها. فكيف يستقر ما هو غير كفء وغير فعال؟؟؟.

إن هذا التناقض ما هو إلا تعبير عن عدم ملاحظة أن الخطأ قد لا يكمن في عدم الفعالية، بل لعله فكرة النسق الخبير ذاتها. بعبارة أخرى هذا التناقض هو تعبير عن قناعة داخلية بأن النظام دائما على حق من ثم لا سبيل لنقده أو مناقشته. فهو بديهي حقيقي لا يقبل الخطأ أو النقاش. ويروي لنا الأبشيهي في "المستطرف"قصة ذلك الطبيب النطاسي الذي اصطحب ولده لعيادة مريض، وحين دخل على المريض وجس نبضه، ونظر في عينيه قال له: "لعلك أكلت اليوم دجاجا". فأجابه المريض: "نعم أيها الحكيم"، فقال الطبيب:"لا تفعل فإنه يضرك". وبعدئذ عاد الطبيب وإبنه مريضا آخر وبعد أن قاس نبضه ونظر في عينيه قال له: "لعلك أكلت اليوم فاكهة"، فرد المريض: "فعلت أيها الحكيم". فقال هنا:"لا تفعل فإنها تضرك". وبعد عودتهما للبيت معا سأل الابن أباه: "كيف يا أبي عرفت ما عرفت؟"، فقال مفسرا: "حين دخلت بيت المريض رأيت على عتبة الدار ريش دجاج، وحين جسست نبضه أحسست وهنا في يده فخمنت ولم أجزم، وقلت له لعلك "وعند الثاني رأيت قشر الفاكهة متناثرا حول سريره وأحسست آثار العصير والحلاوة على يديه"، فقلت له: "لعلك، وخمنت ولم أجزم". وبعدئذ ذهب الابن وأخذ في يديه حقيبة كحقيبة أبيه، ونزل لعيادة مريض، وحين دخل أبصر بردعة على الباب، ثم دخل حجرة المريض، وجس نبضه ونظر في عينيه وقال له: "لعلك أكلت لحم حمار"؟ فقال المريض: "ويحك أيها الطبيب ومن يأكل لحم الحمير. فخجل الابن وعاد لأبيه وقص عليه ما حدث. فتساءل الأب معجبا وكيف خمنت هذا الذي خمنته؟ فرد الابن لما رأيت البردعة دون الحمار ظننت أنهم أخذوا الحمار، وقلت لنفس لو أنهم أخذوا الحمار وأبقوا عليه لما تركوا البردعة إذن فقد أخذوه وذبحوه، ولذا قلت للمريض لعلك، ولم أجزم، فقال الأب: لا فائدة، فأما الطب فتطبع، وأما الفراسة فهي طبع.

ولم يقل الأب العربي الحكيم بالقطع أن ثمة نقص في المعلومات، وأن كفاءة الابن "مايسين"ليست كافية بما فيه الكفاية!! فهذا النسق الكمي العياري لم يعهده ولم ينتهجه.

وهذا النسق الكمي القياسي العياري هو الذي ينتج روايات الخيال العلمي المتشائمة السوداوية مثل روح حية، ليارسيلد والمخ لبادي تشايفسكي و2001 أوديسا الفضاء لأرثر كلارك وغيرها، حيث المصير القاتم ينتظر البشرية ولا مهرب ولا مفر. وبالطبع فهذا متسق تماما مع فكرة الكم والانغلاق والقياس، فكل شيء محسوب وحتمي وإلزامي، ولذا نجد مثل هذا الجدول الاستقرائي السخيف المتهافت في نهاية كتاب صورة مستقبلية لأرثر كلارك، حيث يتوقع الخلود بحلول عام 2100 . يكمن خلف هذا الكم من السخف نسق الغائية التنافسية، حيث لابد أن تكون العلاقات بين الأشياء هي علاقات سبب ونتيجة، وحيث المنافسة القاتلة هي القانون الوحيد الذي يسري على الجميع.

وينبني منطق الأنساق الخبيرة على ما يعرف باسم آلات الاستنباط وهي مثل عبارة "الابن مايسين"الأخيرة تقوم على معادلة لو/س...إذا/ ص...

بافتراض ارتباط حدوث ص بوقوع س دائما، وكما نرى يفترض هذا النموذج التبسيطي وقوع كم محدود من الأحداث، وكذا أن العلاقة بين الحدثين داخل النموذج تظل ثابتة لا تتغير في كل الظروف، ولا تدخل فيها عوامل شخصية سواء كانت هذه العوامل طريقة النطق أو الشعور الخاص في لحظة معينة. باختصار يفترض النموذج انتفاء هذا العنصر الإنساني والذي يدعوه العنصر الذاتي. وكمثال على النتائج المبهرة التي يحققها هذا النموذج ما حدث في تنبؤات الكمبيوتر ي نهائيات كأس العالم بإيطاليا 1990. فلقد توقعت الأنساق الخبيرة فوز الأرجنتين على الكاميرون، وفوز هولندا على مصر 8/1، وليس هذا فقط، فقد حدد النسق الخبير من سيسجل الأهداف، ومتى سيسجلها. وبالطبع لم يحدث هذا فقد فازت الكاميرون على الأرجنتين، وتعادلت مصر مع هولندا، ولكن من يهتم ومن يسأل، المشكلة هي نقص المعلومات، ولم يقل أحد أن من المستحيل التنبؤ الدقيق بنتائج الألعاب الرياضية، وأن الكرة بالذات يحكمها الغموض والترقب والحالة الذاتية.

ولذا تبقى أساس معضلة الغموض Fuzziness، كيف يحلها النسق الخبير؟ بعبارة أخرى ما هو الحد الذي يعتبر عنده النموذج موضوعيا وليس ذاتيا على سبيل المثال، فيما يخص اللغة نجد عملية طبخ اللغات الطبيعية أو إعادة صياغتها لتلائم الجهاز الناطق للكمبيوتر. إن الحل الذي يقدمه الذكاء الصناعي وخبراؤه الأفذاذ هو ببساطة التجاهل التام ودفن الرأس في الرمال (كما رأينا تلك هي الآلية المعتادة) الغموض في رأيهم غير موجود، لماذا لأن اللغة بسيطة وليست معقدة، جامدة وليست متغيرة – إنها بنية سطحية تمثلها لوحة مفاتيح الكمبيوتر، وبنية عميقة تمثلها أجهزته الداخلية، وخاصة المجمع Assemblerالذي ينتهج اللغة الثنائية، ولكن بالرجوع لأصل هذا الكلام عند تشومسكي صاحب النحو التوليدي وفارسه الأول نكتشف أن العلاقة بين البنية السطحية والبنية العميقة ليست بالبساطة التي تقدم لها. فالبنية السطحية تقدم إسهاما كبيرا في صياغة تحولات المعنى ذاتها، ولا يقتصر إسهامها على الجانب الصوتي فقط.

وسنوضح هذا باستخدام مثال من القرآن الكريم: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم) (التوبة/31).

إن البنية السطحية للنص قد جعلت كلمة المسيح المنصوبة معطوفة على أحبارهم ورهبانهم، وليس على لفظ الجلالة، فالقرآن يربأ بأن يجعل من المسيح نبي الله في منزلة الأحبار والرهبان، وينزهه أيضا عن خطيئة ادعاء الربوبية، ومن ثم فالفصل بشبه الجملة "من دون الله"يهدف إلى التنزيه والإجلال كنوع من الأدب والذوق الرفيع. وهي كما نرى عناصر لا تقاس ولا يمكن إدماجها في البناء الموضوعي لهذا النسق التبسيطي. لو أن المنطق التبسيطي الذي يفترض أن كل العلاقات من المرتبة الأولى هو المستخدم في تحليل النص القرآني الكريم لاختل البناء تماما وتغير المعنى تغييرا شاملا وخطيرا.

ويفترض إمكانية تجاوزه بذلك الثراء الديناميكي الكامن في اللغة الإنسانية، هذا الثراء الذي يؤدي للإبداع المستمر في استخدامنا اليومي للغة كنسق معرفي إنساني اجتماعي. إن هذا الجانب الإبداعي للغة الإنسان العادية هو أحد العوامل الرئيسية التي تميز اللغة الإنسانية عن أي نسق معرفي إنسان اجتماعي. إن هذا الجانب الإبداعي للغة الإنسان العادية هو أحد العوامل الرئيسية التي تميز اللغة الإنسانية عن أي نسق معروف للاتصال بين الحيوانات.

هذا الإبداع الإنساني الحياتي هو الذي يجعلنا نلعب ونتسامر ونضحك ونغش أُناء اللعب ونغضب. أي باختصار نمارس إنسانيتنا.

فلو ذهب الطفل للمدرسة فوجد النسق الخبير يعلمه، وعاد للمنزل ليجلس أمام الكمبيوتر ليلاعبه، ثم دخل للنوم فوجد الإنسان الآلي يرعاه، فمتى سيتعلم أن يكون إنسانا؟

وبمنتهى الوضوح دعونا نتساءل ما هي العلاقة التي توحد بين اللعب مع الكمبيوتر، وبين الشراء والبيع وبين تشخيص المرض؟

فلو افترضنا عدم وجود النموذج الهرمي الذي ذكرنا، وعدم وجود القانون الذري الأساسي وهو الاستهلاك والربح، فما هي العلاقة السحرية التي تمكن تلك الآلة الذكية من اكتشاف القانون الموحد الذي يحكم هذه الأنشطة؟

5- خاتمـة: الحاسوب في بلاد الجنوب

توقع المؤلفان"فجنباوم"و"مكوردكس"في كتابهما الجيل الخامس و(الذي يحمل العنوان الفرعي الذكاء الصناعي، التحدي


الياباني بالكمبيوتر للعالم)، توقعا أن تكتسح اليابان سوق الكمبيوتر في العالم لتقدمها في مجال الذكاء الصناعي وتوقعا وصولها لابتكار ما سموه "الجيل الخامس"، أو الجيل الذكي المفكر من تلك الآلات، وهما يدافعان عن النموذج الأمريكي المترهل في مواجهة النموذج الياباني الدقيق المنضبط مستخدمين الآلية الدفاعية القديمة: الثقافية والحساسية والفن في مواجهة التجارة والسوقية والبيع، هي آلية استخدمتها أوروبا من قبل عند انتقال مركز الثقل لغرب الأطلنطي والعنوان ذاته، كما نرى حربي وعسكري وتنافسي وهو يضع اليابان في مواجهة العالم أي يستعدي العالم ضمنيا على اليابان.

ورغم توقع المؤلفين المتفائل، إلا أن ما حدث غير ما توقعا، فلا تزال الأماني أكبر من الواقع، وما يزال الخيال مستحيل التحقيق، ولم تخرج إلى الوجود بعد تلك الآلات المفكرة الذكية من الجيل الخامس ويبدو أن ولادته المتعسرة ستستمر متعسرة. (وماتزال متعسرة حتى الآن بالرغم من مرور 18 سنة)

ونود أن نوضح في الختام لماذا استخدمنا مصطلح "الكمبيوتر"كما هو دون أي من الترجمات مثل الحاسوب والحاسب الآلي، وقديما العقل الالكتروني...إلخ.

إن ترجمة هذا المصطلح توضح أساسا التحيز والسيطرة التي نرزح تحتها. التحيز اللغة أجنبية بعينها وسيطرة تلك اللغة الغازية علينا. فلماذا الحاسوب وليس المنسق من الفرنسية Ordinateurولماذا لا نجد كلمة وظيفية تعبر عن هذه الآلة المخزنة للبيانات مثل حافظة المعلومات أو غيرها..

إن استخدامنا لمصطلح الكمبيوتر الشائع على لسان الناس هو من قبيل أهون الضرر فشيوع اللفظ على ألسنة الجمهور وتداوله يعني قبوله واستساغته ولا يعني الرضوخ لسيطرة اللغة الغازية.

إننا ندعو لإعادة النظر في المصطلح وإعادة النظر في كافة المفاهيم والمصطلحات التي تقدم إلينا على أنها بديهيات لنبتلعها.

الحاسوب في بلاد الجنوب

في الختام نقول إن النظرة السائدة في بلادنا تجاه الكمبيوتر تتميز بجعله نوعا من الميتافيزيقا الجديدة فهو لغة العصر وهو "العقلانية الجديدة"التي تنظر للأمور في كلياتها ولا تلقي بالاً للحدود المنقطعة بين العلوم والقائمة طويلة..

إن المنطلقات التي تنطلق منها تلك النظرة السائدة تتماشى تماما مع ما دعاه د. عبد الوهاب المسيري "اعرف عدوك وأشعر بالهزيمة"، فهي تنطلق أساسا من افتراض أن لا سبيل للتقدم إلا بانتهاج نهج الغرب المتقدم، مفترضة ضمنيا أن التقدم خطي وإلزامي وحتمي، وأن النموذج المعرفي ثابت في كل مكان وزمان، وبالتالي فهي تفترض عدم وجود خصوصية حضارية للمنطقة.

إن المفهوم الكامن خلف تلك النظرة في رأينا هو الابتلاع وهو مفهوم يوضح العملية بجلاء فنحن نبتلع كل ما يقدم لأنه بديهي ولا سبيل للتقدم بدونه ونبتلع دون فهم ودون مضغ، فالمهم أن نلحق بالركب.

نحن لا نقبل بل نبتلع. القبول مفهوم مختلف في رأينا، فهو يتضمن الرفض وبذا يشمل الاختيار، ومن ثم التفكير، وتلك مرحلة عليا تفترض أننا بشر وتفترض أيضا التزام النموذج التفسيري الديني حيث الحقيقة المطلقة خارج نطاق إدراكنا العقلي أو المادي، بسم الله الرحمن الرحيم (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) (الأنعام /103) "صدق الله العظيم"

لكنه في نطاق معرفتنا الروحية كما يقول عبد الرازق الكاشاني:"الروحانية هي جوهر العقل"، قديما قال صالح بن عبد القدوس:

وإن عنـــاء أن تفهـــم جاهلا ويحسب جهلا أنه منك أفهم

متى يبلغ البنيان يوما تمامه إذا كنت تبنيه وآخر يهــدم

دعونا نتساءل معا: ما هي حاجتنا كأمة لكل هذا اللغو ولكل هذه الغثاثة، وهل هناك ضرورة حقة لكي يمتلك كل منا كمبيوتره؟ بل دعونا نتساءل كذلك. ماذا سنجني كبشر من هذا وماذا يقدم لنا هذا الجهاز في إطار منظومتنا التفسيرية الأخلاقية الاجتماعية المبنية على الود والتراحم والحب والقبول.

بسم الله الرحمن الرحيم:"ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا" (الإسراء/ 11).

بسم الله الرحمن الرحيم: "كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال" (الرعد/17) صدق الله العظيم.



Viewing all articles
Browse latest Browse all 80